المحرر موضوع: المسؤولية الشخصية  (زيارة 1458 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الدكتور علي الخالدي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 486
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المسؤولية الشخصية
« في: 01:06 17/07/2012 »
المسؤولية الشخصية - قصة قصيرة 

دكتور :علي الخالدي
شاءت الصدف صباح ذلك اليوم الخريفي , الذي تتسم نسماته الصباحية بنفحة نسيم عليل تلامس الوجوه, ببرودة وجدانية تطغي على كل أﻷماكن التي يمر بها , وهو في طريقه الى المدرسة التي إنتقل اليها حديثا , أصطدمت تأملاته في تخيل وجدانية أﻷماكن الغريبة عليه , وذلك المنظر الذي شكله سرب من الشباب ينتظرون دورهم للأغتسال الصباحي  من ماء الحنفية الوحيدة في وسط ساحة يحيط بها حائط من الخلف, متواصل الطول تظهر عليه أبواب مهترئه تفصلها مسافات متقاربة , قريبة الشبه لغرف أسطبلات  جياد شرطة  , وفي الجهة المقابلة  يفصل الساحة شارع اسفلتي عن بناية ضخمة من طابقين يقال عنها أنها بناية المتصرفية , تصدرمنها أصوات عويل وصياح تألم مختلط باوامر أﻷقرار بأمر ما . وكما حكى عمه , عندما ييأس القائمون على التعذيب من النيل من شكيمة من يعذبوهم ينقلون صباحا الى ذلك أﻷسطبل الذي يعتبر نَفها بالقياس على ما أمضوه من ليلة أو ليلتين في المتصرفية . يجري اﻷمر بشكل روتيني خال من الرسميات عند وصول الضيف الجديد ليشارك هؤلاء الشباب السكن والهموم . بجري الترحيب بالضيف الجديد و تقدم له التهاني بإجتيازه أﻷمتحان أﻷول , وكأن هناك معرفة قديمة بينهم وبينه , تذكر هذه المعلومة التي حكاها عمه عندما حدثه عما شاهده صباح هذا اليوم , ﻷن عمه  سبق وان خرج من هذا المكان بعد فشله باﻷمتحان أﻷول , لعدم تصرفه كما تقتضيه المسؤولية الشخصية تجاه رفاقه , مما سبب القاء القبض على رفاق له في العمل , وفقدانه  شرف  الوقوف في الطابور الصباحي   .
شد الخوف أقدامه  وبسمرها بأﻷرض , و إرتعش جسده بهيبة رهيبة صدرت عن صوت شرطي حامل على كتفه بندقية ,إمشي ولَك , أيقضه من غفلة أراد بها ربط ما سمعه من عمه وما يشاهده حاليا . على أثرالصوت استدارت الرؤوس وتوجهت أنظار الواقفون في الطابور اليه البعض رفع يده محييا .  يبدو عليهم  أنهم يشكلون فئات إجتماعية مختلفة فمنهم من في بجامة  وآخر بدشداشة , وآخرون ببنطال وقميص , وكأنهم في منظر لعرض أﻷزياء العراقية . تذكر هذا الموقف مستعيدا ما قاله عمه أن هؤلاء هم سجيني المسؤولية الوطنية , كان من ضمنهم عندما نظموا حملة توقيع على مذكرة ﻷيقاف الحرب في كردستان التي شنتها حكومة الثورة , التي دافعوا عنها وحموها من من اراد أجهاضها وهي في مهدها عبر انخراطهم بالمقاومة الشعبية , في وقت صعدت الدوائر أﻷمبريالية والحكومات الرجعية في المنطقة , وكل من ضربت الثورة مصالحهم من شركات النفط أﻷحتكارية  من تآمرهم مستغلين نمو نفوذ القوى الرجعية في الداخل والخارج , نتيجة سياسة عفى الله عما سلف لقائد الثورة هذه السياسة التي شجعت القوى المناوءه للثورة على تغذية عوامل شن الحرب , وإشغال الثورة بمهام أبعدتها عن اضافة ما كانت تنشده لصالح الشعب والوطن الى المنجزات الجبارة التي حققتها لصالح الفقراء وتكريم المراءة وانصافها  بقانون اﻷحوال الشخصية والتي أثارت غيض أعداء التحرر والتقدم والمشاركة أﻷجتماعية . ﻷجل ذلك تحمل هؤلاء السجناء اللذين يراهم أو يسمع أصواتهم ليلا تبعات السجن والتعذيب بدافع المسؤولية الوطنية , لكن ظروف السجن والتعذيب لا يمكن مقارنتها بما لاقاه هو على أيدي حملة الفكر القومي والبعثي بعد أكثر من عشرة سنوات من اغتيال الثورة بانقلاب 8 شباط اﻷسود , حيث جيء بقادته آنذاك بقطار امريكي ليسحقوا تورة الرابع عشر من تموز المجيدة ويسلبوا فرحة الشعب , في وقت لم يكتمل  تحسسه بمنجزاتها بشكل متكامل . كان مصمما أن يحافظ على أﻷلتزام بمسؤوليته الشخصية تجاه رفاقه وأن يعيد للعائلة شرف نضالها الوطني الذي خدشه عمه , و لن ينهار مهما مورست بحقه أساليب تعذيب متقدمة تعلموها في دول تسعى لبناء مجتمع يصبو هو ايضا اليه , سيما وانه لم يقم بعمل توكل على اساسه تهمة معادات انقلابهم المركب الذي جاء بسياسة رمي الطعم لليسار الذي اشتد ساعده خلال الفترة المنصرمة سوى  كونه عضو نشط في اتحاد الطلبة العام الذي ارعبهم نشاطه الذي طغى على نشاط منطمتهم أﻷتحاد الوطني   
أخرج من القبو معصوب العينين بقطعة قماش شقت من رداء قميصه , صاعدا درجا بقيادة أحد , وكأنه أعمى يقاد الى المجهول , عند نهاية الدرج أحس بنفحة نسيم عليل لامس وجهه المتورم ,  أعطاه تصورا أنه في صباح يوم فقد ذاكرة تسلسله من أيام أﻷسبوع , معتقدا  أنه مقبل على غسل وجهه وجسمه من دماء جفت عليهم من آثار التعذيب , لكن ظنه خاب بعد حين , عندما اولجوه في بناية أخرى , اعتقد انه يقاد لموقع أخر في نفس بناية المتصرفية , إلا أن أسمها تحول الى محافظة . سمع عنها قبل القاء القبض عليه أنها تحوي وسائل متطورة للتعذيب جلبت من دولة شرق أوروبية .  إنتابه شعور داخلي من أن نهايته ستكون قريبة , وخاصة عندما سمع نفس الصوت الذي استجوبه مرات عديدة في القبو , بنبرات و بأسلوب مصحوب بود ونعومة يكاد يكون أقرب الى التحضر , أدخله في حيرة وبجملة من التناقضات الخارجية والداخلية مع أﻷستغراب في هذا أﻷنعطاف الكبير من أﻷسلوب في التعامل.
فك قيد الحبل من معصميه  وقدميه المتورمتين , فرأى صاحب الصوت قد لبس اللباس المدني , صائحا أغتسل وهاك ملابس فانت حر , لم يعد هناك  مبرر لبقائك في السجن فالوطن محتاج اليك في أﻷجواء الجديدة من التعاون بين القوى الوطنية , تصور هذا مطب آخر وربما إمتحان آخر  تظهر نتائجه لاحقا , ومع هذا أحس بنشوة ,وإفتخار ﻷنه لم يخدش مسؤوليته الشخصية التي رسمت له طرق حل لكل ما أعترضه من مشاكل اثناء التعذيب . جمع ما تبقى من قواه بعد اخذ حمام كان يحلم به , مسرعا الى بيته القريب , بشعور من فاته التأخر عن موعد إجتماع , مهنئا نفسه أنه تصرف كما تقتضي المسؤولية الشخصية وصان اللقلب الذي يحمله , وهذا هو أﻷمر الرئيسي . حتى في مسيرة حياته بعد الخروج بنجاح من أﻷمتحان أﻷول , جعل من المسؤولية الشخصية  نبراس يضيء طريقه , مكونتا منه مناضلا لم يعد بحاجة لمرشد يعطيه وصفات جاهزة و دروس في صيانة شرف عضويته وأﻷلتزام بوصية مؤسسه الذي قدم حياته ورفاقه قربانا لصيانة هذا الشرف . وتواصل التمسك بها حتى في مجال عمله وبناء عائلته ,مرددا قول ناظم حكمت إذا أنا لم أحترق وأنت لم تحترق فمن يضي الطريق للأخرين  .