المحرر موضوع: ما بين التاسعة ِ ليلا والثانية بعد منتصف الليل  (زيارة 2056 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أمير بولص أبراهيم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1050
  • الجنس: ذكر
  • القاص
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                       


  ما بين التاسعة ِ ليلا والثانية  بعد منتصف الليل

أمير بولص أبراهيم

ما أن تبدأ الأقدام بسحب خطواتها نحو منازلها وتخمد الأنفس ُ في مخادعها لا يبقى في تلك الساعة من الليل القادم
سوى ضجيج المقاهي وروادها مختلطا ً بنباح الكلاب التي تحس ُ إنها بعد برهة ٍ من الزمن ستتسيد غيرها من الحيوانات وهناك أيضا ًمواء القطط وهي تتسارعُ  بحثا ً عن شيء تلتقطه من أكوام النفايات المبعثرة على جانبي الطريق الذي يشق قلب البلدة نصفين  ويشوه جمال أنوار المحلات المتراصة على جانبيه ..تأخذنا خطواتنا أنا وزميلي في الدورية الأولى إلى بداية السوق الرئيسي ..هناك حيث تربض الأكشاك الهزيلة المتناثرة بصورة عشوائية لتطبع للناظر إليها تخلف المكان وبعده عن الحضارة وعن الهندسة المدنية  في الأعمار..نختار مكانا منزويا تحت إحدى شرفات المحلات التي تغير أصحابها في رمشة عين ٍ أو في زمن ٍ غَلَبَه ُ المال ..تقترب الساعة الأولى من دوريتنا من نهايتها ونحن نحضن بنادقنا التي أبت أن تفارق ظهورنا طيلة أعوام , منذ بداية  مواسم الحروب وموسم الحصار المختلفة المثقلة بهموم العيش ..في بلد ٍ دخل َ غرفة إنعاش دون أن يستفيق َ من غيبوبة فرضت عليه ...ومع بداية ساعتنا الثانية بدأ ضجيج المقاهي ومرتاديها بالتلاشي وكما توقعت أصبح نباح الكلاب هو المتسيد ضجيجا ً محلقا ً في فضاءات صمت الليل وسواده ِ بعد انقطاع التيار الكهربائي  الذي مع انقطاعه  بحثنا عن ولاعة سيجار تنير لنا ولو ببصيص ضوء قدرا ً ضئيلا من مساحة المكان  الذي أعادنا إلى ذكرياتنا التي فاضت كبحر ٍ هادر نتشوق ُ لعودتها حقيقة نعيشها لحظتها ..يا لتلك الذكريات التي تمر كسحابة ً من دخان تغار ُ منها أدخنة سيجارة صاحبي المتلذذ بها  حيث أخذت تلك الذكريات مساحة ً غير قليلة من وقتنا وكل ذلك وعيوننا تترقب المكان وتترقب  السيارات المارقة عبر ليل المدينة المتكاسل .. يحاول النعاس أن يأخذ منا مأخذا ً فنقاومه بضحكاتنا وأحاديثنا عن مواقف طريفة صنعناها أو مررنا بها وأحيانا عند سكوتنا أحلم ُأحلام يقظة التي أحسها كعجوز ٍ تحاول أن تعيش إلى مالا نهاية من الوقت .. يُدخن صاحبي سيكارته الخامسة مع بداية الساعة الثالثة التي  بدأ فيها بعض الإلهام الشعري يسري في  أفكاري الممتدة فوق بساط الليل ..فتبدأ شفاهي بترديد بعض الكلمات  أرصف تلك الكلمات في جُمَل .. أُ خرِج ُ دفتري من جيب بنطالي   الخلفي الذي أصبح حضناً لذلك الدفتر المتواضع أكتب ما رددته شفاهي  وما حفظته في قلبي من كلمات .. يقاطعني صاحبي بحديث ٍ جديد عن بعض المواقف الطريفة التي يصنعها ويوقع بها البعض من أصدقائه ِوبمقاطعته ِ يشتت أفكاري ويوقف مداد قلمي وتغضب أوراق دفتري لأنها فقدت ما يزينها من كلمات .. ومع المقاطعة تلك ندخل النصف ساعة الأخيرة من زمن  دوريتنا زمن ٍِ عشناه ُ دقيقة بدقيقة نترقب المكان لنؤمن نوما هادئا ً للجميع .. أنصت لهمس ليلنا
وهمهمته ِ وكأنه يخاطبنا : ها أنتما ستغادرونني  وستتركونني مع نباح الكلاب  الذي لا ينقطع طيلة سهري مع صمت الأزقة الأسوّد  أهمس ُ له ُ : لا تخف فبعدنا من يأتي ليحضنك ويحضن ُ بعينيه هذه البلدة الرائعة  رغم البثور التي سَكَنت  جسدها ... نعطي ظهرنا لليل بعد مواساته ِ ونمضي حيث ينتظرنا النوم على ضفاف أجفاننا
لنعانق ما تبقى من أحلامنا ...

                                     
                                        برطلة 28 آيار 2011 



غير متصل MUNIR_QUTTA54

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1966
    • مشاهدة الملف الشخصي
    اخي الاستاذ امير تقبل مني كل الود والاحترام

     ان ماخطه نبض قلمك الشفاف وحامل فيه كل

    معاني الانسانيه والاهم مأساتها فالرب يبارك

     فيك ويحميك ولاتنسى اننا دوما نرسى عند

    كلامك الراقي البديع 00 تحياتي  *

 
       سلام الرب معك

         منير قطا
[/font][/size]

غير متصل أمير بولص أبراهيم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1050
  • الجنس: ذكر
  • القاص
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 اخي العزيز منير
 شكرا لمتابعاتك لنتاجاتي المتواضعة
 دمت بخير
 تحياتي

غير متصل نادر البغـــدادي

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 12144
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


           استاذنا العزيز * اميربولص ابراهيم *
        موضوعكم ممتاز يستحق منّـا كلّ تقدير !
             تقبلّوا منا المودّة وخالص الإعتــزاز .

غير متصل أمير بولص أبراهيم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1050
  • الجنس: ذكر
  • القاص
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 الاخ بابا عابد المحترم
 لك خالص شكري لردك الرائع
 تحياتي