المحرر موضوع: القصف الكيمياوي لمقر الحزب الشيوعي العراقي – بهدنان حزيران 1988 في ذاكرة النصير فيصل عبد السادة(أبو  (زيارة 1218 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نجم خطاوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 112
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
القصف الكيمياوي لمقر الحزب الشيوعي العراقي – بهدنان حزيران 1988 في ذاكرة النصير فيصل عبد السادة(أبو رضيه)
نجم خطاوي

        اللحظات التي تحدثت خلالها النصيرة الشيوعية كاترين ميخائيل(سعاد) , وسط قاعة المحكمة , وجها لوجه مع الدكتاتور وأعوانه, أعادت لذاكرة الكثير من العراقيين ملامح تلك المأساة التي لم تندمل جراحها يوما . لقد كانت هذه اللحظات صعبة التصديق على الناس في يوم ما , لكنها تحققت وصدمت الناس اللذين لم تتح لهم الظروف فرصة التعرف على الحقائق والجرائم التي ارتكبت في ظل النظام المقبور . وبقدر صدمة حدث شهادة كاترين في أذهان الناس , أعادت أحاديثها صور تلك الساعات واللحظات القاسية , إلى ذاكرة العشرات من رفاقها اللذين شاركوها تلك المأساة , ولديهم بالتأكيد الكثير الكثير من الحجج والوقائع الدامغة التي توثق الحدث .

       في كتابه(مذكرات نصير - مسيرة الجمال والنضال) , الصادر عن مطبعة الخير في بغداد عام  2004 , يوثق النصير فؤاد (أبو رضيه) , لعشرات الوقائع والأحداث التي عاشها وحفرت في ذاكرته , عبر الفترة التي عاشها نصيرا في قاطع بهدنان للحزب الشيوعي العراقي .

    ولعل الجزء 43 من الفصل الرابع من هذا الكتاب , والذي خصصه فؤاد للحديث عن واحدة من الجرائم التي ارتكبت بحق الشيوعيين , وعنونه تحت اسم (قصفنا بالسلاح الكيمياوي) , لعله يرقى إلى مستوى الوثيقة والشهادة , لصدقه , ولمعايشة الكاتب الحية للحدث , ولوصفه الدقيق للوقائع , حتى يفلح في توثيق الحقائق ونقلها , ومن ثم تقريبها لذهن القراء من الناس اللذين لم يشهدوا الحدث .

     يبتدأ الكاتب حديثه موثقا لزمن الحدث

 ( في الساعة السابعة وعشر دقائق , في يوم الخامس من حزيران من عام 1987 , أي في ذكرى النكبة ) .

 ومباشرة بعد توثيقه لزمن الحدث , نراه يوثق للحدث والجرم

 ( حامت طائرتان بشكل سريع لم يتعد وقتها دقائق معدودات , قصفت مقراتنا في زيوه وبكل قوة ) .

 ومن أجل توضيح الواقعة وتوثيقها ينتقل للحديث عن الأماكن التي أصابتها قنابل الطائرات

 ( شمل القصف فصيل المكتب السياسي ومقر سريتنا سرية القاطع في وسط البنايات والقاعات ) .

    هذا التوثيق ليس من بنات خيال فؤاد , بل من الذاكرة التي يشاركه فيها المئات من رفاقه , وكانوا ضحايا وشهودا لتلك الجريمة .

 ولم يتحدث فؤاد في كتابه كثيرا في وصف لحظات القصف . إذ ربما لم تخطر في باله وهو يكتب مذكراته , أهمية توثيق تلك اللحظات . لكنه على كل حال قد قدم لنا وصفا دقيقا , رغم قصره

 ( خلفت عملية القصف دخانا كثيفا غطى المنطقة والوادي بالذات) .

     وهذه الصورة فيها الكثير من الدلالات ,  فالأنصار في تلك الأيام كانوا شهودا لحالات كثيرة من قصف طائرات ومدفعية الجيش العراقي لمقراتهم ولمواقعهم , دون أن يرافق الدخان سقوط القذائف . وقد شخص بعض الأنصار في تلك اللحظات الحرجة في موقع زيوه , أن الدخان علامة على أن القصف هذه المرة يختلف عن السابق .

    وفي النص نتعرف أيضا على عدد الأنصار في ذلك الوادي زيوه , يوم وقوع الجريمة , والذي تجاوز المائة نصير .

    ولعل من المفارقات المضحكة أن يسأل المتهم علي حسن المجيد , الشاهدة النصيرة كاترين ميخائيل , يسألها كيف عرفت بأن الطائرات كانت عراقية !!! ورغم أن كاترين قد أجابت لحظتها حسب معرفتها ومشاهداتها وكانت صادقة وبريئة , إلا أن قراءة بسيطة لكتاب فيصل عبد السادة تدلنا على أن الخطة كانت مبيتة , وقد استعان النظام يومها بالمعلومات التي كانت تصله من جواسيسه

 ( من المؤكد أن إخبارية قد وصلت بهذا الخصوص من العملاء إلى السلطة ) .

 ثم يضيف لنا دليلا أخرا

 ( عندما تم ضربنا كرم الطيارون اللذين اشتركوا في الضربة بما يسمى بأنواط الشجاعة من الدرجة الأولى التي منحت لهم بمرسوم جمهوري لقيامهم بضرب العصاة على حد تعبير النظام . وهذا يعني أن النظام كان على علم مسبق بهذا التجمع من الرفاق ) .

ثم يعرج النصير فؤاد على الجزء الأكثر مأساوية في وصفه للفاجعة , حين تعود به المخيلة للحشد الكبير من رفاقه وهم يصعدون الجبل صباحا بعد ليلة تراجيدية من الآلام والمعاناة , و بعد أن عمت العيون ونزفت الأجساد وكثرت الحروق .

 يقول فؤاد :

(أصيب الرفيق أبو فؤاد اليزيدي وكان جالسا إلى جانب رفيقه رزكار ) .

كان الكاتب (أبو رضيه) قد توجه وبعض رفاقه صعودا نحو موقع الإسناد في القمة بعد القصف , وكان الظن بأن القصف قد خلف بعض الرفاق الجرحى , ولم تدر في مخيلتهم انهم قصفوا بغاز الخردل . وهناك في موقع الإسناد وصلتهم برقية في الفجر ,  عبر جهاز اللاسلكي , من رفاقهم في الوادي , تخبرهم أن ضيوفا في طريقهم إليهم .

 ويستطرد النصير فؤاد في السرد :

( لم نكن نعرف من هم أولئك الضيوف . . و لكن تبين انهم كانوا رفاقنا بعد أصابتهم بغاز الخردل الذي أصاب أكثرهم بالعمى وبحروق في المناطق الحساسة من الجسم , منها العيون والحنجرة . الجموع الكبيرة كانت تصعد متجهة نحونا . إنها المأساة بعينها . ناس تقود ناس كما يقولون ,بعضهم جلس في متصف الطريق بسبب التعب ) .

ويفصل النصير فؤاد لتلك الساعات والأيام , ولتلك الجهود التي بذلها الأنصار القلائل اللذين لم يصبهم غاز الخردل , بسبب تواجدهم في مقر الإسناد أعلى الجبل . حيث بذلوا جهودا طيبة وكبيرة في إنقاذ رفاقهم المصابين :

 ( سارع الرفاق الأقل إصابة بجلب اللبن والحليب وتقديمه للمصابين اللذين افترشوا الأرض أو تمددوا وهم في حالة يرثى لها , بل كان الكثير منهم في وضع مزر للغاية . كانت إصابات بعضهم خطيرة , خاصة الرفاق أبو رزكار,أبو الطيب,أبو أيار , اللذين نقلوا إلى المستشفى . ثم علمنا أن الرفيق أبو فؤاد قد استشهد بسبب إصابته ... استشهد نتيجة الضربة المباشرة من الصاروخ ونتيجة استنشاقه الغاز ) .

  كان فؤاد يعلم تماما أن نواقص كثيرة سترافق كتابه , خصوصا في قضية اللغة والتعبير وغيرها , رغم الجهد الكبير الذي بذله . لكن دعونا نقول الحقيقة ونعترف لفؤاد بفضيلته في نقل بعض من صور ووقائع تلك الأيام التي خضبت بالدم والعرق والآلام . ويبقى كتابه ( مذكرات نصير - مسيرة الجمال والنضال ) الذي سيصدر للمرة الثانية بعد أيام , يبقى وثيقة لا غنى عنها , تدعم وتسند أقوال رفيقته في الحركة الأنصارية كاترين ميخائيل ( سعاد ) التي وقفت شاهدة ومتحدية لتقول الحقيقة في وجه المجرمين العتد .

المجد والخلود للشهيد أبو رزكار , الشيوعي الباسل . والعار العار لقاتلي شعبهم بأسلحة الموت المحرمة .

المجد كل المجد للشهيد أبو فؤاد , ولكل شهداء درب الحرية والعدالة .[/b][/size]