المحرر موضوع: قاهر الظلام او عازف الكمان جــــــــــورج بهنــــــــــــــــام  (زيارة 2425 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بهنام شمني

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 6
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قاهر الظلام او عازف الكمان
جــــــــــورج بهنــــــــــــــــام


بهنام شابا شمنـّي

كانت عائلة السيد بهنام سليمان بينو جوجانا البرطلية تغمرها السعادة يوم ولادة طفلها جورج في احد ايام بغداد الصيفية من سنة 1941 ، سيما وهو الابن البكر للعائلة ، شاءت الظروف ان يصاب الوليد جورج بداء في احدى عينيه وهو بعمر ستة اشهر ، ولسوء العلاج وقلته بل انعدامه في ذلك الزمان بالاضافة الى الوضع المادي السيء للعائلة والذي كان سببا لهجرتها من برطلة الى بغداد سنة 1934 بحثا عن الرزق والعمل ، كل هذه كانت سببا في فقدان الطفل جورج لنعمة البصر في احدى عينيه .
عاش السيد جورج طفولته بصورة طبيعية ، يشارك اقرانه واصدقائه في لعبهم ولهوهم في ازقة المحلة ، لم يشعر بالفرق الفسيولوجي بينه وبين اقرانه الا بعد ان اصبح في عمر الدخول الى المدرسة ، عندها كانت الصدمة حيث لم يستطع مشاركة اصدقائه في الجلوس على مقاعد الدراسة ، لكن ذلك لم يمنعه من متعة التعليم فدخل في سنة 1954 معهد الملكة حُـزَيمة للمكفوفين في بغداد وهو بعمر ثلاثة عشرة سنة ، في هذا المعهد كانت بداية عازف الكمان جورج بهنام جوجانا مع الموسيقى ، فبالاضافة الى المواد المنهجية كانت الموسيقى ومهن وحرف اخرى من ضمن المواد المنهجية في المعهد ، كان درس الموسيقى من الدروس الاساسية في ذلك المعهد ولامتلاكه اذنا موسيقية زاد من اهتمام الطالب جورج بالموسيقى اكثر من اهتمامه بالمواد الاخرى ، اختار آلة الكمان وفضلها على باقي الالات الموسيقية الاخرى واحسها قريبة من نفسه اكثر من غيرها ، في هذا المعهد تعلم اصول الموسيقى ومبادئها ، فزاد اشتياقا وولعا بها ، سيما وكان في المعهد مدرسون اكفاء امثال الاستاذ بهجت فارديان الارمني الذي تخرج على يديه موسيقيين كبار ومساعده الاستاذ علي مردان .
تخرج الطالب جورج بهنام من معهد المكفوفين في سنة 1958 وهو يحمل مواصفات العازف الحقيقي ، لينطلق بفنه الى سوح العمل الموسيقي ، فاخذ يشارك الفرق الموسيقية في العزف مع المطربين والمطربات في حفلاتهم متخذا من ذلك مصدر رزق له بالاضافة الى ارضاء شغفه بالموسيقى .
لم يكتفي بالعزف في الحفلات ليكون مصدر رزقه الوحيد بل استغل ساعات النهار ، فعمل في احدى شركات القطاع الخاص حيث كان ذلك في سنة 1962 واستمر فيها حتى تقاعده منها في سنة 1991 .
بعمله الثاني هذا اصبح مهيئا ليؤسس عائلة وبيتا فتزوج في سنة 1966 وهو بعمر 25 سنة من السيدة شوشي توما يوسف بينو جوجانا ، التي كانت العون والرفيق الامين خلال حياتها .
في سنة 1976 تعرض السيد جورج الى حادث اثناء العمل افقده عينه الاخرى مما جعله ان يعيش باقي حياته وهو كفيف لا يبصر شيئا .
كانت العائلة المستمع الاول الى موسيقاه ملاقيا كل التشجيع منها على مواصلة العمل والعزف كفن وكوسيلة لتامين متطلبات الحياة الصعبة ، فكان ثمرة ذلك ابناء ناجحون في حياتهم ثلاثة منهم مغتربون والابنة الاخرى ترد الدين تجاه والدها بتلبية متطلبات حياته بعد رحيل شريكة حياته .
اقتصر نشاط عازف الكمان جورج بهنام في الموسيقى على العزف فقط ، لكنه في السبعينيات من القرن الماضي وبعد تاسيس النوادي الاجتماعية للناطقين بالسريانية ، انشأ ابناء برطلي في بغداد ناديا اجتماعيا حمل اسم نادي الرافدين الاجتماعي ، حمل فيما بعد اسم نادي عشتار الاجتماعي .
أُنشأت في هذه النوادي فرقا فنية ، وباعتبار السيد جورج عضوا في نادي الرافدين ن أسس فرقة فنية للصغار ، كان هو من يقوم بتلحين اناشيد واغاني هذه الفرقة والتي كانت بالسريانية والعربية واغلبها اناشيد واغاني وطنية .
في سنة 1982 تفرغ عازف الكمان جورج بهنام من عمله في الشركة للعمل في اتحاد نقابات العمال ، حيث طلب منه الاستاذ صباح عطوان الكاتب العراقي المشهور حينها كان مسؤولا عن قسم الفنون في الاتحاد بتشكيل فرقة موسيقية خاصة بالاتحاد فاصبح رئيسا للفرقة وبقي كذلك حتى سنة 1988 .
عمل عازف الكمان جورج بهنام في فترة نشاطه مع الكثير من الموسيقيين المشهورين من مثال عازف الناي خضر الياس وعازف القانون خضير الشبلي وعازف الكمان فاروق محمد وعازف العود محمد فاضل .
عمل ايضا مع فرقة الاذاعة ومع الكثير من مطربيها من امثال فاضل عواد وسعدون جابر وياس خضر وحميد منصور ورياض احمد وكريم محمد ، ومع مطربي الريف من امثال داخل حسن وفرج وهاب وعبادي العماري وغيرهم . ومع المطربات امثال غادة سالم وامل خضير ومائدة نزهت ولميعة توفيق واحلام وهبي ، ومع الكثير الكثير من المطربين والمطربات عمالقة زمانهم.
عمل ايضا في برامج التلفزيون وبالتحديد في برنامج ركن الاطفال الذي كان يقدمه الاستاذ فاروق عبدالحق في بداية الستينات من القرن الماضي حيث كانت له فقرة موسيقية خاصة به في البرنامج .
والان وبعد ان اخذت السنين من حياة عازف الكمان جورج بهنام الشيء الكثير الا ان الموسيقى اصبحت مرافقة لكيانه ، لم يفارقه الكمان ابدا اينما رحل وتنقل ، فهو يلتجيء اليه كلما زاد حنينه للموسيقى يعزف في وقت فراغه وفي الجلسات العائلية وكلما طلب منه ذلك ليضفي على الجلسات حيوية وفرحا وفي المهرجانات والمناسبات التي تقام في برطلي ، فيمسك بالكمان  ليداعب بانامله اوتاره مداعبة عازف محترف سوى ما اخذ منه العمر خفة حركة الاصابع ، ودائما ما يعزف لام كلثوم وعبدالحليم حافظ وما ياتي في ذهنه من تقاسيم ومقطوعات موسيقية لموسيقيين كبار .
اقتنى خلال حياته من آلة الكمان خمسا واول كمان اشتراه من ماله الخاص كان في سنة 1960  الماني الصنع وبسعر ثمانية دنانير ، بعدها تناوب في اختيار انواعها وتبديلها حتى بقي بآخرها قدم له هدية وهو في سوريا .
لم يقتصر عزفه على آلة الكمان فقط بل اتقن العزف على آلة العود ايضا ولكنه فضل الكمان لانها اول آلة اختارها واعجب بها وهو في معهد المكفوفين ليكون اختصاصه .
لم يكن الفنان جورج بهنام بعيدا عن المواقف المحرجة التي طالما يتعرض لها الفنانون والرجال المشهورين ، ففي احد الايام وفرقته الموسيقية تسجل اغنية في الاذاعة ، وبعدما اخذ العازفون اماكنهم في الفرقة واول ما بدأت الفرقة تعزف انقطع وتر آلة الكمان للعازف جورج فلم يعد بامكانه اكمال التسجيل مما اضطره للخروج لاصلاح وتر آلته الموسيقية وعندما عاد كانت الفرقة قد اكملت التسجيل وسجلت الاغنية دون حضوره .
عاش السيد جورج جزء من حياته كريم العين يقوم بواجباته ومهامه على اكمل وجه فكان يقود السيارة دون ان يعيقه عوقه ، لكن بعد فقدانه لبصره بالكامل لم يثنه ذلك من مواصلة حياته فكان آخر ابنائه الذي لا يعرف شكله ، لكن مع ذلك استمر السيد جورج في مقارعة الحياة وصعوباتها ومشاكلها وفي القيام بواجب رب الاسرة واعالتها دون ان يمد يده لاحد .
عاش حياة طبيعية كاي انسان كامل بل فاق الكثير منهم حتى اصبح يضرب به المثل ، يتنقل في شوارع بغداد المزدحمة يخرج الى العمل صباحا ، يستقل سيارة الاجرة ، يرجع الى منزله ليلا بمفرده والبسمة تعلو وجهه ليرسمها على وجوه افراد عائلته ، وقف بوجه القدر ليعيل اطفاله الصغار وعائلته حتى اضحوا شبابا ناجحين ثم رجالا اسسوا عوائل ، يفتخرون بابيهم الذي اضنى حياته بالرغم من عوقه في سبيلهم ، بل هو مفخرة للانسان المجد والمكافح والطموح الذي لا يرضخ للقدر .
لم يقبل ان يعيش على هامش الحياة ، قام بواجبات رب الاسرة ، يمتلك من الصفات والموهبة ما لا تتواجد في الكثير من الرجال ، فاصبح شخصا معروفا ، طيب المعشر ، حلو اللسان ، سريع البديهة ، يستأنس الناس بمجالسته ، يمارس هواياته بالاضافة الى الموسيقى فهو ماهر في ممارسة لعبة الطاولي ، يلقي بقطع الزهر برشاقة ، يحول قطعها بانسيابية واتقان ، نادرا ما يكون الخاسر ، يلعب حتى الورق ولكنه يحتاج الى من يقرأها له فقط .
محبوب ومطلوب للقاء والاجتماع به ، استضافته قناة عشتار الفضائية في برامجها .
تعجبه الحياة الريفية ا، امنيته كانت ان يمتلك مزرعة بوسائلها فيها بقرة وغنم ودجاج والواحا يزرعها بمستلزمات الحياة اليومية من الخضراوات .
يخرج الى البيادر القريبة من مكان سكنه في برطلي ليشم رائحة الزروع ، يتفقد حقول الحنطة والشعير ، يلمسها بيده ، لتذكره بجذوره الريفية الممتدة الى اعماق اعماق ارض برطلي الطيبة حيث رفاة اقربائه واشخاصا عزيزين اليه ، وتاريخ اجداده ، يريد ان يعوض السنين التي عاشها بعيدا عن بلدته برطلي . ...........انه بحق قاهر الظلام .

ملاحظة / لمشاهدة الصور اضغط على هذا الرابط

http://baretly.net/index.php?topic=3288.0