المحرر موضوع: (( القطب الواحد ومخاطره على مستقبل السياسة الدولية ))  (زيارة 2079 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل طلعت منصور البروي

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 12
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
                                                 
 (( القطب الواحد ومخاطره على مستقبل السياسة الدولية ))
 
          عندما خلق الله سبحانه وتعالى البشر هيأ له كل مستلزمات العيش من ارض وماء هواء وجعل من الارض مصدراً رئيسياً للحصول على قوته منها كما امتازت بخيرات وفيرة وكانت حياة الانسان بسيطة الى ان تطورت وبمرور الزمن ازداد عدد البشر وتوزعوا على قارات ومحيطات ولم يميز انسان عن آخر كما نزلت الديانات السماوية بالتعاقب انزلها سبحانه وتعالى لهداية الناس ، كل يؤمن بدينه ومعتقده وسواسية امام الله لانه خلقهم احراراً وظهرت قوميات وطوائف تعايشت سويةً لكن بالمقابل برزت الاطماع والهيمنة واهدرت حقوق الانسان وهمشت قوميات وطوائف ، احتلت دول لعل اهم اسبابها الجانب المادي الذي طغى على كل القيم وغير الاخلاق ولعبت المادة دور اساسي في تغيير التعامل بين البشر وظهر التمايز الطبقي الاستغلالي لاستغلال جهد الانسان والسيطرة على ثروات الغير ان كان ذلك باسلوب الاستعمار المباشر او غير المباشر وتغيرت نظرة الانسان للانسان وانتعشت ظاهرة الحروب والتسابق من اجل الحصول على الاسلحة المدمرة ناهيك عن ما يسببه غضب الطبيعة من زلازل وبراكين وفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية ، اضافة الى الامراض الفتاكة التي تظهر على الدوام والتي لم تكن موجودة في السابق والتي تهدد حياة الالاف من البشر في كل ارجاء المعمورة وبدأ العالم يسير نحو الاسوأ لان الانسان فقد انسانيته وازداد الظلم والاظطهاد والتسلط وتطورت الوسائل التدميرية التي تزهق ارواح الالاف من البشر الابرياء وانتعش الارهاب بأبشع صوره ، ولو رجعنا الى القرن الماضي الذي امتاز في بدايته بحرب عالمية اولى عام 1914 – 1918 التي قضت على الامبراطورية العثمانية والتي كانت تسيطر على مساحات واجزاء كبيرة من العالم وحل محلها الاستعمار الاوربي الغربي ، تأسست بعد تلك الحرب أي في عشرينيات القرن الماضي ( عصبة الامم ) كما تعرض العالم في نهاية الثلاثينات من القرن المذكور الى حرب عالمية ثانية انتهت في منتصف الاربعينات ، كما تأسست منظمة الامم المتحدة التي كان مقرها في الولايات المتحدة الامريكية واصبحت كمقر دائم لحد يومنا هذا ، كان يسيطر على المسرح السياسي الدولي اربع دول كبرى وهي اميركا والاتحاد السوفيتي السابق وبريطانيا وفرنسا ولحقت بها الصين لتصبح خمس دول كبرى كانت جميعها تتمتع بسلاح النقض ( الفيتو ) .
اتسمت تلك المرحلة بوجود سياسة متوازنة للتعامل مع القضايا الدولية خصوصاً الساخنة منها في عالم متعدد الاقطاب ولا يجوز لقطب واحد ان ينفرد لوحده في التعامل او التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ما لم يكن هناك توافق في اتخاذ القرارات ، كانت دول العالم منضوية تحت مظلة الامم المتحدة واكثر اطمئناناً واستقراراً من الوضع او الظرف الحالي لكن الفيتو الامريكي الذي كانت تستخدمه الولايات المتحدة الامريكية عرقل الكثير من القرارات التي كانت تصدر من الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي خصوصاً القرارات التي كانت تخص الصراع العربي الاسرائيلي ولا يخفى علينا بأن من ضمن هذه الدول الخمس الكبرى كانت من بينها قوتان اساسيتان اكثر تأثيراً في المسرح السياسي الدولي وهما اميركا التي كانت تمثل المعسكر الغربي والاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يمثل المعسكر الشرقي وكانت تحكم علاقتهما الحرب الباردة التي كانت قائمة بينهما حتى انهيار المعسكر الاشتراكي .
اما بالنسبة للامم المتحدة وبعد سيطرة قطب واحد على المسرح السياسي الدولي فقد اصبحت تحت تأثير هذا القطب وفي الحقيقة اذا سيطر قطب واحد يكون تأثير المنظمات الدولية اقل بكثير عن دورها في عالم متعدد الاقطاب لأن دول العالم ستكون اسيرة التسلط الانفرادي للقطب الواحد وبسبب ضعف هذه المنظمات واجه العالم مشكلات كثيرة سببها ضعف الاستقلالية في اتخاذ القرارات وانحيازها للقطب الواحد الذي اعتاد على اشهار سلاح النقض ( الفيتو ) لتعطيل الكثير من القرارات كما ذكرنا والتي تخص الصراع العربي الاسرائيلي الذي يعتبر اكبر مشكلة في تأريخ السياسة المعاصرة وكان له التأثير السلبي المباشر على الاستقرار والامن القومي العربي ، تغير العديد من الانظمة العربية والغربية ولازال هذا الصراع قائم وفشلت كل المحاولات الرامية الى حل هذه المعضلة المستعصية وزادت انعكاساتها السلبية على الواقع العربي واستقوت اسرائيل عندما سيطر قطب واحد على السياسة الدولية ، اما اليوم وما يحصل من ثورات كما سميت بالربيع العربي قد تكون مرحلة في غاية الخطورة خصوصاً اذا رافقها انفلات امني لانها قد تسبب في اهدار ثروات الوطن العربي وتخلق حالة من الفوضى وبالتالي الهيمنة الخارجية على ثرواتنا على اساس رد الجميل للدول التي تساهم في هذه التغييرات ناهيك عن تدمير البنى التحتية وسفك دماء الابرياء وانتعاش الانتقام داخل الشعب الواحد أما اذا كانت ثورات التغيير منطلقة من ارادة وطنية وشعبية خالصة يقودها شباب رافضين لأية وصاية خارجية فالكل يباركها ويساندها لانها تبعد اقطارنا عن شبح القتل والدمار وسفك الدماء وان تستند على مبدأ التحاور المبني على خلق سياسة جديدة لبناء مستقبل افضل ، علماً لاتزال كل الشعوب المتطلعة لمستقبل افضل تطمح ان يكون هناك عالم متعدد الاقطاب ومنظمات دولية تتمتع باستقلالية تامة للحفاظ على حقوق الانسان وحماية الدول من اي تسلط او اعتداء او هيمنة كما لازالت هناك امبراطوريات استعمارية مندثرة تحلم باعادة نفوذها وهيمنتها من جديد متبعة سياسة جديدة وماكرة للتقارب مستغلة الظروف التي تمر بها الامة العربية متصورين ان هناك كعكة يجب ان تكون لهم حصة فيها كما ان العامل الجغرافي يلعب دور مهم في تسهيل ذلك وازداد عدد الطامعين بثروات الوطن العربي بسبب ما يمر به الغرب من ازمات اقتصادية خانقة ومتردية قد تسقط حكومات وسقطت فعلاً حكومات غربية وتعرض اقتصادها الى اخطر مرحلة قد لا تحمد عقباها لو استمرت وقد تواجه الانهيار التام لذلك فكرت بتعويض خسارتها عن طريق البحث عن منابع تخفف من ازمتها على حساب شعوب تلك المنابع التي تم اغراقها بالمشاكل الداخلية عن طريق تأجيج الفتن والصراعات الطائفية بين ابناء الشعب الواحد هذا ليس معناه ان يبقى القطب الواحد متحكماً بما يجري في العالم لأن الاحداث الجارية اليوم قد تخلق عالم تحكمه التعددية القطبية وتظهر قوى جديدة لانتشاله من الضياع والدمار واعادة بناء هيكلة المنظمات الدولية لتواكب المستجدات وتأخذ على عاتقها حماية الانسان من مخاطر السياسات الخاطئة والا لا فائدة لبقاء المنظمات الدولية لانها لم تعد تؤثر في الوسط السياسي الدولي وحتى العربي لكونها لا تمتلك القدرة على الاعتراض على اي قرار سوى التنفيذ فقط حالها حال اية سلعة منتهية الصلاحية . ومن خلال الازمة السورية وافرازاتها على الوضع السياسي العربي والدولي ولعب روسيا والصين دور فاعل باستخدام الفيتو في عرقلة بعض القرارات في الامم المتحدة واعتراضهما على الضغط الذي يمارس على ايران قد تكون بداية لخلق تعددية قطبية لان العالم بدأ يقترب من حرب كونية ثالثة لا تحمد عقباها لا سامح الله ستكون كارثية ماحقة تعرض البشر الى الخطر والدمار فكل خطأ في الحسابات والستراتيجيات بالنسبة للقضايا الساخنة وعدم حساب المتداخلات التي قد تحصل ستقلب الموازين ، لذا يتوجب الاحتكام الى العقل والمنطق ولا بد من الاشارة ان هناك ملفات معقدة كثيراً قد يكون لها هي الاخرى دور كبير في تأزيم الامور لعل اهمها حملات الغرب واسرائيل على البرنامج النووي الايراني وافرازاته الخطيرة على الوضع السياسي الدولي والدرع الصاروخي الامريكي في تركيا والخلاف الناجم بسببه بين ايران وتركيا والتحول العكسي في العلاقة الامريكية الباكستانية وغيرها من القضايا التي قد تشعل المنطقة وتهديد ايران باغلاق مضيق هرمز الشريان الاقتصادي الحيوي لدول العالم رداً على العقوبات االمستمرة التي يفرضها الغرب عليها وهذه الخطوة الخطيرة قد تعرض المنطقة باسرها الى خطر الصراعات والمواجهات وسيكون المتضرر والخاسر الرئيس والاول من جراء ذلك منطقة الخليج العربي التي باتت تشهد علاقات متوترة مع ايران ، وتهديد اسرائيل لايران باستعمال القوة العسكرية ضدها بضرب منشآتها النووية وبعد استعراض مجمل الاحداث قد تتأكد الحقيقة بأن منطقة الشرق الاوسط هي من أشد المناطق الملتهبة في العالم .
                                                      
                                                                                                     
   الكاتب والشاعر والصحفي
                                                                                          
                                                                                                            طلعت منصور أبرم