المحرر موضوع: الأستاذ مسعود البارزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية ـ 1 ـ  (زيارة 2114 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأستاذ مسعود البارزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية ـ 1 ـ
الحلقة الأولى

بقلم : حبيب تومي / اوسلو
habibtomi@chello.no
tomihabib@hotmail.com

المقدمـــة


يرتبط اسم البرزان والبرزانيين بعروة وثقى مع القضية الكردية وكردستان ، حيث ان لهذه المدينة ولعائلة البرزاني بصمات جلية على مسرح كينونة وسيرورة الثورة الكردية والشعب الكردي عبر التاريخ المعاصر . ولدراسة هذا الأمر ينبغي على الباحث ان يسلط الأضواء اولاً على  (الثورة الكردية )  باعتبارها الرحم  الحاضن لولادة الدولة الكردية  المعاصرة ، والتي تمخضت عن الظروف التي يمكن معها وضع الخطوط الأولية في هندسة ورسم الدولة الكردية على الخارطة السياسية  للعالم المعاصر . 

ان تجربة بنيان ( الدولة الكردية ) سبق ان شيّد في مطاوي العقد الخامس من القرن الماضي وذلك في اعقاب الحرب الكونية الثانية  في كردستان أيران ، وعرفت بجمهورية مهاباد أو ( مهابات ) ، لكن التجربة تعثرت وآلت هذه الجمهورية الفتية الى السقوط بعد عمر قصير .

لكن اليوم نشهد تطورات مثيرة على المسرح الدولي والأقليمي ، نحن نعيش في عصر يعني بمفهومية ، حق الشعوب في تقرير مصيرها بعد انتشار الحركات القومية  والأقلوية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في قارات العالم . إنه السبيل الذي مهد  نحو بعث الأستراتيجيات السياسية المعتمدة على ركائز أثنية ـ أثنواستراتيجيات ـ إذ إن تفكك الأتحاد السوفياتي السابق ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا الى دول مستقلة ، وتصاعد عدد الدول المنضوية الى هيئة الأمم المتحدة الى  188 دولة وهو مرشح الى الزيادة وليس الى النقصان ، وهذا يفسر الحقيقة الأفتراضية بتنامي النزعات الأثنية المتجهة نحو المفاهيم الأستقلالية لتكوين دول جديدة في المنظمة الأممية .

أصـل الأكـراد


حين البحث في اصول شعب لا مناص من الأستعانة بما يتوفر من مختلف العناصر المساعدة كالأسم واللغة والعرق والأدب والآثار المستكشفة وغيرها من العوامل التي تساعدنا في بلوغ مأربنا من هذه الدراسة الموجزة  .

 يشير الكاتب باسيلي نيكيتين في دراسته السوسيولوجية عن الكرد وأصولها ، بأن الكاردوخيين الذين تكلم عنهم ( زينفون ) في روايته عن الأنسحاب المشهور ( بين 401 ـ 400 ق . م ) لعشرة ألاف يوناني عبر كردستان الحالية الى البحر الأسود لم يكونوا غير الأسلاف الحقيقيين للكرد .

إنهم كانوا جبليين أشداء مثلهم يقطنون البلاد نفسها ... بيد ان البحوث الحالية لا توصلنا الى نفس النتيجة فبعض المستشرقين من امثال نولدكة الذي يعد حجة في مجال اختصاصه وغيره أثبتوا لغوياً أن لفظة ( كورد ) و ( كاردو ) غير متماثلتين .

لقد كان هناك ايضاً نظرية لدى بعض المستشرقين تستند الى نسابتهم الى الكلدانيين ، ويشير نيكيتين الى كتّاب من العهد القديم أشاروا الى أن الكلدان سكنوا منطقة كردستان الشرقية وأيد ذلك ماركوبولو .. وكان ثمة رأياً سائداً في اوروبا في القرون الوسطى ان الأكراد ينحدرون من عقلاء الكلدان الوارد ذكرهم في العهد الجديد ، لكن الدراسات الحديثة في علم اللغات المقارن دحر الأحتمالات القائلة بانحدار اللغة الكردية من اللغة الكلدانية ، وقد أظهروا علاقتها باللغة الفارسية الحديثة واللغة الزندية التي هي لغة مشتركة بينهما ونسبت بقوة اللغة الكردية للأنتماء الى مجموعة اللغة الأيرانية ( للمزيد راجع باسيلي نيكيتين : الكرد ص43 وما يليها ) .

 وفي تقصينا لنفس الموضوع نراجع ما ورد في المعلومات الأنثروبولوجية عن سكان العراق في دليل الجمهورية العراقية عام 1960 إذ جاء فيه ص420 :

وينتمي الأكراد الى شعوب زاكروس المتوطنة في المنطقة الواقعة جنوب بحيرة وان وعن البحاثة محمد امين زكي في كتابه خلاصة تاريخ كردستان نقرأ :

 كان في فجر التاريخ شعوب جبال زاكروس ، وهي شعوب لولو وكوتي وكاسي وخالدي او ( كلدي ) فهذه الشعوب كلها ما عدا الشعوب العيلامية هي الأصل القديم للشعب الكردي ويظهر ان هجرات العنصر الآري الى جبال زاكروس خلطتهم باللغة الآرية ولهذا الأختلاط بالآريين الذين طغت موجاتهم على الجبال العراقية أثر في انتشار صفات جسمية ولغوية آرية ، مما جعل بعض علماء الأنثروبولوجيا مثل هنري فيلد يقول ان سكان المنطقة الجبلية في شمال العراق ، ينتمي أكثرها الى ذوي الرؤوس المدورة ، أما العرب فهم أحفاد الساميين الذين استوطنوا العراق كالعاموريين والآشوريين والكلدان ، بل من العرب من يعتقد ان الأكديين الساميين انما هم أسلافهم في العراق ويضيف أن منطقة الجبال العراقية تعرف عند الآراميين بحوض كاردو أي الكرد ..

من الصعوبة بمكان الخوض في هذا الموضوع الشائك لكن نختم هذه الفقرة بما لخصه الدكتور أمين عثمان في معجم الشرق الأوسط عن هوية الشعب الكردي بقوله : نحن الأكراد شعب أصيل يرجع تاريخه الى 2700 سنة الى الوراء ، يرجع أصله الى منطقة القوقاز الجبلية . لغته هندواوروبية من عائلة اللغات الفارسية. منذ 14 قرناً اختلط تاريخنا وحضارتنا بتاريخ وحضارة الأسلام ...

شخصية البارزاني والثورة الكردية

بني البشر رغم أدعائهم بالتفوق على المخلوقات على وجه البسيطة لكنهم بعيدين كل البعد عن فرضية الأقرار والتسليم بحقوق الآخر . الفلسفة الصينية القديمة المثالية تقول :

أن يعتبر كل واحد بلاد الآخرين كبلده وبيوت الآخرين كبيته نفسه ، ان  يحب كل الناس بعضهم بعضاً فلن يقهر القوي الضعيف ، ولن يسخر الغني من الفقير ، ولم يحتقر الشريف الوضيع ولن يخدع الذكي البسيط ...  لكن في عصرنا هذه مبادئ مثالية بعيدة المنال ، وفي غيابها تشتعل الحروب والثورات .

 مثالنا الشعب الكردي حيث بقي مشتتاً في جغرافية الجبال والوديان والسهول ، وبات معرضاً لعمليات التفريس والتتريك والتعريب ، وبالرغم من بقائه متشبثاً بأذيال وشائجية القومية واللغة ، إلا انه بات مهمشاً في دنيا السياسة وتكوين السلطة التي تؤول الى كينونة الدولة .

لنبقى في دائرة الثورة الكردية ونشير الى دور قائدها المعاصر المرحوم ملاّ مصطفى البارزاني الذي قال عنه دانا آدم شمدت :

إن مكانة البارزاني عند الأكراد عظيمة جداً . أعتقد أنها تنتشر مثل الأسطورة او خرافة الى ما وراء العراق لتبلغ أكراد تركيا وأيران ، إنه خبير عسكري وسياسي واقعي ، وليس بين الأكراد من يختزن في ذاكرته هذا القدر العظيم من المعلومات ... ولا يتأخر لحظة في بناء الوحدة الكردية ، وهو أعظم مهندس معماري لها .

يبقى اسم المرحوم ملا مصطفى البارزاني صنواً وتوأماً ملازماً للثورة الكردية الى  ما يربو على أربعين عاماً من القرن المنصرم . وطفق البارزاني رمزاً خالداً للثورة الكردية . وسنحاول في هذه الدراسة المختصرة ان نسلط  حزمة من الأضواء على مسلسل طويل شائك من الأحداث ، ولهذا أتوقع أن لا تكون الدراسة وافية لكل جوانب الموضوع .

 كانت ولادة ملا مصطفى البرارزاني عام 1903 وهو الأبن الثالث لوالده الذي توفي قبل ولادته بفترة وجيزة ، وشنق الأتراك أخيه الأكبر عبدالسلام في مدينة الموصل عام 1914 ، بعد رفضه إرسال متطوعين للجيش التركي .

 في أواخر العشرينات تزوج البارزاني وأنجب ثلاثة اولاد وثلاث بنات ، وتزوج ثانية في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي ، وأنجب ابنه أدريس وبنتاً واحدة ، ثم تزوج للمرة الثالثة وأنجب خمسة أولاد منهم السيد مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس أقليم كردستان ، وكان يوم ميلاده في 25 / 1 / 1946 الذي يصادف يوم أعلان جمهورية مهاباد . والتي سنتطرق الى بعض جوانبها بما يتعلق بموضوعنا .

بقي البرزاني على رأس الثورة الكردية عسكرياً وسياسياً الى أن بلغ من العمر حوالي 75 سنة ، إذ لجأ الى  طهران ومنها غادرالى الولايات المتحدة بقصد المعالجة الطبية ، وهناك وافته المنية عام  1979 م فنقل جثمانه الى أيران ودفن في قرية ( شنو ) وقد حضر مراسيم الدفن الألوف من الناس من مختلف بلدان العالم لتوديع القائد الأسطوري للشعب الكردي .

قائدة الثورة الكردية المعاصرة ملا مصطفى البرزاني ( 1903 ـ 1979 م )


 في عام 1993 نقل رفاته الى مسقط رأسه وأرض آبائه في قرية بارزان . ( للمزيد راجع د . زهير عبد الملك ، الأكراد وبلادهم كردستان بين سؤال وجواب ص163 وما يليها وكذلك د . عثمان علي في دراسات في الحركة الكوردية المعاصرة ص575 وما يليها ) .

ملا مصطفى البارزاني قائد عسكري محنك ، إنه لم يتخرج من مدرسة أركان عسكرية عليا ، لكن مدرسة الحياة القاسية علمته فنون الحرب ، وكيف يدير ويقود المعارك بخطط عسكرية تكتيكية واستراتيجية . لقد تنوعت هذه المعارك ، بينها تلك التي يخوضها مع القبائل الكردية الموالية للحكومات المتعاقبة ، وأخرى مع الجيش والشرطة العراقية والتي كانت تستعين بالقوة الجوية البريطانية في العهد الملكي .

لقد نال البارزاني ومعه قادة آخرين رتبة الجنرال العسكرية في جمهورية مهاباد ، في مسعى من هذه الجمهورية الفتية لخلق نواة جيش منظم بإضفاء نوع من التنظيم والرسمية على القوات القبلية الكردية . وبهذا الصدد ايضاً نقرأ للدكتور ( عثمان علي ص733 ) : ان قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد قد كلف البارزاني بتأسيس الجيش الكردستاني واصبح مشرفاً عليه . لذلك كان هناك في نيسان عام 1946 جيش مسلح متكون من 1500 مسلح برزاني وثلاث أفواج نظامية و 700 جندي في مهاباد ، واعطي للبارزاني لقب الجنرال في هذا الجيش .

في نفس السياق يؤشر الدكتور عبدالرحمن قاسملو في  (كردستان أيران 112 ) ان قاضي محمد منح قاضي سيف والملا مصطفى وعمر شكاك ... رتبة الماريشال ، وأمنت لهم ملابس عسكرية سوفيتية . وعن الدكتور عثمان علي ص 734 أنه في محاكمة قاضي محمد قال بكل صراحة :

 انه اعطى راية الكورد للبارزاني وهو رجل عظيم وذو أخلاق حميدة ، وهذا الكلام يؤكده السيد مسعود البارزاني نقلاً عن أبيه .

 ويستطرد الكاتب أن قاضي محمد وصف البارزاني بالعبارات التالية :

... حسناً ، ولكنني لن أقول أكثر من بضع جمل ، الملا مصطفى يتصف بكل صفات الرجولة والكرم والشرف والأنسانية والشجاعة والأقدام والجرأة ، والتي اتصف بها من خلدهم التاريخ ... الخ 

لقد اكتسب القائد ملا مصطفى البارزاني خلال سيرورة حياته النضالية الطويلة بما فيها من محطات النجاح والأخفاق ، فاتسمت شخصيته بكارزمية عالية بين ابناء شعبه وبين اصدقاء كردستان في ارجاء المعمورة  .

 هكذا كان همّ الحكومات العراقية المتعاقبة ينطوي على التخلص منه شخصياً ، فالقضاء عليه يعني معنوياً ضعضعة وإضعاف أركان الثورة الكردية بالقضاء على قائدها ورمزها .

هكذا سوف  تتوالى المؤامرات من أجل القضاء عليه : وستخصص حكومة عبدالسلام عارف مبالغ كبيرة هدية لمن يغتال البارزاني ، أما صدام حسين فسوف يرسل مجموعة من رجال الدين ( الملالي )  المفخخين بالمتفجرات ،  وكان ذلك في 29 أيلول سنة1971 للأجتماع مع البارزاني ، واثناء الأجتماع انفجر الملالي وتخلص البرازاني وحيداً بأعجوبة ، كما فشلت محاولة اخرى لاغتيال ابنه أدريس في بغداد . ( للمزيد راجع الدكتور خليل جندي : حركة التحرر الوطني الكردستاني في كردستان الجنوبي  ص 130 ـ 131 ) . 

لقد تشرفت  شخحصياً بمقابلة المرحوم ملا مصطفى البارزاني  مرتين في اواسط الستينات من القرن الماضي وذلك في مدينة رانية ، فكان فصيحاً في لغته ، واثقاً وهادئاً في كلامه ، محور كلامه عن الثورة وعن أبناء الشعب الكردي الذين يتجشمون أعبائها ، وعن العلاقة المتينة بين الشعب وثورته  ، وعن القيادة والقائد الذي ينبغي ان يكون مثالاً حسنا ً يقتدي الشعب بأفعاله قبل أقواله .   

حبيب تومي / اوسلو

يليها الحلقة الثانية
     
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر

1 ـ باسيلي نيكيتين : الكرد دراسة سيولوجية وتاريخية ، تقديم لويس ماسينيون ، نقله من الفرنسية وعلق عليه الدكتور نوري طالباني ، دار الساقي ط2 سنة 2001 بيروت

2 ـ الأستاذ محمود فهمي درويش والدكتورين مصطفى جواد واحمد سوسة : دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960

3 ـ  د. هوستن سميث : أديان العالم ، تعريب سعد رستم ، حلب 2005

4 ـ إعداد  الدكتور زهير عبد الملك : الأكراد وبلادهم كردستان بين سؤال وجواب ، السويد سنة  1999

5 ـ الدكتور عثمان علي : دراسات في الحركة الكوردية المعاصرة ، تقديم الأستاذ الدكتور محمد هماوندي ، أربيل عام 2002 م .

6 ـ سعد سعدي : معجم الشرق الأوسط ، فكرة د . وليد هندو ، مراجعة الأب الياس الخوري ، ومي زيادة العاقوري ،  دار الجيل بيروت 1998 م

7 ـ د . عبد الرحمن قاسملو : كردستان أيران ، ترجمة غزال يشيل أوغلو ، دمشق 1999

8 ـ جواد ملا : كردستان والكرد وطن مقسم وأمة بلا  دولة ، تقديم : د . جمال نبز ، دار الحكمة لندن ط2 سنة 2000 م .

9 ـ  الدكتور خليل جندي : حركة التحرر الوطني الكردستاني في كردستان الجنوبي  ( 1939 ـ 1968 ) ، ستوكهولم 1994 [/b] [/size] [/font]