المحرر موضوع: بعد الحنين  (زيارة 1205 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عامر خوراني

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 47
    • MSN مسنجر - amir-shqlawa@web.de
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بعد الحنين
« في: 02:09 08/10/2006 »
بعد الحنين

بعد كتابة قصيدته الأخيرة ( حنين ) التي أمطرها بشوق كبير لذكرى اختفاء حبيبته، ركنت روحه إلى الهدوء لتتحرر من أسرها وتعود إلى الحياة التي لم تذوق طعم راحتها منذ قرون مضت، نام على أثرها ليبحر في أغوار نفسه إلى حيث الخلود، لكن روحه بقيت معلقة تدور في فلكها لتسمع صوتا دافئا يناديها من الأعماق بحنين الأمومة ورقة الأنوثة .. ينادي الخلاص، كأنه صوت الضمير يوخز روحه لتعود إلى مشا عتها ....
قالت له ....
قم من سباتك وابحث عنها تراها تسكب نفسها طافحة تقدمة أزلية لإله الحب النقي .. انصت في سكون الكون تسمع موسيقاها تدلك عليها أشواقك فهي الآن تعزف لحنها الملتاع بكل سلام احمل وترك المرتجف حنينا وامضي لا تخاف جنونك امضي في أثرها اسأل عليها ....
صوت زلزل كيانه هزه بقوة ليوقظه من الغيبوبة كأنه في وقفة لحساب عسير، أراد أن يبكي على صدرها  بدموع ساخنة ليلغي حاضره ويعود مع صوتها إلى زمن طويت أوراقه.
قال لها بصوت مرتجف ....
انها تعود لقرون ماضية عندها كانت الحياة منتعشة بسكرها، ونغماتها تصلنا من وراء الأفق عازفة على أوتار قلوبنا أجمل الألحان، وكنا مجنونين بعواطفنا منطلقين بأحلامنا لنبحر دون قيود ونغوص في الأعماق لندغدغ الأسماك، ونسافر عبر السماء لنقطف النجوم، كنا نعيش في مملكة بلا أسوار وكان لنا موطنا في كل وطن، لم يكن الحب يحتضر كان يعيش من الأزل مع الأجيال وعبر الأجيال إلى الأبد، لم نكن خائفين أو مترددين لكن سهام الزمن لم تعفينا من غدرها ولم تخلى من  سمومها لتصيب القلب وتغتال أجمل الأشياء.
سمع مرة أخرى صدى كلماتها وصلته كنبرات لتراتيل الكنائس بألحانها التي تمس شغاف القلب وتلامس الروح بعد أن أخذت القربان لتتحرر من آثامها ولتترك كل مجد شيد لالتحاق بمجد سماوي وبمملكة الحب وحدثته بذلك الصوت ....
لتقول له ....
اترك أعمالك .. مجدك وحطم أسوارك .. اخرج من ذاتك وأسال عن موطنها .. وامضي سريعا قبل أن يحتضر الحب فلحظات العشق لا مثيل لها نادرا ما تأتي وما أحلاها حين تثمر وتكتمل .. عجل لا تتأخر لابد أنها الآن في كهفها الحزين تنطوي وتنعزل من حرقة قلبها المتعب من صمتك وطول ترددك، فغابت لتستريح وتريح ..! ما دمت تهواها فافعل شيئا واحدا .. اترك من عداها واذهب حالا إلى مثواها وامنحها قيامة و وطنا ثم خذها من عينيها الجميلتين الحزينتين ....
آه الزمن خرجت من أعماقه بصرخة حزينة ....
قال لها ....
تجرديني بكلماتك الرائعة من الإحساس بالزمن وتحرريني من كل قيد لأحطم أسوارا لم يعد لي سلطان عليها لتعيدي لي زمن انساب خلسة مني وحمل معه أجمل الأوقات، لا تهتمي أيتها الغالية لو لم تكن تلك القصص لما انفجرت حمم البركان لتقد العواطف ولا اشتعلت النيران لتحرق القلوب وتكتب الأشعار ولا  شعرت من أعماق روحك بعذاب قلبين عاشقين حرموا من مملكة الحب ليعيشا خارج الزمن.
صار صوتها أكثر حضورا ليشاهد وجهها الملائكي غرق بدموعها الساخنة، كأن عينا انفجرت لتمده من مائها كي يغتسل من سكرة الماضي ....
لتقول له ....
ما دمتما أحياء، فالحياة نعمة والحب بينكما هدية فلا تفرطا به .. ما ارق تلك البريئة التي علمتك السهاد بعد أن تجرعته وشربت المر منك عسلا ثم فتحت لك قلبها بعد أن ضاق بها العشق ثملا، فقم من سكرتك واحمل قلبك إليها.
غرق صوته بدموعها .. مد يديه ليشرب من صفائهم ويغتسل بدفئهم ليتطهر .........
قال لها.....
انك تملئيني القوة وتشدي على خطاي لأسرع قبل أن يحتضر الحب لأعيد لحظات العشق التي طواها الزمن ولم يبقي منها غير صدى لأجراس تدق في وادي النسيان. ما أروع روحك لتتفاعل مع أهواء كلماتي لأسمع صدى حنين قصيدتي  تسري في دمك لتنادي روحي كي تتحرر وتخلد إلى الراحة ....
ضاق صدرها بألم وحزنت لتشعر بقسوة القدر وغدر الزمن الذي يموت لحظة سقوطه.
لتقول له ....
ما أقسى الحنين حين يحرم المحبين من بعضهم، وتوسلت إلى الله كي لا يحرق قلب إنسان صادق في حبه،  وان يزيل شبح الشوق المتعب من النفوس المثقلين به، ويكلل بحضوره حنين المحبين في مجد اللقاء ....
هكذا غادرته واختفت ....
 لينفجر على أنقاضها شوقا للبحث عنها بزمن ضياعه في شوارع الذكريات ويشرب على نخب عشاق يقظ فيهم الحنين إلى أيام غابرة ليلقون قصائدهم بكلمات تحملها الرياح لتسافر بها بعيدة حيث مملكة العشاق لتعانق أرواحهم المعذبة عذاب الحنين بذكرى زمن خرج عن مداره ويشعلوا شموعا لا تطفئها الرياح.
وعندما استفاق ليلحق بها كانت قطعت أشواط من الزمن راجعة إلى ثنايا كهفها المظلم لأنها اكتشفت هي التي كانت تحتاج من يربت على ظهرها ويواسي محنتها لأنها كانت في الظلام وحنت إليه لتهرب من الكلمات ومن القدر ومن غدر الزمن.

عامر خوراني