المحرر موضوع: كلمة "روسو" أعظم من مكتبة "ستندال" !...  (زيارة 855 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خلدون جاويد

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 288
    • مشاهدة الملف الشخصي
كلمة  "روسو" أعظم من مكتبة  "ستندال" !...

خلدون جاويد
 
يُنظر الى الأشخاص في المعايير الإعتبارية ، على أساس النقاء  الفكري ومجاراة النظرية للسلوك حتى لو أدى ذلك بهم الى الموت وبذلك فهم شهداء الموقف وعظماء الكلمة ، يُنظر الى ثباتهم في قوة الإرادة  حتى لو قادتهم الإرادة  الى حياة عكرة ومصير شقي أو معزول  . والمعني هنا ، هو التدقيق في فكريّةِ ستندال وأخلاقيـّـتِهِ ومن حذا حذوه فرنسيا ً كان او من أية جنسية اخرى .
 يقول بلزاك عن ستندال  :" إن عصرنا مدين له بالكثير " ولولا تأثيره على تولستوي لما كتب الأخير الحرب والسلام وهو من الوجهة التاريخية والجمالية أكمَة ٌ جمالية  وتقدمية ولكن هناك مايقال أيضا ً .
 يقول علي الشوك في كتابه عن ستندال "كان أبوه شيروبان محاميا ومثقفا وقارئا مع نزعة كاثوليكية لكن مكتبته لم تخلُ من كتب تقدمية . على أن  جده من جهة امه هو الذي غذى عنده حب الفضول تجاه الكتب التقدمية ، فدرج على التهام أنفس الكتب ،واصبح واحدا من أكثر كتاب القرن التاسع عشر غنى في عالم القراءة ...."...).
 وليس بالكتب وحدها يقف الانسان متطابقا مع نبل وفكر ذاته . فالانسان ياللأسف يرائي ـ ستندال نفسه ـ  وينضوي من أجل المنصب أو المال مع من لايحبهم ولا يحترم ملوكيتهم ووزاراتهم وهلمجرا . ويمتلئ تاريخنا بنماذج من الأعاجيب في خساستها من جهة كما في زهديتها من جهة اخرى .
 كان ستندال يؤكد على ان رواية إيلويز الجديدة لجان جاك روسو " كان لها تأثير واضح عليه في التحلي بالاستقامة مهما كان الثمن كمعيار للعظمة الانسانية ".
 وغني عن القول ان نابليون بذاته قد وقف على قبر روسو وقال اذا كان هناك اثنان قد هزا اوروبا هزا فهما انت وأنا . ايضا لابد ان يقال بأن الشبيبة الفرنسية تعبد روسو لثوريته وصدقيّته ولأنك اذا دخلت الى بيت روسو فانك لن ترى سوى فراش بسيط على الارض وعلى العكس مما لدى فولتير من ترف  .
 اذا كانت الاستقامة هي معيار العظمة الانسانية فاين ستندال منها . وهو عملاق القراءة وأديب زمانه .
 تقول السيرة الذاتية لستندال بأن هناك شقيقين من أقربائه "
 أوجدا له عملا كمئآت من الكتـَـبة في وزارة الحرب " . وفي  فترة صعود نابليون امبراطورا ، يقول الاستاذ علي الشوك في كتابه : " في 1806 التحق ستندال بمارشال دارو واصبح بعد فترة قصيرة نائب قوميسار الحرب لبرونسفيك . ثم رفع الى قوميسار الحرب . وفي 1807 حل محل مارشال كمحافظ على المقاطعات الامبراطورية ".
 كان ستندال  كما يشير الكتاب لايتطابق وفق استقامة روسو التي يفترضها ميزانا للعظمة الانسانية . فاذا كنتُ على سبيل المثال ، لا أتطابق معي ! ولديّ حنين ما الى صورة أريد أن أكونها من أجل أن أتخلص من ازدواجيّتي فلماذا لا أعمل على تغييري ونقلي من مربع الدونية الى الرفعة او الهامشية الى الأصالة أو البؤس الى السعادة ؟ يكتب ستندال كما ورد في ص 65 الى شقيقته في عام 1808 : "  قبل اربع سنوات كنت في باريس لا املك سوى زوج حذاء واحد فيه ثقوب ، وبلا تدفئة في عز الشتاء ، وغالب الأحيان بلا شمعة . أما هنا فانا شخصية بارزة : أستلم عددا كبيرا من الرسائل من ألمان يخاطبونني كمونسنيور . ويخاطبني الفرنسيون بالمسيو المحافظ : واستقبل جنرالات زائرين ، وتُقدم اليّ عرائض ، واحرر رسائل ، واعنف مرؤوسيّ من الموظفين ، واحضر دعوات عشاء رسمية ، وامتطي صهوة جواد ، وأقرأ شكسبير . بيد أني كنت أسعد حالا في باريس " .
 ولعل ستندال ، بافتراض مني  كقارئ بسيط  أو ربما من  قبل  باحث متمكن ، قد استهوى حياة الترف  ومداجاة الطبقة السائدة رغم معايشته للحروب ومشاهدة الأهوال والجثث والدمار فانه لم يتخلّ عن مناصبه وعاش ازدواجية رهيبة عبر عنها من خلال استعمال مئة إسم مستعار للكتابة او للعيش والتعايش . وكان الجدير بأن يرفض ويلتحق بحركة الرفض ولو كمجرد كاتب متمرد حاله حال كل كتاب التاريخ الثوار . ولو كان انتهز الفرصة في تتويج نابليون امبراطورا وغادر المسرح النابليوني العسكري الحربي لكان قد نال نجومية عظيمة في نظر الانسانية .
 يقول الاستاذ علي الشوك في ص 72 من الكتاب " ثم ان ستندال ، كجمهوري النزعة ، تأسف بشدة لتتويج الامبراطور (نابليون ) ، وقال : " جاء الدين ليقدس الطغيان وهذا كله بإسم سعادة الناس " .
 ولنا أن نداخل هنا بمشاكسة لاذعة كون ستندال بقي مع الطغيان الى آخر لحظة ! .. ولرب قائل يقول كم من متعاون مع سلطة طاغية بصفة خنوع واضطرار أو دجل .. بل سمسرة وتجارة تشبه العهر بل هي أخطر منه .
 هناك لوم مرير يوجهه بعض الكتاب الألمان التقدميين ضد إنضواء الناس السهل لتخرصات هتلر ، ولوم جان بول سارتر وسواه للمتعاونين من الفرنسيين للاحتلال النازي . هناك لوم للمنضوين على المستوى الدولي  للأحزاب الفاشية ومنها التي تحكمنا . إن ماكينة النظام أي نظام ماكانت لتعمل لولا جرذان الأقبية وزواحف الصرف الصحي من الحثالات الإجتماعية .
 إن كومافلاجية ستندال ورياءه المعروف به ، هي سمة عامة وشائعة في دول عديدة :  تجدها مستشرية  في أخلاق  القوى المضادة للثورة . ولولا هذا التدني وحجومه الاجتماعية الكبيرة لما انتكس كوكبنا في مستنقع الحيوانية والدموية .
 الكتّاب العالميون أخطر من القادة السياسيين العظام . السياسي يذهب الأ ّ أن التراث الثقافي الثوري باق وخالد وهو منار مستمر العطا ء . ولتتأمل في ترسانة أدب الشعوب ! ذهب القيصر لكن أدب تولستوي باق ، غادر  الثائرون على القيصرية ،  لكن أبطال ديستوييفسكي خالدون  مدى الدهر . 
 انظر ص 99  تجد سقطة العظيم متمثله بالآتي : " وحسب رأي ستندال " إن بطلا معاصرا غير قادر على ممارسة ضرب من الإزدواجية سيكون بلا صيانة " .
 كلا ياستندال : نقول لك من أعلى قمة من قمم الفداء التاريخية بأن كل ماجرى من ازدواجية في أخلاق شعوب منطقتنا  وليس الأفراد فحسب ، لم تجعل منها  بطلة بل عبدة  العبد ! . أما كرامة الناس فتكمن بالإنتفاض على الخطأ . والمرء الأكثر سعادة في العالم هو الذي يتطابق مع ذاته وليس الذي يَزدوج أو يُزدوَج . وينضوي بائعا قلمه وشرفه أو تنضوي بائعة قلمها وجسدها ، وهو وهي كلاهما  يتشدقان بالحضارة والفكر والكرامة ! .
 
*******
4/6/2011
 
توْقٌ أخير :
 
قال الشاعر نزار قباني  ـ قولاـ بليغا ذات يوم :
"وإذا أصبح المفكـّـرُ بوقا ً...  يستوي الفكر عندها والحذاء ُ " .
قال جان جاك روسو : " الإستقامة معيار للعظمة الإنسانية " وهذه الكلمة أعظم من مكتبة ستندال بما حوته من حكمة وجمال .
قال أبو ذر عامر الداغستاني فقيد الفكر التقدمي وخريج أكاديمية السجون العراقية : " على السلوك أن يجاري الفكر في مختلف الظروف والأحوال ! " .
 


 

Sitemap 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14