دور الكنيسة الكلدانية في النهضة القومية الكلدانية المعاصرة 2-2
يعاني شعبنا الكلداني اليوم في بلده و موطن اجداده من اضطهاد مركب ، سياسي و قومي و ديني ، هذا الإضطهاد تمثل بالقتل و التهجير و تفجير الكنائس و مسخ تسميته القومية و الإستيلاء على حقوقه السياسية و القومية في التمثيل الحكومي و البرلماني كشعب اصيل ساهم في بناء حضارة هذا البلد منذ اكثر من 7000 سنة.
لذا فعلى كافة مؤسساتنا الكلدانية ان يكون لها خطاباً واضحاً و ان تتخذ موقفاً موحداً تجاه هذه الإضطهادات المستمرة للحفاظ على حقوقنا و وجودنا، و في مقدمة هذه المؤسسات هي كنيستنا الكلدانية لما لها من مكانة مرموقة و متميزة عند الشعب الكلداني و العراقي عامة .
ان استبعاد الكنيسة الكلدانية من أن يكون لها رأيها و رؤيتها حول الأمور السياسية و القومية التي تخص ابناء شعبها ليس في صالح الأمة الكلدانية ، و انما اصبح هذا الإستبعاد خطراً على مصير هذه الأمة بعد ان تكالبت كل الأعداء عليها بهدف إذابة هويتها القومية و إخراجها من المعادلات السياسية ، و بعد ان باتت كل الكنائس الأخرى ( كما وضحنا ذلك في الجزء الأول من المقال) حولنا تتعامل مع السياسة و أمور شعبها بشكل يومي حفاظاً على مستقبلها و مستقبل رعيتها و شعبها.
لكنيستنا اسمها الواضح و انتمائها المذهبي و القومي المعلومان ، فهي كنيسة كاثوليكية المذهب تخص الشعب الكلداني ، اي ان لها خصوصية مذهبية و أخرى قومية كلدانية ، فإذا تم تشويه ومسخ ثم إلغاء هويتنا القومية من قبل اعداء الشعب و الكنيسة ، فلن يبقى من خصوصية الكنيسة سوى المذهب الكاثوليكي ، و بهذا سيكون سيان عند الفرد أو العائلة الكلدانية ، من الإرتباط بأية كنيسة كاثوليكية أخرى سواءاً في الوطن او في المهجر من أجل ممارسة طقوسهم الدينية ، وبذلك تكون الكنيسة قد فقدت دورها المهم الجامع لأبناء الشعب الكلداني.
فهل انتبهت الكنيسة و رجالها الأجلاء الى هذا الخطر الذي سينجم جراء التلاعب بهويتنا القومية من قبل الآخرين؟
صحيح ان رجل الدين الكلداني له واجباته الدينية و التزاماته الكنسية ، لكن في نفس الوقت فهو إنسان له انتماؤه القومي ، و قد يكون له اهتمامات فكرية و ثقافية و فنية كأي انسان آخر ، وهو أيضاَ فرد في المجتمع يتأثر بكل ما يجري حوله من أحداث سياسية و ثقافية و اجتماعية ، لذا فليس من الصحيح وضع الحصار على آرائه و أفكاره التي تخدم شعبه في خضم الأحداث و المستجدات المتعاقبة ، و التي قد تؤثر ايظاً على كنيسته بصورة مباشرة او غير مباشرة أيضاً . و عليه فإن حصر رجل الدين الكلداني ضمن محيط الكنيسة و الإصرار على هذا النهج ، أصبح لا يتماشى مع متطلبات هذا العصر و وسط كل هذه التحديات التي تحوم حول أمته ، بالإضافة الى كون الأمر مجحفاً بحقه كإنسان له دوره في المجتمع، وبالنتيجة فإن دور الكنيسة في المجتمع سيتناقص تدريجياً من خلال تحديد دور رجالها و من ثم سيتقلص هذا الدور الى ان يصبح دوراً رمزياً مقارنة بالكنائس الأخرى و رجال دين الأديان الأخرى، في الوقت الذي يفترض ان يكون رجل الدين الكلداني الأكثر نشاطاً و تفاعلاً مع الأحداث في هذه الظروف الإستثنائية.
و ختاماً نقول : وسط كل هذه التحديات و الهجمات الشرسة التي يتلقاها شعبنا الكلداني ، افراداً و مؤسسات ، و التي تهدف الى طمس هويته القومية الأصيلة و التي تفتح الباب على مصراعيه للتدخل في شؤونه الداخلية ، و تشتيت صفوفه ، من أجل تمكينهم من سرقة كافة حقوقه القومية و السياسية كمكون أصيل في بلده ، و استمرار السيطرة على مقدراته و مستقبل ابنائه ، الكنيسة الكلدانية مدعوّة اليوم اكثر من أي وقت مضى الى تفعيل دورها الريادي و التدخل بكل قوتها كممثل شرعي عن هذه الأمة ، بتعاونها الجاد و المباشر مع مؤسساتنا القومية و السياسية و الثقافية من أجل رسم خارطة طريق واضحة لمستقبل الشعب الكلداني في الوطن و العالم ، و مطالبتها بحقوقنا القومية و السياسية المشروعة في العراق.
و على الرغم من ان بعض رجال الدين الأجلاء قد انتبهوا الى هذا الأمر و بدأوا بخطوات عملية و حسب امكانياتهم المتواضعة في دعم المسيرة القومية الكلدانية ، وهذا أمر مفرح و يدعونا الى التفائل حقاً ، الا ان هذا الدعم الفردي لا يكفي و لا يفي بالهدف المنشود من أجل النهوض بهذه الأمة ، بل المطلوب هو التحرك الشامل للكنيسة الكلدانية كل قياداتها و كل رجالاتها.
ان المرواحة و التأخير عن اداء دورنا كأفراد و كمؤسسات لن يثمر غير الندم و ضياع آمالٍ مشروعة في زمن بات الكل يطالب بحقه و يحدد مصيره.
و ما ضاع حق وراءه مطالب.
سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com