المحرر موضوع: هل الدكتاتورية المدنية أفضل من الديمقراطية الطائفية ؟  (زيارة 1688 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل الدكتاتورية المدنية أفضل من الديمقراطية الطائفية ؟

دراسة تحليلية

في ظل احداث الثورات الجماهيرية  في البلدان العربية أو بما يسمى بالربيع العربي الذي بداءه العراقيون وبدعم ومساندة الأمريكان وحلف ناتو وما توالى ونتج عنه من عدم وضوح في الهيكلية السياسية واختلاط في المفاهيم السياسية وانعدام الرؤية الواضحة من حيث تحديد الخطوط الحدودية الفاصلة بين السياسة والدين، والتي ادت إلى صعود التيارات الدينية المتطرفة واحتلالها لمقاعد البرلمانات العربية في سعي ومحاولة منها  في تطبيق الشريعة الدينية الاسلامية لأغراض سياسية بحتة والتصميم على السير في هذا النهج من خلال تثبيت مادة أو قانون في دستور ذلك البلد تتماشى مع طموحاتهم، فنرى على سبيل المثال في الدستور العراقي فقرة قانونية تنص على "أن يكون الدين الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع" ومادة اخرى تنفي كل ما هو يتعارض مع هذه المادة مما يتطلب وقبل كل جلسة برلمان يجب على كل سياسي أن يرجع إلى المرجعية الدينية التي ينتمي إليها ويتأكد قبل تضييع وقت البرلمان من أن مقترحه أو مسودة القانون لا تتعارض مع هذه المادة القانونية. وبالطبع كل هذا حصل بسبب قلة معرفة وخبرة الشعوب المتحررة في المفاهيم والممارسات الديموقراطية نتيجة الافتقار إلى ممارسة مثل هكذا نشاطات بسبب الأحكام الدكتاتورية التي حكمتها لعقود طويلة.

كل هذا ادى إلى تخبط بين السياسة والدين و أنتهى الأمر إلى خلاصة واضحة وهي محاولة تطبيق مبدء مزج الدين بالسياسة في الحكم وإدارة البلد. وهذا ما حصل في العراق ومصر وغيرها من البلدان الأخرى. ويجب أن لاننكر بوجود قوى اسلامية متشددة واخرى متطرفة. فالقوى الأسلامية المتطرفة اعلنت وبكل صراحة بأن الدين الأسلامي في شريعته هو الحاكم والناهي في البلد وهو الدستور الذي يجب أن يدار به البلد. بينما تحاول القوى الاسلامية الأقل تشدداً في ترضية الشارع بفرعيه المدني والديني وبالتالي محاولة مزج الدين في السياسة وتطبيق ما يسمى بديمقراطية المسلم المتشدد رغم علم تلك القوى في دواخلها بأن الدين الأسلامي أوالشريعة الأسلامية لا تلتقي مع الحكم المدني في أي منعطف سواء كان سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي وبالتالي لجؤها إلى خلق نظام ديمقراطي طائفي (خطأ متصورين بأن التعددية معناها الديمقراطية) مبني على التعددية الطائفية المتميز بالتحصص الطائفي والديني.

وبعد تجربة هذا النظام الغريب الأطوار، الديمقراطية الطائفية، وما نتج عنها من بلبلة وعدم استقرار وتراوح البلد في محله ، بدأ المفكرون والمثقفون في البلدان المحررة حديثا ً، بطرح سؤال غريب لم يخطر على بال أحد منهم بأنه يوما ً ما سيتم طرحه،  وهذا السؤال هو : هل الدكتاتورية افضل من الديمقراطية؟ أو هل الدكتاتورية المدنية أفضل من الديمقراطية الطائفية؟ بالطبع مستنتجين بأن الحكم الدكتاتوري لايميز بين الأديان لكونه لايحترم حقوق الأنسان اطلاقا ً وعليه لايأبه بأن المضطهد يكون مسلم أو مسيحي أو غير قومية. وبالطبع لو تم طرح هكذا سؤال في السابق لكانت الإجابة بـ "لا " ولهذا توجهت الشعوب إلى إحداث الثورات والتخلص من انظمتها القمعية.

وسبب سلوك هذا النهج القيادي في مزج الدين بالسياسة قد يتمكن الشخص من فهمه لأنه تم النظر فيه ودراسته من الناحية النظرية فقط. حيث لم تتح لهذه الأحزاب المعارضة الضعيفة والمهزولة والمتشتتة والمُطاردة من قبل السلطة الدكتاتورية في الداخل والخارج لذلك البلد نهائيا ً فرصة ممارسة وتطبيق مفاهيمها السياسية وخبرتها على أرض الواقع. ، فقد كان نضال الأحزاب السياسية بطرق مختلفة أيام الحكم الدكتاتوري،  ناضلت فئة منها عسكريا ً والاخرى سياسيا ً من موقعها المعارض أما في داخل البلد ( على شكل أحزاب وتكتلات سياسية سرية ) أو في خارج البلد عندما احتضنت الدول الأخرى للأصوات المعارضة وعليه أو عن طريق الكفاح المسلح كما حصل مع الأحزاب السياسية في شمال العراق. وعندما قـُدمت لها السلطة عل طبق من ذهب بعد انهيار النظم الدكتاتورية ، تعثرت تلك الأحزاب وظهرت ممارسات غريبة مبهمة توقعها الكثير لاحتياج تلك الأحزاب إلى وقت لترتيب نفسها وتنظيم صفوفها ولم شملها في حزب سياسي حقيقي يتحمل مسؤولية وعب قيادة أو مشاركة القيادة في ذلك البلد. ولكن عندما جد الجد وصعدت القوى المعارضة إلى دفة القيادة واستملت زمام الحكم ، تغيرت النظرة الحالمة والمثالية والنضال عن طريق رفع الشعارات إلى النظرة الواقعية وتحمل مسؤولية إدارة بلد وتوفير المعيشة لأبناء ذلك البلد.

ولكن في بعض الدول ذات الأغلبية الاسلامية التي هيمن عليها الأحزاب والكتل السياسية المتطرفة، حتى وبعد تقريبا ً مضي عقد من الزمان في السلطة، في العراق مثلاً، لم تطور الأحزاب التي تولت قيادة ذلك البلد أو قاسمت الحزب الحاكم في السلطة نفسها ولم تتعلم بأن السياسة والدين لا يلتقيان لكون الأول مبني على الأساليب السياسية المراوغة لنيل السلطة والقوة والأخرى دينية مثالية تحكمها قيود اخلاقية. واستمرت تلك الاحزاب المتطرفة في الخلط بين الدين والسياسة وبالتالي انتهى بها الأمر إلى فرض الدين على السياسة.

وبسبب فرض الدين على السياسة لاحت في الأفق بوادر نشوء أنظمة مشوهة قادرة فقط على تلبية احتياجات الشعب الدينية ولكن الدين ليس كل شيء في حياة المواطن فهو بحاجة إلى عمل الذي من خلاله يستطيع توفير حياة كريمة له ولأبنائه. والأهم من هذا هو فقدان السيطرة على الأمن وعدم إمكانية توفير الاستقرار للبلد وانتشار الفوضى والمليشيات المسلحة وهذا بالتالي أدى إلى خلق أزمات سياسية واجتماعية في ذلك البلد وبالتالي زعزعة ثقة الشعب بتلك القوى الحاكمة الجديدة التي لطالما رفعت شعارات النزاهة والمساواة والعدل والكرامة لأبناء الشعب وغير من الشعارات.  

وبسبب زعزعة ثقة الشعوب بالقوى المعارضة التي تولت زمام إدارة شؤون البلاد وانعدام الأمان والاستقرار وتفشي الفساد ونشوء الأزمات الاجتماعية من ناحية عدم امكانية توفير العمل للمواطنين وتوفير الضمان الاجتماعي لغير القادرين على العمل وعدم المقدرة على إدارة شؤون البلد الاقتصادية والسياسية. والأهم التغاضي بل السماح للتدخل المستمر من قبل دول الجوار وغيرها من الدول في سياسة ذلك البلد الذي يعتبر في وجهة نظر الدول المجاوة وفي الميدان السياسي مجرد حجرة شطرنج في رقعة الشطرنج تحركها القوى الخارجية كيفما تشاء. لم يمكن أمام الشعوب العربية التي تحررت حديثاً إلا أن تطرح سؤال غريب  بعض الشيء ولايمكن طرحه في دول اخرى غير عربية، لتوفر البيئة المناسبة والعناصر والمكونات لمثل هكذا نظام في الدول العرابية. السؤال الذي تطرحه الشعوب المتحررة التي انتهى الأمر بأن تدير دفة حكم بلدانها قيادات من احزاب سياسية دينية متطرفة ، هو "هل الديمقراطية الحالية التي هي ديمقراطية طائفية افضل من الدكتاتورية المدنية التي ناضلت وثارت من أجل التخلص منها ؟" ، أو بطريقة مباشرة هل كانوا يعيشون بشكل افضل تحت ظل النظم الدكتاتورية المدنية للحكام الذي حكموهم والذين تم اطاحتهم والتخلص منهم حديثا ُ أم هم في احسن حال في ظل الديمقراطية (الأسلامية الطائفية) ؟ ( من ناحية  توفير الأمن والاستقرار ولقمة العيش في البلدان).

الذي حصل في العراق وعلى مدى التسع سنوات الماضية من حرب طائفية مازالت دواعيها مستمرة لهذا اليوم والتي ادت لحد الأن إلى تشتيت فكر المواطن العراقي وتمزيقه وتدمير معيشته، ولم يحصل منها المواطن العراقي لا ناقة ولا جمل، فقط شعارات دينية طائفية ومشاعر جياشة تستغل من قبل قياديين برهنت الأيام بأنهم لم يكونوا بأفضل من الحاكم الدكتاتوري السابق ولو سنحت الفرصة لهم لفعلوا ما فعل الدكتاتور السابق من اجل البقاء في كراسيهم والاحتفاظ بالسلطة وما تجنيه عليهم من أموال وامتيازات والعيش برفاهية مطلقة على حساب الشعوب المسكينة.

وبدلا ً من السعي وراء بناء دولة ديمقراطية قوية متينة والتركيز على بناء البنية التحتية التي دمرها النظام الدكتاتوري السابق أثناء فترة حكمه والتوجه إلى البناء والأعمار وتحسين معيشة المواطن العراقي بتوفير أفضل التسهيلات المعيشية، تم تقسيم الشعب العراقي إلى شرائح طائفية وقومية وتوجيهه كقطيع غنم مستغلة عواطفه ومشاعره الدينية إلى محطات طائفية بحته وقياديين يلهثون وراء اشباع رغباتهم الدنيوية والطائفية التي حرموا منها لقرون عديدة, وهذا بالتالي أدى إلى اضعاف وارهاق البلاد وانعدام الأمن والاستقرار والمزيد من التمزق لشعب العراقي المسكين.


وللأسف وبسبب هذه الأفعال الإجحافية بحق الشعب ، اصبح الكثير من المواطنين يترحمون على أيام الدكتاتور صدام حسين، من حيث انه كان يوفر الأمان للكل. والضحايا التي ذهبت في الحروب مع البلدان المجاورة تذهب هذه الأيام في التفجيرات الداخلية وكما يقول البعض " كان عدنا حرامي واحد ، صاروا هسة الالاف الحرامية" وبصراحة لا زلتُ اواجه اشخاص من مختلف القوميات العربية  في استراليا يطرحون هذا السؤال علي " الم يكن الحال في زمن صدام افضل مما هو عليه الأن؟" وبالطبع كوني رجل واعي ومتفتح ومدرك للأمور فأجتبي دائما ً تكون " لا  و لا و لا و لا و لا " لأن صدام حسين كان دكتاتور ونظامه كان نظام دموي عانى الشعب العراقي في أيامه الويلات راح ضحيتها المئات من الألاف من أبناء الشعب العراقي في عهده بسبب اخطاءه وافعاله وقراراته غير الصحيحة والمضادة لمصلحة الشعب العراقي حيث خاض الشعب العراقي وعانى من ويلات   ثلاث حروب لم يكن داعي لها راح على أثرها الملايين من الضحايا. وأضيف قائلا ً " في زمن نظام صدام الدكتاتوري لم يتوقع احد رؤية نهاية لنفق نظامه المظلم لكونه عند موته كان سيرثه ابناءه المجرمين وكانت ستدوم غيمة الظلام إلى قرون عديدة،  لكن في عراقنا اليوم لنا أمل في أن يصبح العراق يوما ُ ما بلد ينعم شعبه بالسلام والأمان والرفاهية".

أما بخصوص مايجري الأن في العراق في ظل نظام " الديمقراطية الطائفية" من انعدام الأمن والسلام وتدني المعيشة وانتشار الفساد السياسي والحرب الطائفية والتطرف والإرهاب،  فإنني فقط اتأسف لما يحصل الأن في العراق الحبيب واتمنى أن يعود السياسيين الذين كانوا يوما ما مطرودين ومضطهدين إلى رشدهم وينبذوا الطائفية والعنصرية في العراق والعمل يد واحدة في سبيل إعمار العراق الحبيب ارض بابل واشور وسومر واكد ومهد الحضارات وأرض منشأ الديانات السماوية.  

أناشد كل عراقي وطني شريف في أن يحاول ومن مكانه وبقدر الإمكان في غرز الروح الوطنية الواحدة ونشر مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" وكلنا يوما ما سنقف في البداية أمام ضمائرنا كبشر لنحاسب انفسنا ما قدمناه للبشرية وللشعب العراقي ولأرض العراق الطاهرة. وفي نهاية مطاف حياتنا، سنقف كل بحسب دينه أمام خالقه في يوم الحساب والدينونة.  

أتمنى لعراقنا الحبيب التقدم والازدهار ولشعبه كل الخير والمحبة والسلام ونرجو أن يعم السلام والأمان في ربوعه ونرى شمس الأمان تشرق في ارض الوطن من جديد وعلم الحرية والمساواة وحقوق الأنسان يرفرف عاليا في سماءه.  

عماد هرمز
ملبورن – استراليا
20 شباط 2012.