المحرر موضوع: كلام في التراث - برحوشو ( بيروس ) أديب من بابل  (زيارة 2301 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبري يعقوب إيشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 111
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كلام في التراث
برحوشو ( بيروس ) أديب من بابل
صبري يعقوب إيشو

قيمة أدب وادي الرافدين القديم تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم , فالأدب السومري والبابلي والآشوري أدب رفيع وله مكانته بين الآداب العالمية لقدمه ومن أغنى الآداب عمقاً رغم قلة النصوص التي سلمت من التلف . والتأريخ لا يرحم احياناً فهو كثيراً ما يغمط أو يهمل حق شعوب أو أشخاص على الأقل , فلا نعرف عنهم إلا الشئ اليسير والقليل , وكثيراً ما نجهل أسماء أو هويات المفكرين والأدباء والعلماء والفنانين الذين خلفوا لنا تراثاً نعتز به ونفتخر .                                                                       
ومن الذين ظلمهم التأريخ, أدباء كثيرون وعلماء عاشوا في العهود السومرية والبابلية الآشورية خاصة, فنحن لا نعرف من كتب ملحمة كلكامش ولا من سطر على ألواح الآجر قصة الخليقة ولا من نحت تلك المنحوتات الرائعة والتي تقبع في الكثير من متاحف العالم أو لا زالت مطمورة في الأرض , كما ونجهل أسماء وهويات مخترعي النظريات الرياضية والعلوم الفلكية ولا نعرف شيئاً عن بناة المدن والزقورات الرائعة في وادي الرافدين .                                                                                               
لحسن الحظ نعرف أديباً بابلياً كلدانياً إسمه برحوشو أو برعوشا  أو  بيروس باليونانية وهذا أيضاً عرفناه بفضل مصادر يونانية ..                                                                                         
لمع نجم برحوشو في القرن الثالث قبل الميلاد , وهو يمثل لنا بشكل رائع قيمة الكاتب وقدره في حضارات وادي الرافدين قديماً ..                                                                                                     
خدم برحوشوكاهناً في معبد بابل أو في هيكل مردوخ أكبر آلهة بابل في أيام أنطيوخوس سوتيروس ملك اليونان والذي كان يحكم بلاد بين النهرين وسورية بعد موت ألكسندر الكبير  ( توفي سنة 281 ق.م. ) وكتب برحوشو ثلاثة مجلدات باليونانية في الأول ضم جدولاً طويلاً بأسماء ملوك وسلاطين بابل وآشور ومدة حكمهم وعن حياتهم الأجتماعية والسياسية والعسكرية وهذه شهادة يمكن الأستناد عليها بأن أحد الكتبة البابليين عاش في القرن الثالث قبل الميلاد لم يفرق بين البابليين والآشوريين لا بل إعتبرهم أمة واحدة . ألكتاب الثاني هو عن الفنون والثقافة والعلوم والحياة الأجتماعية والدينية لشعب بابل وآشور.
والكتاب الثالث لبرحوشو تضمن أمثال وحكم وقصص حصلت في بلاد الرافدين . وقد كانت اليونانية لغة شائعة في البلاد يتقنها علية القوم وأدباؤهم خاصة وذلك لأستعمالها في المراسلات الرسمية بالأضافة إلى شيوع اللغة الآرامية عهدذاك .
والمؤسف إن هذه المجلدات الثلاثة لم تصلنا , وإنما وصلتنا منها مقتطفات سجلها المؤرخ أوسابيوس القيصري في تأريخه الشهير .وجدير بالذكر أن نكتشف من هذا ومن أمور مشابهة , أنفتاح علمائنا وأدبائنا في الماضي على لغات وآداب وحضارات البلدان المجاورة , كاليونان وتأثيرهم على ثقافة غيرهم .وجميل أن ينقل لنا أوسابيوس في تأريخه الذي يبدأ من العام 3600 ق.م. 
نصوصاً كاملة وبشكل حرفي هي لبيروس البابلي , نكتفي بنقل مثالاً بما يذكره بشأن فكرته في الخلق فيقول أوسابيوس نقلاً عن برحوشو بالنص : لقد كان ثمة زمن , كان فيه كل شئ ظلاماً وماءاً, وفي المياه حيوانات مخيفة ذات طبائع عجيبة وأشكال خاصة, بعضها ذوات جناحين أو أربعة , أو ذات وجهين ورأسين, وبعضها ذكور وبعضها إناث وبعضها تجمع الجنسين معاً , لبعضها قوائم أو قرون او حوافر أو ذيول .
وكلها تحت أمرة إمرأة واحدة تدعى أموروكا أي تامتي. فهي تيامات المعروفة في الأدب السومري والبابلي , ومعنى الأسم باليونانية تالاسا أي ألبحر .وهناك شبه في أسم البحر والقمر وما لأله القمر من علاقة بنشوء الكون وكذلك ألمياه أو ألغمر العظيم .                                                       
كل شئ كان هكذا عندما جاء بعل كبير الآلهة وشق المرأة من وسطها , فصنع من نصفها الأرض ومن نصفها الآخر صنع السماء , وبذلك إختفت سائر الكائنات الحية التي كانت موجودة في السابق .وقد نظن نحن لأول وهلة إن هذه خرافات لا طائل تحتها ونستغرب من بناة حضارات رفيعة كحضارات سومر وأكد , بابل وآشوروغيرها , أن يؤمنوا بها ولا نفطن بأنهم كانوا مثلنا إنما ينسجون حكايات كهذه أو يصورون لوحات فنية ويعرفون حق المعرفة إنها خيالية ولكنها ذات معنىً ومغزى .
فهذا برحوشو مثلاً يقول لنا بوضوح أن قصة الخليقة التي أوردها ليست سوى قصة رمزية فكانه يكتب في عصرنا رواية رمزيةعن قضية معينة فيلجأ إلى الفكر والخيال والرموز ومعانيها ليقدم لنا بشكل فني مشوق عبرة ودرساً في القضية ذاتها .ونرى برحوشو يفك رموز قصته فيقول : إن الأله هو الذي قطع رأس الحية وبدمها جبل بشراً عاقلين .
ولا يخفى في ذلك كله من تقارب بين فكر مفكرينا وأدبائنا القدامى والمفاهيم الفلسفية والنظريات العلمية التي نأخذ بها في أيامنا حول نشوء الكون وخلق الأنسان وهذا تقييم جديد لتراثنا وحضارتنا البابلية الآشورية القديمة ... [/b] [/size]  [/font]