المحرر موضوع: جسر الدلال.. شاهد على التاريخ  (زيارة 1487 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خالد شعيا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 95
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                                     جسر الدلال.. شاهد على التاريخ
من منا لا يعرف جسر الدلال ؟ من منا لم يشاهده او سمع عنه على اقل تقدير ؟ انه ذلك الصرح الشامخ لمئات السنين في تلك المنطقة الوعرة والمتموجة من شمال العراق والمسماة بمدينة زاخو, والغريب في الامر بأن تاريخ انشاءه  تحديدا غير معروف حيث هناك العديد من الروايات والاساطير بهذا الشان. ما يهمنا من هذا الصرح انه بقي شامخا يراقب عن كثب الاحداث والمأسي التي مرت بتلك المنطقة واهلها وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد وتشريد . اذ ومنذ مئات السنين كانت هذه المنطقة مسرحا للعديد من الهجمات والغزوات التي كانت تقع بين الفرس والرومانيين وبعدها بين الفرس وغيرهم من الاقوام الاخرى قتارة كانت الكفة تميل الى الفرس وتارة اخرى الى الرومانيين اوغيرهم وكان في كل مرة وفي كل هجمة تقع يكون اهل المنطقة واهل الجسر بالذات هم الضحية علما بان لا ناقة لهم ولا جمل في كل  تلك الاحداث والغزوات والى زمن قريب فقد بقت هذه المنطقة مسرحا للعديد من المأسي التي كانت تدار رحاها في تلك المنطقة, ليس لذنب الا لكونهم اناس بسطاء تعلموا من شريعتهم المحبة والتسامح ولكن هذه الصفات لا تروق للمعتدين . وكانت الاهالي تنظر الى جسر الدلال الشامخ هناك لتستمد منه القوة والعزيمة وتتمسك بالارض جيدا ارض ابائها واجدادها مثلما هو متمسك بها لا يفارقها بكل قوة وصلابة, بقناطره واعمدته التي تأكلت بمرور السنين ولكنها شامخة وقد امتلئت جدرانه وحجارته بقصص ومأسي تحكي كل انواع القتل والاضطهاد الذي شاهده اهل المنطقة والمناطق المجاورة الاخرى على ايدي المعتدين وعند قرائتك للتاريخ ترى بانه لا تمر حقبة من الزمن الا وتمر معها احداث مروعة على اهالي جسر الدلال ويكون هو شاهدا عليها.
وبعد كل هذه السنين وبعد كل هذه الويلات انتظر اهل الجسر طويلا لينالوا أمنهم وأمانهم وبالكاد بدؤا يلمسون جزءا من الحرية التي طالما تمنوها معوظين بذلك عن سنين عجاف وتضحيات كبيرة بالمال والبنون وبعد كل ذلك الصبر تنفس بعضهم الصعداء وقالوا في قرارة نفسهم ها أن الزمن الغابر قد ولى , وها ان دخان البارود ورائحته قد تلاشت فالنبدأ من جديد حياة فيها الكثير من الامل والنجاة  فقال بعضهم هلموا نذهب مسرعين الى حقولنا ومزارعنا التي تركناها من سنين نزرع فيها ما نشاء ونجني ونحصد ما نشاء اذ لم يعد هنالك  بعد من هو مختبيء في الكهوف ومغارات الجبل يراقب ويتحين الفرص لينزل وقت الحصاد يسرق ويقتل ويخرب ويولي هاربا تاركا وراءه بصمات القتل والاجرام.
وقال اخرون هلموا نذهب الى تجارتنا لنبيع ونشتري ما نشاء اذ ان الحال قد تغيرت اذ ليس هنالك بعد من يغدر بنا كما كان في الماضي القريب وكأنه يقوم بعمل بطولي متناسيا بأن التجارة هي صدق وأمانة قبل كل شيء.
وأخرون قالوا تعالوا نذهب الى مدارسنا ,الى دوائرنا ,الى اعمالنا الاخرى لاننا قد اصبحنا متكافئين مع من كان يتربص لنا في الماضي للاعتداء علينا او النيل منا اذ ان الحياة قد تغيرت واصبح المتميز والمجد هو المفضل والمخلص في عمله هو المرحب به فلما لا ؟ وفي خصائص اهل الجسر الكثير من هذه الصفات لماذا لا نستغل الفرص وهو حق مشروع للكل مثلما هو حق مشروع لنا لماذا لا نتنافس مع الكل للحصول على مرتبة او شأن عال يليق بصفاتنا ومثابرتنا .
واخرون غيرهم تكلموا وهمسوا كل حسب افكاره وحسب امنياته التي رأها او حلم بها .
وبعد كل هذه التأملات والتخطيط, وبعد كل هذا التفائل نظروا الى الجسر ليقولوا له كفاك شموخا ايها الجسر اذ تستطيع الاسترخاء الان وتتوقف عن مراقبة الاحداث وان اردت ان تراقبها كما هي عادتك فانك سترى الجيد منها فقط وستدون هذه المرة انجازات اهلك الجيدة وسترى كيف ان اهلك بعد ان كانوا في الامس القريب مضطهدين اصبحوا اليوم متساويين مع غيرهم واصبح لهم شأن ومكانة وانهم استطاعوا ان يعوضوا ما فاتهم وما اصابهم من قتل ودمار واضطهاد على ايدي اناس ظلوا طريقهم وتحزموا بكل وسائل التدمير والتخريب .
نعم ايها الجسر ايها الشاهد على التاريخ ابتدأ من الان تدوين وتسطير انجازات اهلك, تدوين ما يستحقونه من العمل والاخلاص ما يستحقونه من الجد والمثابرة التي تعودوا عليها.
لكن الجسر وكعادته وخبرته كل هذه السنين تريث قليلا وتلكأ في ذلك ناسيا او متناسيا ما اراده منه اهله مما اغضب اهله واصابهم الدهشة في تباطئه هذا,
اذ انه كان مقتنعا تماما بأن حالة النشوى هذه انما هي حالة مؤقتة وان خبرته قد علمته بأن المضطهدين سيبقون مضطهدين وان المعتدين سيبقون معتدين ومهما تغير الزمن وتغيرت معه مظاهر الحياة وتحدثت الاشكال من الخارج فقط وتزينت تبقى النفوس هي نفسها ويبقى التعصب هو ذاته ويبقى عدم القبول للغير سائدا ولا يحتاج ذلك الى جهد لاظهاره ولا الى سنين لرعايته وتنشئته , اذ انه جاهز دائما وكل ما يحتاجه اليه فقط هو بعض الكلمات والخطب الحماسية وبعض الدعايات المغرضة وما اكثرها عندهم اذ ان شاغلهم هو ترتيب الكلمات وتأجيج المواقف لينقلب الوضع رأس على عقب وتذهب فرحة السنين القصيرة ادراج الرياح وتلتهب المنطقة  ويهرب اهالي الجسر ثانية للبحث عن مخبيء جديد ليقيهم من الموجة الجديدة ومن النار المتأجج  مذكرة اياهم بالغزوات القديمة التي مرت على ابائهم واجدادهم من قبل تاركين الجسر وحده شامخا مراقبا للاحداث وباحثا بين ثنايا جدرانه واقواسه وبين حجارته المترهلة لعله يجد مكانا شاغرا يكتب فيه ويدون احداثا جديدة ومأسي تمر على اهله وحرائق تلتهم ممتلكاتهم في غزوة جديدة , في ازمة حديثة , في حالة يرثى لها ليعود ثانية ويكون كما كان سابقا وسيبقى الى الابد................ شاهدا على التاريخ . انه جسر الدلال .............جسر الحكايات والقصص.


                                                                                 خالد شعيا
                                                                             ساسكاتون - كندا