المحرر موضوع: عائلة اشورية في مهب الريح  (زيارة 2429 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عائلة اشورية في مهب الريح
« في: 13:11 07/06/2012 »
عائلة اشورية في مهب الريح


تيري بطرس
bebedematy@web.de

كم نحن ضعفاء، اي ريح تاخذنا وترمينا الى المجهول، نشعر باننامعلقون بين الارض والسماء، فلا السماء تنجدنا ولا الارض تحمينا، نحن كرة يتم التقاذف بها في لعبة طويلة ومؤلمة ولا نهاية لها. ننتظر من اهل السماء العون، يعملون فينا سكاكينهم  تقسيما وتحريما ونطلب من اهل الارض الغوث فلا سامع ولا معين. لذا فالعنوان يمكن ان يكون شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في مهب الريح.
في قرية اشورية فلاحية تضم حوالي اربعين بيتا تقع غرب العمادية، وفي بيت من الطين والحجارة مكون من غرفتين ويحوي الجد والجدة والاب والام وثلاثة من الاعمام وزجة العم واربعة من الاخوات، عاش الطفل، الاب والعم يعملان في مشروع سد دربنديخان، والجد شرطي متقاعد، مما سمح للعائلة ببناء دار واسعة وكبيرة وصار لكل من الاب وعائلتة والعم وعائلته والعمان الباقيان غرف خاصة وغرفة للجد والجدة وصالة كبيرة وطويلة مفتوحة صيفا على بستان التفاح. انتقلت العائلة الى القصر هكذا سموه وكان كانه قلعة كبيرة، مبنيا بالسمنت والحجارة الكبيرة. ينتقل الطفل الى دربنديخان ليبداء دراسته في الصف الاول، ولكن يكمل الصف في قريته بعد منتصف السنة. يسمع الطفل اسماء كثيرة ولكنها مثيرة للنقاش، الملك، عبد الكريم قاسم، جمال عبد الناصر، المهداوي، ويقسم الطفل العالم، عالمه الصغير  على هؤلاء الكبار، فاكيد ان الملك هو ملك العالم وهو في بغداد، وعبد الكريم يحكم في الموصل وعبد الناصر في ديانا لانه سمع عن ديانه لكون عمته تسكن هناك. وقبل ان يبداء سنته الثانية تندلع حرب بين الاكراد والحكومة، طائرات الجيتس تقصف كل المناطق، وفي القرية لم يكن من مسلح الا ان الطائرات الجيتس كانت تقصف وتمشط بالرشاشات عشوايا فقط لزرع الرعب في قلوب السكان. وكادت ان تقتل زوجة العم وهي ترضع طفلها، عندما مرت شضية عبر زجاج النافذة. وبعد ان بدء نزوح بعض اهل القرية، تقرر الاسرة الرحيل الى سرسنك، لانهم سمعوا ان جتة او فرسان زبير اغا تبعث الخراب في كل المنطقة، وفي الليل تجتمع الاسرة في سيارة العم وترحل الى سرسنك، تاركة كل شئ من الاملاك والممتلكات، فبالكاد تكفيهم السيارة وتركت ايضا الحيوانات والمنتجات الزراعية. ولكن بعد ايام صارت سرسنك ايضا مهددة، فالقرية التي رحلوا عنا اخبارها مرعبة فقد احرقت وتم حبس الكثير من شباب القرية ممن لم يهرب في حوش وهددوا باحراقهم مالم يعطوا كل ما يمتلكون، ولم ينقذهم من المصير المحتوم الا شخص من جتة الديوالي،   فتم القرار الرحيل الى دهوك، وفي دهوك يخسر الطفل سنته الدراسية الثانة لانه لم يكن يمتلك شهادة النقل المدرسية، وفي السنة الثانية يعبر الى السنة الثالثة من دراسته. في صيف تلك السنة وبعد استلام البعث السلطة عام 1963 تقرر الاسرة العودة الى القرية، لظهور بوادر وقف اطلاق النار، ولان الاب لم يتمكن من الحصول على العمل، لانه كان مكتوبا في دفتر خدمته العسكرية المهنة فلاح، ولكي يغيرها احتاج الى مصاريف وواسطات كثيرة، ولذا فكان قرار العودة الى القرية للتخلص من معاناة العيش على الراتب التقاعدي للجد. في صيف 1963 ترجع الاسرة الى القرية، ولكن بعد احد عشر يوما تاتي الاخبار باندلاع المعارك بين الحكومة والاكراد مرة اخرى، ومرة اخرى ياتي اسم الجتة المرعب والذي لا يرحم. فتقرر الاسرة الرحيل الى القرية الكوردية حتى تتبين الامور، ولكن الاخبار تسؤ ويقال بحتمية وصول الجتة الى القرية الكوردية، وبالتأكيد لو عرفوا بان الاسرة من الاشوريين (فله) فلن يرحموهم، وهكذا انتقلت الاسرة الى قمة الجبل في راس عمادية (ريشا داميديا) وهناك افترشت الاسرة الارض مزاحمة الحشرات والحيوانات الصغيرة على ظل شجرة، بقت الاسرة تعيش في العراء فترة تعرضت الام فيها الى لسعة العقرب، وتعالجت بالصبر الى ان شفيت، ولكن الاخت اصيبت بدمل كاد ان ينخر ساقها، لو لم تقم الجدة بنقلها الى قرية دوري حيث تمكنت الخالة اجي من معالجتها شعبيا من مرض كاد يؤدي الى عوقها. وبعد الشعور بان الامر سيطول قررت الاسرة الانتقال الى قرية ايات حيث ابنة عم الجد هناك. ولكن الامن يؤدي الى التفكير بالجوع، ولذا فان الاسرة وجدت ان عدم استلام الجد الراتب التقاعدي لعدة اشهر قد انهك الاسرة وكادت كل المدخرات تنفذ، فليس للاسرة من مورد، والمساعدة لا يمكن ان تأتي من احد، حيث المنطقة محاصرة. فبعض الامور الترفيهية تم نسيانها ومنها الشاي مثلا لعدم القدرة. كان رجال الاسرة العاطلين يرحبون باي دعوة للمساعدة في العمل في القرية لانه يساعد في توفير لقمة العيش اقلا لهم ويقلل من مصروفهم في البيت. يتذكر الطفل طعم البرغل المطبوخ بامعاء خروف كم كان طيبا، حين اكله في حملة عمل جماعي (زبارا)، لانه كان قد نسى طعم اللحم. قبل نهاية الصيف تقرر الاسرة الاقتراب من قريتها مرة اخرى، ولذا فمن ايات تنتقل الى قرية كوماني بمسيرة استغرت ساعات النهار الطويلة، وفي قرية كومان الواقعة على الجهة الشرقية من عمادية، تجد الاسرة ملاذها في غرفة من غرف مدرسة القرية وشغل الغرفة الاخرى البشمركة الكوردية.
في غرفة شبه مظلمة وباردة جداوخصوصا في الليل، خارت قوى الاسرة، فقررت الرحيل ولتقترب اكثر من قريتها، ولذا قررت الرحيل الى روبار اميديا، وهكذا تحركت الاسرة من كوماني نحو قرية مرستك ومن هناك الى جنوب عمادية للالتفاف والاتجاه غرب عمادية، وهناك تم رمي الاسرة بالمدفعية وتفرق افراد الاسرة كل فرد احتمى تحت صخرة وانتظرت الاسرة طويلا، لقد كان ذلك اليوم 18 تشرين الثاني عام 1963، يوم انقلب عبدالسلام على رفاقه من البعثيين والحرس قوميين الشوفيين، وصلت الاسرة ليلاي الى روبار اميديا، وطلب الجد من حجي حسن ان يمنحه موضعا للمبيت لحين التمكن من التنقل الى قريتهم، وقد لبى الرجل الطلب ومنحهم ما نسميه صوبيثا، وهو مبنى في الغلب مبني من اغصان الاشجار المحاكة على شكل قطع كبيرة نسميها رابيثا وجمعها رابياثا (الباء تفظ كp)، وهي تحمي الانسان من الهواء البارد و الحار وخصوصا حينما تكون لبخت بالطين مما يمنحها سمكا ويخطي ثقوب الرابيثا و تحمي من الحيوانات الكبيرة مثل الذئاب والدببة وغيرها ولكن يبقى فيها من الثقوب الكثيرة التي تسمح بدخول الهواء البارد.  وعاشت الاسرة فيها كل الشتاء مترقبة الربيع او الصيف. ويقوم الاب بالمخاطرة ويسافر الى القرية ومنها ينطلق الى بغداد، لعل وعسى، وهناك يجد عملا في الكوت براتب ثلاثون دينارا شهريأ ويقرر ورغم ضألة المبلغ نقل الاسرة او على الاقل البعض منهم الى بغداد، وهكذا تم نقل الام والابن والثلاثة من الاخوات والعم الصغير الى بغداد. ثلاثون دينارا كان الاب يصرف منها عشرون حق المبيت والاكل في الفنادق في الكوت، وعشرة دنانير للعائلة تدفع نصفها ايجار الغرفة. ولكن الاب والام يناضلون ويعملون ويكدون من اجل سد رمق اطفالهم، ليس هذا بل يدفعونهم للدراسة. في بغداد سنة وبعد اخر تزداد امكانيات الاسرة وتتوسع مساحة وعدد الغرف المستأجرة وخصوصا ان العائلة زادت بالولادة اثنان ونقصت واحدة بالوفاة بالفشل الكلوي. في منتصف الستينات كان الابن في العاشرة حينما عاد الى المدرسة بعد ان خسر عامان من الدراسة، وهو يعود من المدرسة الى البيت استوقفه اطفال الدربونة سائليه بالعراقي اشلون تجي من المدرسة بالسيارة  لو مشي فيكون جوابه اجي برجلي لانه وجد صعوبة في فهم كلمة مشي. في مثل هذه الحالة اغلب الاباء مشغولين لسد رمق اسرهم، واغلب الامهات اميات، لا بل ان بعض الاسر كانت تشغل اكثر من فرد لكي تعيل افرادها وباشغال مختلفة من الخدمة في البيوت او المطاعم او الاعمال الصغيرة، لان الواقع كان بأسا حقا. ولم يكن واقعا يبشر بولادة حركة فكرية قومية
من خلال قراءة هذه المسيرة المستعجلة لهذه العائلة الاشورية او سمها الكلدانية او السريانية، لا فرق، ماهي الاستنتاجات التي يمكن ان نخرج بها.
اولا_ ان ابناء شعبنا ليس في بداية الستينيات من القرن الماضي فقط، بل تقريبا كل عشرة او خمسة عشرة سنة من المائة وخمسون العام الماضية اضطروا الى البدء من الصفر من لا شئ، اي انه خلال اكثر من قرن ونصف من معرفتنا وملاحقتنا لما كتب ندرك انه لم يكون هناك تراكم للثروة المادية المجلبة للقيم وللثقافة وللصحة ، اي ان الاباء لم يتركوا لابناءهم شيئا لكي يبنوا عليه ويطوره. فكل ما كانوا يبنوه ويتقاسموا البعض منه مع جيرانهم كرشوة لاستمرار البقاء، كان الجيران في الغالب وفي كل حالة هيجان او اضطراب يقومون بالاستيلاء عليه مع قتل وسبي بعض من افراده، قتل الرجال وسبي النساء.
ثانيا_ كل الخسائر التي لحقت بمجتمعنا واسره وافراده، تحملها هو اي انه لم يعوض عنها منذ زمن بعيد، وبالتالي لا يمكن القول بانه كان هناك دولة حقيقية حتى في السنوات التسعين الماضية، بل ان الدولة كان تاخذ موقفا عدائيا وجماعيا سواء على اساس جغرافي او قومي من السكان، ونلاحظ ذلك من القصف العشوائي الذي طال مناطق واسعة من الشمال العراقي منذ اربعينيات القرن الماضي ولحد جرائم الانفال، ولو توسعنا اكثر لظهر ان الدولة وباجهزتها قد شاركت في العمل من اجل ابادة مجموعات سكانية بعينها (المسيحيين والازيديين، كمثال).
ثالثا_ رغم ترك ابناء شعبنا لحالهم وعدم مساعدتهم حكوميا، لا بل الوقوف في طريقهم لكي يساعدوا انفسهم، (عملية فرض شرط تغيير المهنة لتشغيل الاب كمثال)، والعمل على خلق انقسامات داخلية كعملية تشجيع انقسام الكنيسة والدخول طرفا داعما لهذا الطرف اوذاك عام 1963_1970. الا انه يمكن القول ان شعبنا تمكن ان يقف على رجليه او غالبيته مع بداية السبعينيات وتمكن من ايصال بعض ابناء الى الجامعات مما كان يعني احداث نهضة حقيقية والعمل من اجل الحصول على الثروة من الدولة او نصيب من الثروة. وكذلك بدء بروز نخبة مثقفة حاولت التفكير في الهم الجماعي والواقع المأساوي لشعبنا، والذي ساعد في ذلك وجود اعداد لا باس بها من ابناء شعبنا سكنت الحبانية وكركوك وبغداد  والبصرة طورت مؤسسات ونشاطات شبه قومية (الاندية الاثورية، جمعيات المساعدة الاثورية وعلى اساس قومي عابر للعشائرية).
رابعا_  ان خضوع شعبنا لدول تسيرها مصالح شعوب اخرى، مثل العراق وسوريا وتركيا وايران، وجعله يدفع الكثير لتحقيق اجندة هذه الاكثريات، وجعلت شعبنا يقدم الكثير من الضرائب والخسائر التي ما كان يجب ان تدفع اصلا، لو كان له مشاركة حقيقية في رسم سياسة الدولة، لا بل يمكن القول ان الدولة بهذه الصورة ما هي الا لصوصية لصالح الاكبروالاكثر عددا وليس مؤسسة تدير الوطن وتديرمصالح شعبه.
خامسا_ ان شعبنا وكونه في الغالب قرويا، لم يكن شعبا متجانسا ولا يزال ينقصه هذا التجانس القومي، ليس ابناء التسميات المختلفة فقط، بل حتى بين الابناء المنتمون الى تسمية واحدة. ومما زاد في عدم التجانس بروز الدور السلبي لبعض الكنائس من التجانس والاختلاط والتعاون، ووقوع احداث مثل مذبحة سميل، كما ان العشائرية لاتزال تؤثر في سلوكنا وفي نظرتنا لامور كثيرة في حياتنا العصرية، رغم ان الظروف المهيئة للعشائرية قد زالت منذ ومن بعيد. ورغم تركنا للكثير من الممارسات العشائرية الا ان الخلافات على اساسها او المدعومة منها يمكن ان تندلع في اي لحظة. ولذا نرى ان الروابط القرابية هي الاقوى وليس الفكرية على مستوى المجتمع عموما. وقروية وعشائرية شعبنا نراها في القيم العليا التي يتم حسابها كحسابات بيت او سيارة او حتى نادي، يمكن تغييرها بسهولة ويمكن المطالبة بذلك كحق، في حين ان القيم العليا مثل القوانين المنظمة للجمتع او  المسيرة للحركة القومية واسسها في حالتنا هي نتاج تاريخ طويل من النضال والعمل الدؤوب، وفي النهاية ان هذه القيم لا تؤثر سلبا في حقوق الافراد، وبالاخص اذا نظرت الى الناس بسواسية وبغير تحيز.
سادسا _ علينا ان ندرك ان العمل القومي هو الاطار الذي تمكن شعبنا بكل قواه من ايجاده لوحدة هذه المجموعات العشائرية والقروية والطائفية المتنافرة، وهو اطار ايجابي، لا بل الافضل كحل، لانه ينظر للجميع نظرة واحدة، ولا يمكنه تحيرم او الانتقاص من اي طرف فيه، الاهم الا اذا نظر البعض الى الاطار القومي كحالة عشائرية عليا. كما ان الاطار او الحركة القومية تطالب بحقوق يهتم وتهم الكل ضمن هذه الحركة او المجتمع كله، مثل الاهتمام باللغة وتطويرها، الاهتمام بالثقافة عموما وترسيخها، والاهتمام بالانسان ومتطلباته المادية و الصحية وتوفيرها وعدم غبن اي شخص. وان يعيش الفرد في اطار قوانين نابعة من تراثه وتخدم مصالحه. 
سابعا _ تاثرت حركتنا القومية وبالاخص المجموعات التي نبعت بعد السبعينيات من القرن الماضي بالخطاب الايديولوجي اليساري والعروبي، علما ان العروبي مستورد في غالبيته من اليسار وفيه توجهات شوفينية وممارساتيه ماخوذة من الحركات الفاشية الاوربية مثل حركة فرانكو والفاشيين الايطاليين والنازيين الالمان. وعليه فان البناء الفكر ي للحركة القومية شابه الكثير من النواقص والمحاذير التي كانت تعانيها الحركات اليسارية والعروبية، وبالاخص عدم الاعتراف بالاخر والنظر بقدسية الى المبادئ والاهداف ومحاولة قولبة المجتمع بالقوة.
نحن حنا نحاول التوصيف وطرح بعض الاستنتاجات، لادراكنا ان الحركة القومية لشعبنا قد اصيبت مرة اخرى بانتكاسة كبيرة، وعلينا ان نحدد اسباب ذلك، في ايجابية ما وهي ان من شاركوا في دفع العمل القومي لا زال الكثير منهم على قيد الحياة، اي انهم لم ينتهوا كما انتهت المجموعات السابقة دون ان تترك اي تجربة موثقة، ولذا فان المطلوب هو التوثيق من ناحية، ومن ناحية اخرى بدء وضع الاصبع على مكامن الخلل، ولا اعتقد ان هناك من يعتقد انه لم يكن في حركتنا القومية خلل ما، ونحن نشاهد المأساة الحقيقية لواقع شعبنا ومستقبله. 
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ