المحرر موضوع: في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 5 من 5  (زيارة 1342 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح !
          5 من 5
[/b]
د. مهند البراك

وفيما يتساءل كثيرون عن طبيعة حكم الدكتاتورية وماهيتها السياسية والفكرية والأجتماعية، يرى العديد من رجال الفكر والسياسة والمجتمع، ان الدكتاتورية كانت عبارة عن حكم عصابة سيطرت على آلة الدولة الريعية النفطية الثريّة، وحكمت البلاد بالأمكانات الهائلة التي حصلت عليها باغتصابها لثرواتها الفلكية ، بمنطق العصابات الدموي واشاعة الجريمة، ومنطق الأستحواذ على البلاد كضيعة تعود لها، وبمدّ جذورها عميقاً فيها لتثبيت ذلك، ثم مدّها في عموم المنطقة .  . التي تحتوي على اكبر محطة في العالم، للنفط والطاقة، وبالتالي للصناعة واسواق المال فيه.
لقد غيّر منطق حكم العصابات الطويل ذلك، وعي ومنطق المجتمع عن السابق .  . باعتماده العنف والتفنن في اشاعة واستخدام الرعب والخوف، سواءاً في تحطيم المعارضين، او ترويض المجتمع باسلوب البحث عن عقوبات مخيفة غير مألوفة (اقوى من الموت) لأن الموت متوقّع ومألوف عند المعارضين بحساباتها، كما مرّ .  .  وباتباع كل سبل الأغراء والخوف والرعب الأخرى لتخويف وجعل المعارضين يتساقطون ( من ذاتهم ) جراّئه، وجراّء الخوف على افراد عوائلهم واحبتهم، بعد السعي لتدمير الذات البشرية من خلال التهديد المتواصل او المباشرة المتواصلة بتدمير الأحبة، من الأبن والبنت والزوجة والوالدين والأشقاء .  . بما يعذّب ويحطّم الضمير وقيَم الأنسان .
 الى ان صار الخوف والرعب ليس من الموت، ولكن من التعذيب بعد ان صارالموت رحمة! ثم صار الخوف ليس من الموت الفردي ولكن من الموت الجماعي .  .  بعد ان تم عزل المجتمع عن العالم لتتحكم به اجهزة دعاية ومنطق واعلام الدكتاتورية التي تسلّطت وحدها عليه، بعد منع واسكات كلّ وسيلة او بثّ اعلامي يمكن ان يصل اليه، فشوّهت نمط تفكيره ومنطقه .  .  باستمرارها واستمرار ممارساتها تلك، لعقود طويلة.     
    والى ان وصل الرعب والخوف حدوداً هائلة من اللامعقول، وصارا صفة اخذت تلازم الفرد والمجتمع بل وتتحكّم في سلوكه، وصار الأنسان لايهتم بمعرفة الحقيقة لأنها قد تجره الى مهالك، بعد ان صارت قضيّته الأساسية ان يحيا وان يزوغ من مواجهة المشاكل حتى اليومية منها، كي ينفذ بجلده ويستطيع مواصلة الحياة .  .  وتثلّم مفهوم (حب الوطن) الكلاسيكي ان صحّ التعبير، بعد ان صار الهمّ هو البقاء على الحياة بامان بأي شكل في الوطن، ثم بأمان في أيّ وطن .  .  بعد ان صار الأمان حلما صعب المنال، وبعد ان تحطمت كثير من دفاعات النفس البشرية ونزوعها الى مشاريع وطموحات لخير الوطن، واستعدادها للتضحية في سبيل شرف الكلمة وفي سبيل الوطن !
   الأمر الذي اخذ يلقي اسئلة عن ماهية الواقع وجدوى معرفته، وتفضيل الأنقطاع عنه والهروب منه، بحثاً عن مفهوم مشوّه للأمان، وادىّ الى انطفاء روح التحدي وبقاءها بصيصاً فردياً واضعف الفئات والمجاميع الأجتماعية كجماعة، سواءاً للمواجهة اوالأستعداد لبناء حياة افضل، بعد ان غاب الحافز والمحفّز من جهة ولغياب الجدوى للتحديات . .  وادّت الى تعزز روح تحدي الفرد كفرد  لمواجهة اعباء حياته اليومية الشاقة، وفقدانه الثقة بجدوى الفكر، والى شيوع اليأس من المفاهيم التي لم تعد تشفي غليلاً او تساعد على ايجاد حلّ لمشكلة .  .  فيما كان يراقب بألم وحسرة تزايد اثراء وتسلّط افراد ساقطين وتافهين بلا حدود عليه، بل وصاروا يتحكّمون بشؤون حتى ملاذه وبيته.
   الأمر الذي وصفه عدد من الأخصائيين بالضياع الكامل، الذي ادّى الى العودة الى الأصول الأولى التي هدفت لها (او نتجت عن) الدكتاتورية وعبّدت اليها الطرق .  . والتي صارت تخاطب وتدعو المواطنين الى ان ( الكل مسلمون، راضون بما قدّر الله لهم، وانّا لله وانّا اليه راجعون) سنّة وبمحاولة مغازلة ومنافقة المذهب الشيعي من جهة وبتحطيم ابسط اعتراض من جهة اخرى، ونحو تشجيع المذهب الوهابي، وبالسماح لتداول كتاب اساس واحد هو القرآن وتفسيراته المسموح بها .  .  على ارضية من صيرورة الحياة في ظلها عبارة عن آخره ! لتفشي الأحزان وتفاقم الكآبة وتفاقم العدوانية التي كان الفرد في محاولته كبتها، كانت تتحوّل الى طاقة هدم واستنزاف للذات .  .  اضافة الى كثرة العزاءات والفواتح بسبب توالي الحروب، ولأستمرار الجور واستمرار الدكتاتورية الدموية بمواجهة المعارضة بالتعذيب وان رأفَتْ فبالموت !!
في زمن تعددت فيه اسباب انفجارات النفس البشرية، سواء كانت من السَوق الى الحروب والموت، او من استمرار العيش تحت جزمة الدكتاتورية بالموت والرعب والتعذيب، تضمّنت حتى التساؤلات والحيرة والنقمة على العالم الساكت او المتواطئ، وعلى السماء التي سمحت بما كان يجرى، التي ادّت الى تصوّرات وتقديرات كثيرة التشوّه تراوحت بين الأنكار والأنقياد .  . اضافة الى التعامل بخوف واضطراب مع معارضة الدكتاتورية، بين نزوعها (النفس) الى تأييدها وبين الخوف من بطش الدكتاتورية الوحشي بسببه من جهة، اوبسبب عدم وحدة المعارضة بل واحترابها بينها، الذي استمر طويلاً، من جهة أخرى .
من جانب آخر، فقد ادى الأرهاب الشنيع غير المسبوق والديماغوجيا الأعلامية والفكرية والتعتيم على ما كان يجري في اجزاء البلاد، وتعتيم وحصر اخبار الفضائع التي كانت ترتكب بحق كل جزء قومي او ديني او مذهبي، باجراء عقوبات كانت تصل بسهولة الى حد الأعدام لمن كان ينتقل اخباراً عن اعتقال او اضطهاد او انتهاك جرى في منطقة ما، الى منطقة أخرى . الأمر الذي ادىّ بتراكم تلك المظالم وتفاقمها والتعتيم عليها وعدم معرفة المناطق بها الأخرى بها  .  .  الى شعور كل منطقة وطرف او طيف عراقي بانه الأكثر تضحية والأكثر تضرراً، وبالتالي فانه الأكثر جدارة بحصة اكبر من التعويض والحكم .  . او ان يحصل لوحده عليه باجمعه، ان سقط الدكتاتور. الأمر الذي رغم تجاوز قوى معارضة صدام له واتفاقها على بديل الدكتاتورية الفدرالي الديمقراطي الموحد، يحاول البعض توظيفه لمصالح ضيّقة، قد تترك اضراراً ان لم يجرِ التهيؤ له وتداركه سريعاً .
في ظرف ادى الأرهاب فيه والأستخبار والكذب والتوريط والضغط المعرفي الهائل، الى خلق حالة من انغلاق الفرد على الأهل والعائلة وبالتالي على النفس، وشكّل تربة خصبة لأنتشار انواع الأفكار التي كانت الدكتاتورية (تجتهد) على امتطائها، بل والدعوة اليها .  . كالفكر السلفي التكفيري الذي يكّفر ما لايعرفه المرء فيرفضه خوفا وجهلا اوخوفا من مغامرة لايعرفها، بعد انغلاقه على ذاته وعودته بسليقة الأنغلاق الى الأفكار الأيمانية، كما مرّ . 
سقوط الدكتاتورية
من ناحية اخرى، وفي الوقت الذي فرحت اوساط كبيرة فيه بسقوط الدكتاتورية، ولم تدافع عن الدكتاتور والقائد العسكري الأعلى الذي فرّ، انشغلت اوساط اخرى بالنهب وبحمل ما حلمت به يوماً، وسط لاأبالية اعداد كبيرة مما كان يجري، للأسباب التي تم بحثها .  . وقلق وحيرة اعداد اخرى من الوضع الجديد الذي تكوّن بعد ان كانوا يتوقّعون فيه اعلان حكومة جديدة، كما جرت العادة سواءاً في العراق او في دول المنطقة بعد سقوط الحكم البائد .  .  الأمر الذي ازداد بحل الدولة والجيش والشرطة .
ويرى عديدون ان عدم اعلان حكومة جديدة سريعاً، يعود الى عدم توصّل قوى معارضة صدام الى تحديدها بعد سقوطه وتحديد برنامج موحّد ملموس لها على ضوء العموميات التي أتُّفِقَ عليها من ناحية (1)، سرعة اعلان الحرب وطبيعتها ودرجة وعي العراقيين الآنف الذكر وتصوّراتهم، ضمن تصوّرات عموم المنطقة وانطباعاتها عن الدور الأميركي، اضافة الى المواقف المتنوعة لدول الجوار والقوى الأقليمية، المنطلقة من مصالحها هي، دون الأهتمام بمصير الشعب العراقي، بتجربة وتقدير اوسع الأوساط العراقية، من ناحية أخرى .   
وفيما تعاونت القوى السياسية الفاعلة في البلاد على اساس النضال السياسي والعملية السياسية لتأسيس دولة المؤسسات من جهة، ولأنهاء حالة الأحتلال ومن اجل انسحاب قوات التحالف من جهة اخرى .  .  كانت اكثر الفئات الثرية التي كوّنت ثروات فلكية بتقرّبها و(تزاوجها) مع عائلة الدكتاتور، وبسلوكها ونهبها الطفيلي في ظلّ حمايته، قد هربت من البلاد بعد انهماكها بعملية تهريب وتبييض اموالها، بتسهيلات غير معلنة في الغالب لدول عديدة، بهدف الأنتفاع من دخول تلك الأموال الفلكية اليها .  .  .  منذ دخول الأزمة العراقية مرحلة كانت تنذر بقرب اندلاع الحرب وسقوط الدكتاتورية، واخذت تسعى من الخارج لحماية شبكاتها ومشاريعها السوداء واستعادتها وادامتها .  . (2)
في ظلّ وجود قطعان كثيرة من فلول الدكتاتورية المدرّبة ضائعة وهائمة في توهانها، اضافة الى الفئات التي تربت وترعرعت في ظل (الحملة الأيمانية الصدامية) على اساس التطرّف الأسلامي من التي تصورت وتنادت على اساس ان سقوط دكتاتورية صدام، هو ( سقوط الحكم الأسلامي ومجئ حكم الصليبيين) .  .  على ارضية الجهل وعدم المعرفة والأنقطاع عن العالم، وعلى اساس (تفاعلها) مع فئات مجرمة محترفة رأت فرصة ذهبية لها في المضاربة والقيام بسرقات اكبر من السابق، اضافة الى اندلاع الأنتقامات الفردية الشخصية المستنجدة بالعشائرية والمذهبية .
في ظرف لعب فيه تخلخل وتهاوي حدود البلاد الحديدية التي اقامتها الدكتاتورية .  . الذي استمرطويلاً لدواعٍ عدم التهيؤ الجيد او لدواعٍ لاتزال غير معروفة، دوراً كبيراً في  تسلل افراد واموال وسلاح، الأمر الذي شجّع الهاربين (من رجال الدكتاتورية) على النشاط ضد الجهود المبذولة لبناء النظام الجديد، وشجّع على تجنيد آلاف ليست قليلة من العاطلين والهائمين وخاصة العسكريين المسرّحين منهم بذلك الأتجاه. اضافة الى تطلع ثم محاولات فئات اخرى استمرّت بالتدفق من او عبر دول الجوار والدول الأقليمية، بهدف نهب الآليات والمعدات العسكرية والسلاح المتطور المتروك، تهريب النفط  وكنوز ونفائس متنوعة لتحقيق ارباح هائلة منها، اضافة الى محاولات ونشاطات انواع العصابات الدولية التي احتضنها وحماها واجزل لها او وعدها صدام، للقيام بانواع السرقات وتصريفها والحصول وتجميع ثروات هائلة منها، اضافة الى انواع المضاربات التي شملت اضافة الى ما ذكر، قطع غيار ومفاصل هامة في برامج صناعة اسلحة الدمار الشامل اضافة الى  مواد مشعة ـ قام البعض ببعثرتها غير آبه بمخاطرها على صحة البشر والحياة ـ، وكلّ ماخفّ حمله وغلى ثمنه لتكوين وتقوية رأسمالها وامكاناتها على المواصلة والتصعيد، لتحقيق ارباح اكبر.
النظام الجديد
ان بطء اجراءات النظام الجديد وتتالي فصول الفوضى والحيرة والأجراءات المتناقضة وانواع الخلافات والصراعات سواءاً بين القوى العراقية ذاتها اوالأقليمية والدولية، او فيما بينها على التوالي .  .  اوقع اوساطاً واسعة في متاهات لم تفكّر بها او تتوقّعها، او لاتستطيع تقديرها ومعرفتها  .  .  الأمر الذي شجّع فلول صدام ومجاميع الأرهاب سواءاً العراقية منها او التي اخذت تتوالى من الخارج الى العراق، من تنظيمات الأرهاب الأصولي، الى القاعدة الى الأخرى المتنوعة، واخذت تطغي على قوى عارضت الأحتلال وسعت الى مقاومته كرد فعل اوّلي طبيعي .  .  ليتركّز التناقض بالنتيجة على الصراع بين نشوء دولة المؤسسات البرلمانية الفدرالية من جهة، وبين المعسكر المعادي لها المعتمد على الجريمة والأرهاب الذي يطيل باعماله الأجرامية بقاء القوات الأجنبية، ليتخذها ذريعة لمواصلة وتصعيد اعماله السوداء والدعوة لتحقيق غاياته، في ظرف استمرارالجهود  التي لم تستكمل بعد، لأعادة بناء الدولة وقواتها المسلحة وقوى امنها وشرطتها . 
وعلى ضوء التشوّهات وانواع التعقيدات والمخاطر آنفة الذكر، يرى عديد من المختصين وذوي الخِبَر، ان مواجهة التحديات القائمة لابدّ وان تجري بذات الجهد والنشاط على محورين متلازمين ؛ محور المجتمع ومحور الدولة، اللذين يحتويان كل المحاور والنشاطات الفاعلة الأخرى. وعلى اساس مواجهة ركائز المجتمع المشوّه؛ منظومات مافيات الجريمة والسوق السوداء والسلاح، الغنية المدرّبة الممتهنة، التي راكمت تجارب وخبرات متنوعة وفّرتها لها سلطة الدولة التي فقدتها، اضافة الى امتداداتها الأقليمية والدولية التي لاتستسلم بسهولة بتقدير عدد منهم .
وتنويع طرق واساليب مواجهتها على اساس حساب التناقضات والمواقف المستمرة في التغيّر، واختفاء وظهور تناقضات جديدة افرزها عامان مضيا بكل احداثهما الناجحة منها والخاطئة، واستمرار حركة ووتيرة التناقضات ووجهتها فيها، التي تتطلب بذل جهود تنسجم مع الوجهة دستورية، غير مخلّة بجوهرها، من اجل فسح المجال لمن يريد ان يعيد النظر بموقفه العنفي ويريد الأشتراك بالعملية السياسية من زاوية يراها وتلقى القبول على اساس خدمة المجتمع، الى تلبية مطالب قسم آخر، على ان لاتكون على اساس عودة مجرمين وقتلة من فلول صدام وغيرهم الى مواقع في الحكم .  .  من اجل حصر دائرة المجرمين فعلاً، في جهد لمواجهة نشاطات تهدف (شاءت ام ابت) الى  تحويل العراق الى ساحة حرب دائمة ومستنقع دائم للجريمة والعنف والسوق السوداء والمخدرات  .  .  من جهة.
وعلى اساس، ان سقوط صدام فجّر الطاقات المكبوتة باشكال تعكس ردود افعالها وكونها وليدة الظلم والأقصاء والتشوّه الذي دام عقوداً من السنين، التي تتدرج من العواطف المتأججة ذات الطابع العدمي، اللاهوتي اوالرامي الى تعويض مافقد اوما فات عليه، الى الحيرة التي غالباً ما طغى عليها الذهول والقلق  من ان ما جرى للدكتاتورية قد يكون امراً عارضاً وليس ثابتاً! الأمر الذي يؤدي الى ان تصيغ في ذهن اوساط  صورة البديل .  .  وفق اجتهادها وتقديرها و درجة وعيها هي، ومما تراه ومن الموجود والمحيط بها او من الذي ينتج ويحاكي وعيها المشوّه القاصر الذي فُرض عليها من سلطة وذهنية اوساط الهامش والقاع الذين حكموا، وسلوك القاع الأجرامي الذي فرضوه على المجتمع بسبب جورهم ووحشيتهم وظلمهم، بعد اختفاء الطبقات والفئات الوسطى وحضورها وطموحها وتأثيرها وبعد تحويل المجتمع الى اثرياء متخمين شاكيّ السلاح، ومعدمين محرومين عزّل . .  والى تواصل صدامات الثأر بين مالكي القوة القدامى وحاشياتهم، ومالكي وناشدي القوة المنوّعين الجدد، الذين اسرعوا للأنضواء تحت براقع معارضة الدكتاتورية عارضين امكاناتهم، للحفاظ على ماغنموه او في سبيل غنائم جديدة .  .  من جهة اخرى .
في الوقت الذي استمرت فيه المعاناة والآلام بعد سقوط الصنم، جراّء ؛ واقع وممارسات وعوامل من شكل جديد ، مسببة استمرار الخوف بسبب الأرهاب الوحشي الذي تسلّط على المدنيين و الأرهاق والقلق بسبب انقطاع الماء والكهرباء والبطالة واستمرار غلاء الأسعار، التي تستمر في تكبيد الجماهير خسائر مادية ومعنوية، فكرية ونفسية، رغم الأنجازات والتغييرات، اضافة الى تواصل حدّة تغيّر التوازنات صعودا ونزولاً . يرى فيها محللون انها اضافة لكونها نتائج لحكم الدكتاتورية البائد، هي من نتائج مواجهة مجتمع الجريمة التي تطعمت بخبرات خارجية اضافية جديدة، واخطاء الأحتلال والمواقف الدولية المتغيّرة وفق مصالحها المتغيّرة تكتيكيا وستراتيجيا، لأسباب قد تعود الى عدم وضوح وعدم ثبات وبالتالي عدم استقرار العالم او استقراره الذي لايزال قلقاً على اساس القطب الواحد، اقتصادياً وسياسياً، وحتى لوجستياً بتقدير عدد من الخبراء .
الأمر الذي يؤكّد بتقدير عديدين، ان التحوّل من مجتمع الدكتاتورية والجريمة والرعب الى مجتمع جديد ودولة برلمانية فدرالية حديثة، يتطلّب تحولات تدريجية بثبات، على ضوء الواقع المعاش ومدى حركته، تحولات لاتتم بضربة واحدة وانما تحتاج فترة زمنية، تتدرج فيها الأجراءات انطلاقاً من التفاعل مع الواقع القائم وتحريكه بشكل متنوع وفق خطة تدرجيّة تفصيلية وطنية دستورية هادفة، لاتتيه بالأجراءات اليومية ولاتضيّع بالتالي ماهية مكوّنات الهدف .  .  اضافة الى الحفاظ والألتزام على ماتحقق والسير وفق قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية، نحو صياغة ثم التصويت على الدستور الدائم .
التي تتطلّب القيام باجراءات استثنائية يجري الأتفاق عليها ويصادق عليها اصولياً، ويجري تضمينها بالملموس في قانون اعلان حالات الطوارئ من اجل التقدم على طريق التحوّل .  .  اجراءات تؤسس وتمهّد لوضع اساس نظيف وسط انواع الأشواك والنباتات السامة الموروثة، لمواصلة بناء وتفعيل وتطوير المؤسسات القانونية والدستورية .  .  اجراءات تحتوي على شدة دفاعية في مواجهة العنف الدموي المجنون الذي تتبعه انواع العصابات و فرق الأرهاب، اضافة الى مكافحة الفساد الذي لايزال يهيمن في مفاصل ليست قليلة في اجهزة الدولة.
وفيما تتواصل الجهود العسكرية في مواجهة العمليات الأجرامية الأرهابية، تطالب اوساط واسعة بالأسراع في تقديم صدام وكبار مجرمي الدكتاتورية الى العدالة، ومعاقبة المجرمين الكبار (مدبري الحروب واستخدام اسلحة الدمار الشامل والمقابر الجماعية .  . )  بتقديمهم الى محاكم عراقية، تحدد المجرمين وتتخذ قراراتها بشأنهم وفق قوانين واعراف البلاد . . من اجل تفتيت فلوله ورفع الغشاوة عن المنخدعين بـ ( احتمالات عودته) التي تعزف عليها قنوات واجهزة اعلامية متنوعة، والأسراع بالتمييز وفرز مجرمي الحزب الحاكم عمّن كان عضواً فيه ولم يقترف جريمة ما او من كان مخدوعاً، على ان يجري تحديد ذلك عدلياً، في ظروف  يؤدي بقاء المجرمين فيها طلقاء، الى انتقام الناس منهم واستمرار دائرة العنف والأحقاد، وفي ظروف تتباطئ فيها عمليات تعويض ضحايا الدكتاتورية من المعدومين والمعوقين والمهجرين قسراً من محلاتهم ومدنهم وبلادهم، بسبب الأنتماء السياسي، القومي، العرقي او الديني والطائفي .
الأمر الذي يتطلب دراسة جادة لمطالب تطبيق اشد العقوبات، بحق القتلة الذين يقتلون علنا وعلى الشاشات الأعلامية، وبحق الذين تسببوا ويتسببون بقتل عشرات آلاف المدنيين الأبرياء والأطفال، اضافة الى مطالب مواجهة الفساد بعقوبات ثقيلة، وخاصة المجرّمين منهم، بتزوير الهويات والجوازات وتزويد فرق الأعدام والأختطاف بها، بعد احالتهم الى المحاكم المختصة وفقاً للقانون وعلى اساس اصلاح النظام القانوني واحترام استقلالية القضاء .  .  في مجتمع عليل تشوّه، يطالب افراده بالأخذ بيده وحمايته وقيادته، وباشراكه وتوعيته بان الدولة ومؤسساتها من حقّها ان تدافع عن نفسها، وتفرض هيبتها انطلاقاً من كونها، جاءت وفق اصول دستورية وانتخابات، وان عليها ان تبرر ثقة الجماهير التي انتخبتها بها، وان الشعب لن ينتخبها من جديد ان لم تحقق له مطالباً على طريق الأمان والرفاه .  .  .  والاّ فان الأمر لن ينتج اكثر مما ينتجه انقلاب عسكري فوقي ابعد طغمة دكتاتورية فاسدة واستبدلها بطغمة جديدة قد لاتختلف عن الأولى او تكون بالنتيجة مماثلة لها !
ويتطلّب مكافحة شبكات الجرائم المنظمة، القتل على الهوية، جرائم الأختطاف والأبتزاز، السرقات الكبيرة والنهب المنظّم .  . الشروع بخطط بناء اجهزة متخصصة لمواجهة كلّ حقل اجرامي من حقول اجهزة الدكتاتورية البائدة ( المقاولات، عقود الملكية المنقولة وغير المنقولة، شبكات ضباط امن الدوائر، المخدرات، الدعارة  .  . ) والعمل على تفتيتها بكل الطرق ووفق خبرات المعاهد الدولية لمكافحة المافيات وبرامجها ووحداتها الخاصة، اضافة الى دور ووسائل الأصلاح .  .  مكافحة المخدرات والدعارة وتجارة الرقيق الأبيض وتهريب السلاح والنفط، والتوصّل الى عقد اتفاقيات على الصعيد الأقليمي والدولي، لتحريم تلك المتاجرات الأجرامية، ومنع اتخاذها كوسائل للتأثير على عمليات حل الخلافات الأقليمية والدولية ومن اجل اطفاء بؤر التوتر، ووضع صندوق من الدول المتضررة (او المهددة بانتشار الضرر اليها) اساسا لتمويل نشاطات المكافحة والأصلاح في تلك الحقول. 
ومن اجل ذلك يؤكّد العديد من الخبراء والمراقبين، على الأهمية الفائقة لأستكمال عملية أنتقال الملف الأمني الى العراقيين، الذين يتطلّب من قواهم السياسية تذليل عقبات تفاهمهم، وتوافقهم لمواجهة والتعامل مع المستجدات الجديدة المستمرة في المنطقة، كنتائج الأنتخابات الأيرانية الأخيرة وتأثيرها على الواقع العراقي اليوم، على سبيل المثال .  . ويؤكدون ان مستلزمات الملف المذكور، اضافة الى كونها عسكرية اقتصادية اجتماعية، هي سياسية، امنية، فنية ودبلوماسية . .
الى جانب الدخول بخطوات ملموسة لتقليل الأعتماد على القوات الأجنبية تمهيداً لجدولة الأستغناء عنها وانسحابها، والوقوف بحزم امام وحساب مخاطر استيطان الأرهاب وحالة الحرب في البلاد او جعلها ساحة تجارب اوحرب لتصفية خلافات وحسابات ومصالح بين اوساط اقليمية ودولية او خاصة، يدفع شعبنا اثمانها دماءاً. الأمر الذي تدفع نحوه جهات متنوعة دولية واقليمية وداخلية، اضافة الى الشركات الخاصة المتنوعة الجنسيات التي تشارك بالعمليات العسكرية بنسبة 1 : 10  من عموم الجهد العسكري، في نسبة فائقة تجري للمرة الأولى في تأريخ الحروب، تشمل الأطراف المساهمة فيها سواءاً عسكرياً، لوجستياً او مالياً، بشكل مباشر معلن او غير مباشر غير معلن . . في ظروف الأزمة المالية التي تعيشها منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها (3) .
وسعياً على ذلك السبيل، يؤكّد عديدون على الضرورة الفائقة للجهود الرامية الى بناء الموقف الوطني وزيادة ثقله، واتخاذ السياسات والمواقف المناسبة للواقع الوطني العراقي ومتطلباته ومصالحه، الساعية الى حل المهام الوطنية (العراقية)، التي يفرضها منطق ان الشعب صوّت للجمعية الوطنية وبالتالي للحكومة على ذلك الأساس الدستوري. الأمر الذي يتطلّب مبادرة كبار مسؤولي الدولة الى توضيح ماهية المصلحة الوطنية في القرارات التي تصدر بشأن قضايا شائكة، والتي قد تثير حساسية او التباس.
الأصلاح السياسي والفكري
    وفيما يتطلب الواقع تعاون الجميع من اجل عودة الروح وانعاشها في البلاد، والنجاح في مهمة جمع اشلاء الذات البشرية بعد ان أُجبرت على الركون و(على قبول) سلوك الظلم السابق وعلى كبت التحديّ، الذي كان يتحوّل الى انفجارات اجتماعية كانت تنفّس ولم تأتِ ببديل، بعد ان تراجع الفكر الأجتماعي امام حد الظلم الطاغي المنفلت وامام حجم تكنيكه الفائق، وحافظ على حدود لوجود الذات البشرية مرتكزاً على  الأنتماء للأهل والعشيرة والدين والقومية، بدرجة مستوى حمايتها للذات البشرية من تلك المخاطر في تلك الفترة، والذي لايزال فاعلاً رغم سقوط الدكتاتورية، للأسباب المارة  .  . 
الأمر الذي يتطلّب تفعيل دور الأحزاب من جهة، ويتطلّب سعيها هي لأصلاح ذاتها واعادة بنائها، الذي يفرضه ويتطلبه واقع اليوم داخلياً وخارجياً، بعد ظروف تجمّد فيها وضع البلاد عقوداً طويلة جراّء استمرار الدكتاتورية من جهة، وتزايد عنفها ووحشيتها ومناوراتها ونفاقها الداخلي، في مواجهة التغييرات العاصفة التي كانت تهددها والتي سادت العالم منذ منتصف عقد الثمانينات .  . 
الذي تسبب بتزايد حدّة اصرار وتمسّك احزاب معارضة الدكتاتورية، باهدافها التي دعت اليها باسقاط الدكتاتورية وبآليات الوصول اليه سياسياً وتنظيمياً، واستمرّ البناء الحزبي في عمومها يتمحور على الوصول الى تغييرات تؤدي الى تحقيق الهدف الذي دعت اليه وعبّأت به، وازدادت شدة تعبئتها بمبادئها كي تتمكن من ممارسة النضال الذي كان يزداد مشقة وتضحية، ضد ارهاب ودموية الدكتاتورية الوحشية التي كانت تزداد انفلاتاً .  .  في ظل ضعف وانعدام التنسيق الفاعل بينها، الذي فرضه نضالها الصعب الذي ازداد سرية في مواجهة تزايد وحشية القمع . .  اضافة الى طبيعة الأنظمة الموجودة والمؤثرة في المنطقة في زمان دكتاتورية صدام، ومحاولات فرضها بدائل للدكتاتورية تناسب مصالحها هي، وفي الوقت نفسه كانت تتعامل مع الدكتاتورية بموازنات كانت تنسجم مع تلك المصالح اساساً.
وان يكون التفعيل، على اساس انطلاقها من الواقع الحالي والتفاعل معه كي تستطيع الرقي به، وان تسعى لكسب الشباب والشابات اساساً في مجتمع يشكّل الشباب فيه النسبة العالية الفاعلة، لتكون مدرسة يتعلّم الشباب فيها روح الأنشداد للوطن ومحبته اساساً، وفق معطيات الواقع والآمال التي يحملها، ويتدربون فيها على ماهية الممارسة الديمقراطية، ومعاني رفض العنف والتطرّف والدفاع عن حق البشر بالعيش بسلام وامان، ومعاني حقوق المرأة امّاً واختاً وزوجة وابنة ورفيقة نضال وحياة وكفاح مشترك من اجل سلامة العائلة والطفل ومن اجل مستقبل افضل للجميع، كما في شعوب العالم المتحضّر .  .  وان تتقبّل الأفضل  من ابناء المجتمع الذي ظُلِم وتشوّه وعومل بقساوة لامتناهية، على اساس بدء صفحة بيضاء جديدة في الحياة الجميلة التي شوهها الدكتاتور وشوّههم فيها، وان تعمل بنشاطها ومُثُلها ومبادئها وممارساتها الى اعادة تربيتهم من خلال النشاط والأشراف عليه.
بعد ان تشوّه مفهوم الأحزاب في المجتمع، سواءاً بالسلوك الهمجي الدموي للحزب الحاكم وسعيه المتنوّع لتحطيم الأحزاب .  . او بسلوكه المشين الذي شوّه مفهوم ودور الأحزاب في المجتمع، والذي جعل اوساطاً واسعة اليوم تتصوّر ان الحزب هو المؤسسة التي تقدّم المال والوظيفة والسكن والحماية لمنتسبيه، وليس مشروعاً لأصلاح وتطوير المجتمع وضمان حقوق المواطنين فيه وتحديد واجباتهم تجاهه، بالتعاون مع احزاب الفئات والطبقات ذات المصلحة الأخرى .  . كمشروع لحياة ومجتمع افضل، يوفّر العمل والضمان والصحة والتعليم  .
اضافة الى واجب الحكم الجديد في دعم نشاط الأحزاب والمساعدة على تنظيم تنافسها بعيداً عن العنف لتقوم بدورها التوجيهي ولتفعيل الأرادة الشعبية، باعتباران الأحزاب هي الأدوات الأجتماعية المعروفة والمجربة في المجتمع سواء كانت في النضال قبل الدكتاتورية اوفي معارضتها، التي اضافة الى كونها تشكل تاريخ وتراث المجتمع في مواجهة الأستبداد البائد، فانها تشكّل امتداداً طبيعياً له لمواجهة الفكر الأصولي السلفي العدمي الأرهابي المتنوّع الداخلي والوافد، الذي يحاول اثارة الفتن الطائفية من جهة، ومن اجل بناء مواجهة ناجحة لتحديات بناء الدولة الحديثة، تنسجم مع متطلبات بناء دولة المؤسسات الفدرالية البرلمانية الحديثة ووجهة تطوّر دول العالم، من جهة اخرى .
فالأحزاب تحدد القضايا العامة، وتشحذ التحاور وتبدد الالتباس بين التيارات المتنازعة، التي بنشاطها العلني تتوضح هويتها، وتتوضح الأحتمالات للجمهور وتساعد على تبصيره بالسياسة، في وقت يرى كثيرون فيه ان لا ديمقراطية في الواقع الحديث من دون احزاب سياسية، رغم مهاجمة البعض لنظام الأحزاب، ووصمه ايّاه بكونه عامل انشقاق واضطراب يهدد السلام الاجتماعي، ناسين او غير مدركين تشويهات الدكتاتورية لمفهوم الحزب من جهة، وكون ان اكبر الأخطاء والنواقص التي حدثت في نشاط الأحزاب لم بكن يكمن في اختلافها، بقدر ما كان يكمن في سيادة منطق العنف ولعدم وجود قانون للأحزاب، وعدم وجود ضمانات قانونية تحمي وتصون حق جميع ممثلي الطبقات والقوميات والفئات الأجتماعية في تكوين احزابها والدعاية لسياستها ومبادئها من جهة اخرى. وفي وقت تعتبر المعارضة فيه، أمراً ضرورياً ولا بد منه،  للتوصل الى افضل الحلول لبناء وترصين مجتمع مدني ديمقراطي .  . 
وفيما تتطلّب المرحلة الجديدة نقل المجتمع الى مناخ جديد يحرّم العنف، فانها تحتّم على الأحزاب والفعاليات الوطنية، ان تتفق اكثر على اساس التوافق وتغليب الصالح الوطني الواقعي، والتناقض الوطني الرئيسي على الثانوي من اجل العمل كتفاً لكتف معاً، وعلى ان لاتتجاوزاختلافاتها سقف مصلحة البلاد العليا، الذي يتمحور على ابعاد البلاد عن مخاطر توطّن الحرب، نشوب حرب اهلية، عدوان، خسارة ثروات البلاد، وتجنيبها اندلاع فتن كبرى طائفية كانت او قومية، دينية او سياسية وغيرها .   . 
في وقت تعبّر فيه اوسع الأوساط عن الفرح بقرار الجمعية الوطنية المنتخبة الذي اعتبر حزب البعث حزباً ارهابياً فاشياً وحرّم التعامل معه، باي رداء ارتدى او باي صيغة كانت توفّرها صياغة البعث الأنتقائية المتلوّنة .  . اشتراكي في زمن شيوع الأشتراكية، (اسلامي) وطائفي متعصّب في زمن مخاطر التحريفية الأسلامية الأصولية، السلفية، الأرهابية، عشائري في سعيه لركوب المؤسسة العشائرية وقيمها الأنسانية .  . الأرهابي الشوفيني الثابت .
من ناحية اخرى، يدعو كثيرون الى ضرورة الأصلاح الديني، وضرورة دعم النشاط الهادف الى تقريب علماء الدين وجهودهم في التحديث ومن اجل برامج واهداف ملموسة لأغراض الرقي بالمجتمع وتخليصه من الأدران العالقة، بالحوار الديني ـ الديني، حوار الأديان والطوائف والحوار الديني ـ العلماني .  .  من اجل عدم الأنجرار الى الفتن الطائفية، التي تحاول اثارتها جهات متنوعة داخلية وخارجية، لأهدافها المتنوعة، التي لايروح ضحية لها الاّ العراقيين رجالاً ونساءاً من كلّ الأطياف .
انهم يطالبون بالمباشرة بتخطيط وتطبيق خطة ثقافية ـ اعلامية تهدف الى ؛ خلق وتحسين الحوار، القضاء على الألغاء والأقصاء، تعرية مخاطر الفكر الشمولي سواء كان دينيا ام علمانيا، الدعوة الى العقلانية، توضيح مبادئ واهداف التسامح، مناقشة اشكال ترابط العقلانية والقيم وماهية الترابط الذي تحتاجه البلاد، اضافة الى الحوار الضروري لترويض الفكر والوعي، ولتنظيفه من قيم الدكتاتورية والحروب والأرهاب والعنف.
وبدعم وضمان حرية وتعدد الأعلام واستقلاله، ورعاية وتطوير مباراته ( جرائد، دوريات، قنوات تلفزيونية، سينما ومسرح وتشجيعه مالياً وسياسياً، والأهتمام الجاد بوزارة ودور الثقافة واعتبارها  احدى الوزارات الأساسية التي تعالج ركناً اساسياً هاماً من اركان المرحلة والمجتمع. والتصدي الى الأعلام الهابط والمدفوع، واتباع كل الوسائل القانونية لأيقافه وسمومه عند حده. الأمر الذي يشكّل الركن الفاعل الذي لايستغنى عنه، في اطار الجهود المبذولة، لأيجاد حلول للمشاكل المعاشية، اضافة الى تشجيع النشاط الهادف للشباب و محاربة الأنغلاق والتقوقع على الذات، وتشجيع نشر المعارف ومكونات الثقافة، من ادب وعلم وسياحة وحرية فكر، وتعضيدها مالياً ودعمها قانونياً .  .  من اجل التغيير المنشود .
   ومن اجل انجاح الجهود المتنوعة الرامية الى صدّ مخاطر نشاطات جهات داخلية واقليمية ودولية، تتسبب بسلوكها واخطائها او تحاول الأبقاء على منطق العنف والجريمة الموروث من الدكتاتورية الكريهة، لتنفيذ غاياتها واهدافها، سواءاً بالسيطرة على البلاد او بجعلها مسرح حرب دائم او حزاما امنيا لوقاية امنها الداخلي هي من جهة، او تحقيق اهداف ومصالح سواء كانت تكتيكية او ستراتيجية بعيدة المدى، مدركة او غير مدركة مخاطر تسرّب ذلك اليها (4) .  .  الأمر الذي يتسبب به الأرهاب الأصولي وتأثيراته من جهة، ويتسبب به التباطؤ والتلكؤ وضعف توافق وتنسيق قوات التحالف والقوى الوطنية الفاعلة، من جهة اخرى . الذي يتسبب باحباط ويشلّ فرح الأوساط الشعبية الواسعة التي فرحت بسقوط الدكتاتورية، ويحيله الى الحنين اليها ؟!
   في ظروف دام حكم الدكتاتورية الشمولي الدموي فيها، خمسة وثلاثين عاماً مارس طوالها فعله الأجرامي على اللاوعي ( الذي تعرىّ وصار متلقياً سلبياً بفعل الأرهاب والرعب .  .  فتشوّه) (5)، ثم سقوطه الذي جاء بالحرب والأرهاب منذ عامين، الأمر الذي يشكّل خطراً هائلاً على اعادة بناء البلاد، ينبع من الخزين السلوكي والأخلاقي، الذي يهدد اعادة بناء البلاد بمخاطر الألتفاف عليها وتحريف تطبيق القوانين الجديدة، بسلوك ولاوعي وشكل فهم ولد من شيوع نمط وسلوك التركيبة الأجتماعية المشوهة ومفاهيمها للقوة والشدة، وصعوبة فهمها للتسامح وتفريقه عن الضعف، في مجتمع ليس جاهل ولاغوغائي وانما مريض ويعاني من التشوّه .  . 
اضافة الى مخاطر تأثير آلية حكم وحاشية وسلوك تعاملت به الدكتاتورية من موقع الحكم وزرعته في اللاوعي، الذي يهدد من يمارس المسؤولية الآن باستحواذه عليه، كصورة لـ ( حاكم استطاع ان يحكم العراق الصعب خمسة وثلاثين عاماً، واستطاع خلالها ان يهزّ المنطقة والعالم ويهزأ بهما ؟! ) .  .  ان لم يحترس ذلك المسؤول، ولم يهتم بتطوير علمه وثقافته، ولم يسمع لآراء المخلصين، وان لم تشبع المؤسسات؛ دولة، برلمان، هيئات حزبية وسياسية، اعلامية وثقافية، علمية ومهنية بصلاحياتها وحرياتها، كلّ في مجال نشاطه وواجبه ودوره، في اطار معقول للواقع وسبل النهوض به . 
   وفيما تحاول فئات متنوّعة داخلية وخارجية، بارهابها واجرامها، او بدعمها له، منع صياغة دستور ديمقراطي توافقي يؤسس للمجتمع الجديد المنشود، وتحاول فئات وقوى فرض وجهتها وصياغتها عليه .  . يؤكّد كثيرون على ضرورة خلق اجواء ملائمة لكتابة الدستور الدائم، وان المهم هو ليس الدعوات الى حياة دستورية لوحدها .  . وانما الشروع باعمال واجراءات ملموسة تحس الناس فعلاً بفوائدها وتلمس من خلال تطبيقها تحسناً فعلياً في حياتها القائمة الآن، من اجل توفير قناعات لأوساط جديدة ولأوسع الأوساط، بدورها وجدواها وبالتالي جدوى واهمية الجهود المبذولة لأعداد الدستور، الذي خاضت الجماهير الأنتخابات بكل اطيافها متحدية الموت والأرهاب من اجل تعبيد الطريق اليه .
   بعد ان اثبتت بمشاركتها في الأنتخابات وبتحديها الموت والأرهاب، على تأكيدها على رفض الدكتاتورية، وعلى خيارها بالحكم البرلماني التعددي الفدرالي، وتنتظر همة وجهوداً اكبر في سبيل الأسراع في تحقيق الوحدة الوطنية على اساس قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية النافذ، الأمر الذي يسرّع في بناء القدرات المسلحة الوطنية، ويسرّع في جدولة انسحاب القوات الأجنبية .
   وبعد انتخاب الجمعية الوطنية للشخصية الكوردية المعروفة السيد جلال الطالباني رئيساً للجمهورية، في انجاز خطوة هامة في تساوي المواطنين على اختلاف اطيافهم في الدولة وبالتالي في شغل مناصبها استناداً الى معايير الكفاءة، ثم انتخاب المناضل السيد مسعود البارزاني رئيساً لأقليم كوردستان في خطوة هامة لتقوية وتشذيب بناء البيت الكوردستاني .
   اضافة الى تأكيد كثيرين على تسليح اوساطٍ وفئات جماهيرية اوسع ضمن خطة واضحة، وخاصة التي جُرّبت منها في النضال ضد الدكتاتورية وبمواقفها المخلصة بعد سقوطها، بشكل مؤقّت في اماكن يجري تحديدها وحركتها وفق الضرورة، من اجل تحقيق نجاحات اكبر في مكافحة الأرهاب، ومن اجل ضمان حصره اكثر، بعد ان بدأت معالم الطريق تتوضّح اكثر لفئات اوسع، وبعد ان انفضحت اهداف الأرهاب الدموي واستهدافه المدنيين اساساً وسعيه لتوسيع واثارة فتنة طائفية يجري التخطيط لها .  . وان يصرف راتب لها .
وفيما يثير العديد من السياسيين والأقتصاديين ورجال الخبرة الأنتباه، الى اهمية الشروع وحيثما امكن بعمليات الأصلاح الأقتصادي وتشجيع الأستثمار ونمو الفئات الوسطى ودعمها (تحديدها) قانونياً وسياسياً ومالياً  بالقروض والمنح على اسس قانونية، نحو التأسيس الى دورة اقتصادية وطنية تحقق نوعاً من الرخاء المادي والرفاه لعموم المجتمع .  .  .  كأساس لابدّ من الشروع به من اجل التقدم الأجتماعي والحضاري، ومن اجل فتح الطريق لتمثيل ممثلي الفئات الوسطى السياسيين، اضافة الى ممثلي التكنوقراط وذوي الكفاءات والفئات الواسعة من المستقلين وغير المنتمين على اساس الكفاءة، وممثلي منظمات المجتمع المدني الناشئة والأبداعيين واصحاب المهن والطلبة والشباب وتعزيز تمثيل نشيطات العمل النسوي .  . الضروري لتوازن وثبات الديمقراطية البرلمانية المنشودة .
يثير آخرون الأنتباه، الى الأهمية الكبرى لتشجيع عودة الكفاءات الوطنية من الخارج، وتشجيع عودة المغتربين وتعويض من هُجّر او اجبر على الهجرة، على خساراته المادية والمعنوية والمهنية، اضافة الى الأسراع في اعادة تاهيل (او ايجاد حلول) لمن أُجبر على ترك مهنته وممارسة شغل آخر، المعوقين الجسديين والنفسيين، وتعويضهم، بقوانين ومؤسسات تسن وتُنشأ لتلك الأهداف .
وفي الوقت الذي تشير التجارب الدولية السابقة، اضافة الى المعاهد المتخصصة بشؤون اعادة البناء بعد الحرب (6)، الى ان القضية الأساسية في مرحلة اعادة البناء هي القضية السياسية اساساً والسعي لتوفير مستلزماتها التي رغم كلّ تعقيداتها وتشعّبها، لابدّ منها ولابدّ من الألتزام بخطة لذلك يجري الألتزام بمواعيدها للأنتقال الى الحياة الدستورية.
 يرى آخرون ان القضية الأساسية الآن في بلادنا هي خلق مناخ يلائم عملية التهيئة وصياغة مسوّدة الدستور، لتحقيق النجاح في المراحل الأولى من اجل التأسيس الجديّ للدخول في الحياة الدستورية،
بالبدء بقضية الأمن ومواجهة الأعمال التخريبية المتنوعة، التي تحاول اعاقة المرحلة بتهديد ارواح المدنيين رجالاً ونساءاً واطفالاً، وحرمان العاصمة بغداد من الماء والكهرباء في هذا الصيف الحار، في محاولة لزيادة عذاب ومعاناة الشعب .  .
   الأمر الذي يتطلّب، الحفاظ على ماتحقق وتوسيع وتفعيل وحدة القوى العراقية على اختلاف اطيافها، وضم قوى جديدة اليها على اساس قانون الدولة للمرحلة الأنتقالية الساري المفعول وبنوده التي اتفقت عليها، الذي يحاول البعض التراجع على ماتمّ الأتفاق عليه من عدد منها  .  .  والوقوف بحزم امام خطر تفشي الطائفية البغيضة الذي اخذ يزداد ويثير مخاوف اوساط واسعة بعد سقوط الدكتاتورية. والسعي للتحرر منها بالأبتعاد عن الجمود على اساس المحاصصة وعن التعامل على اساس الطائفية، التي تسعى (المقاومة الشريفة) الى جرّ البلاد اليها، اضافة الى ما يجرّ الفساد والسلوك الخاطئ  لبعض الجهات والأفراد اليها، سواء كانت عراقية، اقليمية او دولية  .  .  شاءت ام ابت . (انتهى)

مهند البراك         
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.   راجع مقابلة رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني مع مجلة " ديرشبيغل" .  . حول مشروع الجنرال غاي غارنر، عدد 26 / 2005 في 27 . حزيران من العام الجاري .
2.   " مخاطر اعادة بناء الأرهاب من الخارج" غريغ وايتنلوك / الواشنطن بوست
3.   راجع : " الأموال المبذولة من اجل السلام " ، الوثائق السياسية الفرنسية ـ الكندية لعام 2004،  ملف الكونغو وعلاقة الملف الأفريقي بملف العراق، باللغات الأنكليزية، الفرنسية والألمانية .    دوريات المعهد الدولي لمراقبة التسلّح، هامبورغ / ستوكهولم لعام 2004 / 2005 .
4.   راجع (2) .
5.   راجع منشورات ودوريات المركز الأعلامي الطبي الألماني، " المخاطر السايكولوجية للفاشية على المجتمع" ، 1996 / " الخوف يعريّ اللاوعي البشري ويجعله متلقياً سلبياً " ، المركز الأجتماعي الأتحادي لتعويض ضحايا الفاشية، 2001 .
6.   راجع وثائق الأرشيف الألماني، عن تجربة المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد سقوط جدار برلين / وثائق تجربة اعادة البناء في بوزنيا، كوسوفو، لعام 2003 ـ 2004 .

مراجع :
ـ راجع تقرير التنمية الأنسانية العربية لعام 2004 ، لأغناء الموضوع.

(*) نشر في مجلة " الرؤية " العدد التاسع / مؤسسة حمدي للطباعة والنشر .[/size]