من يمسح دموع أم مازن
سلام مروكي
ملبورن/ أستراليا
بينما كان جدال عقيم يدور في احدى الامسيات بين الكلدان والاثوريين لاثبات أحقية من يتولى أمور المسيحيين في العراق، لمحت أمراة وقورة منزوية تدعى أم مازن لم تنطق ببنت شفة بل كانت فقط تستمع الى المشاحنات الكلامية وبعد فترة قصيرة بدأت دموعها تنهمر على خديها.
تأثرت لمنظرها وأقتربت منها مستفسرا : لماذا تبكين يأم مازن؟ فقالت وهي تكفكف دموعها ياولدي حزينة جدا لما أسمعه وأشاهده. أنني كلدانية الاصل وزوجي أثوري وأخي الكبير متزوّج من أثوريّة وبنتي الصغيرة مخطوبة لشاب سرياني. لقد تزوجنا قبل أربعين سنة وأنجبنا بنين وبنات وعشنا حياة تلك العائلة المسيحية المثالية وكانت دوما كلمة الكلدان في قاموسنا مرادفة لكلمة الاثورييّن ولم أشعر في يوم ما بانّ هنالك فرق بين هذه التسميات الجميلة. نحن مسيحيي العراق يجمعنا تراثنا وديننا وتقاليدنا ولغتنا وبهذا الكيان نشكل لون وجمال وعطر زهرتنا الخاصّة والمميّزة في حديقة العراق الجميلة، فلا تقطّعوا أوراق هذه الوردة الفوّاحة التي عطّرت الجنس البشري منذ القدم . أن أولادي كلهم سريان، أولادي كلهم أثوريون، أولادي كلهم كلدان وأعلموا بأننا بشر وعراقيون قبل كل هذه التسميات.
لقد أستنتجت من كل هذا الجدل بأن هنالك فريق من المحسوبين على شعبنا يؤمنون بهذا الانقسام، هناك من ينشد الفراق بدل الوحدة، والكره عوضا عن الحب، والاقتتال بدل السلام. أنني تألمت جدا لسماع بطريركنا الذي نعتبره قدوتنا والاب الروحي لنا جميعا وممثلا لسيدنا يسوع المسيح على الارض يتزمّت في خطبه لأنتمائه الى القومية الكلدانية، لست ضد من يعتزّ بقوميته أو انتمائه الاثني، لكن من موقعه الروحي كنت أتمنى أن يلعب دور جسر الوصل بين الأخوة المتناحرين الضالّين، كم كانت سعادتي لا توصف عندما شاهدت قبل أشهر الرئيس الفرنسي جاك شيراك وهو يستقبل الباطريرك مار دلي لينقل للشعب الفرنسي وللعالم اجمع لا فقط همّ الكلدان ولا المسيحيين بل همّ كل العراقيين. هذا هو الدور الذي يليق به أن يكون راعيا ومدافعا لحقوق كل أبناء الرافدين.
أنني أتألم لسماع بطريركا يتشدّق باثوريّته ويتبجح بأنتمائه العرقي وهو بعيد عن معاناة أبناء نينوى ألاف الاميال أو أسقفا سريانيا يناصر التعنصر على حسا ب الوحدة، أنّ العديد من هؤلاء الرؤساء الروحيين والقادة السياسيين يثقلون كاهل المواطن المسيحي بتصريحات وأقوال لسنا بحاجة لها هذه الايام ولا تخدم مسيرتنا بل تشلّنا وتجعلنا أضحوكة أمام الأخرين.
انّ المتسيّسين بقناع التزمت المذهبي والتّعجرف الديني والتحزّب القومي من قادة دينين ودنيويين على حساب وحدتنا انما يزرعون فلسفة قائين بين أبناء شعبنا الواحد، انهم ينشدون التفرقة والكراهية. فأذا كان هذا حال بعض رؤساء كنائسنا وقادة أحزابنا السياسية فما بال أبناء شعبنا المسكين. لقد أبتلينا بقيادة ضعيفة وغير مبصرة (ما تشمر بعيد) في زمن لايرحم.
أبنائي في العراق قد أنهكهم الجوع وأرهقهم فقدان الامان، أصبح شغلهم الشاغل الهروب من الفوضة القاتلة والطغيان بأسم الحرية، لقد طال الظلم كلّ الطيبين ومزقت ألة الموت أجسام الابرياء، وكبار قادتنا منهمكين في مشاريع هزيلة لاتحمينا من الجائر ولا تخلصنا من نير المحتل ولا تشبع بطوننا الخاوية بل تزيدنا فرقة وتشرذما. أنّ الزمن سوف يكشف كلّ مزيّف، ويعرّي فلسفة الأنانيين ومحبي الكراسي ومفضّلي مصالحهم الخاصة على مصلحة شعبنا. أقولها وبصوت عالي سوف تلاحقهم لعنة التاريخ أجلا أم عاجلا.
قلت لأم مازن، لما هذا التشائم ؟ إنّ الساحة السياسية في العراق تفرض اليوم أثبات وجود كل الشرائح وقوميات المجتمع العراقي بضمنها الكلدان والاشوريين والسريان. فقالت ياولدي متى لم تكن هذه الاسماء الجميلة جميعها موجودة ولما نعمّق ونكبّر الهوّة والخلاف بيننا بينما نقاط التلاقي لاتعد ولاتحصر. أن اثبات وجودنا وفرض أحترام خصوصيتنا داخل المجتمع العراقي نابع من وحدتنا وتألفنا وليس العكس، فأذا اتبعنا مايصرّح به البعض أقول لك ولكل المدّعين بانهم ورثة أشور وبابل أقرأوا الفاتحة على وجودنا واستمرارنا في بلاد ما بين النهرين.
يا ولدي .... ياولدي لنفق من سباتنا، هناك أيادي خبيثة غير مرئيّة تعمل بشتى الطرق والحيل لتمزيق بلدنا الحبيب العراق وزرع بذور الفتنة والشقاق بين ابنائه الطيبين. علينا ان نكون يقظين وفطنين لما يحاك لنا في دهاليز الظلام. أنظر ماذا يحدث اليوم على أرض العراق مهد الحضارات من قتل ودمار وتشريد. أنّ نقاشكم العقيم هذا، يزيدني يأسا وبؤسا. أه أه لبني قومي وابناء جلدتي ماذا حلّ بكم؟. متى سيأتي ذلك القائد الانساني والوطني الذي يحتضن بحكمته كل ابناء العراق وينقذهم من مصابهم الاليم هذا، ويخرس كل من يتشدّق بهذه السياسات القاتلة لأصحابها قبل عدوها.
فقلت لأم مازن وما الحل؟ فتناولت منديلا لتمسح دموعها ثم أردفت قائلة: قد يبدو الحل الذي أقترحه لايعجب الكثير لكنّه اللّبنة الاولى لبناء الوحدة الحقيقية وهنا أقترح:
1- تشجيع التزاوج والتناسب بين الكلدان والاشورييّن والسريان.
2- الصلاة في كل الكنائس التابعة لكل المذاهب والحضور الفعّال في كل المناسبات.
3- تبنّي كل تسمياتنا ومذاهبنا والاعتزاز بها لا فقط بالقول لكن بالفعل ( اليحب يندل دربهم) .
4- الانخراط في كل الجمعيات والنوادي والمؤسسات التي تدعو الى الوحدة والتأخي وتشجيعها.
5- فضح وعدم التعاون مع كل الاحزاب السياسية التي تدعو الى الفرقة والتزمّت القومي والعرقي.
6- لنكن نحن مسيحيي العراق قدوة بوحدتنا وأفعالنا لكل شرائح المجتمع العراقي.
انتهت أم مازن من حديثها ومازالت العبرات تملأ عينيها فهل من بطل ليمسح دموعها.
سلام مروكي
ملبورن/ استراليا[/size]