المحرر موضوع: لغتنا السريانية في دول المهجر  (زيارة 1110 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل اوراها دنخا سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 687
    • مشاهدة الملف الشخصي
لغتنا السريانية في دول المهجر

لايشك احد في اننا نحن ابناء الرافدين كنا من السباقين في اكتشاف الكتابة التي بدأت مسمارية واستمر التعامل بها الى ان جاءت الابجدية الآرامية لتحل محلها كونها سهلة التعلم. وفي اعتقادي ان الامبراطورية الآشورية والدولة البابلية استخدمت الابجدية الجديدة في لغتها المحكية. تماماً كما تستخدم اليوم الابجدية العربية، المأخوذة من الابجدية الآرامية، في اللغة الفارسية والاوردية وكما كان يستخدمها الاتراك ابان الدولة العثمانية. في رأيي ان استخدام الابجدية الآرامية أبان الامبراطورية الاشورية لا يعني ان لغة الاشوريين هي آرامية، لان سعة وامتداد الامبراطورية وعلى مدى قرون يعطيها الحق في فرض لغتها على الاقل على موطنها الاصلي بين النهرين. ومع تطور الاحداث التاريخية تتطور اللغة سلباً او ايجاباً وحسب مقتضيات المرحلة. هذا التطور نلاحظه في لغتنا الجميلة التي كان لها دور فاعل ومتميز في نقل المعارف والعلوم من اللغات الاجنبية الى العربية حيث عملت كجسر يربط الشرق بالغرب، وصارت تدعو بالسريانية التي هي احدى اشتقاقات كلمة آشور باللغة اليونانية. اشتقاقات لا نريد الخوض في تفاصيلها، لان ما يهمنا هو كيفية تاثر اللغة بالموطن وطبيعة اللغة المستعملة فيه. فكما هو معروف ان لغتنا التي دُعيت سريانية كانت الاوسع انتشاراً الى ان جاء العرب واحتلوا الشرق وبسطوا نفوذهم السياسي والاجتماعي حيث تم تغيير ديموغرافية المنطقة لغوياً ايضاً. فاخذت العربية تحل محل السريانية وبسطت نفوذها على جميع اقطار الشرق الاوسط والادنى وبمساعدة القرآن الذي اضفى قدسية على هذه اللغة التي كان واجبا ان يتعلمها كل مسلم يقرأ القرآن، وتحت آية إنّا انزلناه قرآناً عربيا. فمن هذا المنظور نستطيع ان نقول ان العربية تطورت ايجاباً والسريانية سلباً. فانحسرت السريانية في الكنائس ولكنها ظلت تحكى في البيوت ودعيناها السورث، التي هي احد اشتقاقات السريانية ان لم تكن السريانية بعينها.
ومع نشوء الدول والاقاليم صار هنالك حاجة الى التعليم بلغة هذه الدول. وبما اننا اصبحنا من المشردين اصبح تعلمنا لزاماً بلغة اهل البلد الذي نرزخ تحت حكمه. وتحولت ثقافتنا وأخذت شكل الدول الجديدة وكل وحسب مكانه الجديد، فكانت حصتنا اما العربية او الفارسية او التركية. وتعلم ابناءنا في العراق العربية وتأصلت فيهم لحد النخاع، حتى انهم تفوقوا في بعض الاحيان على العرب في لغتهم. والانكى من ذلك انهم، اي ابنائنا، قد احلوها في بيوتهم محل لغة امهم وابيهم واجدادهم، وبذلك غزت هذه اللغة عقولنا وبيوتنا كما غزو اصحابها عقر دارنا واستولوا عليه. وفي ظل الاضطهادات والمضايقات تجاه شعبنا وباسم الدين وبكافة اشكاله، من اعتبارنا كفرة ومشركين وبالتالي فرضهم علينا الذمّة، كان على ابناء شعبنا ايجاد منافذ اخرى للخلاص من التعامل العنصري هذا والذي استمر على مدى قرون ولا يزال. هذه المنافذ فتحتها لنا نفس المجموعات التي جاءت الينا وشقت صفوفنا باسم التبشير. وبمعنى أدق مجاميع التبشير الكاثوليكية والانكليكانية، وكأن في الامر مخطط لتشتيتنا وانهاء وجودنا من على ارض الرافدين. فكانت وجهتنا الاولى، والتي بدأت اوائل السبعينيات، أميريكا، بلاد الديمقراطية والحرية، ومن ثم كندا واستراليا والسويد و..و..و..ولم يبقى بلداً في العالم لم (نغزوه!). المثير للانتباه هو انه بالرغم من المساحة الواسعة للحرية التي كنا نفتقدها في دارنا، والتي من المفروض استغلالها لتعليم ابنائنا واجيالنا القادمة لغة الام، السريانية، والتي تعبر عن هويتنا الحقيقية، صرنا نُصِرُّ على استخدام العربية التي جلبناها معنا، لا فقط في بيوتنا وانما في مصالحنا ايضاً. فعلى سبيل المثال في كل الولايات الاميريكية  التي يتواجد فيها ابناء شعبنا والذين لهم فيها مصالح تجارية (ستورات مثلاً) لم اجد من كتب على الواجهة اسم المحل ونوعية البضاعة باللغة السريانية! اننا بهذه العملية نصر على حصار لغتنا ونبذها وبالتالي نساعد اجيالنا على نسيانها وبسرعة قياسية! هذه الحالة اصبحت شائعة في جميع بلاد المهجر تقريباً. الغريب في الامر عدم استخدامنا حتى للغة اهل البلد الذي نعيش فيه، في الاعلان عن مصالحنا، كالانكليزية والسويدية والفرنسية.
ان الجيل الجديد التي تربى ويتربى في دول المهجر صارت لغته داخل البيت لغة هجينة ما بين السريانية والعربية ولغة اهل البلد، واصبح لا يعرف المفردات التي يستعملها ان كانت سريانية ام عربية! وبالتأكيد بعد هذا الجيل او بعده سيضيع الخيط والعصفور!!
ان كانت العربية لزاماً على المسلمين باعتبارها لغة القرآن المقدسة، فان السريانية يجب ان تكون لزاماً علينا نحن الكلدان السريان الاشوريين باعتبارها لغة مقدسة ايضاً فهي لغة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. عليه فان من اهم واجبات كنائسنا في المهجر وبجميع مذاهبها العمل على الحفاظ على ارثنا اللغوي المقدس، وبدلاً من التركيز على العربية او اللاتينية وكما هي فاعلة بعض من كنائسنا، عليها اعادة النظر في اسلوبها، على الاقل احتراماً ليسوع المسيح ودعماً لثقافتنا ولغتنا وفلوكلورنا الذي لا يستغني عن اللغة، فان ضاعت لغتنا.. رحنا بشربة ميّا!!
في الختام لا يسعنا الا ان نقول بارك الله بكل من يعمل على الحفاظ على لغتنا السريانية المقدسة، ويبعدنا عن طوفان اللغات الاخرى.
اوراها دنخا سياوش