المحرر موضوع: ابناء كنيسة المشرق بين التشبث بالماضي واهمال الحاضر.  (زيارة 2129 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جورج ايشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 421
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ابناء كنيسة المشرق بين التشبث بالماضي واهمال الحاضر.

  عُرفت كنيسة المشرق، منذ بزوغ نورها في بلاد ما بين النهرين منذ القرن الاول للميلاد الى القرن الرابع عشر، بكنيسة  حاملة للواء المسيحي. اذ استطاع أبناؤها (الاشوريون البابليون) بين القرن الرابع والرابع عشر، ايصال ايمانها المسيحي القويم الى مناطق بعيدة جدًا في ارجاء المعمورة، حتى وصلت الى مجد لم تصله اي كنيسة في ذلك الزمان. ويتعجب مؤرخو التاريخ الكنسي Ecclesiastical History من قدرة رهبانها الفائقة للطبيعة البشرية في مواصلتهم لنشر الايمان المسيحي مشيًا على الاقدام، رغم الظروف القاسية التي كانت تعيشها الكنيسة في بلادهم ما بين النهرين. فدافع محبة المسيح، كما قال احد المؤرخين، طغى على كل الضيقات التي كانوا يواجهونها.  لذلك بصبرهم ودمهم واخلاصهم الا محدود، امست كنيسة المشرق كنيسة عريقة، حتى وصل عدد مؤمنيها في القرن الرابع عشر حوالي 80 مليون مؤمن.   
غير انها ومع كل الاسف، لم تثبت في ذلك المجد، فقد حُربت من قبل الشيطان بمحاربات قوية وعنيفة، من الداخل والخارج. فقد استطاع الملعون خارجيًا، ان يشعل نار الكره والحقد ضد المسيحين داخل قلوب الحكام الذي كانوا يستولون على زمام الحكم ليقتلوا ويبيدوا ابناء هذه البيعة المقدسة، كما يشهد التاريخ بذلك. وداخليًا، تلاعب الملعون، بعقول بعض الاكليريكين من الكنيسة الرومانية ومن الطائفة البروتستنتية، ليختاروا طريق بليعام، ويهاجموا ابناء هذه الكنيسة المقدسة لشقها، في زمن كان دماء ضحاياها يصل حتى الركب. ليقيموا بعد ذلك الرومان كنيسة جديدة تحت اسم الكلدانية، والبروتستانت، فرقة تابعة للخط الكلفني في ايران. وما ان اصيبت الكنيسة بداء الانشقاق عام 1858م حتى انتشر بسرعة في هيكلها، لنشهد في عام 1964 انشقاق اخر، يفرق بين ابناء الكنيسة الواحدة، لتكون لكنيسة المشرق الرسولية بعد ذلك صفات دخيلة كـ (الاشورية والكلدانية والقديمة) والتي وضِعت فقط لزيادة الانشقاق بين ابناء الكنيسة الواحدة.
 واليوم، في وسط هذا الانقسام، كل فرع من هذه الافرع الثلاثة المنشقة عن كنيسة المشرق، يفتخر بمجد كنيسته، اذ يعتبر نفسه الوريث الشرعي لرسوليتها، كما تشهد خطاباتهم ومحاضراتهم وكتاباتهم ومقالاتهم التي نسمعها ونقرأها بين الحين والحين، والتي يُطرح البعض منها بأسلوب يثير الاستفزاز. ما يهمنا وما نصبوا لطرحه في هذه المقالة، بجزع على حال الكنيسة، هو ايجاد حل ايجابي نتمكن من خلاله استقطاع الفكر العتيق الذي يسيطر على ابناء هذه الكنيسة في جعلهم يتشبثون بالماضي ويهملون الحاضر، وان نحث اكليريكيينا بان يضعوا الخطط والمعاير الصحيحة التي يستطيعوا من خلالها العمل ما بوسعهم ليتمكنوا من اجراء اصلاحات كنسية تهدف الى ارجاع كيان كنيسة المشرق كما كان من قبل. وقولنا (متشبثو الماضي)  ليس معناه ان نلغي ماضينا العريق، والا نفتخر بما وصلت اليه حضارتنا العريقة على وجه العموم وكنيستنا المشرق على وجه الخصوص، كلا البتة، فالفيلسوف الروماني شيشرون قال: "ان كنت لا تعرف ما حدث قبل ولادتك، فذلك يعني انك ستبقى طفلاً" لكن حرصنا يدفعنا لإيقاظ مؤمنو كنيستنا كيلا يتشبثوا بالماضي وحده ويتجاهلوا الاخطاء التي اصابت كيان الكنيسة والتي ما زالت تؤثر بشكل كبير في وقتنا الحاضر على اتمام خدمة كنيسة المشرق في نشر رسالة المسيح، ومنها الخطأ القاتل الذي يُفني وجودها تدريجيًا وهو الانقسام.
فلجميعنا علم بأن كنيسة المشرق منقسمة على ذاتها (كلدانية اشورية قديمة) "واي بيت منقسم على ذاته لن يثبت (متى 12:25)." ولسنا في صدد الدخول في اسباب الانقسام وتبريراته والولوج في صفحات التاريخ لنبين الاخطاء، لكن في التجاهل البين الذي نلتمسه من قبل بعض الاكليريكين في عدم الاكتراث بوحدة الكنيسة، وايضا دوّرنا نحن كمؤمنين الخجول الذي اقتصر على الطاعة العمياء لما يُملى علينا من قبل بعض رجال الدين، حتى وان كانت النتائج سلبية، خائفون من اظهار الحق كيلا نجرحهم.  فالمعلوم تاريخيًا ان مؤمني بلا ما بين النهرين والفرس والترك والصين واليابان والمغول وبلاد العرب كانوا تحت رعاية كنيسة المشرق، فلم يكن هناك أي كنيسة حملت صفة "الكلدانية او الاشورية او القديمة" هذه الصفات التي اوجدت كنتيجة للشعور القومي والطائفي، اللذان تسللا وعكرا صفو ابناء الكنيسة عن طريق احزاب او اشخاص سياسيين او اكليريكين كانوا بالحق يجهلون التعاليم الكنسية وتاريخها العريق، والذين مع احترامي الشديد لتاريخهم ونضالهم ودمائهم، خلطوا بين مبادئ الشعور القومي وطائفيته وبين مبادئ الكنيسة، ووضعوهما في اطار وجوهر واحد كيلا يتم فصلهما، مكوّنين بذلك فكرًا شيزوفرنيًا داخل الفرد الذي يصعب عليه بعد ذلك ان يفرق بين مبادئ ومفهوم القومية وبين تعاليم المسيحية، والدليل ما نلتمسه اليوم من بعض العلمانيين والاكليريكين، الذين يخلطون المفهومين القومي والكنسي واضعين ايهما في جوهر واحد.
اما بخصوص ايمان الكنيسة المقدسة، فهناك قوانين وضعها اباؤنا القديسين في مجامعهم المقدسة والتي هي بمثابة الاساس والقاعدة والمقياس والعامل الاول والاخير الذي يبين مدى صحة ايمان الفرد المنتمي للكنيسة، لذلك فان فن التضليل والتشويه الذي يلعبه البعض لإخفاء الحقائق وتعويج المعطيات التاريخية، لا يجدي نفعًا، لكون الحقائق مكشوفة وواضحة للكل. وحبل الكذب قصير.
لذلك نتساءل، لماذا لا يتجرأ متشبثو الماضي ومُهملو الحاضر من رجال الدين القول باننا بالفعل منقسمون وكنيستنا تحتاج الى وقفة جادة من الكل لتوحيدها؟ ولماذا لا يتجرأ مؤمنو (العلمانيون) كنيسة المشرق الذين هم اساس الكنيسة، الوقوف بوجه رجال الدين الذين لا يروق لهم وحدة الكنيسة وذلك لأسباب قومية او طائفية او رئاسية التي سممت وتسمم فكرنا؟ فهل التشبث بالماضي والافتخار بمجد الكنيسة ونحن في وسط الانشقاق يكفيان لجعلنا ابناء صالحين ومخلصين لكنيستنا؟ كلا ثم كلا، فواجبنا تجاه كنيستنا اكير بكثير من ذلك، فيجب علينا نحن كمؤمنين ان نحث اكليريكيينا من الافرع الثالثة، ان يراجعوا التاريخ وان يعيدوا كنيستنا المقدسة كما كانت. فكفانا خطابات تملقية تعبر عن ما بداخل العقل وليس عن ما بداخل القلب، فحال الكنيسة يتدهور والنتائج واضحة جدًا في زيادة عدد الطوائف البروتستنتية في داخل القطر وخارجه وكلهم كانوا ذات يوم من اتباع كنيستنا المقدسة. وايضا من الاحتجاجات والاعتراضات التي تـُقدم من قبل الابرشيات التابعة لتلك الكنائس.  فان لم نضع حد لذلك، فكنيستنا لابد ان يأتي يوم وهو ليس بالبعيد ان تشبه بالكنائس التي كانت ذات يوم في اسيا (رؤ 1:4) وتنطوي تحت صفحات التاريخ.
 
والرب يبارك الجميع
الشماس جورج ايشو