المحرر موضوع: المنظمات الحقوقية وواقع العمل ميدانيا  (زيارة 1257 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مارتن كورش تمرس

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 71
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المنظمات الحقوقية وواقع العمل ميدانيا
(1)
في زيارتي الاخيرة إلى الوطن بمناسبة أعياد الميلاد وعيد رأس السنة الميلادية المجيدة 2012، كنت في زيارة تصادفية غير مخطط لها، فيها جمعتني مع الاستاذ حميد مراد. كان حديث مفيدا وحوارا ضم العديد من الأسئلة والتوضيحات التي كانت تلقائية لتكون الاجوبة منسجمة ومقنعة وناجمة عن حاضر ينظر إلى المستقبل بعين الواقع.
كان لقاءا آكاديميا مسهبا دار برمته حول عمل الجمعية في مجالات حقوقية تخص السجون ونزلائها والموقوفين والمعتقلين لإستكمال مجريات التحقيق، للإسراع في البت في قضاياهم. تبين من خلال حديث الأستاذ/ حميد، بأن هناك تباين في أداء واجبات طواقم السجون، بين مرافق الإعتقال في إقليم كردستان وبين بقية محافظات الوطن. فهو يرى بأن معظم أبواب إدارات السجون الكائنة في الإقليم هي مفتوحة وعلى مصراعيها أمام المنظمات والجمعيات الحقوقية العراقية والدولية مثلا منظمة الصليب الاحمر، حيث يؤكد المسؤولون بأن أبواب السجون مفتوحة لهم لزيارة أي سجن على مدار العام وبدون أي مواعيد وبأمر من رئيس الاقليم، ولا يجد أعضاؤها أي تأخير في زيارة أي سجن في محافظات الإقليم. بل يلتقون مع النزلاء ويحاورون مشاكلهم وينقلونها إلى المسؤولين والعاملين في إدارات السجن ليقوموا هؤلاء بدراسة المشاكل وتقديم الحلول لها باسرع وقت ممكن. لا سجين مخفي ولا سجون سرية متوارية عن الأنظار ولا مسجونين مظلومين. يتكلم هنا السيد حميد، بكل ثقة عن موضوع صار بالنسبة له شغله الشاغل يزور المسجونين والموقوفين ويعلم منهم مشاكلهم، ليقوموا مع العاملين معه بدراستها وتقديمها إلى إدارة السجون ليقوموا هم بدورهم بوضع الحلول الجذرية لها. علمت منه بأنه لازال ينتظر الجواب من وزارة معنية في بغداد ليحصل على أذن زيارة سجن من السجون العاصمة. هناك أمور أخرى تحاول المنظمات الحقوقية معالجتها بعد أن نظرتها على الواقع في بغداد. منها على سبيل المثال هي حالة تأخير حسم الدعاوي مما يؤثر على حالة الموقوف أو أزدحام السجون. لذلك يقترح السيد حميد، بضرورة تشكيل لجنة مختصة تتكون من قضاة وضباط تحقيق وحقوقيين ومحاميين وممثلين من المنظمات الحقوقية وممثل من وزارة الداخلية وآخر من وزارة حقوق الإنسان، مثلا تشكيل لجنة من:
1)   ثلاثة قضاة.
2)   خمسة ضباط تحقيق.
3)   ممثل حقوقي من وزارة حقوق الغنسان.
4)   ممثل حقوقي من وزارة العدل.
5)   ممثل من وزارة الداخلية.
6)   ممثل من رئاسة مجلس الوزراء.
7)   ممثل حقوقي من المنظمات الحقوقية. بإعتبارها تنتمي إلى المجتمع المدني.
تكون خارطة عملها كما يلي:
1)   وضع سقف زمني للخطة.
2)   رصد ميزانية خاصة لها.
3)   البدء بمحافظة بعد أخرى. وسجن بعد آخر، بحيث تتم فتح إضبارات كل الموقوفين لتتم دراستها من قبل اللجنة أعلاه ومن ثم رفعها إلى المحاكم المختصة للبت فيها وإصدار القرار، وبدون أي تدخل من أي جهة حزبية مشاركة في العملية السياسية.
هذه الحالة هي فقط تشمل الدعاوى المتروكة والموقوفين الذين تأخرت قضاياهم دون أن تتم إحالتها إلى القضاء. بعبارة أخرى، يشمل عمل اللجنة هذه كل الموقوفين الذين لم تتم إحالة أوراقهم التحقيقية إلى قاضي التحقيق، بل لازالوا رهن الإعتقال أي موقوفين في مراكز الشرطة والسجون الاخرى وما إليها. أننا على علم بأن للموقوف فترة محددة حسب قانون العقوبات العراقي لا يجوز تجاوزها، فلا يجوز تعليق حالة المتهم لفترة غير محددة، وهنا بالذات يبرز دور المنظمات الحقوقية.
أن وجود المنظمات الحقوقية في ميدان العمل هي بالحقيقة لا تختلف في وجودها عن وجود السلطة الرابعة في مجالات رقابة السلطات الثلاثة. فلا يمكن لأية حكومة ديمقراطية أن تستغني عن جهودها، أنها خارطة طريق لعمل المؤسسات والدوائر التي تتعامل مع الإنسان الغير سوي بالذات. هذا الإنسان الذي في فترة زمنية قد تكون للحظة فيها فقد أعصابه وأقدم على إرتكاب الجريمة. هل نظلمه؟ هل نبعده عن المجتمع؟ كلا بل نعمل سوية على إعادة تأهيله من أجل أن يعود مواطنا جيدا كما كان قبل إرتكابه للجريمة. لأننا حينما نقرر إعتقاله، نعني تحقيق هدفين أساسيين وهما، حماية الجاني من نفسه وحماية أفراد المجتمع من تكرار أعماله الإجرامية. وهدف ثالث هو إنساني يشترك المجتمع بكل منظماته الرسمية وغير الرسمية لتأهيل الجاني وإعادته إلى سابق عهده قبل إرتكابه للجريمة. لم يولد الإنسان مجرما. ولا هو مجرم بشكله كما أدعى الفقيه القانوني (لومبروزو) بل هو مدني بالطبع. ولد لتلد معه الخطيئة، لكنه لا يعرف ممارستها إلا بعد دخوله إلى المجتمع. لنقرأ للنبي داود بعد أن أرتكب خطيأته ( هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي.) "مزمور51: 5". نعم ليس فينا من هو أفضل من الفرد النازل في السجن، إلا بنمط السلوك وهذا يا أعزائي غير ثابت تحكمه الظروف والغرائز والافكار والتيارات وحالة الفرد الإقتصادية والمستوى المعاشي والضغوطات العائلية. لقد أثبتت معظم الدراسات القانونية والنفسية بأن الفقر أخصب أرض لولادة المجرمين عليها. اذا مسألة النزيل ليست شخصية كما يدعي البعض أو كما تترائى الصورة للبعض منا. بل هي مسألة إجتماعية تتشارك كل الجهات في وضع الحلول لها، حكومية، إجتماعية، منظمات مجتمع مدني، حقوقية، هيئة دراسات ميدانية. هذه الاخيرة لها الدور الكبير في معرفة أسباب الجريمة ومن ثم وضع الحلول لها. لكن مع كل الأسف نجد مؤسساتنا خالية من مثل هكذا هيئات.
وجدت في حديث السيد/ حميد، التأكيد على حث الجهات الرسمية في الدولة من أجل تكوين هيئة أو مراكز دراسات تختص بالبحث والإستقصاء عن أسباب ولادة الجريمة. مثل هذه الهيئة يكون لها الدور الأساسي في معرفة كل أسباب الجريمة. بحيث تقوم بدراسة سيرة حياة النزيل والموقوف وحتى المحكوم والمتهم وكل الظروف المحيطة به والتي كان لبعضها الدور الأساسي في حياكة عناصر الجريمة، من أجل المعرفة لوضع برامج لمكافحة الجريمة في المجتمع. وكم نحن اليوم بالأحوج إلى مثل هكذا هيأة، لتقوم بدراسة أسباب إرتفاع الخطوط البيانية لظاهرة الإرهاب في الوطن. فالسلاح والردع الجسماني والعنف في التحقيق. كل هذه لا تؤدي دورها في معالجة الظاهرة جذريا. لأنها أساليب تقليدية وقديمة ونتائجها آنية وفردية وقد تردع الجاني لكنها لا تصلحه والأهم من هذا أنها لا تقضي على مسببات الجريمة، ولا تخدمه ولا تقدر أن تعيده إلى سابق عهده، بل تؤهله للعود!! أي أن يعود مجرما وأكثر من الأول بعد إطلاق صراحه.
وجدت في حديثي مع السيد/ حميد، الكثير من الجدية والواقعية في التعامل مع قضايا الإنسان كفرد له حقوق وعليه واجبات.
سؤال/ منذ مدة وأنتم تقومون بالعمل في العراق ومقركم في الإقليم كمنظمة حقوقية وتتعاملون مع العديد من الملفات منها السجون والموقوفين والنزلاء في السجون. هل تجدون تطورا في عملكم؟ هل تلاقون المصاعب؟
أجاب السيد/ حميد، قائلا: بأن نتائج معظم الحروب في العالم هي ولادة سلبيات في المجتمع. معظم الانظة الدكتاتورية بعد سقوطها تظهر نتائجها السلبية التي كانت مخفية على الناس. اليوم نحن نعمل في إقليم كردستان وقد حصلنا على اجازة رسمية من حكومة الإقليم واصبحت كل الفرص متوفرة لممارسة عملنا كجمعية حقوقية، وابواب المسؤولين مفتوحة ممكن مقابلة اي مسؤول لطرح اي موضوع يخص مجال حقوق الانسان منها موضوع السجون والنزلاء والموقوفين.
سؤال/ هل ترتؤون إدخال بعض الضباط ومسؤولي السجون، في دورات منتظمة داخل وخارج الإقليم، خاصة وأن فرع منظمتكم هو في الولايات المتحدة الأمريكية؟
أجاب قائلا: نعم نحن على إستعداد للقيام بهكذا دورات، من أجل النهوض المهني للقائمين على إدارة السجون. فالمسجون ما عاد عدوا للسجَّان. والموقوف ما عاد عدوا للشرطي. بل يجب أن نبني قاعدة من التعامل الإنساني.
سؤال/ مادمتم تتعاملون مع إنسان بحد ذاته ناهيك عن أنه جاني. بل حكمت عليه الظروف فبدل أن يكون في عمله أو في بيته مع أفراد عائلته، تراه في الموقوفية أو في السجن أو في مركز الشرطة ينتظر أوراقه التحقيقية لتحال إلى قاضي التحقيق. هل لكم دور في إعادة تأهيله؟
الجواب/ دورنا هو في مناقشة الوسائل الصحيحة مع إدارة السجون من أجل إعادة تأهيل المسجون. ففي الإقليم نجد الموضوعية من قبل القائمين على إدارة السجون، بل تجد بينهم إمكانيات وطاقات غنية بالمعرفة بأمور المسجون. اذا لا مشكلة لنا في هذا المضمار، أنهم يرحبون بنا في كل ما نقترحه عليهم، وهم جادون في التعاون في هذا المضمار. ودورنا فعال في نقل الخبرة في هذا المجال من الولايات المتحدة الامريكية إلى مكان عملنا في الإقليم والوطن. نحن جادون ولا نتأخر عن هكذا خطوات تقدم الفائدة للمؤسسات التي نتعامل معها.
سؤال/ أنت تعرف بأن مجالات حقوق الإنسان في الغرب ليست كوزارة في الحكومة. ما هو رأيك في العراق بالذات؟ هل تفضل أن تكون لحقوق الإنسان وزارة على خلاف ما في الغرب؟
الجواب/ أنه سؤال مهم جدا! لا شك أننا في بداية ممارساتنا للديمقراطية، ومستواها متباين بين منطقة وأخرى، فمراقب الأحداث يجدها في الإقليم في مستواها المقبول من قبل منظمات وجمعيات المجتمع المدني. برأي أفضل أن تكون وزارة لحقوق الإنسان في المرحلة الحالية، لكي نكون على إتصال دائم مع الحكومة ومع مجلس الوزراء. بل نكون قادرين من خلال وزارة حقوق الإنسان من نقل طلباتنا وإحتياجاتنا وكل ما يخص عملنا إلى مجلس الوزراء بشكل مباشر دون الدخول في دهاليز الروتين.

سؤال/ هل قمتم بأية دراسة سنوية فيها يمكن للمعنيين وللمطلعين وللدارسين ملاحظة إرتفاع أو إنخفاض نسب النزلاء والموقوفين والمسجونين، في محافظة من محافظات الوطن؟
الجواب/ لا توجد لدينا الان دراسة حول هذا الموضوع .. لكن ممكن ان نقوم بها في المستقبل اعتقد ستكون ورقة عمل في المرحلة المقبلة لانها جديرة بالاهتمام .. لهذا ندعوا دائما ان تكون هناك مراكز للدراسات في بلدنا العراق ولكافة المجالات لمعالجة كافة القضايا التي هي بحاجة للاصلاح والتغير وتخدم الفرد والمجتمع.

        المحامي  
مارتين كورش تمرس