المحرر موضوع: بمناسبة الذكرى ألـ (78) لمذبحة سميل – آب 1933 الآشوريون وموت ملوك العراق  (زيارة 4157 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أبرم شبيرا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 395
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بمناسبة الذكرى ألـ (78) لمذبحة سميل – آب 1933
===============================

الآشوريون وموت ملوك العراق
أبرم شبيرا
توطئة:
كلما أقترب شهر آب من كل سنة الذي أقترف فيه بعض من قطاعات الجيش العراقي بقيادة المجرم بكر صدقي  وبمساعدة حجي رمضان وبعض العشائر البدوية والكردية في عام 1933 حملة إبادة بحق الآشوريين من إتباع كنيسة المشرق الآشورية والتي كانت معروفة بـ "الكنيسة النسطورية" وإرتكاب مذبحة في اليوم السابع من نفس الشهر في قصبة سميل القريبة من مدينة دهوك وإزهاق أرواح الكثير من الأبرياء، يقدر البعض بـ 3000 شخص ، أمعن التفكير في هذا الحدث الدراماتيكي، الذي أعتبره الآشوريون يوماً للشهيد الآشوري يحتفلون به في موطنهم، مابين النهرين وفي بلدان المهجر، وأغوص في الأوراق والمجلات والمقالات والكتب التي كتبت عن هذا الحدث فأستخلص منها بعض النتائج والأفكار قد تكون مفيدة للكتابة عن هذا الموضوع.
أن ما كتب عن الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي رافقتها في سميل عام 1933 كثيرة فالمؤرخون والكتاب العراقيون أساؤوا فهم هذا الموضوع ضمن السياق التطور السياسي للعراق في تلك المرحلة والكثير منهم أعتبروا هذه الحركة تمرداً على السلطة ودعوة للإنفصال عن الوطن وأصبح مثل هذا الفهم موقفاً رسميا للحكومة العراقية ورجال الحكم. كما أن الأجانب كتبوا أيضا عن هذا الحدث ولكن في معظمها أما كانت تدور في إطار التعاطف المفرط والمبطن بنزعة دينية تبشيرية أو كانت ضمن حدود المصادر الرسمية العراقية والبريطانية. والآشوريون رغم قلة إمكانياتهم فأن هذا الحدث لا يمر إلا أن نرى أكثر من مقالة أو إحتفال بهذه المناسبة ولكن مع الأسف في معظمها لا تتجاوز حدود سر حوادث المذبحة والمأساة التي حلت بالآشوريين من دون تحليل أو فهمها ضمن الإطار العام للتطور السياسي العراقي في تلك الفترة وإستخلاص أبعادها الوطنية والقومية.
وبدوري أنا، كشخص مهتم بهذا الحدث ويهمني كثيراً، حاولت أن إستخلص بعض العبر والنتائج من كل ما كتب عنه وطرحها ضمن السياق السياسي العراقي، فكتبت بعض ما يفيد في هذا المجال، على سبيل المثال أنظر موضوع "التعامل مع الأقليات في مسار تطور تاريخ العراق السياسي" الذي كتب بمناسبة ذكرى هذا الحدث ونشر في كتابي المعنون "الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر" الذي نشره الإتحاد الآشوري في السويد عام 1997. كما تطرقت إلى هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً ولمن يريد الإستزادة فيه الرجوع إلى كتابي "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة: في العقلية العراقية تجاه الأقليات، دار الساقي – بيروت، ط1، 2001 . في هذه السنة من المناسبة سنتطرق إلى موضوع آخر جديد يتعلق بعلاقة مذبحة الآشوريين في سميل بملوك العراق. فالعراق حكمه ثلاثة ملوك من عام 1921 لغاية 1958 وكان للملكين الأولين فيصل الأول وغازي الأول علاقة مباشرة بالمسألة الآشورية في العراق والمذبحة التي رافقتها في حين كان للملك الثالث فيصل الثاني علاقة غير مباشرة تمثلت بجانبين سنأتي على شرحها.

الآشوريون وملوك العراق:
كانت المسألة الآشورية منذ تأسيس دولة العراق في عام  قد طغت على السطح السياسي العراقي في الثلث الأول من القرن الماضي 1921 وكانت أكثر إنفعالاً وإثارة بعد رفع الإنكليز للإنتداب على العراق و منحه "الإستقلال" السياسي وإكتساب العراق عضوية عصبة الأمم، فلم يكن الشغل الشاغل للحكومة ورجال الحكم والأحزاب السياسية والصحف إلا موضوع "تمرد النساطرة" والقضاء عليهم وعلى حركتهم الإنفصالية. وخلال تلك الفترة وما بعدها من مواضيع أخرى مثل مشروع إسكان الآشوريين، طبيعته وتمويله، ومناقشة قضيتهم في عصبة الأمم وطرح مشاريع إسكانهم خارج العراق، تولى عرش العراق مليكان وهما الملك فيصل بن الشريف حسين الهاشمي وأبنه غازي بن فيصل بن الشريف حسين الهاشمي وتعاملا مع المسألة الآشورية بشكل مباشر وبنيا مواقفهما تجاها في تقرير مصيرها النهائي.

الملك فيصل الأول:
ولد فيصل الأول في قرية رحاب القريبة من مدينة الطائف عام 1883  وهو النجل الثالث للشريف حسين الهاشمي، شريف مكة. وتقديراً لمواقفه ومساعدته للقوات البريطانية في دحر القوات العثمانية وطرهم من سوريا والأردن وفلسطين ولبنان أثناء الحرب الكونية الأولى، وتنفيذا لبعض الوعود التي قطعها الإنكليز للعرب في إقامة دولة مستقلة لهم فقد نصبه الإنكليز ملكاً على سوريا في عام 1920. إلا أن هذا سبب إنزاعجاً لفرنسا فقاد الجنرال الفرنسي جيرو حملة عسكرية على سوريا فطرد الملك فيصل من عرشه ثم نصبه الإنكليز ملكاً على العراق بعد ثورة العشرين فتم تتوجيه في يوم 23 من شهر آب عام 1921 وهو شاب في الثامنة والثلاثين من عمره. نشأ فيصل الأول وتربى في كنف والده الشريف حسين في مكة وتحلى بالقيم الخلاقة والمبادئ العربية الأصيلة في الرأفة والعطف والتسامح والبساطة في العيش. ويعتبر فيصل وبحق وحقيقة رمزاً لتأسيس دولة حديثة على إنقاض ثلاث وليات (الموصل، بغداد والبصرة)  والتي كانت قد أنهكتها الحرب الكونية الأولى ودمرت حياتها الإقتصادية والإجتماعية. لقد أدرك الملك فيصل الأول منذ الأيام الأولى لحكمه مدى التناقض الصارخ القائم بين قوميات وأديان وطبقات الشعب العراقي. لقد عانى مرارة انقسامات الشعب العراقي وهو في موقع الراعي لها والمسئول عن حكمها، وقد سهلة مهمة معاينته والتحسس بتناقضات الشعب العراقي بنوع من الموضوعية والواقعية  في كونه ينحدر من بيئة خارجة عن هذه الانقسامات. وقد كتب رسالة مهمة جداً في عام 1933 بين مدى حسرته ومرارته من هذه الإنقسامات وتصرفات رجال الحكم والوزراء التي سببت الأزمات والكوارث للعراق وعانى الملك فيصل الأول معاناة شديدة من عدم إنصياع بعض الوزراء وزعماء الجيش العراقي خاصة أبنه غازي ولي العهد والذي تولى الحكم نيابة عن والده المسافر إلى خارج العراق للعلاج لنصائحه وإرشاداته في تهدئة الأمور بالطرق السلمية وتحديداً في موضوع معالجة المسألة الآشورية بحكمة وتأني وعدم إستخدام القوة ضد الآشوريين على الرغم من البرقيات التي كان يرسلها من سويسرا إلى ولده محذرا فيها من مغبة الإندفاع في قمع الآشوريين. وبينما كان الملك على فراش المرض في سويسرا سمع أنباء قمع الحركة الآشورية والمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين فتألم كثيراً وتدهورت صحته فأضطر إلى قطع علاجه والرجوع إلى بغداد فعمل بكل مجهود في تحسين الوضع وتهدئته ولكن أدرك خلال تلك الفترة مدى تزايد قوة الجيش وبعض الوزراء من جراء سحقهم للحركة الآشورية وأن حكمه بدأ يفقد هيبته وشعر بأن هناك توجهات لإزاحته من الحكم وتهيئة الأجواء لأبنه الشاب الذي ألتف حول مجموعة من الضباط المتطرفين ليتولى العرش ووصل الأمر به إلى التفكير في التنحي عن العرش. وبسبب إنهيار صحته إلى درجة أضطر إلى السفر مرة أخرى إلى سويسرا حيث مات هناك في ليلة 7 – 8 من شهر أيلول عام 1933، أي بعد شهر واحد تماماً من مذبحة سميل.
ذكرت التقارير الطبية بأنه مات بالسكتة القلبية وتصلب الشرايين نتيجة للإنهاك الفكري والجسدي الناتج من جراء المعاناة وتبكيت الضميروالسفر، في حين ذكر المقربين للملك بأن تصلب الشرايين نادراً ما يحدث في إنسان لم يبلغ الكبر وأن الملك لم يكن قد تجاوز الخمسين من العمر يوم وفاته. لهذا السبب ليس غريباً أن معظم الذين عاصروا فترة موت الملك في أيلول عام 1933 كانوا قد أكدوا بأنه مات ألماً وحسرة من الواقع المرير لتناقضات وصراعات أهل العراق، خاصة بعد القمع الوحشي للآشوريين من قبل بعض قطاعات الجيش العراقي بقيادة الجنرال بكر صدقي وبعض العشائر البدوية والكردية في منطقة سميل في شمال العراق مخالفة بذلك أوامره بضرورة التعامل السلمي والهادئ مع مطالبهم القومية والدينية، وهو الحادث الذي أثر كثيراً على نفسيته وأدى إلى تفاقم وتدهور صحته فدفع بالنتيجة حياته ثمناً لأصالته العربية والإسلامية في التسامح والتفاهم مع الآخر المختلف. ولكن مع ذلك، فأن هذا لا ينفي ذكر بعض الكتاب والمؤرخون بأن الملك مات مسموماً بهدف التخلص من مواقفه الحيادية والسلمية تجاه القوى المتصارعة على السلطة في العراق وإفساح المجال لأبنه غازي المعروف بمواقفه المتطرفة لاعتلاء العرش.

الملك غازي بن فيصل:   
ولد غازي في مدينة مكة عام 1912 وهو الطفل الثالث للملك فيصل الأول والأبن الوحيد له وكان مقرباً جداً إلى أمه ومحبوباً من قبلها. وفي العراق بعد تأسيسه كدولة حاول والده الذي تولى عرشها أن يهيء أبنه غازي ويعلمه تعليماً حديثاً يؤهله لوراثة الحكم في العراق فأرسله إلى إنكلترا عام 1925 وهو في السن الثالثة عشر للدراسة في كلية هارو وهو يكاد لا يعرف كلمة إنكليزية واحدة مما أضطروا إلى إدخاله في مدرسة خاصة وإعطاءه دروس خصوصية لكي يتأهل لدخول االكلية. خلال تواجده في الكلية عرف عنه سوء أخلاقه وشذوذه الجنسي والإجتماعي والإخلاقي وإنغماسه في الملذات والسهرات فلم يستطيع إكمال دراسته في الكلية. ويذكر العقيد جرالد في كتابه السالف الذكر بأنه عندما ترك غازي كلية هارو قيل عنه بأنه قد هدد إستاذه بأنه سوف يعود بجيشه ويحرق كلية هارو (ص80). وعندما عاد إلى العراق بعد فشله في دراسته في إنكلترا دخل الكلية العسكرية وكان حينذاك ولياً للعهد فأستقبله الضباط الشباب المتحمسين والمتأثرين بالأفكارالنازية والفاشية والطورانية الأتاتوركية خاصة الذين أنتقلوا من الخدمة في الجيش العثماني إلى جيش العراق ووجدوا فيه الحاكم المناسب لتحقيق طموحاتهم الشخصية في الحكم والسياسة وإزاحة الملك فيصل الأول من العرش فمهدوا له الأفكار النازية والفاشية والأساليب العثمانية القمعية في التعامل مع الأمور السياسية المعارضة. وبعد وفاة والده الملك فيصل الأول تولى العرش في الثامن من شهر أيلول عام 1933 وهو في الحادي والعشرين من العمر وبعد ست سنوات من حكمه قتل في ليلة الرابع من شهر نيسان عام 1939 بحادث سيارة وهو في السابع والعشرين من العمر. ويقال عن شذوذ تصرفات الملك غازي بأنه كان يضع القطن في أذنيه حتى لا يدخل الجن إلى دماغه وذات مرة صبغ وجه أحد خدم قصره بصبغ فسلخ جلد وجهه. ومن أعماله الجنونية الأخرى فأنه كان يعامل بعض من زواره غير المرغوبين فيهم بكهربئة بعض الأدوات المنزلية ويطلب منهم إستعمالها حتى يصعقون بالصعقة الكهربائية بغرض السخرية بهم. وكان قد أنشأ إذاعة في قصره يبث بنفسه برامج يهاجم فيها الكويت. ومنذ أيامه الأولى كان مولعاً بالسيارات السريعة والطائرات وعرف عنه في كونه طياراً ماهراً يحب المغامرات الجوية وكان له مطاره الخاص في قصره. ... ومن المفيد جداً أن نذكر تعليل وتبرير السلوك الشاذ للملك عازي من قبل أحد أنصار ومؤدي العصر الملكي وهو الدكتور مأمون أمين زكي في كتابه المعنون (إزدهار العراق تحت الحكم الملكي 1921 – 1958 ) من منشورات دار الحكمة الذي صدر حديثاً في لندن حين يقول (أن إنهماك الملك غالزي بالسكر والنساء كان نتيجة لتمرد الآشوريين)   !!!!

الاختلاف بين الأب والأبن:
 الإختلاف الكبير بين الملك فيصل الأول وأبنه الملك غازي كان واضح جداً من جوانب عديدة. فالأول نشأ في بيئة عربية أصيلة ملئها التسامح والكرامة والتأني والفضيلة وأحترام الإنسان وهي البيئة التي لم تكن تتلائم مع الظروف التي كانت قائمة في العراق حينذاك.  في حين عاش أبنه وتربى في العراق وتأثر ببيئة فكرية وإجتماعية وسياسية مختلفة تماماً ملئها التعصب والتطرف والصلابة والهيجان السياسي والإجتماعي. تعاون الملك فيصل الأول مع القوات البريطانية أثناء الحرب الكونية الأولى من أجل التحررمن السيطرة العثمانية وبناء الدولة العربية الموحدة المستقلة. وفي العراق عمل بكل إخلاص وجد من أجل ترسيخ الكيان العراقي الجديد فوقف موقفاً إنسانياً مسؤولاً تجاه مطالب الآشوريين ورفض التوجهات الإستبدادية والطرق العسكرية القمعية لمعالجتها فذهب ضحية لمبادئه وأفكاره. في حين قاوم الملك غازي البريطانيين وعارض وبقوة المعاهدة الموقع بين بريطانيا والعراق لعام 1932 والتي يسرت إستقلال العراق وحصوله على عضوية عصبة الأمم وبارك مذبحة الآشوريين في سميل والحملات العسكرية الدموية الأخرى ضد عشائر الفرات الأوسط والجنوب وأيد إنقلاب بكر صدقي لعام 1936 ليكون فاتحة جديدة تفتح الأبواب مشرعة لسلسلة من الإنقلابات العسكرية والإرهاصات التي أصبحت فيما بعد في التاريخ السياسي العراقي المعاصر الأسلوب السائد في إنتقال السلطة وعدم الإستقرار.
على العموم، أن ما يهما من تصرفات الملك غازي الشاذة سواء في حياته أو في حكمه للعراق هو موقفه من الآشوريين وحركتهم القومية في الثلث الأول من القرن الماضي حيث كان يمقت الآشوريين مقتاً شديداً وبالأخص بطريركهم مار شمعون الذي أرتبطت الحركة القومية الآشورية حينذاك بأسمه. فكان يتربص الفرص للإنتقام منهم والتخلص من مار شمعون بأية طريقة كانت. وقد توافق هذا الموقف مع المواقف الإستبدادية والشوفينية لبعض رجال الحكم والجيش أمثال بكر صدقي وحكمة سليمان وغيرهم المتشبعين بالأفكار النازية والطورانية الأتاتوركية فأيد الأسلوب الإجرامي لهؤلاء في معالجة المسألة الآشورية مخالفاً بذلك رأي والده الملك فيصل الأول. وبعد المذبحة أنعمهم بالعديد من أوسمة "الشجاعة" على هؤلاء المجرمين لدورهم "البطولي" في القضاء على "الفتنة الآشورية" كما يطلق عليها في الفكر السياسي العراقي التقليدي في أعتبار مطالب الآشوريين فتنة هددت أمن وإستقرار العراق.

قبيل مذبحة سميل حاول الملك غازي وبتوصية من الضابط الإنكليزي الميجر طومسون المكلف بتسوية القضية الآشورية القضاء على الآشوريين وإمتصاص حركتهم وإخمادها بالطرق السلمية الهادئة كي لا تعكر المحاولات البريطانية في إقناع الرأي العام العالمي بأن العراق أصبح مؤهلاً للإستقلال ودخول عصبة الأمم وإنهاء نظام الإنتداب. فتم وضع خطة لإستدراج البطريرك مار شمعون إلى بغداد بحجة التفاوض معه وإخضاعه لقبول مشروع الحكومة العراقية والبريطانية في حل المسألة الآشورية بإعتباره، حسب أعتقادهم المبني على تقرير الميجر طومسون، بأن مار شمعون هو الرأس المدبير لـ "القلاقل والمشاكل" التي يثيرها الآشوريون في شمال العراق. وفي حزيران من عام 1932، قبيل مذبحة سميل ببضعة أسابيع تم إستدراج مار شمعون إلى بغداد بحجة مقابلة حكمة سليمان وزير الداخلية وعقد إتفاق معه حول المسألة الآشورية، وأثناء الإجتماع فرض على مار شمعون التوقيع على تعهدات مذلة به وبالآشوريين مقابل مغريات مجزية جداً له ولعائلته غير أن البطريرك مار شمعون أبدى شجاعة نادرة في مواجهة وزير الداخلية المعروف بأسلوبه الإستبدادي في تعامله مع الآخرين، فرفضها رفضاً قاطعاً مما أثار غضب وهيجان حكمة سليمان فحاول سجنه وإحالته إلى المحكمة وإدانته بحجة خيانة الوطن ومقاومة السلطات العامة. غير أن خشية من العواقب السياسية الدولية الوخيمة والمحتملة لاعتقاله حالت دون ذلك فأضطر إلى حجزه في بغداد ومنعه من السفر إلى أهله في الموصل كخطوة أولى للقضاء عليه والتخلص منه بطرق لا تثير مشاكل سياسية تسيء إلى سمعة العراق وتمنعه من الإنضمام إلى المجتمع الدولي.  فتم وبمباركة الملك غازي رسم خطة سرية لإغتيال البطريرك مار شمعون عن طريق إفتعال حادث إصطدام لسيارته، التي إعتاد على التنقل بها، بسيارة أخرى وإظهار الحادث كأنه قضاء وقدر. غير أن أسرار هذه الخطة تسربت إلى إحدى الجهات الدبلوماسية ومن ثم إلى بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الذي قام بدوره بإبلاغ البطريرك مار شمعون بالأمر فحال ذلك فشل خطة إغتياله فإضطرت الحكومة إلى إصدار قانون عام له مقاصد سياسية خاصة لغرض تطبيقه على البطريرك ما شمعون وتجريده من جنسيته العراقية ونفيه خارج العراق. دار الزمان دورته، وعاد القدر الذي رسم وخطط لقتل البطريرك مار شمعون لينقلب على غازي ويقضي عليه وبالأسلوب نفسه الذي كان يحاول القضاء على البطريرك مار شمعون حيث قتل في ليلة الرابع من نيسان عام 1939 بحادث إصطدام سيارته يثار حوله الكثير من الشكوك والغموض بإعتباره خطة مدبرة لإغتياله والقضاء على الملك غازي... هكذا كان مصير مشرع مذبحة سميل بحق الآشوريين الأبرياء.

الملك فيصل الثاني:
ولد فيصل بن غازي بن فيصل في الثاني من  شهر أيار عام 1935 وعند وفاة والده كان عمره لا يتجاوز الأربع سنوات فأصبح الملك الثالث على العراق وبأسم فيصل الثاني. وبسبب صغر سنه تكفل خاله الأمير عبد الإله بن الملك علي بن الشريف حسين رعايته وتربيته وأصبح وصياً على العرش بعد موافقة مجلسي الأعيان والنواب وحسب الدستور العراقي لعام 1925. وبعد إكماله سن الرشد (الثامنة عشرة) أستلم الملك فيصل الثاني في يوم الخميس المصادف الثاني من شهر أيار عام 1953 سلطاته الدستورية الرسمية والذي عرف في العراق بيوم التتويج. وفي صبيحة الرابع عشر من شهر تموز عام 1958 قتل مع أفراد عائلة وحاشيته في المجزرة الوحشية التي عرفت بـ "مجزرة قصر الرحاب" من قبل بعض أفراد الجيش العراقي.
صحيح أن الملك فيصل الثاني لم يكن له علاقة مباشرة بالمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل عام 1933 ولكن لحياته ونشأته وحكمه ومصيره مرتبط بها بشكل غير مباشر. ويمكن أن نحدد هذه العلاقة غير المباشرة من جانبين:
الأول: كان الملك فيصل الثاني أخلاقيا و تربوياً وسلوكياً ونسباً صورة طبق الأصل من جده الملك فيصل الأول حيث عرف بدماثة أخلاقه ونبل تصرفاته وكان له عادات حسنة تسجل له بالفخر تقي يخاف الله فلم يشرب الخمر أو يدخن طيلة حياته وتعلم على أيدي كبار المثقفين في العراق أمثال مصطفى جواد وأتصف بالود وحسن الإصغاء للآخرين وإحترامهم... هذه الصفاة العربية النبيلة لم تكن تتوافق مع الحالة السياسية المتذبذة في العراق حينذاك وصراع القوى السياسية والعسكرية من أجل السلطة والجاه، كما كان الحال مع جيده الملك فيصل الأول،  فذهب ضحية لسلوكه النبيل المتسامح ومبادئه السلمية في الحكم والإدارة فسقط عرشه تحت أقدام العسكر في الرابع من تموز عام 1958 وسلبت حياته بقوة الرصاص والغدر.
الثاني: وهو الأهم، فبالرغم من كونه علاقة غير مباشرة ولكن لايمكن إطلاقاً أن نتجاهل الخيط الذي يربط الأسلوب الوحشي الذي تعامل بعض رجال السياسة والجيش مع الآشوريين في عام 1933 مع نفس الأسلوب الوحشي الذي تم تصفية الملك فيصل الثاني وعائلته وحاشيته من قبل بعض أفراد الجيش العراقي. فبين مذبحة سميل عام 1933 ومذبحة قصر الرحاب عام 1958 خيط يربطهما بالبعض يمر عبره سلسلة طويلة من الجرائم السياسية والمذابح والنكبات لم تنتهي بإنقلاب الرابع عشر من تموز بل تواصلت وأستمرت حتى يومنا هذا والتي قام أمثال الملك غازي وحمكة سليمان وبكر صدقي بإرساء أسس هذه الجرائم من خلال تدخل الجيش في السياسة وقمع المعارضة وتدبير الإنقلابات العسكرية كأسلوب وحيد لإنتقال السلطة فكانت مذبحة سميل بحق الآشوريين فاتحة لسلسلة مذابح في العراق وإنقلاب بكر صدقي لعام 1936 فاتحة لسلسلة إنقلابات عسكرية وإرهاصات سياسية.
وأخيراً ليعلم من لا يعلم أو يتجاهل العلم بأن الآشوريين كانوا من أوائل المضحين بدمائهم على تربة هذا الوطن ليس إلا من أجل حقوق بسيطة طالبوا بها لضمان إنسانيتهم وتأكيد وطنيتهم وترسيخ وجودهم الذي أستمر طيلة أكثر من خمسة آلاف سنة على تربة هذا الوطن، بلاد ما بين النهرين.     
================================================

 

أبرم شبيرا القادم من أقصى غرب العالم: كاليفورنيا/ الولايات المتحدة الأمريكية وباسم رشو من الطرف الآخر للعالم أستراليا يجمعهما وقفة على تل في قضاء سميل دفن تحته العشرات من ضحايا الآشوريين لمذبحة سميل في مقبرة جماعية ويعتقد أيضاً بأن تحت التل كنيسة مشرقية قديمة. وهناك برج للإتصالات نصب على التل ومسيج بسياج. وحسناً عملت حكومة إقليم كردستان بمنع التجاوزات على الأراضي المحيطة بالتل حيث تم إيقاف العمل في بناية من عدة طوابق بجانب التل الذي أعتبر كمنطقة أثرية محمية. ولا ندري إذا كان لممثلي شعبنا في برلمان وحكومة إقليم كردستان علم او دور في حماية هذا الأثر، ولكن المطلوب منهم العمل والمباشرة في الحفريات وتنظيف المكان وإكتشاف المقبرة والكنيسة ومن ثم بناء نصب لشهداء مذبحة سميل ليكون مزارا لأبناء أمتنا ورمزاً للتضحية والفداء  من أجل تربة هذا الوطن.
=========================
الهوامش:     

   - - يقول العقيد جرالد دي غوري، الملحق العسكري البريطاني ببغداد في كتابه "ثلاثة ملوك في بغداد" الذي ترجمه وعلق عليه سليم طه التكريتي، مكتبة النهضة العربية -  بغداد، ط2 لسنة 1990، يقول عن بكر صدقي  "رأيت رجلاً عراقياً متوسط العمر وذا شكل غير جذاب  ... يحتسي الوسكي، كان قفاً رأسه مسطحاً ورقبته غليظة وشفتاه تدللان على شدة الحساسية ووجه ومحياه صارمين بشكل فظيع. لقد كان وجه إنسان ولد لكي يصبح مجرماً" ص 140.

   -   تذكر المصادر الإنكليزية بأن عدد القتلى في سميل وحدها كان 315 قتيل والمصادر الآشورية تقول بأن العدد كان يتراوح بين 350 إلى 700 أما مجموع ما قتل في الحوادث وفي جميع المناطق فالتقديرات الإنكليزية تذكر 600 قتيل في حين بلغ عدد القتلى حسب المصادر الآشورية 3000 قتيل . وذكر لي ذات مرة المرحوم زيا الأشوتي الذي كان شاهد عيان للمذبحة بأنه بعد هدوء الأوضاع بدأ أفراد من الجيش العراقي بجمع الجثث المتروكة على الأرض والتي بدأت الروائح تفوح منها من شدة حرارة صيف شهر آب ووضعها في شاحنة عسكرية لدفنها في مقبرة جماعية في ضواحي قصبة سميل وكان عدد الجثث يزيد عن مائة جثة. وطبعاً المصادر العراقية تذكر رقماً أقل من هذه الأرقام بكثير حيث لم يكن هذا الحدث حسب إعتراف المندوب العراقي لدى عصبة الأمم إلا مجرد وقوع بعض التجاوزات من قبل الجيش العراقي على الآشوريين.

   -  بينما يقول العقيد جيرالد في كتابه المنوه في أعلاه بأنه ولد في مدينة مكة. ص 202.


   - من المحتمل أن يكون الدكتور مأمون أمين زكي نجل الدكتور محمد أمين زكي مؤلف الكتاب الموسوعي (تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) المترجم من الكردية إلى العربية وهو كردي وكان وزيراً للمواصلات أثناء فترة مذبحة سميل وتولى عدة مناصب وزارية  ولم يتطرق إلى مذبحة سميل في كتابه هذا لأنه طبع في عام 1931 غير أن فيه إشارات كثيرة عن الآشوريين وكنيستهم تنم بشكل واضح عن الفكر العراقي التقليدي الإستبدادي تجاه الآشوريين.