المحرر موضوع: كـنيسة المـشرق بين شـطريها [بقلم : "المطران د. مار سرهد يوسب جمو"]  (زيارة 2341 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل 1iraqi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 111
    • مشاهدة الملف الشخصي
كـنيسة المـشرق بين شـطريها

 

بقلم : "المطران د. مار سرهد يوسب جمو"

مُقدمة*

يقول رسول الأمم بولس في رسالتهِ الى أهل أفسس (4،4-5)"...... هناك جسد (أي جسم كنسي) واحد وروح واحد، كما أنكم دعيتم دعوة رجاؤها واحد. فهناك رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة". هذا هو المنطلق والمفهوم العقائدي. أما الواقع التاريخي والوضع القائم فأمر آخر. ذلك لأن هذا الجسد المسيحي أو الكيان المنظم الواحد تباعدت بعض أطرافهِ. تحت ضغط العوامل اللاهوتية والجوانب الثقافية والسياسية، عن بعضها البعض وربما عن المتن. وطالت الحال ردحاً من الزمن حتى ألفت هذه الأطراف حال الإنعزال وإعتبرتها وضعاً طبيعياً لا بأس به.

ولسنا نعني في هذه المقدمة بالبحث عن موضوع الوحدة المسيحية عموماً، إنما يهمنا هنا الحديث عن علاقة الشرق المسيحي على تنوعهِ بالغرب المسيحي المتمثل بروما، وعرض إجمالي للظروف التاريخية التي أدت بتلك الأطراف الشرقية إلى التباعد عن ذلك الغرب الروماني.

ونحن إذا شئنا التبسيط في عرض الأمور لأمكننا القول أن في تاريخ الكنيسة معالم ثلاثة يجوز إعتبارها نقاط تحول في المسيرة الكنائسية:

المعلم الأول هو مجمع أفسس الذي إنعقد سنة 431م. والذي حُرم فيهِ نسطوريوس بطريرك القسطنطينية وما فهم عن تعليمه من أن في المسيح طبيعتين وأقنومين وشخصاً واحداً. وقد أدى هذا الموقف آخر الأمر إلى إبتعاد كنيسة المشرق المنتشرة في بلاد ما بين النهرين وفارس وشرقهما عن الكنيسة الغربية تدريجياً حتى إنعزالها عنها لقرون عديدة. لذلك شاع عنها لفترة إسم "الكنيسة النسطورية". وتلك هي كنيسة أجدادنا.والمعلم الثاني هو مجمع سنة 451م المنعقد في مدينة (خلقيدونية)، والذي حرم فيه رأي القائلين أن في المسيح طبيعة واحدة. وقد أدى هذا الموقف إلى إنفصال تدريجي لكنائس مصر والحبشة وسوريا وأرمينيا. وهي الكنائس التي أطلق عليها حديثاً إسم الكنائس المونوفيزية، ويطلق عليها إسم "الكنائس الأرثوذكسية الشرقية" وهي الكنيسة القبطية والحبشية والسريانية والأرمنية.

والمعلم الثالث هو الخلاف المذهبي على بعض القضايا اللاهوتية بالإضافة إلى موضوع الرئاسة الكنسية بين العاصمة البيزنطية (القسطينية) وروما الپاپوية، والذي يبلغ ذروته على عهد بطريرك القسطنطينية ميخائيل جيرو لاريوس وإنتهى بتراشق الحرم (سنة 1053م) بين الكردينال هومبرتو دي سيلفا كانديدا، الموفَد من قبل الپاپا لاون التاسع، والبطريرك المذكور. وهكذا ترسخت القطيعة بين الكنائس البيزنطية والغرب المسيحي. وقد شملت هذه القطيعة الكنيسة اليونانية والملكية والروسية والأوكرانية والروثينية والسربية والرومانية. ويطلق عليها إسم "الكنائس الأرثوذكسية".

وهكذا بإنقضاء الألف المسيحي الأول من عمر الدعوة المسيحية نرى أن الشرق بكامله أي من شرق أوربا حيث الشعوب السلافية نزولاً إلى الشرق الأوسط وأقوامه العريقة حتى الشرق الأقصى، إنشطر الجسم الكنسي إلى "شرق وغرب"، وإنشطر الشق الشرقي نفسه إلى مجموعات ثلاث هي "كنيسة المشرق" التي سميت لاحقاً بالكنيسة الكلدانية والآثورية، والكنائس الأرثوذكسية الشرقية وهي السريانية والقبطية والحبشية والأرمنية، والكنائس الأرثوذكسية البيزنطية من يونانية وسلافية.

محاولات الوحدة الجماعية

لابدّ للمسيحيين، لاسيما المسؤولين الكنسيين منهم، أن يستذكروا كلمات الرب في صلاته الكهنوتية؛ "أحفظ بإسمك الذين وهبتهم لي، ليكونوا واحداً كما نحن واحد" (يو 11:17)، ولا مناص لهم من السعي في سبيل إعادة الجسم الكنسي إلى وضعه الوحدوي الطبيعي، لذا فأن محاولات الوحدة تتابعت مع مرّ العصور بين كل من الكنيسة الرومانية وكل مجموعة وفرع من الكنائس الشرقية الثلاث، حتى توصل مجمع ليون سنة 1274م ثم مجمع فلورنسا سنة 1439م إلى إبرام الوحدة بين مُمَثِّلي الكنائس البيزنطية والغرب الروماني. غير أن هذه الوحدة سرعان ما تراخت وزالت لأنها تمت تحت ضغط الأوضاع السياسية والعسكرية ودون تهيئة للأجواء الكنسية والشعبية. حتى أُهملت تماماً لأن الغرب المسيحي لم يفعل شيئاً مجدياً لإنقاذ القسطنطينية من الإحتلال التركي سنة 1453م.

بعد فشل هاتين المحاولتين الكبيرتين إتجه النشاط الوحدوي لاحقاً إلى اسلوب الحوار مع كل كنيسة شرقية على حدة. وكانت كنيسة المشرق (كنيسة أجدادنا)، الملقبة أحياناً بالكنيسة النسطورية والمسماة لاحقاً بالكنيسة الكلدانية والآثورية، هي السبّاقة في هذا المضمار، حيث تم توقيع وثيقة الإتحاد على يد يوحنان سولاقا رئيس الرهبان سنة 1553م في روما. وعقب ذلك التوصل إلى إبرام الوحدة بين الكنيسة الرومانية ومجموعة من الكنائس البيزنطية السلافية ثم مع الروم الملكيين والسريان والأرمن والأقباط واليونان.

ولكن الذي يهمنا في هذه الدراسة تخصيصنا إنما هو أمر كنيستنا وشعبنا أعني قضية الوحدة الكنسية بين الشقّين المنشطرين من كنيسة المشرق العريقة أي الشق الكلداني الكاثوليكي والشق النسطوري الذي سُميَّ حديثاً بالآثوري. ولمعالجة الموضوع معالجة وافية لابُدّ من تناوله من جوانب عديدة، منها تاريخية وأخرى معاصرة. فلنبدأ أولاً بالقضايا التاريخية وأهمها إثنتان:

1- قضية الرئاسة الكنسية.

2- قضية الخلاف العقائدي عن شخصية المسيح.

أ. كرسي المشرق:

أن السلطة الكنسية، في المفهوم والتفسير الكاثوليكي، تتركز أولاً في هامة الرسل شمعون بريونا، الذي هو في إيمانهِ بمثابة الصخرة (باليونانية بطرس) من بنيان هيكل الكنيسة، وذلك برغبة السيد المسيح، وهذه السلطة عينها تتسلسل عبر العصور الى خلفاء زعيم الرسل وهم أساقفة روما، حيث أستقر شمعون – بطرس حتى نال إكليل الشهادة. ويشترك في هذه السلطة الكنسية، برغبة السيد المسيح كذلك، بقية الرسل وخلفاؤهم، ولكن بنوع محدود وعلى ان يكونوا متحدين بالايمان والمحبة براعي القطيع كله.

وحيثما ذهب الرسل والتلاميذ ونشروا بشرى الخلاص وأسسوا الكنائس رسموا لكل مركز أساقفة وكهنة وشمامسة يتولون مسؤولية الرعاية والخدمة فيه. وقد أدت الظروف المحلية في كل مملكة او قطر الى تطوير نوع من السلطة المركزية العليا في المدن الكبرى. وقد بلغ هذا التطور مستوى واضحاً في مطلع القرن الرابع، حيث برز "رئيس أساقفة" بين كل مجموعة أساقفة. وكانت الكراسي الاسقفية البارزة في المملكة الرومانية هي: روما، الاسكندرية، وانطاكيا، ثم أضيف اليها لاحقاً كرسي القسطنطينية وكرسي أورشليم، أما خارج حدود الامبراطورية الرومانية فقد تبلورت رئاستان أسقفيتان هما: كرسي المدائن ساليق قطيسفون وهي مقر الامبراطوية الفارسية يومذاك، وكرسي ارمينيا. وبعد منتصف القرن الخامس لقب الجالس على كل من هذه الكراسي بلقب بطريرك. وقد تميز الكرسيان الاخيران بلقب الجاثاليق ايضاً، وكلتا اللفظتين يونانية، وتعني الاولى "العام" اي الرئيس العام، والثانية "الأب الرئيس، وذلك تعبيراً عن الرئاسة والأبوة العامة التي يتحمل مسؤوليتها من ينتخب لهذه الرتبة. ونظراً لوقوع الامبراطورية الفارسية شرق الامبراطورية الرومانية فقد أُطلِقَت على الكنيسة القائمة فيها تسمية "كنيسة المشرق" واطلق على مقر سلطتها الكنسية في المدائن لقب "كرسي المشرق". وعلى الأسقف الجالس عليه لقب "جاثليق وبطريرك المشرق".

ويبدو أن ظروف الإدارة الزمنية كان لها في أحوال كثيرة دور مؤثِّر في بروز بعض الكراسي الأسقفية بالنسبة إلى غيرها. ذلك لأن أسقف المدن الكبرى وعواصم الممالك كان بإحتكاك مستمر مع السلطة المدنية العليا القائمة فيها، فكان يلجأ إليه الأساقفة المتاخمون في مراجعاتهم حتى برزت أهمية الكرسي، وأضحى من الملائم أن تكون عاصمة الدولة مقراً للرئاسة الكنسية المحلية. واذا حدث وإنتقلت عاصمة الدولة إلى مدينة أخرى، فغالباً ما كان رئيس الأساقفة (البطريرك لاحقاً) ينتقل إليها بدوره، كما جرى بالنسبة إلى بطريرك الإسكندرية القبطي الذي إنتقل مركزهِ إلى القاهرة، وكما جرى بالنسبة إلى بطريرك المشرق الذي إنتقل إلى بغداد إبان الحكم العباسي ثم إلى مراغا إبان الحكم المغولي ثم إلى بغداد من جديد في العقود الأخيرة.

إن أول أسقف للمدائن "ساليق قطيسفون" تذكر المصادر التاريخية عن تحصيله لمسؤولية الرئاسة العامة على "كرسي المشرق" هو مار پاپا (+329). وتختلف هذه المصادر عند شرح ظروف حصوله على الرئاسة. فبينما نفهم من كتاب أعمال الشهيد ميلس (بيجان، 2، ص 366-268) ان پاپا طمح الى ترؤس إخوته الأساقفة فلقي مُناوَءة شديدة منهم، نلاحظ ان پاپا في رواية كتاب مجامع كنيسة المشرق هو الرئيس بالفعل إنما تمرد عليه اساقفته، فألتجا الى "الأباء الغربيين" أساقفة الامبراطورية الرومانية، فدعمه هؤلاء لتثبيت رئاسته على كرسي المشرق (المجامع، ص 46-47 من النص).

أما علاقة كنيسة المشرق بالكنيسة الكاثوليكية الجامعة فكانت علاقة الجزء بالكل وعلاقة الطرف بالمركز، وقد جاء هذا الموقف صريحاً في مجمعين عُقِدا في المدائن، الأول في سنة 410 والثاني سنة 420، حيث أعلن أساقفة المشرق رغبتهم في الاتفاق مع الاباء الغربيين على كل شيء سواء في أمور الإيمان كما في شؤون التنظيم الكنسي، "لكوننا أعضاء جسد واحد هو المسيح". (كتاب المجامع، ص40 من النص). كما ويعلن أساقفة المشرق إلتزامهم بكافة القوانين التي وضعها الآباء الغربيون إبتداء من مجمع نيقية سنة 325.

ترى ما هو المقصود بعبارة "الآباء الغربيين" التي ترد بتواتر في متن هذين المجمعين؟

إن دراسة النص الدقيقة تقدم دلائل وفيرة على أن المقصود بالآباء الغربيين هو أساقفة الامبراطورية الرومانية عموماً. فكنيسة المشرق وان لم ترتبط يومذاك إرتباطاً خاصاً بمركز معين خارج حدود الامبراطورية الفارسية إعترفت رسمياً بإنتمائها الى الكنيسة الجامعة ككل، كما إعتبرت ذاتها جزءاً متصلاً بهذه الكنيسة. ولذا يضلّ من يعتقد ان كنيسة المشرق كانت بادىء الامر مرتبطة بكرسي إنطاكية ارتباط الفرع بالجذع، وان كان هذا لاينفي وجود العلاقة الحميمة بين الكنيستين المشرقية والانطاكية والتأثير المتبادل بينهما لاسيما في القرون الخمسة الاولى. (عن نشأة كرسي المشرق، راجع ترجمتي لمقالة وليم دفريز، في مجلة بين النهرين 1975، عدد 9- 10 ص5-32).

ولابد لنا من الإشارة هنا إلى أن روابط العلاقة بين كنيسة المشرق والكنيسة الغربية كانت تتأثر كثيراً بالأوضاع السياسية المتزامنة وبطبيعة العلاقة القائمة يومذاك بين الدولتين الغريمتين؛ الرومانية والفارسية، ولم يكن المجمعان المذكوران إلا مظهراً من مظاهر هذا التأثر، ذلك لأن المجمع الاول إنما أنعقد برغبة العاهلين: الروماني تيودوسيوس الثاني، والساساني يزدجرد الاول، ويبدو ان يزدجرد حاول ان يستخدم رعاياه المسيحيين كجسر للتفاهم مع العاهل القسطنطيني، كما يبدو أن فتح الحدود بين كنيسة المشرق والغرب المسيحي إنما توخى العاهل الساساني من ورائه البرهنة على الحرية التي يتمتع بها المسيحيون في بلاده والتدليل على الرعاية التي يخصّهم بها.

أما في عهود العداء بين المملكتين، فقد كانت كنيسة المشرق تضطر الى الأنطواء على ذاتها، لئلا تصبح علاقتها مع الغرب المسيحي سبباً للتشكك في ولاء الرعايا المسيحيين لدولتهم او فرصة لوضعهم في موقف حرج أمام السلطة المدنية الوثنية او مبررا لكهان النار الزرداشتيين لأثارة الاضطهاد عليهم، وكم كان سهلاً يومذاك، بل ولا زال حتى اليوم، الخلط بين الدين والدولة، والخلط بين التعاطف الديني والولاء الوطني.

وقبل ان ننقل الحديث الى نقطة اخرى، من اللازم علينا ان نذكر هنا ان بطريرك المشرق، مع رغبته في توثيق العلاقات بينه وبين الغرب المسيحي وإعترافه بأن كنيستهِ جزءٌ من الكنيسة الجامعة متصل بها إتصال الجزء بالكل، كان يعتبر لجوء اساقفته إلى الغرب المسيحي، كلما جرى بينه وبينهم خلاف، إحراجاً لموقفهِ أمام شعبه وأضعافاً لموقفهِ امام السلطة المدنية. ولذا فقد أعلن مجمع داديشوع سنة 424م أن بطريرك المشرق هو المرجع الأعلى والأخير لكنيستهِ وأنه لا يُحاكم إلا أمام منبر المسيح (المجامع، ص 44-47).

ب. الخلاف العقائدي:

في هذا الظرف تماماً، وفي سنة 430، إحتد النقاش بين نسطوريوس بطريرك القسطنطينية وأتباعه من جهة وقورلس بطريرك الإسكندرية وأتباعه من جهة أخرى، حول الصيغة التي يحدد فيها وصف تواجد العنصر الإلهي والعنصر الإنساني معاً في كيان المسيح الواحد، وترتبط بهذه المسألة مسألة أخرى وهي:

أيجوز تلقيب العذراء مريم بـ "أم الـله" أو لا يجوز ذلك لاهوتياً. فإنتهى الأمر بعقد مجمع في مدينة أفسس سنة 431 م إكتنفته الملابسات، ولكنهُ توصل آخر الأمر إلى حرم الموقف النسطوري حسبما عرضه مناوءوه. وعقبهِ مجمع آخر عقد في خلقيدونية سنة 451م وفيه توضيح يعدل شيئاً من جذرية المجمع السابق. وقد زرع هذا الخلاف اللاهوتي الشقاق بل والتناحر في الشرق المسيحي كله، سواء في جزئه المتواجد في الإمبراطورية الرومانية الشرقية (آسيا الصغرى، سوريا، مصر...) أو في الجزء المتواجد في الإمبراطورية الساسانية (بين النهرين وفارس) حيث كنيسة المشرق. وإنقسمت الكنيسة في الشرق كله إلى ثلاثة أقسام: الواحد، وشاع عنه اسم "الأرثوذكسي" وهو المتحد يومذاك بالكنيسة الرومانية، يقول بطبيعتين وشخص واحد في المسيح، والثاني وقد شاع عنه إسم "المونوفيزي" أو "اليعقوبي" يقول بطبيعة واحدة وشخص واحد، وثالث شاع عنه إسم "النسطوري" يقول بطبيعتين وأقنومين وشخص واحد. وقد لا نبالغ إذ قلنا أن ذاك النقاش غذّته المدارس اليونانية الفلسفية بتنوّع إصطلاحاتها وحذلقتها الذهنية مع أن جميع هؤلاء يعترفون بالمسيح الواحد إلاهاً وإنساناً. ولكل زمان ظروفه.

لقد كانت نتيجة هذه المشاحنات اللاهوتية أن كنيسة المشرق، في أغلبيتها الساحقة، إعتبرت الصيغة "النسطورية" أوفق للتعبير عن مضمون الإيمان، مما أدى إلى عزلها تدريجياً ولحقبة مديدة عن بقية أجزاء الكنيسة الكاثوليكية. وهو وضع إرتاحت له الدولة الساسانية وشجّعته وساعدت على تثبيتهِ. لأنهُ، في نظرها، يسهل لها تأمين ولاء المسيحيين من رعاياها ويجعلهم في موقف العداء من غريمتها الإمبراطورية الرومانية. إلا ان هذا الوضع في الوقت نفسه أدى من جانب آخر، بكنيسة المشرق إلى تفجير طاقاتها الروحية وعبقريتها الذاتية، وجعل من بنيها نسوراً حلّقوا إلى أبعد أقاصي الشرق ينشرون فيه مبادىء إيمانهم وحضارة موطنهم الأم، حتى ضاهت كنيسة المشرق، في عهد مجدها، رقعة ً وعدداً، الكنيسة الرومانية ذاتها.

ولا شك أن التحرر من تلك القيود المدرسية، والعودة إلى ما يعرضه الكتاب المقدس والتقليد الرسولي، من إصطلاحاتٍ وصور فكرية وشروح، هو النهج الذي يقودنا إلى الحلول الوحدوية، والصيغ العقائدية السليمة. وذاك النهج هو ما يرد واضحاً وغالباً في المواضيع الطقسية والقانونية لكنيسة المشرق، وهو ا نعتبره الممثل الصحيح لتراث هذه الكنيسة الرسولية الأثيرة، وهو الذي يربطها بوصال الإيمان ووحدة الإدارة بالكنيسة الجامعة.

أما آراء وطروحات بعض اللاهوتيين المشرقيين، مهما علا قدرهم بين أقرانهم في تاريخ كنيستنا الفكري، مثل نرساي وباباي، فإن هي إلا آراء وتعابير شخصية، لا يمكنها أن تطغي على الموقف الرسمي الوارد في الوثائق الطقسية والقانونية، بل على العكس تماماً إنها يجب أن تُقرأ وتُفسَّر على ضوئه وفي إطاره.

كرسي المشرق والتطورات اللاحقة

بعد أن ذاقت كنيسة المشرق طعم المجد أجيالاً، لاسيما منذ القرن التاسع حتى نهاية الثالث عشر أبان الحكم العباسي ومطلع الحكم المغولي، وثبتت مراكزها "في كل مقاطعات بابل وفارس وآثور. (وحطت مرسليها) في كل البقاع حيث تشرق الشمس، ولدى الهنود والصينيين، ولدى التيبيتيين كما لدى الأتراك، وفي كل المدن التي تخضع لهذا الكرسي البطريركي" (من رسالة طيمثاوس الاول الى الموارنة. عند لابور في كتابة عن طيمثاوس الاول ص45)، دارت عليها دوائر الزمن القاسي، فأخذت تنحسر انحساراً سريعاً منذ العقد الاخير من القرن الثالث عشر، لاسيما على عهد الايلخان المغولي محمود غازان وخليفته خدابنده، حتى تقوقعت على ذاتها في شمال ما بين النهرين وفي الجبال المتاخمة له من ايران وتركيا، وهكذا إستقرت من جديد في الشعب الذي إنطلقت منه منذ البدء وهم أحفاد أبناء الرافدين.

والجدير بالذكر أن الكرسي البطريركي إنتقل خلال هذه الفترة أولاً من المدائن ساليق قطيسفون إلى بغداد على عهد طيمثاوس الأول (780م-823م). ثم، في فترة التقلبات السياسية وإضطراب الوضع الأمني التي رافقت الحكم المغولي، إحتمى معظم المسيحيين في الجبال والمناطق الشمالية وتبعاً لذلك إنتقل مقر البطريرك إلى مراغا في إيران مع يابالاها الثالث سنة 1295م. ثم إلى أربيل (1318م-1332م)، ثم إلى كرمليس (1332م-1336م)، ثم إلى الموصل (1364م-1497م)، فالجزيرة (1497م-1504م)، وأخيراً إلى دير الربان هرمز قرب القوش منذ 1504 حتى إبرام الإتحاد مع روما سنة 1553م.

على طريق روما

رغم سياج العزلة الذي أحاط بكنيسة المشرق أجيالاً عديدة، جرت خلال العصور بعض الإتصالات بين بطريرك المشرق وبابا روما وذلك منذ الربع الثاني من القرن الثالث عشر، وخصوصاً عبر المرسلين الغربيين الذين توافدوا إلى أقطار الشرق إبان الحكم المغولي، ومن أهم تلك الإتصالات المراسلات التي جرت بين البطريرك سبريشوع إبن المسيحي (1227م-1257م) والبابا انوشنسيوس الرابع، وبين يابالاها الثالث (1281م-1317م) وبندكتس التاسع، وفي جزيرة قبرص حاولت الابرشية النسطورية فيها، والمتكونة من مهاجري مابين النهرين، ابرام الاتحاد مع روما مرتين: الأولى سنة 1340م على عهد أسقفها ايليا، ثم سنة 1445م على عهد الاسقف طيمثاوس. وقد رافقت هذه المحاولة الثانية أحداث يجدر التوقف عندها لما تنطوي عليه من مدلول.

الوثيقة الفاتيكانية

عندما أبرم المطران طيمثاوس، أسقف نساطرة قبرص، وثيقة الإتحاد مع روما سنة 1445م ومعه مطران الموارنة فيها، كان عليه أن يستبدل لقبه، المرتبط بالمذهب الذي هجره، بلقب آخر تتبين منه هويته. فوقّع وثيقة الإتحاد هكذا: "أنا طيمثاوس رئيس أساقفة ترشيش على الكلدان ومطران الذين هم في قبرص منهم، أصالة عن ذاتي وبإسم كافة الجموع الموجودة في قبرص، أُعلِن وأقر وأعد أمام الـله الخالد الآب والإبن والروح القدس وأمامك أيها الأب الأقدس والطوباوي البابا أوجين الرابع وأمام هذا المجمع (اللاتراني) المقدس، بأنني سأبقى دوماً تحت طاعتك وطاعة خلفائك وطاعة الكنيسة الرومانية المقدسة على أنها الأم والرأس لكافة الكنائس (عند شموئيل جميل كتاب العلاقات، روما 1902 ص 10).

ويعلق المرسوم البابوي الذي أصدره أوجين الرابع في 7 آب 1445م على ذلك بقوله: "وطيمثاوس ذاته، أمامنا في هذا المجمع اللاتراني المسكوني وفي جلستهِ العامة، أعلن بإحترام وتقوى صيغة إيمانه وتعليمه أولاً بلغته الكلدانية، ثم ترجمت إلى اليونانية ومنها إلى اللاتينية". وبناءً على هذا الإعلان الوحدوي فأن اوجين الرابع يمنع في مرسومه الآنف الذكر أن يسمي أحد الكلدان فيما بعد نساطرة، كما يمنع في الموضع عينه أن يسمى الموارنة هراطقة، ومن ثمة يساوي الكلدان والموارنة بالحقوق والامتيازات الدينية مع كافة الكاثوليك. (عند شموئيل جميل، ص 11).

بين كرسي المشرق وروما

لم يكن إبرام الإتحاد بين أبرشية المهجر الكلداني في قبرص وكرسي روما إلا حدثاً جانبياً بالنسبة إلى مجمل أوضاع كنيسة المشرق. ففي تلك الفترة تماماً، كانت كنيسة المشرق غارقة في ديجور من المحن، كنتيجة للمعاملة القاسية التي لاقتها من الحكم المغولي في أواخر عهده، وما عقب ذلك من التبلبل والتناحر إبان حكم الدولة الجلائرية، وما جلبه تيمورلنك من خراب ودمار على أهل العراق جميعاً مسلمين ومسيحيين، ولم يكن الديجور ذاك ديجور محن حسب، ولكنه لا زال حتى اليوم ديجور إنعدام الوثائق التاريخية الكنسية عن تلك الفترة، حتى أنه ليس لنا اليوم أية وثيقة كنسية معاصرة تشرح لنا بشيء من التفصيل أحداث قرنين يمتدان من أواسط القرن الرابع عشر حتى أواسط السادس عشر. فتلك حقبة يقف أمامها المؤرخ الكنسي حائراً فارغ اليدين إلا من بعض المعلومات الزهيدة وما تلقيه الوثائق اللاحقة من ضوء عن هذه الفترة التي سبقتها. والأمر الأكيد انه تطور في تلك الحقبة نظام وراثي للمراتب الكنسية العالية كرتبة البطريركية والمطرانية، ينتقل من البطريرك الى أبناء اخوتهِ، حتى لُقِّبَت العائلة التي إحتكرت هذا المنصب بعائلة "أبـونا" علما أن الكرسي البطريركي، بعد ان تحول من موقع الى موقع كما مرّ، استقر في دير الربان هرمزد القريب من القوش، او في القوش ذاتها حيث سكنت العائلة المذكورة. لقد كانت الاوضاع الاجتماعية في حالة تلكؤ كبرى، والمسيحيون في قلق دائم على حياتهم ومصيرهم بحيث كان لهم ما يكفي لكي يشغلهم عن الإلتفات إلى الشؤون الكنسية وتتبع تطوراتها، ومن كان يا ترى يتمنى في تلك الأوضاع أن يصبح بطريركاً أو "يشتهي الأسقفية" على حد قول رسول الأمم؟ غير ان الاوضاع السياسية والأمنية بدأت في إتجاه جديد إبان الربع الثاني من القرن السادس عشر. فقد أخذ الأتراك العثمانيون، على عهد سليمان القانوني، يمدون سيطرتهم على بلاد ما بين النهرين حتى إستولى إبراهيم باشا على بغداد سنة 1534م وبدات حقبة من الاستقرار والأمان النسبي في أرجاء البلاد. فقد أضحى هناك على الأقل نوع من السلطة وشكل من النظام، وبالتالي اخذت الجماعات المسيحية تلمم ذاتها وتنتبه إلى أوضاعها القائمة، وكانت تلك الأوضاع الكنسية مثيرة للقلق الشديد.

لقد سن البطريرك شمعون الرابع الملقب "باصيدي" اواسط القرن الخامس عشر، قانوناً يقضي بتوريث المنصب البطريركي (الى ابن الاخ او ابن العم)، كما نوهنا بذلك أعلاه، مبطلاً قوانين الانتخابات التي جرت عليها الكنيسة منذ البدء، فخلفه على الكرسي البطريركي بالوراثة شمعون الخامس فأيليا الخامس ثم شمعون السادس فشمعون السابع الملقب برماما (1538-1555 م) وهم جميعاً من عائلة "ابـونا".

لقد كانت قوانين كنيسة المشرق تحصر رسامة البطريرك في رؤساء الأساقفة وحدهم. فلكي تضمن عائلة ابـونا خلافة الكرسي لأبنائها كان البطريرك لا يرقي احداً إلى منصب رئيس الأساقفة إلا من عشيرته، وعند قلة الشباب في العائلة كانت المناصب تبقى شاغرة أو تنسب إلى من لا يليق بها. فحدث على عهد البطريرك شمعون برماما، الذي بلغنا عنده في دراستنا، أن ابن اخيهِ، وهو صبي في الثامنة من عمره، كان المرشح الوحيد لخلافته.

فكان لابد من وضع حد لهذه الحالة فإجتمع في الموصل اسقف اربيل واسقف سلاماس (في ايران) واسقف اذربيجان مع العديد من رجال الاكليروس وممثلي الشعب، وانتخبوا يوحنان سولاقا رئيس دير الربان هرمزد بطريركاً بدلاً عن شمعون برماما، وقرروا إرسالهِ الى روما لكي ينال فيها رسامته البطريركية، فخرجوا به من الموصل بأبهة عظيمة، ثم رافقهُ سبعون رجلاً حتى مدينة القدس اورشليم، ومنها تابع رحلته بمعية ثلاث ممثلين – توفي واحد منهم في الطريق وتمرض آخر – حتى بلغ المدينة الابدية في 15 تشرين الثاني سنة 1552 م مع مرافق واحد.

ومع مداولات مطولة مع المسؤولين في روما، اعلن البابا يوليوس الثالث في 20 شباط 1553 يوحنان سولاقا بطريركاً... وفي 9 نيسان رسمه البابا بنفسه مطراناً ثم منحه في 28 نيسان بحضور مجمع الكرادلة درع السلطة الكنسية، فكان ذلك فاتحة عهد جديد من تاريخ كنيسة المشرق. وقد تسمى البطريرك يوحنان سولاقا بأسم: شمعون الثامن سولاقا.

بعد هذا العرض السريع للأحداث التي اوصلت قسماً كبيراً من ابناء كنيسة المشرق الى ابرام الاتحاد القانوني مع روما، لنا اولاً ان نطرح سؤالاً مركزياً، ترى ما هو المغزى العميق من ابرام هذا الاتحاد؟

مغزى الحركة الاتحادية

هل كان قصد الفئة من أبناء كنيسة المشرق، إذ ارسلت ممثليها ومرشحيها إلى روما، هجر ما إتُّهِمَت به كنيسة المشرق من "هرطقة" نسطورية"، والإنضمام بالتالي الى حضن الكنيسة الكاثوليكية؟ ترى هل كانت نية هؤلاء الذين قاموا بالحركة الكنسية ضد مار شمعون برماما، البطريرك القائم يومذاك، إنهاء وضع الانعزالية القانونية التي ابعدتهم عن الكنيسة الرومانية فترة احد عشر قرناً ومحاولة لأعادة الجسور المقطوعة وجمع الاعضاء المتباعدة؟ ام ان نيتهم كانت تنحصر في تقديم مرشحهم للبطريركية الى قداسة البابا لكي ينال منه الرسامة المطرانية – البطريركية، على ان ذلك هو ما يعوزهم في الاساس لتقويم اوضاع كنيستهم؟. فهوذا جوابنا:

ان كنيسة المشرق لم تنكر قط، في وثائقها القانونية والطقسية، موقف أسقف وبطريرك روما من الكنيسة الجامعة، ولا وضعت موضع الشك اولويته على انه خليفة بطرس والمتقدم بين اخوته الاساقفة والبطاركة. غير ان اوضاعها الحياتية وظروفها التاريخية قادتها، منذ سنة 424 في مجمع داديشوع، الى اعلان بطريركها المرجع الاخير في كنيسته، كما مر أعلاه، مما جعل الموقف المبدئي الذي يعترف بالأسقف الروماني رئيساً اعلى للكنيسة الجامعة مجمداً وغير متجسد في صيغة نظامية فعلية. كما ان كنيسة المشرق لم تعتبر ذاتها قط مختلفة في العقيدة الايمانية عن الكنيسة الرومانية، ولا اعتبرت استخدامها احياناً للاصطلاحات النسطورية في التعبير عن سر شخصية المسيح سبباً للإنشقاق العقائدي تجاه روما، بل ردةٍ فعل حيال الموقف المونفيزي (القائل بطبيعة واحدة في المسيح). لذا فإن الحركة المناوئة لمار شمعون برماما، والتي اتخذت قراراتها في اجتماع الموصل، لم يكن المقصود منها في ضمير القائمين بها جحد هرطقة ما هي الهرطقة النسطورية ولا عودة ابن ضال الى حضن البيت الابوي، ولكنها كانت تعبيراً عن الامتعاض الذي نتج عن حصر الرئاسة الكنسية وراثياً في عائلة "ابـونا" والرغبة في اصلاح الاوضاع القائمة عن طريق انتخاب شخص كفوء لمنصب البطريركية، هو رئيس الدير مار سولاقا، ولما كانت هذه الحركة، من وجهة النظر القانونية الصرفة، حركة تمرد على الرئاسة الكنسية المحلية، كان لابد لها من ايجاد طريقة لإضفاء صفة الشرعية القانونية عليها، ولكن كيف السبيل الى ذلك؟

لقد كانت قوانين كنيسة المشرق. كما ذكرنا اعلاه، تحصر رسامة البطريرك برؤساء الاساقفة وحدهم، ولم يكن بين المجموعة المتمردة من رجال الاكليروس الا ثلاثة اساقفة لم يكن لأي منهم رتبة رئيس الاساقفة او المطرافوليط، بحيث ان أياً منهم لم تكن له الصلاحية القانونية لرسامة البطريرك، مما اضطرهم الى اللجوء الى مركز كنسي له الصلاحية الكنسية القانونية وقابلية التأثير النفسي والإجتماعي والمدني لأضفاء صفة الشرعية على هذه الحركة، وهكذا اتجهت الانظار الى روما، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو: لماذا روما بالذات؟لأن لروما بالذات تعود، في تقاليد كنيسة المشرق، الصلاحيات الاولى والمكانة الارفع، وعن كل ذلك، تعبر الرسالة (باللغة الكلدانية) التي بعثها المجتمعون في الموصل مع سولافا والموجهة الى الحبر الاعظم يوليوس الثالث. تقول:

"الى أبُ الآباء، الرفيع بين الرعاة، الذي يلبس التيجان ويدهن الكهنة. بطرس زماننا وبولس هذه الايام، والرباط الذي يشد كافة المسيحيين الى بعضهم، الذي هو وكيل المسيح ربنا والهنا، الجالس على كرسي بطرس الرسول، والماسك بمفاتيح العلى والعمق، والذي قال له ربنا: ما تحل يكون محلولاً وما تربط يكون مربوطاً.

فلتعلم ايها الاب... اننا نحن خدامك النساطرة الشرقيين، اضحينا اولاداً بغير اب منتخب... وليس لنا رؤساء أساقفة، الذين تعود لهم رسامة الجاثاليق، بل بعض أساقفة فقط هم أسقف اربيل وأسقف سلاماس وأسقف اذربيجان... اجتمعنا... وافقنا... وارسلنا لهذه الغاية الراهب سولاقا (صعود)... وارسلنا معه ثلاثة رجال... ونحن الان نطلب من سموكم، بعد ان تنظروا في أمرهم، ان ترسموه (سولاقا) جاثاليق، وان تعطوه بأمركم سلطة منح الدرجات الكنسية حسب حاجة الرعية وحسبما جرى عليه البطاركة لكي يتمكن من الحل والربط بموجب تقاليد الاباء والقوانين الرسولية... (عند شموئيل جميل، ص 475-476).

ان المجتمعين في الموصل سنة 1552، أكليروساً وعلمانيين، ارسلوا رئيس دير الربان هرمز، سولاقا بن دانيال من عشيرة بلو، الى روما ليرتسم فيها بطريركاً على كنيسة المشرق، تعبيراً عن تمردهم على البطريرك شمعون برماما من عشيرة ابـونا، ورغبة منهم في ايجاد طريقة شرعية لتقويم واصلاح اوضاع كنيستهم في فترة قائمة من تاريخها، واذا كان الامر بهذه البساطة من وجهة نظر هؤلاء ابناء كنيسة المشرق، فان الامر ذاته لم يكن بهذه البساطة من وجهة النظر الرومانية.

فأن كنيسة المشرق كانت، في ذهنية لاهوتيي وقانونيي الكنيسة الرومانية يومذاك، كنيسة منشقة متلبسة بالهرطقة النسطورية، فكان على رئيس الدير سولاقا ان يستنكر اولاً ما تعتبره روما هرطقة، ثم يقبل بكافة صيغها العقائدية وكل البنود التي تعتبرها من ضروريات الايمان الكاثوليكي في كل فروع اللاهوت، وبعد ان يوقع على كل ذلك يثبت بطريركاً على كنيسته، علماً بأن القائمين بحركة الموصل فهَّموا روما بأن البطريرك شمعون برماما قد توفي، مع أنه كان حياً يرزق، وهكذا فأن روما اعتقدت بحصول فراغ في الكرسي البطريركي وان سولاقا انتخب لملء هذا الفراغ، ضد من ترغب عشيرة ابـونا ان تصعده الى هذا المنصب بالوراثة حسب عادتها.

وهكذا فقد عينّ البابا لجنة لفحص قضية سولاقا والتثبت من عقيدته، فطلبت اليه اللجنة ان يقدم صيغة ايمانه، وطرحت عليه اسئلة تخص بنود قانون الايمان، وخدمة الاسرار السبعة، والكتاب المقدس، والمجامع المسكونية، والرتب الطقسية، والقوانين الكنسية، وهكذا كان على الراهب سولاقا ان يخوض امتحاناً لاهوتياً شاملاً حول عقيدته الإيمانية وحول طقوس كنيسته وتقاليدها، ويجيب على استفسارات لاهوتيي وقانونيي الدوائر الرومانية، وكان عليه ان يعرض كل ذلك بحيث يتطابق او ينسجم مع المفاهيم والقوانين والطقوس الشائعة يومذاك عندهم.

ولكن سولاقا لم يكن لاهوتياً، ولا كانت اوضاع ذلك الزمان، القاسي على كنيسة المشرق، توفر للرهبان والكهنة دراسة لاهوتية كاملة متبحرة، ومن الناحية الاخرى، لم تكن الذهنية الرومانية المعاصرة على انفتاح كاف لتقبل تنوع الذهنية الشرقية وتقاليدها. وهكذا تقابلت في شخص سولاقا واعضاء اللجنة الرومانية ذهنيتان مختلفتان هما الذهنية الشرقية والذهنية الغربية، ولا بد ان سولاقا تضايق من أسئلة اللجنة الرومانية، حتى جابهوه بسؤال يخص سر التثبيت (ويبدو ان اللاهوتي الروماني سأله عما اذا كان الاسقف، في تقاليد كنيسة المشرق، يمنح سر التثبيت للأحداث البالغين سن الرشد واذا كان ذلك جارياً منذ القديم) فأجاب سولاقا ببساطة، وبتضايق على ما أتصور؛ "ما أنا إلا راهب فمن تراه أعلمني بذلك" (عند جميل، ص 478).

وعلى كل حال، فقد دبج سولاقا صيغة إيمانهِ وإيمان كنيستهِ، باللغة الكلدانية، ضمنها ايضاً قبوله بمجمع أفسس (الذي حرم فيه نسطور وتعليمه) وبكافة المجامع التي تعترف بها الكنيسة الرومانية. وقد ترجم أندريا ماسيوس الى اللاتينية ما كتبه سولاقا بالكلدانية ( وتجد نص الوثيقة عند جميل، ص 477-479). فتلك صيغة إيمان بدائية بسيطة خالية من الفنون الفلسفية واللاهوتية، ولكنها مع ذلك خالية من الشوائب اللاهوتية صافية الاصطلاحات والتعابير، حتى ان الكردينال مافيوس قدم للحبر الاعظم ولمجلس الكرادلة تقريراً حول الموضوع (يوم 20 شباط 1553) جاء فيه:

" والحقيقة، ان هؤلاء النساطرة، يبدو انهم اتخذوا اسم الهرطوقي نسطوريوس اكثر مما اتخذوا اخطاءه. فأني لا أرى في هؤلاء الرجال شيئاً يعود الى ذلك المذهب، انما بسبب الحسد (أطلقه عليهم) الموارنة واليعاقبة والأقباط..." (جميل، ص 480).

ومع أن سولاقا أجتاز الامتحان، الا أن ذلك لم يكن كافياً لروما، اذ كان عليه ان يتلقى شبه دروس في اللاهوت العام واللاهوت الغربي. وقد صيغ له آخر الامر قانون ايمان مفصل، وقعه راضياً، وحمله معه الى بلاده. وهكذا فأن سولاقا الذي جاء الى روما ليرتسم فيها بطريركاً، أنتهى آخر الامر بتوقيع وثيقة اتحاد حسب الصيغ الذي ترضى بها روما.

هوية أبناء كنيسة المشرق

عند تثبيت شمعون سولاقا بطريركاً كاثوليكياً على كنيسة المشرق (وشمعون هو الاسم الذي أتخذه سولاقا عند رسامته الأسقفية). جاء لقبه في الوثائق الرومانية هكذا: "بطريرك كنيسة الموصل في أثور" بإعتبار أن الموصل كانت المدينة التي توجهت منها الى الحبر الاعظم رسالة المجموعة التي انتخبته بطريركاً جديداً، ولا شك ان هذا اللقب لا ينطوي بوضوح على أي طابع شامل للكنيسة المعنية كما انه لا يشير بجلاء الى هوية الشعب الذي ينتمي اليها، انما يعكس الطابع المحلي الذي انطلقت منه الرسالة المذكورة. وهذا دليل آخر على أن روما كانت تطلق في مراسيمها نفس التسميات التي كانت تعرض عليها من اصحابها، غير أن الامور سوف تتطور سريعاً بأتجاه اكثر دقة وتحديداً ما ان تحتك روما احتكاكاً مباشراً وشاملاً بأبناء كنيسة المشرق.

ان روما، لكي تضمن تتابع مسيرة الاتحاد مع أبناء كنيسة المشرق، بعثت مع شمعون سولاقا اثنين من مرسليها لتوطيد أسس التعليم الكاثوليكي في نفوس رعيته، هما امبروزيوس الذي عين سفيراً بابوياً في بلاد المشرق والاب زهارا الراهب، وعند عودتهما بعد ثلاث سنوات قدمت الدائرة الرومانية المختصة تقريراً عن نشاطهما الى الحبر الاعظم تُقدم ترجمة حرفية عن الاصل اللاتيني لمقطع منه:

"في بلاد ما بين النهرين، اثور وكلدو، حيث مكث (المرسلان) فترة ثلاث سنوات، واعظين بكلمة الـله، بيقظة واتعاب جمة، تلك الشعوب التي كانت تعتنق خطأ ً نسطوريوس الذي نسبة اليه دعوا نساطرة، معلمين ومهذبين اياهم في نزاهة التعليم الكاثوليكي... حتى أنهم اضحوا يستنكرون اسم نسطوريوس، ويرغبون في أن يدعوا كلداناً (عند فوستي، حوليات رهبنة الوعاظ الدومنيكان، المجلد 32 (1925)، 4، ص1- 30). يتضح اذا من جديد في هذا النص كيف ان ابناء كنيسة المشرق هم الذين رغبوا في ان يدعوا كلداناً، وليست روما هي التي "أنعمت" عليهم بهذا الاسم.

ومع ذلك سوف ينجلي لنا من الوثائق المعاصرة لتلك الحقبة أن أبناء كنيسة المشرق من سكان ما بين النهرين وتخومها، عند انبثاق وعيهم بهويتهم الحضارية المتميزة، تأرجحوا بين تسميتين كلتاهما تعبر، كل من ناحية معينة، عن إنتسابهم التاريخي والقومي من جهة، ومعن موقعهم الجغرافي من جانب آخر، وهما تسمية الكلدان والآثوريين، وسوف نرى كيف ان هذا الواقع سوف ينعكس لفترة طويلة في الوثائق المزامنة.

بعد أن إستشهد شمعون سولاقا على يد عملاء باشا العمادية سنة 1555. إنتخبت المجموعة الكاثوليكية من رعايا كنيسة المشرق مار عبد يشوع مارون (1555-1567) خليفة له. وندرج هنا مطلع الصيغة الايمانية التي أبرزها البطريرك الجديد في روما في 7 آذار 1562: "أنا عبد يشوع أبن يوحنا من عائلة مارون من مدينة الجزيرة على نهر دجلة... المنتخب بطريركاً على مدينة الموصل في اثور الشرقية" (عند جميل، ص 63)، وهنا لا زال عبد يشوع يعكس الطابع المحلي التي تميزت به الحركة الكاثوليكية في بدايتها، غير ان التقرير الذي عرضه الكردينال أمرليوس لهيئة الكرادلة في المجمع التريدنتيني في 19 آب سنة 1562 يجتاز هذا الطابع المحلي في لقب البطريرك الى طابع اكثر شمولاً، حيث أنهُ يقدم لهم البطريرك الجديد على النحو التالي: " السيد المحترم عبد يشوع بطريرك الأثوريين المنتخب من قبل الأكليروس وبموافقة شعبهم" (جميل ص77).

وفي رسالة رومانية مؤرخة في 1565 يمتزج الأسمان الكلداني والاثوري في مقطع واحد. فأن البابا بيوس الرابع بعث برسالة الى رئيس أساقفة كوان في الهند، يوصي بها بالمطران اوراهام الذي أرسله البطريرك عبد يشوع الى ملبار، يقول: "الى هذه الأعتاب الرسولية كان قد قدم من الهند هذا الاخ الحبيب اوراهام الكلداني أمة، مرسلاً من قبل اخينا عبد يشوع بطريرك الآثوريين". (جميل ص 71).

أما بعد وفاة عبد يشوع فقد خلفه لفترة قصيرة مار يابالاها الذي جلس في سعرد (1578 – 1580). ثم شمعون دنحا (1581 – 1600)، وقد بعث معاونه المطران ايليا هرمز حبيب اسمر الى روما بتقرير بأسم البطريرك، لا زالت نسخته محتفظاً بها في ارشيف الفاتيكان (AA،الخزانة 1-18، رقم 1796، ورقة 1-4 ) (عند بلترامي، ص 199) هذا مطلعه: "(أنا) مار ايليا رئيس أساقفة أمد في بلاد ما بين النهرين، كلداني من آثور... أعرض بتواضع كيف أن مار شمعون سولاقا بطريرك أمته، بعد عودتهِ من روما. توقف في أمد فترة خمسة أشهر فقط ورسم فيها خمسة أساقفة ورؤساء أساقفة..." والخ، وفي ختام التقرير يتوسل مار إيليا أن يُـعمم قداسة البابا على العالم المسيحي القرار الذي كان قد أصدره سابقاً، والذي مرّ الحديث عنهُ. حيث يمنع قداسته أن يطلق أحد على الكلدان المتحدين بروما اسم النساطرة، بل أن يطلق عليهم إسمهم الحقيقي وهو "الكلدان الشرقيون في آثور".

ومن بين الوثائق المهمة التي تخص موضوعنا التقرير الذي رفعه الى الحبر الاعظم غريغوريوس الثالث عشر مطران صيدا اللاتيني وأسمه ليوناردو هابيل، وقد أرسلهُ البابا في مهمة لتقصي الحقائق في بلاد الشرق وذلك بين (1583 – 1585) فجاء تقريرهُ غنياً بالمعلومات عن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط. وذا يبلغ في مقالهِ الى الحديث عن كنيسة المشرق يقول (ونحن نترجم هنا عن النص الإيطالي): "كذلك زرتُ مار شمعون دنحا بطريرك الامة الكلدانية في آثور..." ثم يتابع التقرير شارحاً: "ان اولئك الذين من الأمة النسطورية يسكنون مدينة امد وسعرد والبقاع والمدن القريبة، اذ تمردوا على بطريركهم، الذي حتى ذلك الحين كان يسكن في دير الربان هرمزد قرب مدينة آثور – وهي تسمى اليوم بالموصل – في بلاد بابل، قدمو الطاعة الى الكنيسة الرومانية المقدسة على عهد حبرية البابا يوليوس الثالث عشر الطيب الذكر واستعادوا اسمهم اذ اطلقوا على ذاتهم اسم كلدان اثور الشرقية" (عند جميل، ص 115 – 116).

لقد اعتقدت روما، بناء على ما عرض عليها في حينه، ان رئيس الدير سولاقا انما انتخب لكي يخلف البطريرك شمعون برماما، على أساس ان هذا الاخير قد توفي. ونتيجة لذلك فقد ظنت روما لاحقاً ان شمعون برماما كان يومئذ لا يزال حياً يرزق فقد وجدت نفسها امام واقع جديد وهو انقسام كنيسة المشرق الى مجموعتين: "المجموعة النسطورية " التي تـترأسها عائلة "ابـونا" البطريركية ومقرها دير الربان هرمزد، والمجموعة الكاثوليكية برئاسة خلفاء سولاقا وقد تحول مقرهم من ديار بكر الى سلاماس في ايران ثم الى قوجانس في تركيا. وقد حدث في مطلع القرن السابع عشر ان البطريرك النسطوري (وهو عهدئذ مار ايليا الثامن من عائلة ابـونا) كان يحاول الاتصال بروما مستطلعاً امكانية الوصول معها الى الاتحاد القانوني. ولذا فقد بعث مار ايليا البطريرك تقريراً موجهاً الى البابا بولص الخامس ومؤرخاً في آذار 1610 (نسخته الاصلية في أرشيف الفاتيكان، مجموعة بورجا، السلسلة 3، المجلد 42، ورقة 109، وما يتبع – عند جميل ص 108 – 115)، والذي يهمنا هنا من هذا التقرير هو ختامه الذي جاء هكذا: "تمت هذه الرسالة التي كتبت بأمر مار ايليا بطريرك بابل... " وهذا التقرير، حسب علمي، اقدم وثيقة رسمية يعتمد فيها بطريرك المشرق ذاته لقب "بطريرك بابل". الامر الذي يشكل بلا ريبة مرحلة متطورة من الوعي الذاتي والعودة الى الاصول التاريخية، كما جاءت عند عبد يشوع الصوباوي في تأليفه عن مجموعة القوانين (السنها دوسية)، الميمر التاسع، وتجدر الاشارة هنا الى ان هذا اللقب استخدمه اولاً بطريرك المشرق النسطوري ذاته قبل ان يستخدمه البطريرك الكاثوليكي. وقد ورد اولاً في وثيقة بطريركية قبل ان يرد في وثيقة رومانية.

إستبدال المواقع بين سلالتين

لقد كانت الفترة التي عقبت ابرام الاتحاد القانوني مع روما حقبة صراع حاد بين فريق الراغبين في متابعة مسيرة الاتحاد هذه وفريق الراغبين في المكوث على العزلة الكنسية. وقد سقط يوحنان سولاقا، ممثل الفريق الاول، في 12 كانون الثاني 1555 شهيداً مبكراً للأتحاد الكنسي، أثر التعذيبات التي تجرعها على يد عملاء باشا العمادية نتيجة لتحريضات شمعون دنحا البطريرك النسطوري، غير أن المسيرة نحو روما لم تتوقف.

لقد كانت مناطق ديار بكر وسعود وماردين، في تلك الفترة التاريخية. مركز الحركة الكاثوليكية، بينما كانت الموصل والقرى المجاورة لها مركز التقليد النسطوري، فبعد ان قتل البطريرك يوحنان سولاقا انتخب عبد يشوع مارون مطران الجزيرة خلفا له. فزار روما (1561 – 1562) ثم قفل راجعاً الى ديار بكر حيث دبر شؤون رعيته حتى توفي سنة (1567). وخلفه على كرسي رئاسة المشرق الكاثوليكي مار يابالاها مطران الجزيرة سنة (1578) ولكنه توفي بعد قليل في سنة (1580)، فأنتخب خليفة ً له مطران جيلو وسعرد وسلاماس واتخذ له اسم شمعون التاسع، غير انه عوض ان يستقر في ديار بكر مركز القوة الكاثوليكية حول كرسيهِ الى دير مار يوحنا قرب سلاماس في ايران حيث كان يتعرض الى ضغط شديد من قبل الفريق التقليدي وقد توفي سنة 1600 فخلفه شمعون العاشر وجلس هو ايضاً في سلاماس حتى توفي سنة 1638. اما خلفاؤه شمعون الحادي عشر (1638 – 1656) وشمعون الثاني عشر (1656 – 1662) فقد حولوا مقر الرئاسة الى اورمية في ايران ايضاً.

لقد كان هؤلاء البطاركة خلفاء سولاقا يبعثون الى روما، كل بدورهِ، صيغ إيمانهم يعلنون فيها عقيدتهم المسيحية بالاصطلاحات الكاثوليكية. ونجد معظمها في ارشيف الفاتيكان، وآخرها رسالة البطريرك شمعون الثالث عشر الى البابا كليمنت العاشر سنة 1670، وذلك قبل ان يرتد هذا البطريرك إلى الانعزالية الكنسية، وعنوانها: "رسالة مار شمعون بطريرك الكلدان" (عند جميل ص 197 – 200). الا انه منذ تحول كرسي الرئاسة الى ايران. مبتعداً عن ديار بكر مركز الحركة الكاثوليكية، فترت تدريجياً حرارة العلاقات بين بطريركية المتحدين الكاثوليك وروما حتى انقطعت الصلة تماماً ابان بطريركية شمعون الثالث عشر (1662 – 1700) . والجدير بالذكر ان هذا البطريرك نقل كرسيه من اورمية الى قوجانس (في جبال تركية)، وقد بقيت هذه البلدة مقراً للرئاسة المنعزلة حتى مطلع القرن العشرين.

وخلال هذه الفترة نفسها – اي منذ سنة (1553) وهي سنة ابرام الاتحاد و 1662 وهي سنة جلوس شمعون الثالث عشر – بينما كان البطاركة حملة اسم "مار شمعون" يتابعون خلافة يوحنان سولاقا الكاثوليكي، كانت عائلة " ابـونا" تتابع في دير الربان هرمزد سلسلة بطاركة كرسي كرسي المشرق الاصلية ومعظمهم يحملون في هذه الفترة اسم " مار ايليا "، ولا زالت أنصابهم المنقورة محفوظة في مقبرة البطاركة الى جانب صومعة الربان هرمزد، وعددها تسعة انصاب اولها قبر شمعون الرابع باصيدي (1437 – 1497) وآخرها قبر ايليا الثاني عشر (1778 – 1804). وهي خير شاهد على هوية هؤلاء الجثالقة وموقعهم من تاريخ كنيسة المشرق. (انظر نصوص الانصاب عند كوركيس عواد، اثر قديم ص 33 – 41)، وهكذا حصل لنا في تلك الحقبة التي تزيد على القرن بطريركيتان الواحدة تخلف سولاقا وتمثل الرئاسة المتحدة بروما والأخرى من عشيرة "أبونا" وتمثِّل الرئاسة المشرقية الأصلية، علما بأن البطاركة الشمعونيين أنفسهم ارتدوا الى اعادة توريث الكرسي، وذلك منذ وفاة البطريرك شمعون التاسع.

وعندما انقطعت صلة البطاركة "الشمعونيين" بروما بعد سنة 1670 على عهد شمعون الثالث عشر، بقي الكلدان الكاثوليك بغير راع، وكان فراغ السلطة الكنسية بيِّناً لاسيما في منطقة ديار بكر، فحدث ان أنضم مطران البلدة النسطوري، مار يوسف، الى الكـثـلكة فأضحى هو زعيم حركة الاتحاد. وقد نجح في الحصول على فرمان من السلطان العثماني سنة 1677 يعترف بهِ "بطريركاً للكلدان"، ثم أعترفت بهِ روما ايضاً سنة 1681، وخلفه يوسف الثاني (1696 – 1713) فيوسف الثالث (1713 – 1757) ثم يوسف الرابع (1759 – 1796) فيوسف الخامس (1893 – 1827) الذي لم ينل تثبيت روما، وبه انتهت سلسلة البطاركة الكاثوليك الذين
«يمكن ان تكون الكذبة قد جابت نصف العالم فيما الحقيقة لا تزال تتأهب للانطلاق».‏ مارك توين