المحرر موضوع: سوريا: هل كان قرار الجامعة العربية حكيما..؟؟!!  (زيارة 1674 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي
سوريا: هل كان قرار الجامعة العربية حكيما..؟؟!!

باقر الفضلي

ربما.. وأقول ربما للتخفيف من وقع فرضية التكهن؛ بأن أمريكا ومن ورائها حلفائها من دول حلف الناتو، كانت تنتظر وعلى أحر من الجمر، اللحظة المرتقبة والخطوة المنشودة والمتخذة من قبل الجامعة العربية، بعد أن نجحت وللمرة الثانية خلال ثمانية أشهر، من دفع شركائها من عرابي جامعة الدول العربية، بتهيئة الأرضية المناسبة للغطاء القانوني والشرعي، للتدخل العسكري، بكل أبعاده اللوجستية والإقتصادية، لتفرض ما سبق أن قررته بالنسبة للشأن الليبي وما تحضره اليوم بالنسبة للشأن السوري، ولتنفرد أخيراً وبكامل مشيئتها، من تحقيق أهدافها المرسومة للمنطقة؛ فأمريكا وحلفائها في حلف الناتو هم من يرفع اليوم راية "التغيير" في المنطقة، وهم من رعى ويرعى قولاً وعملا، وبالمؤازرة اللوجستية والإعلامية لدول التعاون الخليجي وعلى رأسها قطر والسعودية،  "الربيع العربي" الذي إقترنت به ما أصطلح عليها ب"الثورات العربية" فأي غرابة أن تصبح سوريا الهدف الجديد في خطة الطريق الأمريكية المرسومة لمنطقة الشرق الأوسط، بما تكتنزه من مصادر الطاقة الرخيصة من نفط وغاز..!!؟


فكل ما تناوله قرار الجامعة العربية الأخير والصادر بتأريخ 12/11/2011، يمهد للأرضية الملائمة للتدخل العسكري من جانب امريكا وحلفائها من دول حلف الناتو، من خلال الغطاء الشرعي والقانوني، الذي ستسعى أمريكا وحلفائها الى إستصداره من مجلس الأمن، كما هو الحال بالنسبة للسيناريو السابق في التعامل مع الشأن الليبي، وربما مع بعض التعديلات والتحويرات على الصعيد التطبيقي والتكتيكي الذي ستلجأ اليه الدول المذكورة، وهو بحد ذاته يعتبر سابقة غير محمودة العواقب بالنسبة لكافة الدول العربية أعضاء الجامعة..!!؟(1)


فأقل ما يميز محتوى القرار المذكور، إذا ما إبتعد المرء عن إشكالية لا قانونية القرار لتعارضه مع أحكام ميثاق الجامعة العربية، هو ما إتسم به من إستعجال مفرط، لدرجة لم ينتظر معه من وقعوا على القرار من وزراء الخارجية العرب، حتى أن يجف حبر كلمات (المبادرة العربية) التي اعلنتها الجامعة العربية بتأريخ 2/11/2011 ووافقت على تنفيذها الحكومة السورية، والمتعلقة بمقترحات اللجنة الوزارية للجامعة لإنهاء الأزمة السورية، ناهيك عن كونه جاء وكأنه يمثل إنعكاساً وإستجابةً لمناشدات ومطالبات الخارجية الأمريكية من جامعة الدول العربية، بعزل سوريا وإستصدار العقوبات الإقتصادية بحقها، مما أضفى على القرار حالة من الضعف الموضوعي واللاواقعية وعدم الإستقلالية، ناهيك عما شابه من تبعية واضحة للعيان للتوجه الأمريكي _ الغربي، بالإضافة عن كونه صنع الأرضية المناسبة للتوجه المذكور المدعوم بغطاء "المشروعية العربية"، لتنفيذ خطط التدخل العسكري في الشأن السوري، وتحت نفس الذرائع والحجج التي بنت عليها مشروعها في التدخل في الشأن الليبي إن لزم الأمر..!


ولعل في ترحيب الرئيس الأمريكي وقادة دول الناتو بصدور قرار الجامعة العربية بحق سوريا، بتعليق عضويتها في الجامعة العربية، والإشادة التركية المتميزة بالقرار المذكور(2)، الكثير من الدلالات على عدم الحكمة في إصدار مثل هذا القرار من قبل وزراء الخارجية العرب، في الوقت الذي تناسوا فيه، تداعيات قرارهم السابق بتعليق عضوية ليبيا، والتي جاءت وبالاً على الشعب الليبي، وعلى الوف المدنيين الذين عصفت بهم قنابل وصواريخ طائرات الناتو..!!؟(3) 


إن كل ما يقال عن إفتراضات التدخل الأجنبي في الشأن السوري، وهو في واقعه إن حصل، لا يمكن أن يكون بعيداً عن التدخل العسكري المدمر، المدعوم بغطاء الشرعية الدولية، وفي ظل عباءة "النخوة العربية"؛ إنما يعززه ما جاء في مضمون قرار الجامعة العربية آنف الذكر، وبالذات ما إحتواه مضمون الفقرة الخامسة من القرار، والتي تدعو فيه الأمين العام السيد نبيل العربي وعلى وجه السرعة( خلال أربعة أيام)، الى الإتصال بالمنظمات الدولية المعنية بما فيها الأمم المتحدة ومنها حقوق الإنسان ، لإتخاذ الإجراءات المناسبة "لحماية المدنيين" السوريين من إعمال القمع التي يمارسها النظام السوري بحقهم، في نفس الوقت الطلب من قوى المعارضة التنسيق مع الجامعة العربية بشأن «رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية المقبلة».، الى جانب دعوة الدول الاعضاء في الجامعة الى سحب سفرائهم من العاصمة السورية..!؟


  وفي هذا ذروة ما يُرتجى لتمهيد الطريق أمام إصدار قرار دولي من مجلس الأمن تحت ذريعة "حماية المدنيين" جرياً على ما جرت عليه العادة في إستحصال القرار الخاص بليبيا سابقاً، ليضفي بذلك "شرعية دولية" على التدخل العسكري الذي تحتاجه أمريكا وحلفائها في الناتو ومنها الجارة الشمالية تركيا بما تخطط له من إنشاء "ملاذات آمنة" مدعومة ب"الحماية الدولية" على الحدود السورية _ التركية، لتستخدم في النهاية بمثابة قواعد إنقضاض معاكس للمعارضة ولتجميع السلاح عندما تتفاقم الأحوال الأمنية، إضافة لمن يلوح بطلب ذلك التدخل من بعض أقطاب المعارضة السورية، دون مراعاة لما قد يستتبع ذلك من دمار وكوارث إنسانية لا يمكن للمرء التكهن بحجم نتائجها، ولا بعواقبها الوخيمة على مستقبل الأجيال..!؟


لقد كان في المبادرة العربية، التي إقترحتها اللجنة الوزارية للجامعة العربية على النظام السوري، في الثاني من نوفمبر الجاري، ما يفيد من الأسس والإجراءات، بما يساعد على التخفيف من وطيس لهيب الأزمة، وما يدفع بما يساعد على حقن الدم السوري، وما يضع النظام أمام مسؤولياته في تحقيق الإصلاحات المطلوبة، لو جرى حقاً التمسك بالموقف العقلي والحكمة المطلوبة، من قبل جميع الأطراف المعنية وفي مقدمتها الجامعة العربية، بإعتبارها الجهة الأكثر وجاهة والأقرب الى جميع الأطراف على الصعيد الرسمي والشعبي، ولها في ميثاقها من الإلتزامات ما يؤهلها للتفتيش عن الحلول الأكثر صلاحية وسلمية في حل إشكالية أزمات دولها الأعضاء..!!


ولكن وعلى عكس ما تقدم، فقد إندفعت الجامعة المذكورة، وعلى الرغم من جميع حججها ومبرراتها،  بالقفز على مبادرتها المشار اليها في أعلاه، لتنتهي وخلال فترة قصيرة جداً من إقتراح تلك المبادرة، الى إصدار قرارها بتعليق عضوية الدولة السورية، بكل ما قيل بصدده مما تقدم، لتقطع الطريق أمام جميع سبل الحل السلمية، ومنها طريق الضغط على النظام في الإستجابة لبنود المبادرة، ومنح الشعب السوري فرصته في فرض طلباته المشروعة، مما أسدل على المبادرة نفسها جداراً من الصمت، يتماهى مع تصريح وزير الخارجية الفرنسية، الذي أعلن عن موت المبادرة بعد صدورها مباشرة ويا للغرابة..!!؟


من هذا المنطلق، وإن كانت تداعيات وعواقب قرار الجامعة العربية    في إساسها إفتراضية حتى هذه اللحظة، رغم أنه مصرح بجواز حدوثها وفقاً لتصريح السيد برهان غليون رئيس أحد كتل المعارضة "المجلس الوطني السوري" في تصريحه في موسكو 15/11/2011(4)، لا يجد المرء أمامه من خلال هذا المشهد الضبابي المشوش والملتبس حتى بالنسبة لقوى المعارضة السورية نفسها، غير الدعوة الى التعقل والحكمة في مثل هذه المواقف، مهما بلغت مبراراتها وأسبابها ومرارتها، لما ما يحتمل أن يجره الإنخراط في مثل هذه الحسابات، من تداعيات خطيرة على مجمل مسيرة الشعوب في نضالها من أجل التخلص من جبروت أنظمة الإستبداد والدكتاتورية والحكم الفردي، فعمره ما كان التدخل الأجنبي طريقاً حافلاً بالمسرات، إن لم يكن الطريق الى جهنم دائماً مفروشاً بالنيات الحسنة؛ وفي تأريخ الشعوب على إختلاف سننها ومشاربها، القريب منها والبعيد، الكثير من حكم ومعاني الأحداث،  ما يجدي لمن يتبصر بعواقب القرارات السريعة، ولمن يستعجل النتائج قبل حلول آوانها...!؟
14/11/2011       
___________________________________________     
(1)   http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE7AB0J920111112?sp=true
(2)   http://arabic.cnn.com/2011/syria.2011/11/13/Syria.Suspension-reax/index.html
(3)  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=281800
(4)   http://ar.ria.ru/aworld/20111115/372653602.html