المحرر موضوع: صدام.. والجرائم التي لا تغتفر  (زيارة 3934 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Yousif David

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 53
    • مشاهدة الملف الشخصي
صدام.. والجرائم التي لا تغتفر
يوسف داود

   هل قرأتم في التاريخ عن هولاكو، نيرون، هتلر، ميلو سوفيتش، مذابح راوندا، وانغولا؟ كل هذه الجرائم لن تقاس بما سببه صدام ونظامه للشعب العراقي من تشريد وتهجير قسري وقتل جماعي واغتصاب وسلب ونهب وخطف قبل سقوط النظام وحتى بعد سقوطه وحتى اليوم، وسرق أموال العراقيين لـ (35) عاماً ووضعهم في خط تحت الفقر مع الدول الفقيرة. ولا زال يستعمل الأموال العراقية في قتل العراقيين.
   هل سمعتم شيخ عشيرة أو رئيس دولة يقتل أبناء شعبه بالمواد الكيمياوية القاتلة؟ هل هناك حكومة تقتلع ملايين شجر النخيل وتجفف الأهوار وتقضي على الثروة السمكية مصدر عيش المواطنين؟
   جرائم لا تعد ولا تحصى ولا تخطر على بال مخرجي ومنتجي أفلام هوليوود الشهيرة في القتل والابادة الجماعية.
   جريمة من أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية قد يكون بعضكم قد سمع عنها ولكنها غير مضافة الى قضايا الجرائم التي يحاكم بموجبها الطاغية واعوانه، واليكم خلاصة القضية وحيثياتها ومضاعفاتها وكيف عالجها نظام الطاغية.
   كيفية دخول الأدوية الفاسدة والملوثة الى العراق؟ ومحاولة الاعلام والعدسات وبتوجيه مركزي وضع القيود وتحريف الحقائق وحجبها عن العراقيين والعالم، وكانت النتيجة موت المواطنين وخاصة الأطفال أمام أعين أمهاتهم وآبائهم.
   عام 1980 وصلت بغداد/ وزارة الصحة أدوية فاسدة ملوثة من شركة ماريو (فرنسية نمساوية) مقرها باريس تنتج فاكتر (8، 9) الذي يعتبر مضادا لمرض النزف الدموي وخاصة الوراثي المسمى هيموفيليا، فما هو هذا المرض؟ وكيف العلاج؟ أن مرض النزف الوراثي يقسم الى نوعين اكثرها شيوعاً هيموفيليا (A) والذي يصيب الذكور غالباً بنسبة 1/ 10,000 في جميع أنحاء العالم. والنوع الآخر هيموفيليا (B) ويتعلق بـ كروموسوم (X) وهي صفة متنحية وسبب الاصابة بالنزف الدموي هو النقص في العامل (8)، (Factor 8) والذي يحقن ضد النزف الدموي، والتي تنتجها الخلايا المبطنة للأوعية الدموية طبيعياً عندما يتعرض الجسم الى ضغط خارجي، ضربة أو احتكاك شديد مع جسم آخر. وتتحد مع بروتين آخر لتكوين مركب معقد الذي يساعد كريات الدم المسطحة (Platelets) بالاتحاد مع بعضها ومع بطانة الأوعية الدموية وبعد عمليات عدة تتكون الخثرة التي توقف النزف الدموي.
   العلاج: مادة 8 المركزة المستخلصة من بلازما الدم.
   المضاعفات: HIV مرض النقص المناعي الفايروسي للانسان.
   أما هيموفليا ب (B) وهو أيضاً متعلق بـ X chromosome (صفة متنحية) وأقل شيوعاً من السابق ولكنه يسبب نفس الأعراض، وسببه نقص في مادة 9 (Factor 9).
   العلاج القاتل: نهاية السبعينات في أحد العقود لاستيراد الأدوية من فرنسا، كان ينص على توريد فاكتر (8، 9) لمعالجة النزف الدموي لدى العراقيين وخاصة الأطفال الذين كانوا مصابين به وراثياً، وقد وضعت عبارة "ملف مساعدة اسر وعوائل العوز المناعي".
   وقد شمل عمر الأطفال من سنوات صغيرة (6 أشهر -12 سنة) وكتب عليه هيموفليا النزف الوراثي. حالات التخثر تحتاج فاكتر (8 و9) أوائل عام 1980 الأطفال يأخذون ابرا كبيرة.. ويؤخذ الدم من المواطنين ويحلل فاكتر (8، 9). والابرة حتى يوقف النزف، لكن.
   وفاكتر (8، 9) لا يمكن تصنيعه في العالم بل تقوم المختبرات في أوروبا وأميركا وفرنسا بجمع الاف الليترات من الدم وتصنيع المضاد ضد النزف. وبظهور مرض الايدز نقص العوز المناعي في السبعينات، وخلال 1984-1986 أصدرت أميركا تحذيراً كتبت عليه: "احتمال فيه تلويث، فاحذروا".
   ولكن نظام صدام استورد المضاد من فرنسا، وكانت مجهريات قاتلة تعوم في الدم فتتخثر فيؤدي ذلك الى نهاية المريض تدريجياً، بعد ان يصاب بالضعف والانحلال ويبتعد عنه الناس. ويروي أهالي المصابين بمرض النزف الوراثي والذين زرقوا بحقن فرنسية ملوثة، ان الناس كانوا يبتعدون عنا، وحتى الأقرباء بدأوا لا يزوروننا واصبحت الاشاعات تؤذينا وتضاعف الامنا، بدل مواساتنا، ولان المرض غير معروف وطرق العدوى والانتقال كانت مبهمة، ومعاملة رجال الدولة لأهل المصابين وحجرهم وعدم الاقتراب منهم، أصبحت عوائل المصابين وكأنها تحمل مرض قاتل فتاك وأشيع إن المرض ينتقل عن طريق الغطاء الملوث علماً ان طريقة العدوى وانتقال مرض الايدز تتم بثلاث طرق فقط وهي: 1ـ الجماع الجنسي، اذا كان احدهما مصابا بالايدز. 2ـ عن طريق الأم الحامل المصابة بالايدز ينتقل الى الطفل في الرحم فيولد وهو مصاب بالايدز. 3ـ عن طريق نقل الدم من مصاب الى شخص غير مصاب أو الحقن بفاكتر (8 أو 9) للمصابين بالنزف الدموي. ولا ينتقل بالمصافحة أو شرب الماء والقبلة لا تنقله الا باللعاب المملوء بالفيروس. عام 1986 في الطابق العاشر من مدينة الطب حقن المصابون بالنزف الدموي ابرة وكانت أعمارهم بين 12 -14 سنة، فاهملوهم وعاملوهم معاملة سيئة. وبالعلاج ذاته قتلوهم. وقد كبر المصابون واقسم بعضهم بانه لن يتزوج ويحطم حياة انسانة شابة فيولد الأطفال مصابين بالايدز.
   وكانت أول اصابة لفيروس الايدز ظهرت عام 1986 بعد استعمال الفاكتر (8، 9) الملوث من انتاج الشركة الفرنسية ماريو (Mario) تم توزيعه  على بعض دول العالم الثالث مثل السعودية، الجزائر، ليبيا، اليونان للأجساد والوجوه المنسية. الذين كانوا مهددين بالموت أي لحظة.
   أما نظام الطاغية صدام فصرح: نحن لا نعترف بوجود مرض نقص المناعة ولدينا حرية وديمقراطية ولا نعترف بالأمراض وخاصة الايدز والكوليرا لأننا استوردنا الأدوية للعلاج. ولكن الواقع أن نظام صدام المتمثل بوزير الصحة ولجان الاستيراد كانوا يعرفون الحقيقة، ولكن اصرار النظام على صداقته الحميمة للحكومة الفرنسية أدى الى التضحية بحياة العراقيين لأن المهم رضاء الحكومة الفرنسية. وكان المجرم سمير محمد عبد الوهاب الشيخلي وزيراً للداخلية ووزيرا للصحة بالوكالة عندما شكى والد أحد المصابين قائلاً: "من أين جاء مرض الايدز لولدي؟" ضربه وهدده ثم سجنه.. إن وزارة الصحة كانت متواطئة مع النظام ومع الحكومة الفرنسية في اصابة (186 طفلا).
   وقد أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً (المادة 200): اعدام من يسرب خبراً عن الايدز وأغلب المصابين قد ماتوا. وجاء دور التعويض لعوائلهم، علماً أن الجثة كانت توضع في صندوق حديد وقطن مرشوش بدواء ثم يضعونه في صندوق خشبي وحفرة بعمق 7 أمتار. وقالت والدة لخمسة أطفال اشتريت حقيبة مدرسية لوليد، فحملها بعده علي، ثم بشار وأخيراً محمد، وبعد وفاتهم لم أسمح لمحسن أن يحملها وقد صرح الدكتور عادل (المفتش العام بوزارة الصحة، بعد سقوط النظام) ان الشحنات جاءت من فرنسا والدماء كانت ملوثة بالايدز.
   وقد سُئل وليد الحلي أمين عام لجماعة حقوق الانسان في العراق، أين كانت جمعيات حقوق الانسان ؟ أجاب: قياساً الى المقابر الجماعية هذه الجريمة صغيرة جداً. شركات كبيرة معروفة عالمياً تأخذ أموالاً كثيرة وترسل لنا المرض بفلوسنا. وكانت الحكومة الفرنسية ودوائر رسمية في العالم لا تريد أن تعترف بجرائم نظام صدام. ومعه اصطفاف عالمي وأوروبي. ولم تقم منظمات حقوق الانسان في الخارج بالمساعدة. ووزيرا الداخلية سمير الشيخلي وبعده محمد زمام، وعبد الرزاق السعدون كانو يعذبون المصاب أو والده ويفصل من الوظيفة.
   المحامي جاك فرنجاي منذ (1990-2003) رفض متابعة الدعوة، وبعد سقوط النظام تشكلت لجنة من الدكتور خضير عباس وزير الصحة السابق والدكتور احسان الصراف ولم يحصلا على تأشيرة دخول الى فرنسا لمتابعة القضية، وقد حصلا على تقرير من 88 صفحة. وقد استلم القضية المحامي الشاب دنيس بلاكر وأقام الدعوة ضد الحكومة الفرنسية وليس ضد الشركة المنتجة، وبعدها 3 شركات قضائية أميركية يقودها كيفن اليتن لمتابعة قضايا (117 متوف) والاف الاصابات. وأجبروا الشركة الفرنسية الموافقة على الخضوع للمفاوضات الانسانية.
   ما هو دور المنظمات الانسانية خارج العراق؟
   قضية قانونية وحق لعوائل الذين ماتوا بالدم الملوث وهي موضع اهتمام من كل المنظمات اليوم، وحتى الحكومة الفرنسية والبرلمان الفرنسي سيقومان بالتعاون ضد الشركة. وفرنسا راعية الديمقراطية في العالم والتي تهتم بالحيوان في افريقيا، والحيوانات المنقرضة فلماذا لم تهتم بالانسان العراقي؟
   الدكتور جواد الهنداوي استاذ القانون في جامعة كليرمو نفرون في فرنسا قال: يترتب على الشركة الفرنسية وليس الحكومة مسؤولية الشركة بين الخطأ والضرر (حسب عقد خاص بينهما وبين وزارة الصحة العراقية). واذا كانت الشركة تعلم بالعقار الملوث فالمسألة تتحول مسألة جزائية وتتحول الى قضية جزائية.
   وقد الزمت الحكومة الفرنسية (وبمتابعة الحكومة العراقية) الشركة الفرنسية بتعويض ضحايا العراقيين. أما ريا الفلاحي مديرة جمعية التعاون والتنمية فقالت: نحتاج الى حملات توعية مع محاسبة قانونية لان الشباب أكثر عرضة لمرض نقص  المناعة. أما الدكتور سعيد مشكور وهو المختص بالموضوع فقال: 238 شخصا بقي منهم 43 توفي منهم 4 الشهر الماضي. وأضاف: المجرم لا زال موجوداً في دوائر الدولة، وخاصة على الحدود العراقية حيث يدفع المواطن 10 الاف دينار حتى لا يحقن بابرة الايدز وبالتالي لن يكشف عن المصابين الوافدين الى العراق. وهذه جريمة عقوبتها مشددة ومضاعفة.. (وللأمانة لا بد أن أشكر الدكتورة العراقية وارتانوش ارميناك على تزويدي بالمعلومات الطبية القيمة).
   اذن العلاج ضروري وتعاون العراقيين مع السلطات والحكومة هو أشد ضرورة. من أجل القضاء على الأخطار المحدقة بالعراقيين الموروثة من النظام السابق. فمن المسؤول عن هذه الجريمة؟ أفلا تضاف هذه الجريمة الى جرائم صدام الأخرى؟ والحكومة الجديدة ستتابع القضايا والجرائم وفي مقدمتها فضيحة كوبونات النفط والمليارات التي هدرها وسرقها نظام صدام.
   وأؤكد: "لا يضيع حق وراءه مطالب". والى لقاء في "مشكلة الوقود وتهريب النفط".[/b][/size][/font]