ألأموات لا تذرف الدموع
رواية
نذير حبش
ألرواية التي تجسد (عدم الفاعلية) عدم فاعلية الدول ، ألمؤسسات والأشخاص، تروي تاريخاً ، يقول مؤلفها ((أروي تاريخاً لا أؤرخ لرواية)) ، تستغرق الفترة من آذار 1991 إلى ديسمبر 2002 ،تدور أحداثها في العراق ، سوريا (سجن مخابرات فرع فلسطين ، دمشق ، ومعسكر عذرا للمخابرات ، ومخيم أبو الهول) ، لبنان ، هولندا وأماكن أخرى،طبعت طبعة خاصة ، حزيران 2004 تستغرق 556 ص ، نشرها يتطلب موافقة المؤلف/الناشر ، ومن يخالف ذلك يكون تحت طائلة المسؤولية.
نقوم ببعض القطع في النص لأسباب معينة.
ألسر هو العظيم، والشيء الذي يمكن معرفته هو تافه. ألكتب المقدسة لا يمكن فهمها ، فهي إعجازٌ ، وإلا كيف تكون مقدسة ! ألمرأة المبهمة الموصدة الأبواب نعشقها، ونتيم بحبها، أما التي بجانبنا والتي نعرفها، لا نعير لها أي اهتمام. إلهنا سر من الأسرار لا يمكن معرفته، ولا رؤيته ، ولا لمسه ، ولا سماعه ، ولا ولا ...!! (فصل 55 ص 323)
إذا بشرت بما رغبت الناس به رقوك نبيا ، وإن دعوت إلى ما خالف ميولهم فأنت الرجيم. (من المقدمة ص 5)
فصل 4 جزء 2
يتلعثم سليم في جوابه ، فيختلط في حلقه الغيظ مع الألم، الذي نتج في تلك اللحظة التي كان قد تمنى لو استطاع أن يعبر بلغة أهل العصر من المتعلمين، كان يريد القول ، بأنه لا يوجد لوثر العصر كي يعطي الكاهن الفاسق (...) وأمثاله كثيرين ، جزاءه ، أو صدام حسين ليس الملك أورو ـ كاجينا ، الذي كان قد سن القوانين ليحمي فقراء الشعب من ظلم الكهان لهم واستغلالهم ! كي يحارب الفساد والفسق ويصلح من أمر الناس ، لا ، لا يوجد سوى هذا الأمل الذي يتمنى لو يكون حقيقة ـ يتنهد سليم ، أنه يخالجه الشك ، فهو غير متأكد مما سوف يؤول الأمر إليه في الآخرة ـ فلم يجد سوى هذا الأمل ، ملاذه الأخير والذي لا يحتاج إلى تعليم عال ، يتنهد بألم وبنوع من الحسرة ، وبصوت خافت.
ألله سبحانه هو الذي سوف يجازيه على فجوره وعلى ما نهبه من الشعب.
وكيف صبروا عليه كل هذه الأيام ، وقبلوا أن يدنس ثوب الكهنوت ، ويتسائل أيوب عن الذي استطاع كشف سر هذا الكاهن، ومن الذي فضح سره ؟
لقد نكأت الجرح ، وهذه مصيبة أكبر من الأولى.
ود سليم لو تقيأ ما حشوته الأيام من غيض بسبب هؤلاء الفاسقين ، اللذين يظهرون أمام المجتمع بألف ثوب وثوب.
زميلاً له ، كاهن ، دس له المصورة ، يعرفون بألاعيب بعضهم البعض.
وما زال يلح على أيوب هذا التسائل ، ويدور في رأسه.
ولكن لماذا حتى الآن ؟!
أووه ، تعيدنا إلى الدرج الأول ، سليم الذي يقل بما يقارب عشرين عاماً عن صديقه أيوب، هو أكثر معرفة بما يدور في المجتمع ، ولا تنقصه الفطنة.
ربما تخاصموا فيما بينهم على الرئاسة ، أو على المال ، أو على .. ، ويبتلع الكلمة الأخيرة ، وينتفض سليم ويصعد الدم الحار إلى وجهه ، ولم يكمل عبارته..ويخمد حنقه.. كما قلت "دعنا نواجه وجه ربنا قبل أن يزل لساننا "
وعادت ذاكرة أيوب تنبش ، بعد أن أنشطها سليم بخبر هذا الكاهن ، فتذكر الكاهن الذي مات بحادث طريق ، عُرف لدى أهل المدينة " بحادث التركتور ".
وماذا عن عن (أبونا) الذي مات بالتركتر (التركتور) ، ألم تعرف الحكومة من قتله ؟
أتقصد (أبونا) (...) ، سليم بعد أن أدار نظره إلى صاحبه وأعطاه كيس تبغه ، وكان قد عاد إلى هدوءه المعتاد.
هذا التبغ جاءني البارحة ، عمّر منه لفافة ، لأرى إن كنت قد أصبت هذه المرة في الشراء.
تبغك حاد دائماً ، أيوب لجارة ، أنت تحبه هكذا ، وتلقي باللوم على البائع الكردي.
بعد إبتسامة هادئة يرسمها سليم ، التي تلازمه عندما يدرك أصحابه بعض صفاته الحقيقية ، وخبايا فكره ، دون أن ينسى الجواب لسؤال صاحبه.
لقد مات..والذي يموت لا يعود ، كما يقول المثل.
نعم كما قلت ، الذي يموت لا يعود ، ولكن ... (ص26)
وماذا "ولكن" ؟ بعد مقاطعته لجاره سليم ، تريد أن تقول لماذا لم يجدوا صاحب التركتور ، أليس هذا ما تود قوله ؟
في أيامنا كنا نتسابق الغزلان جرياً ، وإذا كان بمعية الشخص فرس فلم يكن يعص عليه ، لا أرنب ولا غزال ، يردف أيوب ، فكيف لم تستطع الحكومة بما تمتلك من هذه الآلات في هذه الأيام ؟!
لو كانت الحكومة تريد أن تعرف من قتله لما مات أصلاً ! وينفذ من جوفه بعض من الحصرة ، التي اختلطت مع الدخان الذي نفذه سليم من لفافته.
ماذا تريد أن تقول ؟ أصبحت تتحدث كأولاد المدارس في هذه الأيام. لم يستطع أيوب فقه ما يرمي إليه صاحبه أبو يعقوب.
وهل نسيت إننا شمامسة ، أنا وأنت ؟ دون أن يخفي سليم بعض من الإفتخار ، وبما تعلموه من طقوس كنسية لا تقل أهمية عما تعلمه مدارس الدولة.
شمامسة يا أبا يعقوب ، نحفظ كلام الرب ، ونسبح باسمه..لكن أولاد هذه الأيام يتكلمون كلاماً لا نفهمه..كدت تنسيني ما كنت أريد قوله .. تذكرت ، عن (أبونا) الثاني الذي كان معه في السيارة ، ألم ير التركتور وسائقه ؟
يقول أنه أغمي عليه عند لحظة الحادث ولم ير شيئاً ، ودون أن ينسى سليم تبطين كلامه ، تعرف التركتور هذا الزمان ، صغير بحجم العصفور الدوري ، ليس مثل محراث أيام زماننا !
وهكذا ضاعت الطاسة ، بالكاد أسمع نفسه أيوب ، ويدعو بالرحمة للكاهن. (ص 27)
كما تقول " وضاعت الطاسة " و (والد أبونا) الآخر ، الذي مات في التحقيق كشاهد ، وهو في آخر أيامه ، لا يبصر أكثر من شبر أبعد من قدمه ، وضاعت الطاسة ، ويكرر سليم مع نفسه العبارة مرات ، وتخفت وتيرة الكلمات ((وهكذا ضاعت الطاسة)).
يتبع جزء 3
.....................................
* حادث التركتور ، المقصود موت القس (عبد المنعم بلو) وكان بمعية القس (لويس القصاب). هرب صاحب التركتور ولم تعرف هويته.
* ألكاتب كان من اللذين وقفوا على السيارة المتضررة ، وكانوا المعنيين قد نقلوا إلى المستشفى ، بعدها أذيع أن أحدهم قد مات.
* يجب معرفة أننا لا نسرد التاريخ كما اعتقد البعض بل (روح التاريخ) أحياناً ، وتوظّف أحياناً بعض الحوادث للغرض الروائي.