المحرر موضوع: من أجل لغة سريانية فاعلة  (زيارة 1085 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نذير حبش

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 61
    • مشاهدة الملف الشخصي
من أجل لغة سريانية فاعلة
« في: 17:13 06/09/2006 »
من أجل لغة سريانية فاعلة

في وقتنا الراهن تظهر آراء عديدة بشأن لغتنا السريانية الخالدة ولهجاتها، منها طروحات علمية سليمة ، ومنها ما هو ملتبس ومرتبك، لا يملك القدرة على التمييز ما بين اللغة (بذاتها) وما بين اللغة الفصحى من جهة ، كلغة مأطرة بنحو اللغة وصرفها ، وقوانين التدوين والقراءة ، للتعبير عن معانيها، وما بين اللهجات العامية من جهة أخرى، والبعض الآخر راح يتكلم عن مفردة (قديمة) ومفردة (معاصرة) ، وكأننا أمام حاجة مادية للإستهلاك البشري !
في هذا المقال سوف نحاول سبر الموضوع ما أمكننا ، من المنظور المنطقي.

من جانبي أعطي العذر للكثيرين أن يقع في هكذا إلتباس، فليس من السهولة أن تنام أمة و (تركد) لغتها ـ والبعض يعتقد خطأً أن الكنيسة كانت (البراد) الذي حفظ لغتنا ، بل الكنيسة كانت وما زالت حجر الرحى معلقاً في عنق مجتمعنا ـ تنام أمة وتركد لغتها لقرون دون أن يقول علماء اللغة كلمتهم أو أن تشحذ أذهانهم لتطويرها وإنمائها كل تلك القرون، مع الأخذ بعين ألإعتبار أن هذا لم يكن الواقع السرياني بالمطلق ، فربما بعض الدول كانت قد استخدمت اللغة السريانية.

الآن وقد صحى الجميع على إمكانية وإعادة الحياة إلى لغتنا السريانية وبعثها من جديد ، فقد صحى على فراغ وهوة ما بين لغة الماضي (السحيق) ـ التي لم تواكب اللغة المحكية ـ وما بين لغة الحاضر المعاش ، فالتبس الأمر على البعض، الذي لا يملك ملقطاً منطقياً ، يستطيع من خلاله فرز الحقائق عن بعضها البعض ، وإعادة صياغة القضية اللغوية من جديد ، تخدم واقعنا اليوم ، دون التضحية بتراثنا وموروثنا اللغوي القديم ، وما يستوعبه من تراث علمي وأدبي زاخر ، باعتبار اللغة كانت هي الوعاء الحافظ لذلك الموروث ، بالإضافة إلى كونها لغة (بذاتها) ذات خصوصية علمية ، ككيان لغوي فاعل قائم بذاته ، وما تشكله من معنى قومي يميز الأمة.

أللغة الفصحى هي كالنبع بالنسبة للنهر ، وماء النهر هو اللغة العامية الحية (المحكية) التي تشق طريقها بشكل طبيعي وفق (خصائص)  جهازنا الصوتي الفيزيكي ، دون عوائق عبر الحدود العلمية لخصائص الجهاز الصوتي البشري ، كتحكم الطبيعة بالنسبة لجريان ماء النهر . فنحن لا يمكننا الإستغناء عن الفصحى لأنها (ضرورة) علمية ، ولا توجد لغة فصحى دون لغة عامية ، للأسباب الآنفة الذكر. من السهولة أن نجزم  بأولوية الوجود ، ولن نقف حائرين كقضية البيضة والدجاجة ، فإن اللغة المحكية سبقت الفصحى ، لأن الفصحى هي بمعنى من المعاني ( أللغة العامية في زمان ومكان ما ، وُثقت ورتبت حسب العلاقات الشرطية التي وجدها العلماء بتلك اللغة من عملية الإستقراء لتلك العلاقات والتراكيب والنسق ، وثبتت من أجل استخدامها كوسيلة كتابة وقراءة في حياتهم العملية والعلمية.

من هنا يمكننا القول أن التطور الطبيعي للغة الفصحى وفق خاصية جهازنا الصوتي وما يتصف به من عملية التحول ، وما ينتجه من إستجداد (إستحداث) و (ضمور) قد قل إلى نسبة تقارب المئة بالمئة ، تاركة نسبة ضئيلة جداً ، وهي النسبة التي يتدخل العلماء والنحاة بين زمن وآخر لتهذيب وتنقيح  ما يمكن تنقيحه.
فالمفردة ( رأس) ـ بلهجة ما ـ عندما وثقت قبل عدة آلاف من السنين ، ثبتت وتحجرت في النص الفصيح ، وفق قواعد لغة ما ، بينما تداولها النطقي هو اللغة العامية ، خضع ، ومازال، كل الكلام المنطوق ، خاضع للخصائص الذاتية لجهازنا الصوتي البشري ، أي للتغيير والتحول .

أللغة الفصحى بهذا المعنى يمكننا القول هي تلك المفردات والأدوات التي تُصاغ  وفق قواعد وقوانين محددة ، نطقاً وكتابة لتؤدي دلالة ثابة ، ووظيفة واضحة في النص ، إسماً أو فعلاً أو حرفاً إلخ ، وتلك المفردات والأدوات يُصاغ بواسطتها ( المقولة اللغوية) ، الجمل ، بشتى تسمياتها ، الإسمية والفعلية والظرفية إلخ للتعبير عن أفكارنا ، وفق قواعد تتحكم بشكل ونطق تلك المفردات، وتنظم العلاقة الفكرية والوظيفية فيما بين بعضها البعض ، حسب وقوعها في النسق، وإختلاف هذه القواعد والقوانين والوظائف بين اللغات ، هو من أهم ما يميز لغة عن أخرى.

يمكننا القول أن اللغة العامية هي ( من ذات الفصحى) ـ ألماء من ذات النبع ـ لكن بعد التخلي عن إتباع ، وعدم التقيد بالقوانين والقواعد النطقية وقواعد الربط من أجل بناء (المقولة) ، التي ثبتناها في زمان ومكان ما ، لتأسيس ما سميناه بـ (الفصحى) ، وبالإضافة إلى إعطاء أو ترك جهازنا الصوتي على (سجيته) في النطق ، فنرى بوضوح التغيرات التي تطرأ على المفردة (صوتياً) في كثير من الأحيان ، والبناء الشكلي (كتابتها) للمفردة ، لكن دون أن يغير من (الدلالة) للمفردة.

أللغة الفصحى كمغناطيس ، لبه يشكل الفصحى ، التي تمثل القوة المغناطيسة ، التي تجذب وتمنع العامية من الإنفلات في الفوضى العامة، التي يولدها جهازنا الصوتي وخاصة قانون التحول ذو الخاصية الدائرية ـ بمعنى أنه بإمكان عائلة من الفونيمات التحول إلى بعضها البعض بشكل منطقي ووفق ما تقتضيه الخصائص الذاتية للجهاز الصوتي البشري ، وبالإتجاهين ، بإتجاه عقرب الساعة وبعكسه ، وفي إتجاه دائري من أية بداية كانت ـ وتمنع العامية من الضياع في نهاية المطاف في فضاء لا يحده حدود.

أللغة الفصحى ليست مجموعة (مفردات) كما يخيل للبعض ، عفى  عليها الزمن ، بل هي (قالب) ، مجموعة من القوانين والقواعد والأسس التي تتحكم في صياغة المفردة ـ كبنية مستقلة ـ وعند ربطها ببعضها البعض من أجل صياغة (المقولة) لتلك اللغة. فلا يقاس  تقدم اللغة أو تخلفها من خلال مفرداتها ـ وإن كان هذا فلغتنا هي أثرى لغة في هذا العالم على الإطلاق بوفرة مفرداتها ـ إنما تقدم وتخلف عن ركب التطور للغة ما يقاس بالقوانين والأسس التي تتحكم بالبنية الأساسية لمفرداتها بشكلها (المستقل) ، وبطبيعة القواعد  والأسس لصياغة (مقولتها).

من هنا ندعو علماء اللغة السريانية
1 ـ إلى تحديث وتطوير قوانين وقواعد لغتنا السريانية ، من أجل تذليل الصعوبات ، التي تواجه الشخص الناطق والدارس بها.
2 ـ تبنّي خطاً واحدة ، جامعاً للكل ، يُكتب ويُقرأ به ، (قلماً) كاملاً يحتوي جميع الفونيمات الأصلية الكاملة التحقيق ، وألوفونات الفرعية المستخدمة في حياتنا الحاضرة ، وإذا تتطلب الأمر تسهيل (رسمه) خصوصاً الأحرف المتشابه أو القريبة الشبه إلى بعضها البعض، والعمل على تمييزها بشكل أوضح ، والتفكير دائما بالأجيال الجديدة ، دون الإلتفات إلى الخلف ، وما يترتب بعد ذلك من (إشكاليات) يمكن إيجاد الحلول لها بشكل علمي.
3 ـ إخضاع عامياتنا للغة الفصحى وإستخدامها ، من خلال إستبيان واستقراء الواقع اللغوي العامي في وقتنا الحاضر، وتطويع المفردة لقوانين الفصحى ، التي من المفترض ، أننا قمنا بنقيحها وتهذيبها وتذليل صعوباتها.
4 ـ بناء قاموس حديث ، يجمع المخزون اللغوي ، تراثاً ، ما بطل إستخدامه ، ومعاصر ، أي المستخدم الدارج في وقتنا الحاضر من جميع لهجاتنا، ويمكن للعلماء التعاون من أجل تحقيق هذا الغرض عبر الإنترنت، لتأمين التواصل فيما بينها ، إن كان الباحث في لبنان أو سوريا أو العراق إلخ.

لا يوجد شيء فيما يخص لغتنا السريانية العظيمة يمكن أن نسميه لغة حية ولغة ميتة ، كما توهم البعض، وهم لا يدركون أنهم يتكلمون عن (جهل) ، أقصد جهلنا بالمفردة، بسبب عدم تداولها ، وهذا لا يعني موت المفردة، فنحن نقرأ يومياً باللغة العربية الراقية (الحية) لكننا يمكننا أن نلاحظ أحياناً كثيرة ، يضيف الكاتب لنا مفردة (جديدة) من الموروث (القديم) ، أو القديم النسبي ، الذي ربما بطل إستخدامها، أو بطل في مكان ويستخدم في مكان آخر، فنضيفها إلى رصيدنا اللغوي، فلغتنا السريانية الفصحى ليست لغة ميتة على الإطلاق ، بل لغة راكدة بالنسبة للكثيرين بسبب عدم استخدامها ، والعودة الآن إلى استخدامها ، يبعثها من جديد ، ويفتح النبع ليضيف الجديد إلى مخزوننا اللغوي.

إذن المفردة ليست مادة فيزيائية يمكن أن تعتق ، وتنتفي صلاحيتها للإستخدام البشري ، بل هي مفردة حية إذا ما أعدنا استخدامها من جديد ونصوغها في كتاباتنا ونطقنا لها وفق القواعد الفصيحة الحالية.

نذير حبش
05 - 09 - 2006  آرنهم