المحرر موضوع: هل غاب نور قنديل ام هاشم عن مثقفينا  (زيارة 785 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل shrok

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 2
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل غاب نور قنديل ام هاشم  عن مثقفينا


شهدت الساحة الثقافية العراقية انحسارا وتراجعا في دور المثقف العراقي وخفوت صوته في المشهد السياسى الى الحد الذى دفع البعض الى الاعتقاد بانتهاء صلاحيته فى حين وصف البعض الاخر المشهد الثقافي برمته بظاهرة صوتية و ان المثقف اصبح يعيش عصر المحاق وعلى صعيد اخر ظهرت اصوات اخرى مجلجلة صادحة فاعلة ومؤثرة فى المحتمع من خلال المزاوجة بين السلطة السياسية و الروحية مراهنة بذالك على عمق البعد الديني في الشخصية الشرقية وترافق فكرة الايمان بتقاليد وطقوس ذات ملامح دينية، يقدسها ويتباهى الكبار والصغار في تقديسها وحمايتها، لدرجة يعد من يخرج عليها مارقاً على الدين و قيمه ويكو ن عرضة للتكفير وهدر دمه بحجة الردة  وساعية لاحداث التغير في الواقع الاجتماعي من خلال بعض الاصطفافات التي نشهدها اليوم و المتمثلة بالتيارات التي ترفع راية الدين واستبدال ثقافة المجتمع بما تسميه بثقافة دينية ولكن في جوهرها مفرغة من كل القيم و المعاني السامية التى تكفلها كل الاديان ولعل فى مقدمتها اكفال الحريات و تحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية و العيش الكريم و المواطنة الغير المنقوصة  بعيدة عن الدين او المذهب او العرق   الخ  ولكن هذه القوى تبنت التدين السطحى و الغير المكلف الذى يجعلها فى الخطوط الخلفية لمواجهة الفساد و الاعوجاج و الترهل الذى بدا يظهر في اداء الحكومة و افسد الحياة السياسية و الادارية و عطل التطور الطبيعى للحياة الاجتماعية  فبدلا من مواكبة عصر السماوات المفتوحة بداءنا نشهد عهد العقول المغلقة و العودة مئة سنة ضوئة الى الوراء وبداءنا نتلمس الاثر السلبي وانعكاسته بشكل مروع على مجتمعنا من خلال نشر هذه الثقافة التي تستلب العقول و تعطلها وتربطها بالافكار الماضوية وتلعب على الوازع الروحى وفكرة المخلص في الثقافة الشر قية  فيصبح المجتمع فريسة سهلة لهذه السياسات الروحية فنعود نعيش في الماضى مرة اخرى وندخل عصر الاساطير ونعيش ونموت باحياء الشعائر الدينية علنا نجد فيها الملاذ الامن و نبحث عن المنقذ يرفع عنا الظلم و القهر و يفك كربتنا  فالمجتمع سلبت ارادته واصبح فريسة سهلة للارتماء في احضان الغيب و الاساطيرو الإيمان بالقدرات الخارقة لأوليائه وبالمعجزات التي تحصل وفقًا لمدى تقوى وإيمان الفرد بالمقام او الضريح الذي يرتاده  فالفقر والقهر و الامراض ابتلاء من الله والاقصاء والقتل قضاء وقدر فنحن امام ظاهرة تستشري في المجتمع تستوجب الوقوف عندها بكل معطياتها والتعاطى معها بكل حكمة وجدية للحد منها في المستقبل والتى تصب فى نهاية المطاف في مصلحة السلطة وتدرء عنها ثورة و غضب الشعب مادام المجتمع وفق  هذا التصورالفكري والدينى يحكم بعلاقة الانسان بالمطلق وتفسر أحداث المجتمع سلباً وايجاباً في ضوء  هذه العلاقة الجدلية
وهنا يبرز التساؤل عن دور المثقف ومدى فاعليته واسهاماته لتصدي لهذه الثقافة المعطلة لتطوير المجتمع  وتعثر مسيرته نحو الديمقراطية  للحاق بالمجتمعات المتمدنة التى تكفل الحريات وتحقق المساواة و العدالة الاجتماعية  وتؤمن بالافكار التنويرية التي تخرجنا من عصر الظلمات    ترتقى بالوعي الاجتماعي وتنهض بالمجتمعات و
  فاى قراءة للمشهد السياسى الحالى تبين بما لا يقبل الشك غياب دور المثقف على الساحة السياسة وتراجع دوره الى الصفوف الخلفية في الثقافة الوطنية  في حين نشهد هيمنة واضحة لفقهاء و وعاض السلاطين على عقول و سلوكيات شرائح واسعة فى المجتمع وللوقوف على هذه الظاهرة السلبية ومعالجة انعكاساتها و تداعياتها على المجتمع لابد من تفعيل دور المثقف وهذا يتطلب ترك مقعده الخلفى والقفز الى الخطوط الامامية ان جاز التعبير والتحول من مثقف امن الى ثوري متقد مستعد لمواجهة السياسات الخاطئة والتعرض للملفات الشائكة والترهل و الفساد فى جميع مفاصل الدولة و هذا لن يتحقق مالم يغادر المثقفون جيبهم الامن وينزلوا من ابراجهم ويلتحموا بالشعب و يحتظنوا ثقافته الشعبية بكل ارهاصاتها وسلبياتها دون الاستعلاء او المساس بالجوانب الروحية المتغلغلة فى النفس الشرقية  والكف عن الخطابات السياسية الطويلة كالموشحات الاندلوسية  والبلاغة والديباجة والتخلى عن النظرة الفوقية في مخاطبة العامة ولانشاد التغير في مجتمع محكوم بالموروثات الاجتماعىة و الدينىة لابد من مخاطبة الناس على قدر عقولهم والا اي جهد او محاولة للتغير فى غير هذا الاطار مصيرها  الرفض و الفشل ويصبح المثقف عرضة للتكفير ومستهدفا في وجوده و كيانه 
المشهد هنا يعيد نا بالذاكرة الى  قنديل ام هاشم) رائعة الكاتب والروائى المصري يحيى حقى والتى اصبحت لاحقا فلما سينمائيا فحققت انتشارا و نجاحا كبيرا وعاشت فى الذاكرة ليومنا هذا فالصراع الثقافى بين الحضارةالاسلامية بايمانها ومعتقداتها الشعبية كايمانها بالمراقد والاضرحة الدينية والتى قد تقترب من الخرافة كمفهوم الوالى وقدسيته فى الوجدان الشعبي بما يتميز بسمات اسطورية خارقة تجد فيه العامة  المنقذ والمخلص  لمعاناتها وقساوة واقعهاالذى تعيش فيه وبين الحضارة الغربية و البون الشاسع بين الثقافة الشرقية و الثقافة الغربية  اي النزعة المادية مقابل النزعة الروحية و النظرة العلمية مقابل النظرة الغيبية  تلك هى التيمة او المحور الاساسى للقصة 
 وتتجلى ملامح « الولاية » في قصة قنديل ام هاشم  بضريح السيدة زينب. وأم هاشم هي السيدة زينب بنت الامام علي، ولها ضريح مهيب في القاهرة . ويمثل ضريحها محوراً جوهرياً فى احداث القصة . وهو في الأصل مركز جذب اجتماعي لما يحمله  المكان من معانى روحية فى وجدان العامة
هكذا  فقد عاشت أسرة اسماعيل بطل القصة في رحاب السيدة  زينب وحماها حيث اتحذت لها سكنا بجوار ضريح السيدة زينب الملقبة بام هاشم فضبطت ايقاع حياتها على  أعياد و مواسم السيدةّ زينب حتى غدا مؤذّن المسجد ساعتها.
فعائلة إسماعيل تعيش متعلّقة بهذه الروح لا ترى الحياة إلا من خلالها، وبقدسيّتها. وكلّما حدث أمر جيّد يعزى هذا الأمر إلى كرامات أم هاشم (كتوسّع تجارة الأب في القصّة)
فسماعيل يمثل تلك الشريحة او النخبة من المثقفين الشرقين الذين نهلوا العلوم المعاصرة في الغرب ويعود بعد سبع سنوات من المثاقفة في اوروبا مزهوا بثروة ثقافية وعلمية وحضارية ليجد مجتمعه قد ازداد بؤسا وجهلا وكانهم يعيشون خارج الزمن
هنا تبدءا اشكالية البطل في القصة  و يتفاجىء بان فاطمة ابنة عمه وخطيبته توشك ان تفقد بصرها وامه تداويها بزيت قنديل ام هاشم
فيثور ويغضب لهذه المهانة و هو طبيب عيون مشهود له في كبري جامعات انكلترا  ليرى بأيّ وسيلة تداوى خطيبته فيقرّر تحطيم قنديل أم هاشم، فهو سبب "عمى العيون" وخرابها برأيه، لذلك يتعرّض للضرب والتنكيل من "أتباع ومريدي" القنديل .
ولكنه يحاول بعد ذلك معالجة فاطمة  اي خطيبته كى يثبت مصداقيّة علمه إلا أن محاولته -ويا للمفاجأة- تبوء بالفشل،
الصراع بين إسماعيل والقنديل، هو الصراع بين العلم وبين الإيمان بالمعتقدات الدينيّة والسلوكيّات الاجتماعيّة الناتجة عنها فالقنديل هنا تعبير عن قدرة المطلق (الله) الذي يحكم ويتغلغل في النفس الشرقيّة  فالتفسير الرمزي لاخفاق اسماعيل في تحقيق الشفاء لعيني ابنة عمه في البداية كان بسبب اسلوب تعاطيه مع مجتمعه بنظرة علمية احادية  واغفال البعد الروحى الذي لايمكن الغاؤه في ثقافة الشرق  ولكن  كيف يمكن أن تحل هذه  الاشكالية وينتهى هذا الصراع لقد طرح المؤلف  يحيى حقّي فكرة التوفيق بين العلم والإيمان. إذ من الواضح أنّ إسماعيل لن يستطيع أن يخترق بأفكاره مجتمعًا عاش مئات السنين على الإيمان بالقدرات الخارقة لأوليائه وبالمعجزات التي تحصل وفقًا لمدى تقوى وإيمان الفرد – فينتزعها ويغيّرها بعلمه   فنشهد بداية التحوّل في موقف البطل في ليلة القدر ، حيث تغمره الذاكرة ويعود ليحتضن تراثه وحضارته، فهي امتداده الثقافيّ الذي لا يمكن له أن ينفصم عنه. وبذلك، نجده - يتصالح مع معتقدات مجتمعه ويسخّرها لمصلحة الإنسان بمرافقة العلم الذي اكتسبهّ فياتى شفاء فاطمة  على يده  دليلا على صحة هذه المزاوجة بين العلم و الايمان   واخيرا اود ان اقول بان الثقافة ليست متعة  بل ورسالة وملف شائك لايخلوا من الخطورة  وخاصة في هذه المرحلة  فالوقت عصيب ولاهامش يتحمل التخرصات والمهاترات التى تستنزف طاقة وجهد المثقف بل تزيد من محنته فالثقافة ارادة شعبية ورؤية تصالحية  ملتحمة بالنسيج الاجتماعى واحتضان الواقع بكل سلبياته ومواجهة فكرية للفهم الخاطئ للدين ولتحقيق هذه المعادلة وتفعيل  دورالمثقف لابد للمثقف ان يلتحم بشعبه فالفكر مع المجتمع صمام امان وبانسلاخه عنه لاقيمة له
اليس خير العلم ما نفع الناس  وقد تجلى هذا بوضوح فى بطل القصة  عندما بدا ملتحما بجماعته بعدما كان يزدريهم فبدا وهو يستقبل المرضى في بيته وكأنه يشبه الضريح الى حد انّ هذا المنزل « يصلح لكل شيء إلا لاستقبال مرضى العيون . فالزيارة كانت بقرش واحد فقط وتجلت ملامح البساطة والزهد في زيه ومظهره  واذا كانت السيدة زينب تمثل المنقذ والمخلص القديم الذى  يعيش في وجدان الشعب، فان اسماعيل هو الآخر بدا وكانه المنقذ الجديد بقي بعد رحيله « يذكره أهل حي السيدة بالجميل والخيرو يسألون الله له المغفرة
 يظهر إسماعيل في آخر حياته نموذجًا للمثقف القادر على إعادة بناء مجتمعه من خلال احترامه لعقليّة وطبيعة هذا المجتمع، وتقديم العلوم الحديثة له بطريقة متناغمة مع الحلفية الثقافية والدينية  للمجتمع  تلك كانت الوصفة السحرية التى خلص اليها الكاتب لتتكلل جهود بطله بالنجاح مااتمناه ان لاتغيب هذه  الرؤيا عن اذهان مثقفينا وبرامجهم في المستقبل

شروق البصري
 
   
 .