المحرر موضوع: الاعلام وصراع الديكة  (زيارة 1108 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاعلام وصراع الديكة
« في: 00:09 13/10/2006 »
الاعلام وصراع الديكة

عبدالمنعم الاعسم
malasam2@hotmail.com
 
 "الاعلام يصنع ديكة من بين المثقفين..احذركم منهم".. بهذه الكلمات كان الاستاذ بوبيسكو المحاضر في معهد شتيفان غورغيو لاعداد الكوادر الاعلامية في بوخارست اختتم آخر محاضراته لنا، ونحن نتخرج من بين يديه، قبل ما يزيد على عشرين سنة، وقد اخذ الكثير منا ملاحظته، على انها تعبير عن انزعاج شائع بين النخب الرومانية إزاء شاعر ومعلق تلفزيوني محلي اسمه ادريان باونيسكو كان قد سفّ الى ابعد حدود الاسفاف في مديح زعيم الدولة آنذاك نيكولاي تشاوتشيسكو، ولم نكن لنعتقد نحن الدارسين من الشرق الاوسط ان جيلا من الديكة سينشأ في منطقتنا، ليس في مجال المديح المذل، بل وايضا في فنون الشتائم وانتاج الاكاذيب.
وهكذا تخصصت فضائيات عربية في صناعة الديكة من اعلاميين فاشلين جاءت بهم مرحلة الانحطاط الى الرصيف،  وانصاف سياسيين القت بهم قوارب الرحلة الى خارج المعادلات، ودعاة طوائف حفظوا النصوص الكهفية جيدا  ولم يحفظوا ماء الوجه، ومثقفين ..(آخ من لساني).. تقذف بها من شاشاتها، بين وقت وآخر، على الجمهور المنكود الحظ، لتلقي خطبا رنانة، ترتفع ليرتفع معها دليل الضرر الى اعلاه، وتنخفض لينخفض معها مؤشر الفائدة الى ادناه، فالديك، كما يورد الجاحظ في كتاب الحيوان مشهور بالجَوَلان، وكما يقول التوحيدي في الامتاع والمؤانسة انه “صلف في طبيعته” إذ يلف ويدور في خيلاء نافشا الجناحين.   
ومما يحز في النفس، ويحمل على الاسى، ان هذه الفضائيات وجدت في بعض العراقيين مَن يصلح ان يكون ديكا يملأ شاشتها بالضجيج، ويسلّي جمهورها بالحركات البهلوانية، ويغيْر منها على هدوء الناس وحاجتهم الى المعرفة والكلمة الطيبة: ينط من هنا شاتما، الى هناك مادحا، في عبارات صوتية كأنها تعلن ساعة الصفر، او تأذن بحرب كونية، او تحذر من طوفان، وكأن المليارات من البشر ينتظرون، على احر من الجمر، ان يقرر هذا الديك مصيرهم، وان يلقي لهم بخشبة النجاة، وان يفكك ما استعصى عليهم تفكيكه وحلّه.
ويشاء هذا الديك (العراقي) وبخطاب ناري ان يحشّد كماً متناسلا من الاغاليط التي لا يصدقها تلاميذ المدارس ولا يقبلها انصاف المتعلمين، والغريب انه لم يُبق جهة او فئة او جماعة، من الاولين والاخرين، من دون ان يخصها بالتجريح والطعون، ومن غير ان يطلبها الى الحساب والعقاب، والخلاصة، انه وحده الذي يعرف كل شيء، وانه نصح ولم يسمعوا نصيحته، وتنبأ ولم يأخذوا بنبوءته، وحذّر ولم يقرأوا جيدا تحذيره، ولهذا فان رقاب الجميع ينبغي ان تنحني له، ولمَ العجب؟ فهو ديك الشاشة الملونة، بلا منازع.
قد يقال بان الديك يحمل، في الحكايات الشعبية، بشارة الصبح، واجازة الصلاة، لكن في تلك الحكايات ما هو ابلغ من هذه الوظيفة التي انتهت مع نهاية عصر القرية وبطلت مع بطلان الخرافة, فظهرت للديك معايب وبرزت له وساخات، ويقول الكاتب المصري محمد مستجاب "الديك يمتلك قدرا من الزهو, قد يسبب إقلاقا للناس في الفجر الكاذب قبل ان يصيح ممهدا للفجر الحقيقي بساعتين او اكثر ليحرم الناس من النوم، معتدا بشكله الذي يمثل تحديا لكل تكوينات الفنون التشكيلية، وكأنه تخرج تواً من كلية الشرطة"  ويقول محمد بن موسى الدميري عالم الحيوان الشهير عنه: “ الديك أبله الطبيعة، إذا سقط من حائط لم تكن له هداية ترشده الى اهله".
 إن الديك الذي نطالعه، بين فترة واخرى على فضائيات مرحلة الانحطاط، هو ذلك الديك الذي ذكرته اسطورة قديمة حيث واجه الغول مذعورا فتجمَد في مكانه حتى باض، فتصور الغول ان هذا الديك ليس سوى دجاجة لا وجود لها على قائمة اعدائه، وهي المرة الوحيدة التي باض فيها الديك كذكر، ويقول مستجاب " يمثل الديك نصف الدكتاتور، وترى ذلك في عناده وغبائه ونرجسيته".
  معلوم ان هذا الديك ليس (ديك الجن) الذي كان استاذا لأبي تمام، واغلب الظن انه ليس الديك الذي كان استاذنا بوبيسكو يعنيه.
 ـــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــ
"الشراهة لاعفة لها".
حكمة
malasam2@hotmail.com[/b][/size][/font]