المحرر موضوع: سوريا: إشكالية التغيير و"التدخل الأجنبي"..!  (زيارة 2830 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

سوريا: إشكالية التغيير و"التدخل الأجنبي"..!
 
باقر الفضلي

لا أظن بعد سماع كلمات السيد برهان غليون، رئيس تجمع ما يسمى ب "المجلس الوطني السوري" المعارض، في إجاباته على أسئلة مراسلة وكالة أنباء  DW_TVبتأريخ 26 /9/2011،  ما يدفع للشك أو للتكهن بما قد  تؤول اليه الأوضاع في سوريا، وطبقاً لمنطلقات السيد غليون، من إنزلاق الى المجهول والى مصير لا يتمناه المرء حتى الى عدوه، كما يقول المثل العربي..!؟ (1)

فالسيد برهان غليون ومثله السيد عبد الحليم خدام، وهما يعتبران اليوم من أقطاب المعارضة السورية المتواجدة في الخارج والمدعومة من قبل ما يدعى ب "المجتمع الدولي"، تراهما يقفان في مقدمة الداعين، بل والساعين الى جلب التدخل الأجنبي بالشأن السوري، بل وربما الأخير منهما في لقاء مماثل مع bbc، يذهب أكثر بعيداً في طلب التدخل العسكري، عن طريق مجلس الأمن،  أو على حد ما  أسماه السيد خدام  ب  "المجتمع الدولي"، من أجل إسقاط النظام القائم..!(2)


وليس من باب الغرابة في شيء، أن يتبادر للذهن، ما يمكن أن تكون عليه الحجة والسند الذي يعتمده الداعون الى "التدخل الأجنبي" ، لتبرير ما يدعون اليه، مع عمق علمهم وتيقنهم بضخامة وهول حجم الكارثة الإنسانية والإقتصادية والتراثية والحضارية، التي سيلحقها مثل هذا التدخل بحال الشعب والوطن، لو قدر له الحدوث؛ ويكفيهم في ذلك مثلا، ما لحق بتلك البلدان التي سارت "بعض معارضتها" على هذا الطريق، من دمار وخراب وكوارث إنسانية، لا زالت شواهدها شاخصة للعيان حتى اليوم، هذا في وقت لم تعدم فيه الحياة، السبل والبدائل النضالية المختلفة أمام الشعوب، لتقويم الإعوجاج وإصلاح ذات البين ، ولكن ليس منها الإنتحار وإهلاك الضرع والزرع وتدمير الضياع والعمران؛ فالشعوب المظلومة ما أنفكت تجترح المعجزات..!!؟


ف الحجة بما فيها وما عليها، والتي يعتمدها دعاة "التدخل الاجنبي" كذريعة لطلب هذا التدخل، فإنها ومهما بلغت مؤشرات وملامح وجودها كحقيقة ملموسة في الواقع، تظل محكومة في إستمرار ذلك الوجود أو عدمه أو تغييره،  ب إرادة شعبية جمعية، تجد تعبيرها، وفي معظم الحالات، في تجسيد شعبي عام، يأخذ في الأعم الأغلب أحداً من أشكال مختلفة، كالإضراب أو التظاهر أو الإعتصام، أو كألإنتفاضة أو الوثبة أو حتى الثورة الشعبية، كدليل جمعي وحسي ملموس على رفض النظام القائم في حينه، وذلك  بتغييره أو المطالبة بإجراء إصلاحات معينة ومحددة في بناه الهيكلية و...الخ من المتغيرات الدستورية والقانونية..!   


فإنه وإستطراداً مع دعوات الداعين للتدخل الأجنبي في الشأن السوري، لدرجة تدويل الأزمة السورية وإحالة ملفها الى مجلس الأمن والجري وراء ما يمكن أن يقرره المجلس المذكور من قرارات تمهد الطريق أمام دعاة التدخل لقلب نظام الحكم القائم والتسلم  أخيراً مقاليد السلطة، وليس مهماً بعد ذلك ما يمكن أن يؤول اليه تطبيق تلك القرارات على صعيد الواقع من تداعيات أقل ما يقال عنها، أنها ومهما بلغت من رقة وإنسانية في "حماية المدنيين"، فلا تكون في أحسن الأحوال بأفضل من سيناريو التدمير الذي تعرضت له ليبيا بهدف إسقاط النظام..؛ أقول ومن هنا تصبح الدعوة للتدخل الأجنبي بهدف "التغيير" ، وبشكلها المعلنة به من قبل أشخاص محددين، أو تجمعات سياسية تشكلت لهذا الغرض؛ إنما تمثل قفزة في هواء ساخن، وإنطلاقاً من على أرضية هشة، لن تقوى بعد على حمل كل ثقل تلك التراكمات اللاإنسانية، التي باتت تمثل ظاهرة كالحة لكل نظم الإستبداد في العالم منذ القدم وفي الحاضر...!؟


فحيثما تقترب فيه تلك التراكمات من  حدود الأزمة على الصعيد الإجتماعي، وفي وقت لم تبلغ فيه بعد، أدوات وآليات التغيير المطلوب، ذلك المستوى من القدرة والنضوج، بما يتناسب وإمكانية إدارة حالة الصراع الداخلي القائمة في المجتمع لصالح التغيير؛ وبالخصوص، عندما تكون فيه محددات الصراع الداخلي، وفي مقدمتها حالة التوازن في ميزان القوى بين أطراف الصراع الداخلي نفسه، أكثر ميلاً للإتجاه المعاكس للقوى المنادية بالتغيير، حيث  السلطة والدولة في الطرف الآخر، بكل ما تعنيه من جبروت وتحكم في نهايات ونتائج ذلك الصراع، يصبح من بديهيات الأمور، أن تأتي النتائج على عكس ما أرادته وخططت له قوى التغيير في المحصلة الأخيرة، خاصة إذا ماكان العامل الذاتي لقوى التغيير لا زال يعاني من قصور منظور في القدرة والتحكم حتى درجة العجز..!


إن عدم إدراك تلك الحقيقة الموضوعية، وفي وقتها المناسب، من قبل غير قليل من قوى المعارضة الوطنية، قد دفع ولا زال يدفع، وفي كثير من الأحيان، الى ركوب أمواج التطرف في وقت وفي ظروف لم تعد بعد مناسبة لتبني شعارات متطرفة، أوإعتماد تكتيكات لم ينضج بعد آوان إستخدامها، وبالتالي فإن ما يدور من سجال حول تمسك البعض بمقولة العامل الخارجي، إنما هو نتاج ذلك الواقع المرير، والذي من أحد أسبابه الجوهرية،  إيغال أنظمة الإستبداد في القمع والإضطهاد، مما يدفع من الجانب الآخر، الى تصاعد النداءات الداعية الى الإصلاح  والتغيير، ناهيك عن الدور الذي تخطط له قوى خارجية ولمصالح خاصة، في إستغلال مثل هذا الواقع لتحقيق تلك المصالح والغايات..! (3)


  ولكنه ومع ذلك، فإن الأمر في الحالة السورية، وإن كانت لا تخرج في جوهرها وأسبابها عما تقدم، قد ذهب الى أبعد من ذلك عندما سوغ البعض من التجمعات السياسية المعارضة لنفسه، وكما ورد في أعلاه، ولغرض تجاوز حاجز التباين الملحوظ في ميزان القوى في حالة الصراع الداخلي من أجل التغيير، "شرعية اللجوء" الى سلاح "التدخل الأجنبي" بصيغته المجربة في ليبيا وما قبلها، بإعتباره الحل الوحيد أمام الشعوب التي تواجه النظم الإستبدادية، وهوسلاح وكما أثبتت الوقائع التأريخية القريبة، أن (في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب)، وفي هذا وحده ما يكفي من الدلائل والعبر والدروس للداعين الى اللجوء لمثل هذا السلاح المدمر، في نفس الوقت الذي يضع فيه النظام نفسه أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية والتأريخية في تجنيب الشعب السوري، الطامح للتغيير والإصلاح الحقيقي، ويلات وكوارث ما قد تجلبه الحروب المحتملة، وما قد يجره العنف والعنف المضاد من آلام لا حدود لها في معيار النتائج، فهل لكم  فيما يتطلبه الأمر في مثل هذه الحال، شيْ من الحكمة والتبصر يا أولي الألباب ..!!؟؟
14/12/2011
_____________________________________________
(1)  http://www.youtube.com/watch?v=6luoXjqqmlU&feature=related
(2)‫http://www.youtube.com/watch?feature=endscreen&NR=1&v=xQdc04a1BMk
(3)  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=283715