المحرر موضوع: هل كان هؤلاء عملاء حقا؟  (زيارة 2626 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل كان هؤلاء عملاء حقا؟
« في: 15:05 23/05/2012 »
هل كان هؤلاء عملاء حقا؟



تيري بطرس
bebedematy@web.de

العميل هو شخص الاكثر اهمية في كل مكان وزمان للمؤسسات المنتجة للبضائع هكذا يعرف العميل بالحقيقة، ولكنه في اللغة العربية له مفهوم اخر، العميل هو الجاسوس، او الذي ينقل ما يقوله ويخطط له الناس او الحكومة او اي جهة  الى الحكومة الوطنية  او الحزب الحاكم ، او الدول الاجنبية مقابل اموال او موقع او للحماية او للايمان الايديولوجي . والمفروض في العميل ان يكون عين النظام والحزب والدول الاجنبية في الشعب والمؤسسات المعنية او الدولة، يحصي عليهم انفاسهم. وبهذا المفهوم فالعميل ليس من يتجسس لصالح الدول الاخرى فقط، بل هو من يتجسس داخل الدولة وعلى شعبها لصالح النظام والحزب او الفئة الحاكمة. وهو مفهو ملتبس فمن ناحية ان الدولة التي يفترض بها حماية المواطن وحريته وقدرته على قول رايه بكل حرية، تكون في الكثير من الاحيان هي التي تقوم بخرق ذلك من خلال عملاء او جواسيس داخليين، ليس لمعرفة توجهات الناس لتغيير الخاطي او الغير المقبول، بل لقمع كل ما لا يلائم توجهها الديني او الايديولوجي او الاقتصادي. ومن ناحية اخرى ان هذا المفهوم يخرق الانتماء الوطني، بمعنى ان معرفة ما تخطط له الدول او المنظمات الاجنبية لتحصين الوطن من كل النواحي هو موقف وطني بامتياز يجب ان يقابل بالترحيب والتقدير، ولكن في بلداننا الشرق اوسطية او ذات السلطة الدكتاتوية كان مفهوم العميل هو الشخص الذي يلبي رغبات السلطة بالضد من اماني الشعب او الشعوب او الطوائف او حتى الاحزاب. وكما ترون ان مفهوم الوطن والشعب الواحد بالكاد ان يكون موجودا في فكر وممارسة السلطات او حتى المعارضات المختلفة التوجهات، هنالك معي او ضدي، ولكي احمي نفسي من اعدائي فعلي ان اتغدى بيهم قبل ان يتعشوا بي، ومعارضة اليوم ان استلمت السلطة ستمارس نفس الشئ.
حضر الشماس كوركيس بيت بنيامين داشيتا الى العراق في اوائل الثمانينات من اميركا، ولذ رتب لنا الاخ الدكتور وليم اشعيا لقاء معه ضمني والاخوة روبن بيت شموئيل واشمائيل ننو واخوة اخرين وفي الحوار معه احتد النقاش بيني وبينه حتى قال لي المثل العراقي الايد الي ما تكدر ددوسها بوسها، في مثل ظل هذا الواقع وهذه المفاهيم تعامل الكثيرين مع واقع شعبهم، شعروا انهم ضعفاء وليس لديهم امكانية ما للمقاومة ولذا فعليهم التعامل مع الواقع كما هو، وهذه الثقافة موجودة واقر انها ثقافة استسلامية ولكنها لا تعبر عن كره بقدر تعبيرها عن الاستسلام لواقع مرير. ففي حين ان الاقرار بالواقع مطلوب لتوضيح الامور ومعرفة الابعاد، الا انه يجب ان نفكر بالحلول المطلوب. لقد عاش اغلب ابناء شعبنا تحت ظل حكومات لا ترحم ابدا، ولذا فان ردود افعالها كانت في الغالب حذرة جدا، لانها تدرك العواقب، وتدرك ان التضحيات في شعبنا غالية ومحسوسة جدا. وعليه فاننا حينما نتحدث عن العمالة والعملاء فنه من واجبنا ان نأخذ هذه الامور بنظر الاعتبار، كما اننا يجب ان ناخذ الضحايا الذين كانوا نتيجة عمالة فلان او علان او الاخطار التي تعرضت لها الامة نتيجة اعمالهم. لكي تستقيم الامور ونحدد حقيقة موقف شخص ما. وليس طرح الامور على علاتها واتهام الناس والتضحية بهم وتجريحهم وجعلهم يعيشون حالة الالم الابدي من خلال عدن تفهم الناس لهم. فهل يمكنني في ظل مثل هذا الحوار ان اقول ان الشماس كوركيس رحمه الله كان عميلا وهو الذي خدم ثقافتنا من خلال كتبه وشعره وكذلك لغتنا من خلال مطبعته، رغم انه صار استسلاميا لواقع معين خلال السنوات الاخيرة من عمره، نتيجة لخبرة او ياسا او لتاثره بصهره اقليمس كنجي.
يقول احد كتابنا ان السيد وليم شاؤول كان يعرف حتى الاطفال في شعبنا، على انه عميل، لنفترض حسن نية الكاتب في مثل هذه العبارة، ولكن هل حقا ان السيد وليم شاؤول بهذا المفهوم كان عميلا، فالعميل من المفترض ان يكون سريا، وان لا يعرف به احد، والا  كيف به ان ينقل ما يقال امامه او من خلال موقعة الى الجهات التي يعمل لها بالسر؟، او كيف للناس ان تثق به وهي تدرك انه عميل؟. فاهم مفهو في العمالة هو السرية التامة، لان العمالة ليس ممارسة دور الشرطي القمعي او حتى الوظيفي. اذا ان معرفة الناس بان الشخص الفلاني يعمل لصالح جهة معينة وبالضد من مصالح الشعب او الامة او المنظمة او اي اطار يمكن ان يجمع مجموعة من الناس، يعني الغاء امكانية القيام بهذا الدور وانتفاء مفهوم العمالة. ومن هنا نرى ان الكثير من الدعاوي التي الصقت باناس بانهم عملاء النظام لم تكن لها حقيقة من الواقع، الا ان هؤلاء الناس ربما كانت لهم رؤية اخرى، غير السائدة، وقد تكون هذه الرؤية سليمة او غير سليمة، ولكن من حق الناس ان تكون لهم رؤياهم الخاصة وان يطرحوها ويروجوا لها، وبالاخص في حالة عدم وجود توافق يضم غالبية المنتمين للاطار المعين. وحتى في هذا الحالة فان الاقلية لها حق قول رايها ولكن بالعموم ان الاطار الضامن للمختلفين، سيسير براي الاكثرية مع احترام حق الاقلية ومخاوفها. وهنا اتحدث عن وليم شاؤول في السبعينيات وليس في التسعينيات من القرن الماضي، فما اتهم به في الولايات المتحدة الامريكية انه صار عميلا للنظام العراقي عام 1996 وهو لم يذكر ذلك في الاوراق الرسمية التي تطلب ذكر مثل هذه الامور. ان الصاق مفوم العمالة بوليم شاؤول مثلا هو اتهام مباشر لمن يطلقه في الغالب، فكيف لشخص عميل وكريه لحد ان الاطفال في الشارع تعرف عمالته ويعرف اسرارا كثيرة ولا يقوم بكشفها. ولو عرف من يعمل لاجلهم انه يحفي كل تلك الاسرار لكانت عقوبته شديدة القسوة.
لقد شاع وعلى نطاق واسع الصاق مفهوم العمالة بمالك خوشابا يوسف، لانه اتخذ موقفا مغايرا لما اتفقت الاكثرية عليه، ومالك خوشابا لم يخفي اعتراضه، وخطاه الاكبر كان الخروج عن الاجماع في مؤتمر ريشا داميديا بعد ان كان متفقا على كل مقرراته، وهذا الخطاء لا يعتبر عمالة بقدر ما يعتبر خطاء فادح، ليس بالنتائج ولكن بالممارسة السياسية التي تسمح بالاختلاف ولكنها تدعوا الى الاتفاق العام في حالات معينة للحفاظ على المصالح العليا. هنا سنواجه امرين مهمين وهما تحديد مفهوم المصالح العليا، وهل كان قوميا او كنسيا او عشائريا. فاذا كان قوميا وهو مفهوم ملتبس هنا، لان قطاعات واسعة من ابناء الامة كان مغيبا من مؤتمر ريشا داميديا، وبالاخص ابناء شعبنا من المتسمون بالكلدانية والسريانية، هنا سنجني على حركتنا القومية بمنحه هذه الصفة. اي نعم الاندفاع والفخر يدعياننا لفعل ذلك لان مثل هذه المؤتمرات وبالقوة التي اظهرتها كان مدعاة ولا تزال للاعتزاز، الا انه يجب الاقرار بانها لم تضم مختلف التوجهات في الامة، وبالتالي كان ينقص المؤتمر الكثير لكي يحقق التمثيل القومي. اما كنسيا فالظاهر ان كل الحاضرين للمؤتمر اعلاه كانوا من كنيسة المشرق من اتباع المارايشاي شمعون، ومالك خوشابا كان الوحيد الذي لم يكن من هذه الكنيسة، فهو كان من اتباع الكنيسة الانجيلية، والمؤتمر لم يضم كلدان ولا ارثوذكس او كاثوليك سريان في صفوفه، وهنا ايضا نقع في مطب ان المؤتمر لم يكن شاملا. اما عشائريا فالواضح ان المؤتمر كان يمثل مصالح عشائر على الاغلب، لانه ضم رؤساء العشائر ورجال الدين الكبار، فمثلا كان تمثيل برور وصبنا من خلال ماريوالاها وهو اسقف بروار، وغيب مرة اخرى دور اهل السهول والمدن  والقرى الكبرى فيه. اذا يمكن القول ان مؤتمر ريشا داميديا كان مؤتمرا قوميا اوليا وفيه نواقص عديدة، بالرغم من ان مقرراته كان سيستفاد منها كل قاطني قضاء دهوك في حينها بالاظافة الى ان مقرراته لم تكن بعيدة عن الواقعية السياسية. وكان المؤتمر سيؤدي الى خلق كتلة موحدة وقوية برئاسة مار ايشاي شمعون، توازي قوة اطراف اخرى في المنطقة كالعشائر الكوردية. من هنا يمكن القول انه تنطبق على موقف مالك خوشابا مفهوم المصالح المغايرة وهو مصطلح سياسي بامتياز، اي يجب اخذه بنظر الاعتبار في الممارسة السياسية كامر واقع ،كما  انه راي ان موقفه يحقق مصالح الاغلبية وليس موقف الاخرين، ولقد حاول ان يراهن على مفهوم الدولة العراقية الحديثة، مضحيا ببعض الامور التي اعتبرها مؤقتة، ولكنه اعتقد انه رهانه سيكسب الامة الكثير مستقبلا. والواقع ان رهان الطرفين الذين خرجا من مؤتمر ريشا داميديا متفقين واختلفا لاحقا لم يحقق اي شئ، فرهان العائلة البطريريكية كان من نتائجه اللاحقة ما حدث في سميل (على ان لا يفهم اننا نحمل نتائج المذبحة لهذه المواقف، لان قضية سميل ونتائجها يتطلب دراسة الوضع الوطني العراقي والجوار والوضع البريطاني والوضع الاشوري) ورهان مالك خوشابا افرزته الايام ايضا فاشلا لانه بالحقيقة كانت هناك صورة للدولة،ولكن لم تقم في العراق منذ تاسيسه دولة المواطنة ونتائج ذلك نراها الان. من هنا نرى بان محاولة البعض الصاق تهمة العمالة بمالك خوشابا ليست صحيحة وليست سليمة واضرت العمل القومي كثيرا. ان قولنا هذا لا يمنع من توجيه النقد لمواقف اتخذها مالك خوشابا او عائلة مار شمعون او مالك ياقو ، ولكن فهم الاتجاه على انه موقف سياسي نابع من رؤية خاصة يجعل مفهوم العمل القومي اوسع مما حاول او يحاول البعض تحديده. يبقى ان نقول انه من الواضح ان مالك خوشابا لا تنطبق عليه مفاهيم العمالة، هذا الشخص الشجاع والذي يدرك الجميع شجاعته في حروب اورميا وفي عملية اخذ الثأر، الا ان هذه الشجاعة تبقى شجاعة عشائرية، التي ترى الحق في صالحها وتاخذ قرارها دون ان تاخذ الكثير من الامور في الحسبان، وخصوصا ردة فعل الاخرين والتضحيات التي  بمكن ان يتطلبها الموقف الشجاع. ويستوي في هذا الامر كل زعماء العشائر او الذين من خلفيات عشائرية قريبة. ويحضرني هنا قول مالك ياقول لنا في اجتماع ضمنا نحن اعضاء لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو معه في عيد الميلاد عام 1973 انهم كانو يستبسلون في القتال من اجل تحرير جبل ما ولكنهم ما كانوا يعملون لاجل وضع مجموعة لكي تحتفظ به، اي ان عملية التحرير لم تكن لتحرير تربة وطنية بل عملية كر وفر عشائري، والفخر والصدى الذي يحدثه الانتصار الذي لم يكن تحسب نتائجه ولا فوائده.
في السبعينيات ايضا كان من الشائع ان يطلق على المرحوم شليمون بكو، رئيس اللجنة المركزية للطائفة الاثورية (كما سميت) بانه عميل للحكومة العراقية، هنا كما ترون كلمة عميل للحكومة (هناك انفصال واسع بين العراقيين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية والحكومة) لم يشعر العراقيين ابدا ان الحكومة تمثلهم او تمثل وطنهم، ان المعارضة والتي كانت على الدوام غالبية الشعب ولكن هذه المعارضة مختلفة الاتجاهات ومتعادية في الغالب، تتفق على ان من يعمل او يتعاون مع الحكومة هو عميل لها، ليس الشخص المدني الذي يعمل ويؤمن بمشروع الدولة القائم، بل حتى المنتسب الامني الذي تتطلب منه وظيفته القيام بالمهام الامنية مثل اعتقال المجرمين او متابعة اللصوص وغيرها كان يعتبر عميلا للحكومة ولم يعتبر يوما موظفا يؤدي واجبا وطنيا. لان جميع العراقيين واعتقد جازما السوريين واللبنانين يختلفون حول مفوم ماهية الوطن والمواطنية لحد العداء.
لقد كان السيد شليمون بكو رئيسا لهيئة مدنية ارتضتها الكنيسة لنفسها لادارة شؤونها، وهي اللجنة المركزية للطائفة الاثورية، وبحكم منصبه كان عليه ان يلتقي ويتلقى توجيهات الحكومة، ولم يدعي يوما بانه يقوم بثورة قومية او احياء الامة انه ارتضى لنفسه ادارة ماهو موجود، وباحسن السبل الممكنة مع مراعاة متطلبات الاخر الذي لايمكن ان تعارضه لاختلال موازين القوى الفاضح. ولكن نحن القوميين ولاننا رفعنا راية الامة والمطالبة بحقوقها وتحدي كل العالم من اجلها، حاولنا ان نضع الجميع في سلتنا، فاما ان يكونوا مثلنا في اندفاعنا وتهورنا احيانا او هم ليسوا بالامتنايي (بقوميين). وبالرغم من كل ما لحق بالسيد شليمون بكو وغيره بقوا يحفظون الود ويحترمون العلاقات الاجتماعية والاهم كان يهمهم الانسان الذي كان الكثيرمن القوميين مستعدين للتضحية به على مذبح الشعارات. 
ان من اهم ما نخرج به هنا هو ان مفهوم الامتانيا او القومي قد تم تضيقه وجعل منه مفهوما اقصائيا وحدد من قبل تيارات قومية مختلفة، ولم يكن واسعا ورحبا ليضم مختلف الاراء والتوجهات، ان مفهوم الامتنايا صار مثل المفاهيم الايدولوجية الاخرى التي يتم تحديدها فوقيا من قبل قوى ترى بان لها وحدها الحق في تحديد من هو القومي الصحيح، بالضد من رغبات وتطلعات ابناء الامة بمختلف مشاربهم، الامر الذي نعانيه اليوم من النظرة المسبقة والمتشككة بالراي الاخر. ليس عيبا ان نعيد النظر بتاريخنا وندرسه على ضؤ ما بتنا نمتلكه من ادوات فكرية ومفاهيم سياسية حديثة، ولكن العيب ان نبقى اسرى للماضي بدعوة محاولة نسيانه، وكان البعض من خلال دعوة نسيان الماضي يحاول ان يمني الاخرين بانه قدم لهم ما لا يستحقون.
ان التركيز على الشخصيات الواضحة، والتي اعلنت مواقفها ورؤيها مهما اختلفنا معها، قد سمح لمن كان عميلا حقيقيا لحزب البعث واجهزته ولكل من حاول ان يندس في مجتمعنا محاولا زرع الخلافات والاحقاد، ان يقوم بمهامه دون ان يردع او يكشف. لان توجيه التهم لمن ينادي بموقف مغاير قد جعل الامة تلتهي عن حقيقة تعرضها لهجوم غير مرئي ادواته قد يكونون من ابناء الامة وكل ذلك مقابل مكانة او مال او اضطرارا ايضا.
ان من الاخطاء الكثيرة التي اقترفت في حق مسيرة حركتنا القومية هو قطع التواصل، وافتراض كل جهة انها تمثل الحقيقة، وعدم القدرة على سماع الراي المخالف، وهذا الامر يمنحنا الحق في القول ان الكثير من المفاهيم العشائرية والقروية والتي تخالف المدنية التي تتؤام مع الحركة القومية، ماتزال فاعلية في حياتنا اليومية رغم اننا بتنا نلبس احدث الازياء الاوربية. الامم الفاعلة تستفاد حتى من المخالفين ممن يعيشون على هامش الحياة فهي تحسب لكي امر حسابه، ولا تضحي بابناءها بسهولة وبيسر، بل تتمسك بهم وتمنحهم فرص العيش وقول ما يريدون، لانهم بالنهاية يريدون الخير لامتهم
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ