المحرر موضوع: ألأموات لا تذرف الدموع ـ فصل 3 ـ رواية  (زيارة 1270 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نذير حبش

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 61
    • مشاهدة الملف الشخصي

                                                       ألأموات لا تذرف الدموع
                                                                   رواية

ألرواية التي تجسد "عدم الفاعلية " عدم فاعلية الدول ، ألمؤسسات والأشخاص، تروي تاريخاً ، يقول مؤلفها ((أروي تاريخاً ، لا أؤرخ لرواية .ص5)) ، تستغرق الرواية الفترة من آذار 1991 إلى ديسمبر 2002 ، تدور أحداثها في العراق، سوريا (سجن مخابرات فرع فلسطين ومعسكر عذرا للمخابرات ومخيم أبو الهول )، لبنان، هولندا  وأماكن أخرى.
طبعت طبعة خاصة في حزيران 2004  بحجم متوسط 556 ص. نشرها يتطلب موافقة المؤلف/الناشر، ومن يخالف ذلك يكون تحت طائلة المسؤولية.

لمن كنت كبشاً يا عراق !؟!
أَكنت أُضحية (عن) إسحاق ، لمن كنت كبشاً يا عراق ، لأهل المال والقوة ، أم من أجل النقمة السوداء، كي تتدفأ أجساد أولئلك اللذين يمارسون الجنس المتطرف ، أم من أجل أولئك الحكام اللصوص، ألمدعين عروبةً، كي لا ينفضح أمرهم ويخسرون المال والسلطة ، أم من أجل كلمة تخلّت عنك قلب العروبة ، أم من أجل هؤلاء جميعهم !؟! (إستهلال ص4)

إذا بشّرت بما رغبت الناس به رقّوك نبيا ، وإن دعوت إلى ما خالف ميولهم فأنت الرجيم. (من المقدمة ص5)

                                                  فصل 3
على طول شارع البلدة الرئيسي ، الذ يطوق القصبة القديمة كما ألإسوارة المعصم ، تراصفت جموع من أهل البلدة على جانبي الطريق، ليس لتحي إحتفالها الديني السنوي للعيد ، يوم الشعانين، رغم مصادفته اليوم ، إنما وقفت قاسية الوجوه ، تنتظر قدوم فاتحة قتيل ليُوارى مثواه ، ولتودعه الثرى. فقد سقط قتيلاً من جراء الحملة المضادة لقهر الإنتفاضة ، التي انطلقت من عدة مدن من مدن العراق، ألبصرة ، ألنجف  وكربلاء ، حيث كان يؤدي واجبه الوطني ـ حسب قائد الأمة ـ جندياً في الجيش ، بعد أن زج ("ز"سيف العرب وباني مجد الأمة صدام !!) في أتون الجحيم. صفحة 16

قطرات سوداء ، أم أشباح هائمة على وجوههم ، قد أمطرتهم سماء ذلك اليوم الكئيب ، توشحوا السواد ، يتبعون نعشاً بتثاقل ، كجيش منهك خارج من معركة للتوّ ، مهزوماً ، يُساق تحت أمرة العدو إلى معسكرات الأسر. أم جمع من أشباح في موكب جنائزي من مواكب بابل القديمة يحملون أضحية للإله إرضاءً ، وتجنباً لغضبه ، يتضرعون إليه من أجل الصفح عن خطايا لم يرتكبوها ، يرتّلون صلواتهم المبهمة ، التي صاغها الإله ذاته لهم ، وفي سرهم يأملون أن يكون هذا النعش آخر أضحية تقدم قرباناً للإله !؟!

صوت منادٍ ينتزعه من عالم الخيال، ويبدو أنه كان قد طال رجاءه من أجل فسح المجال له بالمرور. ينتشل (راجي) من عالمه ليجد أن الحافلة قد توقفت لتفسح الطريق لمرور فاتحة الفقيد. وأثناء ذلك انتهز بعضهم الفرصة لصعود الحافلة.
((من فضلك ، إذا أمكن...)) ، تفضل ولكن إلى أين ، لا مكان لتضع قدمك ؟!
بدهشة واستغراب دون أن يحول راجي بصره الهائم، فهو غارق في عالمه الداخلي.
راجي المنشيء ؟
بعد أن دقق النظر تعرف عليه ، أحد زملاء الدراسة لراجي ، فيلقي تحية الزمالة ، بعد غيبة طويلة ويعبر عن اندهاشه .. أين أنت ؟! إعتقدت أنني لن أراك ثانية ، خاصة في هذه الظروف..تغيرت ملامحك كثيراً !

أهلاً ..ماجد ؟!

بعد أن التفت راجي بتثاقل واضاح ، فقد كانت تلك الدقائق الغالية والقاسية في الوقت ذاته بالنسبة لراجي ثمينة جداً، بحيث إقتحام عالمه حينها من أي شخص كان ، لكان يؤكد مقولة ذاك الفيلسوف الفرنسي ((ألآخر هو الجحيم)).
وهل أنت الذي لم تتغير ملامحك ؟! دون أن يبدي راجي إهتمام كبير بالضيف الطاريء ، الذي اقتحم عالمة في وقت غير مرغوب فيه.. أنا أيضاً لم أتعرف  عليك..أين تلك الإبتسامة التي لم تكن تفارقك..وشعرك الأبيض هذا ! دعنا من كل هذا وقل لي ، لماذا هذه الجموع محتشدة هنا ؟ حسب خبرتي ، أن الشعانين لا تغلق هذا الشارع.
وببغائية وتلقائية ، كان جوابه حاضراً كبديهية يرددها معظم أفراد المجتمع (( معك حق، هؤلاء ليسوا من أجل السعانين ، إنما هي فاتحة شهيد)). (صفحة17)

شهيد ؟! من يكون ، وأين استشهد هذا البطل ؟! أشو كلهم صارو شهداء ! ما تكلي إحنا يانوع من الشهداء ؟! (أرى كلهم أصبحوأ شهداء ! ألا تقول لي نحن أي نوع من الشهداء ؟!)، بسخرية وتهكم  باد ، وبصر راجي يرقب مشهد الجموع المحتشدة ، التي أغلقت الشارع وملأت الأرصفة ، يراهم كتلاً من غير وجوه.

صبري...صبري بولص ، إستشهد في قاطع كربلاء. ببرود وعدم اكتراث للحدث الذي بات معتاداً على مدى سنوات.
في قاطع كربلاء ، وتسميه شهيداً ؟! أيوجد شخص يحارب أخاه ويسمى شهيداً ؟ يبدي راجي امتعاضه من جهل أمة عدد مدارسها فاق تعداد شعبها !
لقد تعودنا على قول ذلك ، يردف ماجد .. كل من يموت هو شهيد ، وقد أدرك ماجد أن راجي لا يشاركه عالمه.

ألتعود وإبطال العقل عن عمله تلك هي لعبة الكهنوت، وتلك كانت وما زالت هي المصيبة !
أشاح راجي بوجهه عن زميل الدراسة ليتابع المشهد المأساوي، وليهرب من هؤلاء الحمقى اللذين كثيراً ما يلقي راجي عليهم اللوم ، على ما وصل إليه حال الوطن. يلوم عليهم قلة وعيهم، فألف طريقة وطريقة لرفض طغيان فرعون العراق (صدام) . وازداد قناعة بما هو مقدم إليه ، وازدادت عزيمته قوة لترك الوطن ، قبل أن يجبروه على المشاركة في حرب أهلية.

جمع من الشباب يحملون نعشاً على أكتافهم ، قساة الوجوه يتثاقلون الخطوة ، أبصارهم مستقيمة لا تحيد يمنة أو يسرى، كأنه موكب من شخوص على مسرح إغريقي، يسيرون بحزن مقطبي الحواجب بصمت مهيب. كم نعشاً حملوا على أكتافهم ، كم صديقاً فارقوا ، ألأنهم كانوا قد تعودوا على الأمر من خلال (صفحة 18)حرب الثمان سنوات مع إيران ، أيعتبرون أنفسهم أموات كالمسجى داخل النعش ، أم هو حزن على الفقيد ،  أم أنهم يحسدونه على راحته الأبدية !؟!
كعادة أهل البلدة ، يشارك كل من يسمع بوجود فاتحة فقيد. يتبعهم عدد غفير من نظرائهم من بني جيلهم ومن كبار السن، ألنساء والرجال. ألنساء بزيهن القديم ، زي بلاد الرافدين ، وقد وضعن الشال الأسود على رؤوسهن. ألشال من الصوف الغير المهذّب بالكيميائيات الحديثة، ألمغزول بالمغزل والمنسوج بالنول الخشبي. يسرْن ورؤوسهن منكسة ، من لها باقٍ من الدموع تذرفها ، واللائي  جففن دموعهن إكتفين بالتمحلق الأبله، كي يكتمل ذلك المشهد من مأساة إغريقية.
لا يفوتهن فرصة النواح وبالأخص تلك الأمهات اللواتي كانوا أولادهن قد سبقوا الفقيد المحمول على النعش إلى مثواهم. يجدْنها فرصة للنواح ، وما أكثرها من فرص في عهد صدام ! توشحن السواد كمسماء ذلك اليوم نفسه ، وجوّ الحياة ، في بلدٍ  لو هييء جمْع الدم المهراق على أرضه ، لكون نهراً من الدم ، ولَمَا سُمي ببلاد الرافدين ، بل لتحول إسمه إلى : بلاد نهر الدماء .
من أيام اليد الأجنبية ، يد هولاكو الهمجية ، مضافاً أهل البلد أنفسهم ، فتلك موقعة كربلاء ، وهذا الحجاج ، والشواف ، وموقعة السميل ، وحرب الثماني سنوات، وها هي حرب القيامة ! أو ماسموها خطأً ، بحرب الخليج الثانية.
أما الرجال فقد أدركوا الشيخوخة قبل الأوان ، يمكن وصف قسماتهم وطول أو قصر قاماتهم ، عدا تحديد أعمارهم. حفرت ألأحزان أخاديدها والأهوال نقوشهاعلى سماتهم، غارت عيونهم ، إحدودبت ظهورهم ، هم الآخرون لا يجدون أي دافع لغير الصمت ، وإن نبسوا ببنت شفة فليس إلاً ليتمتموا مع أنفسهم بتمتمات مبهمة وغير مسموعة. فقد عاصروا الملك سنحاريب وهو هائم على وجهه ، وبيده اليمنى سيفه البتار ، يلعن كل ما ما يلاقيه في طريقة ، كعادة كل الملوك (صفحة 19) الحمقى ، اللذين يثقون بسيوفهم أكثر مما يثقون بقدراتهم العقلية ، ويثقون بغرائزهم أكثر من ثقتهم بآلهتهم. بعد أن كان قد قتل إبنه  الأمير بهنام وأخته سارة ورفاقه الأربعين، كما هو متعارف عليه في الذاكرة المسيحية ، عاصروا ملك العراق وهو يُذبح ، شوارع الموصل مخضّبة بالدماء ، و ، و، و ، .....وإلى يوم القيامة !
       يتبع الفصل 4