المحرر موضوع: المسيحيون العراقيون (20) والأخيرة  (زيارة 1251 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (20) الأخيرة
ة
تكلمنا على مدى الحلقات ال (19) الماضية بالاضافة إلى حلقتين خاصتين عن مسلسل المآسي التي عانى منها شعبنا ومازال يعاني وسيستمر إلى حين... آملين أن تستقر الاوضاع وتهدأ النفوس والأحوال وتنجلي الغيوم كي نعيد حساباتنا لدى من تبقى صامدا إلى الأخير بغية أن يفوز بالخلاص في عراق آمن ومستقر.
لكن طالما ان المأساة مستمرة فإن حديثنا عن شعبنا سيستمر وسنقوم بتسليط الأضواء على كم المعاناة الهائل ونوعه الذي أخذ أشكالا ومسميات شتى بحيث حتى السماء تدخلت لتقف يالضد من طموحات السورايى بالعيش الكريم والرغيد لحبسها الأمطار مما أدى إلى شحة المياه وتضرر زراعة شعبنا التي تعتمد في مجملها على الأمطار (الديم) تماما.



فكم من السنين مرت لحد الآن وفلاحنا يزرع ويحصد ما زرعته يداه وكنت قد استمعت من جدي ججو رحمه الله قبل عقود من الزمان بأن الفلاح يبقى قلقا على الدوام بسبب عدم انتظام سقوط المطر، لكنه كان يستدرك قائلا بأنه لا يتذكر مرور سنة لم يحصد الفلاح غلاته، لكن في العقد الأخير جاءت السنة التي لم يحصد فيها الفلاح ما بذر حبوبه في الأرض وخسر حتى ثمن بذوره مضافا إليها أجرة فلاحة الأرض وتعبه لموسم كامل.
كما ان السنوات التي تلت تلك المأساة لم تكن بأفضل منها كثيرا؛ فسنة أسترجع الفلاح من أرضه ثمن البذور وأخرى مع ثمنها مع ثمن السماد وثالثة ربحٍ قليلٍ لا يغني ولا يُسمن مما أدى بالمنطقة إلى أن تكون في شبه قحط وعازة والأرض تبكي وتستصرخ ملائكة السماء وقديسيها كي يتشفعوا عند الخالق سبحانه وتعالى ليرحم شعبه ويعيد افتتاح أبواب السماء كي تنهمر الأمطار كما كانت في السابق وتعيد الأرض لبس حلتها الخضراء المعتادة ونعود نرى زهور متعددة في شهر نيسان وأشهر الربيع عادة.


ولكن هل لنا ان نصدق بأن إلهنا ظالم وهو الذي يعاقب شعبه؟ حاشى له ذلك كونه يمطر مطره على الأشرار والأخيار معا لكن يبقى الإنسان شريرا ووصلنا لهذه القناعة لأننا قرءنا مؤخرا عن التجارب العلمية التي تقوم بها دولاً كبرى لتغيير المناخ في مناطق محددة بغية استخدام ذلك لاخضاعها دون اللجوء لاسلوب الحروب والدمار والقتل والخسائر بالأرواح والأموال، وقد يكون ما نوهنا عنه بسبب أحوال السماء في مناطق شعبنا هو نوعا من هذه الحرب الجديدة.
وهكذا يشهد العالم في السنين الأخيرة تغيرات مناخية غير مسبوقة وفي أوقات غير اعتيادية، أحيانا تمطر السماء ثلجا وبكثافة أو حالوبا بحجم غير طبيعي أو تحدث الفيضانات والكوارث وموجات التسونامي والزلازل والهزات أو أن تشرق الشمس ويكون سطوعها قويا يحرق كل شيء وتحبس السماء أنفاسها ويتعرض الجلد الإنساني لأمراض متنوعة ومنها سرطان الجلد إذا ما تعرض لهذه الأشعة فترة طويلة وربما هناك عوارض وأصابات أخرى لم يكتشفها العلم، وليس هذا فقط لكن شحة الأمطار قادت إلى هبوط مستوى المياه في نهري الجنة الخالدين دجلة والفرات وموقف الدول المتشاطئة قبل العراق للاستفادة القصوى من مياههما قبل وصولها للعراق الأمر الذي زاد الطين بلة وزاد معها آلام ومأسي شعبنا الرافديني.


هذا نزر يسير مما يمكن شرحه عن حال الفلاحة لدى أبناء شعبنا المعتمدين كليا عليها والتي أدت أيضا إلى صعوبة تربية الماشية لعدم وجود مرعى ومياه للانسان والحيوان معا مما فاقم الأوضاع إذا ربطنا ذلك مع انعدام الخدمات في مناطق سهل نينوى خصوصا منه مناطق تواجد شعبنا السورايى في بلداته وقراه، حيث لم يتم أنشاء مشاريع صناعية أو إنتاجية كي تستوعب الأيدي العاملة العاطلة فيها، ورغم هجرة المسيحيين من أجزاء كثيرة من العراق إلى هذه المنطقة لكنها بقت مستهلكة غير منتجة ومهملة لا تلتفت إليها عيون وأنظار المسؤولين في المحافظة أو الدولة، فبعض ما موجود فيها من منشآت يعود إلى العهد الملكي أو بدايات الحكم الجمهوري بحيث جعلنا نضن بأن كل الحكومات المتعاقبة متفقة بالرأي كي تبقى المنطقة مهملة ويكون الاهمال المتعمد هو السائد في عموم أرضنا الخصبة!!!

وتكلما جانبا بصورة عرضية في أحدى الحلقات الماضية عن مسلسل الخطف الذي طال رجال الدين المسيحيين والذي كان في أحدى غاياته إرهابهم وإرغامهم على ترك الرعية والهروب بعيدا أو جعلهم يخلدون إلى السكينة وعدم الفعالية كي لا يتابعون إيمان رعيتهم وبالنتيجة هي محاولة مقصودة لمحاربة إيمان المسيحيين لأنه إذا ضُرب الراعي تتبدد الرعية (متى 31:26).
ولكن ليس كل من كان ضحية لعمليات الخطف ترك وهرب بعيدا، لأن القضية تخبرنا بأن رجل الدين عندما يكون مؤمنا برسالته ويعمل من أجل قداسة نفسه والشعب المسؤول عنه فهذا يكون مستعدا للتضحية حد الشهادة، ونجد بين الكهنة من أصرَّ على البقاء رغم كل شيء وقد تحدى كل العراقيل والعقبات دون خوف ويتابع إيمان رعيته ويقويه كما انه يجمع الشبيبة ويتابع فعالياته ويقوي من الأواصر بينه وبينهم بغية زيادة حرارة الايمان لدى هؤلاء بالمسيح الرب ويرون أعمالهم ويمجدون الله خالقهم (1بط 2: 12).
ومن هؤلاء من انزوى ليس بالانغلاق الكلي لكن بتحديد نشاطه وتقليل تحركاته متخذا أسلوبا رهبانيا كالمتوحدون أو الحبيسون الذين لا يختلطون بالبشر كثيرا ويعملون من أجل خلاص نفوسهم.



ونجد غيرهم يعمل بنشاط ولا تفارق محياه الابتسامة ويجعل الحياة سهلة وغير معقدة أمام رعاياه وتنوعت الأساليب لكن الغاية واحدة وهي خلاص النفوس، وهذه النماذج إيجابية كونها تغلبت بشكل أو بآخر على الخوف والقلق كي تبقى وتستمر بمواصلة مسيرتها ، لكن نماذج أخرى هربت بعيدا كي تجد لنفسها ملاذا آمنا تاركة الشعب المؤمن حائرا لا يعرف ما يفعله وحجتها ان العمل الرعوي لخدمة النفوس هو واحد أينما يتواجد الحصاد وهي وجهة نظر يجب أحترامها، لكن بين هؤلاء وأولئك من نال أكليل الشهادة بثبات وحصل على العلامة الكاملة من سيده السماوي (مائة) وكان لبلدة الموصل ورجال الدين فيها الحصة الكبيرة من التضحيات، وهكذا أيضا بغداد وخصوصا في عدد الكهنة الذين تم اختطافهم.
ولكن الملفت للنظر أن الكنائس الوطنية العريقة التي عايشت الجميع ولقرون طويلة على أرض ما بين النهرين هي التي دفعت الثمن بعد الاحتلال من رجالها وأموالها؛ فكنائسها فجرت، ولأكثر من سبعين مرة ورجالها خطفوا ومنهم من قتل لكن دون المساس بمن تحمل أسم كنائس وجاءت مع دخول قوات الاحتلال وعملت تحت مظلته بشكل أو بآخر، ولست هنا بموقف المحرض على هؤلاء ولا الحاكم على صحة إيمانهم من عدمه لأن الله هو فاحص القلوب والكلى (مز 9:7)، وهو الذي يحكم ويعرف كل شيء مما يرى ومما لا يرى (قولسي 16:1)، لكننا ننظر إلى النتائج خصوصا على الأرض والمادية منها ونكتب ونستنتج ونستفسر ونحاول معرفة الاسباب.



ومن علامات الاستفهام المطروحة: هل هناك من يريد لكنيسة العراق العريقة أن تتفتت وتضعف كي تضمحل وتنتهي، كما انتهت كنائس زاخرة في سواحل الخليج العربي كقطر وعمان وغيرها التي كان فيها كراسٍ للأبرشيات وكانت تعج يوما بالمؤمنين شأنها شأن تكريت وبغداد وغيرها. فيمكن الجزم أن أيادٍ خفية موجودة تعمل على هدم عراقة الكنيسة في العراق وتفتيتها إلى بيوت صغيرة كي تصبح هزيلة وضعيفة ويمكن هزيمتها بسهولة، لكن ثقتنا بما يقوله الكتاب: بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى 18:16) كبيرة وهذا هو عزاؤنا ورجاؤنا في هذا الزمن الصعب الذي نعيشه.
فاليوم نحن بحاجة ماسة لترتيب أوراقنا وتحديد أولوياتنا والعمل على مستقبل أولادنا وشعبنا وأمتنا لأن ثروتنا هي أن يكون نشئنا الجديد متعلما ومتسلحا بالإيمان والعلم والعزيمة على بناء ما تهدم وصيانته من كل أذية، كي تبقى الأجراس تدق وهي بها تدعو المؤمنين إلى بيوت الله وكي يبقى الرجاء يملأ صدور وقلوب الناس وتزداد المحبة التي باستطاعتها هزيمة كل شر معروف مهما ازداد جبروته.



نحن اليوم بحاجة كي ننتبه لأساساتنا ونقويها لتكون كالصخر قوية وتصمد أمام الرياح مهما هبت بقوة وعنف وتبقى ثابتة لا تتزعزع.
علينا الإيمان بأقوال ربنا يسوع المسيح له المجد الذي يقول: ثقوا أني قد غلبت العالم (يو 33:16)، ونحن اليوم من يتابع خطاه على الأرض وعلينا ترديد ذات العبارة ونفكر جيدا ونعمل مع التفكير كي نحن أيضا نستطيع أن نغلب العالم؛ لا من أجل أخضاعه سياسيا بالمفوهم السياسي ليومنا هذا بل كي نعيش والآخرين بأمان وسلام ونساهم معا في أظهار صورة الله فينا ونعمل ويرى العالم أجمع ما نفعله من أعمال حسنة ويمجدون الله خالقنا (1بط 12:2).



وهذا ما نتمناه للجميع قبل ما نتمناه للمسيحيين وكلي أمل أنني قد سلطت حزم كثيرة من الضوء على مشاكل شعبنا وواقعه الذي لا يُسر أبدا خصوصا في بلدنا العراق على أمل أن يكون السورايى بأفضل حال مما هم عليه اليوم وكلي أمل من الرب أنني قد وفقت فيما بحثت فيه وكتبته طوال هذه الحلقات المتسلسلة، على أمل ان نعود لمثلها إذا استجد فكر جديد وواقع مغاير أو دعت الحاجة كي نكتب بذات الموضوع، وأسأل العُذر من القراء الأكارم الذين تابعوني طوال هذه الفترة ولم ينفذ صبرهم من قراءة ما كتبته راجيا من الله أن تشملهم بركاته السماوية ويعم الأمن والسلام في القلوب قبل أن يعم في أرض الواقع.

عبدالله النوفلي