المحرر موضوع: تقاسيم على أوتار الريح  (زيارة 1817 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل آدم دانيال هومه

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 120
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تقاسيم على أوتار الريح
« في: 10:53 27/08/2012 »


تقاسيم على أوتار الريح


آدم دانيال هومه






 

في البدء كان البحر
ومن البحر قذف الموج السلحفاة على الشاطئ
لتكتب سيرة الإنسان على الرمال.
****

بما أنك قنديل هداية على مفرق الطرق
فعليك أن تتحمل مجون الرياح.
****

أنا غيمة متقدة في الآفاق         
تطفح أعماقي بماء لاينضب
أحلم بالهطول بدون انقطاع
لأسقي كل أرض عطشى
وأبلل كل شفة ظمأى
لأعود بعدها إلى أحضان البحر
مضمخا بأريج النجوم
ورحيق التراب.
****

قلبي نبع يترنح بين الصخور
وحيدا يعاقر وهج الجرح
ما بين الصهيل وبين الصدى
يتوغل في أوردة العشب النابت فوق قبور الشعراء
الذين ينزفون ضياء على جذوع نخيل الرافدين
ويتوهجون كالحباحب على ضفاف دجلة والفرات.
في عتمة الدرب
تلوح عشتار من شرفة الحلم كأيقونة الفجر
مكللة بهالة المطر
ويطل گلگامش من بين أكفان الطوفان
مدجّجا بتوائم القيامة
يجرجر خلفه البحر الميت والصحراء العربية.
****

تل نصري... (1)
أيتها الفراشة المضمخة بأريج الزيزفون
المعفرة بالتراب المتناثر من أقدام الملائكة
يانجمة المساء تستحم في نهر من البلور
عندما اذكر اسمك
يترقرق العسل على شفاهي
ويفور الدمع من الأحداق
أتضاءل كالظل في ظهيرة صيف
لأعود طفلا يتمرغ في أحضانك
تجلجل ضحكاتي بين جنبات السموات
فتوقظ الأموات من غفوتهم الأبدية
 وتجعلهم يرقصون في قبورهم
ويعودون إلى عصرهم الذهبي
بين أهازيج الأمواج التي تلامس الأفق البعيد
وعنين النواعير الصادح بين ثنايا الليل
ورنين الأجراس الذي يضيء الظلمة الداكنة
أعود إلى عتبة تلك الدار المتوهجة بالقداسة
حيث كان الله يستدفئ بشمس عشق العذراوات
ويغط في النوم والشخير
تحت ظلال شجرة التوت الباسقة
وحيث كانت الملائكة تترنح سكرى
في أروقة الجنة.
أيتها المدلاة كالثريا فوق أعشاش العصافير
رغم التيه
لم أزل قرويا محضا في الجوهر
 وفي المشاعر والأحاسيس
ولم يزل اسمك يشع
من خلال ثقوب الشمس
فوق غصون الذاكرة.
****

في كأس من المدام
أنسى الماضي والحاضر والمستقبل
وأسقط بطراوة الندى فوق وجنة زهرة النوم.
****

من حق جميع العصافير أن تنطلق في الفضاء الرحب
مع تباشير كل صباح
ومن حقي أن يكون لي وطن كباقي البشر
أعيش فيه حرا طليقا
منزها عن الخوف
والانحناء لالتقاط فتات الخبز من تحت الأقدام
بعيدا عن الجدران التي تتنصت لنبضات قلبي
أحلم كما أشاء
أمد فيه رجليّ مابين الجبل والبحر
وأتكلم مع الله بلغتي التي لايفهمها أحد سواه
وأريد أن يعود لشفاهي رونقها العذري
كما أريد أن أسبح في بركة الشمس
لتعود إليّ نضارتي وذاكرتي المسلوبة.
****

من المحال أن تعيش في وطن
يُصادر فيه الماء والهواء
يتحول فيه الأقحوان إلى قنبلة
وتُغتال زهور الياسمين في عزّ رونقها.
****

لغتي تضيء انتمائي إلى الأمة التي روّضت مهرة الشمس
وامتطت صهوات جياد الكواكب والنجوم
وواكبت طفولة الأنهار والجبال
في أحضانها ترعرع الله حتى نبتت له أجنحة من الزئبق
فحلق بها إلى السماء
ولم يعد .
****

هذا الثور المجنّح الخارق المهيب
في وجهه سيماء الآلهة
يقتات العشب السماوي المقدس
لجبروته تسجد الريح وتذوب السحاب
بإجلال يرفرف في رحاب الأبدية
وفي قدس أقداس الحشمة الإلهية
يجترح المعجزات
وحين تلامس أقدامه الأرض
تنفجر الينابيع
وتخضوضر الغابات والجبال
ومن مسامات جلده يرشح الزيت الطهور
معبّقا بشذى لازورد السماء.
****

إذا أردت أن تتعرّف عليّ
فعلاماتي المميزة هي... مواطن بلا وطن.
****

قلبي الطاعن في الغربة
يرقص بكل بهائه في زمهرير الحزن
وحين يُتوّج بالفرح
يلملم أحزانه... وينزوي كبغي
داهمها عشيقها متلبسة بالصلاة.
****

لم أغادر قمقم الحزن إلا مرة واحدة
في الحلم.
****

لايعيقني اجتياز هذا الطريق طوله ووعورته
وإنما هذا المسمار الناتئ في كعب حذائي.
****

الاشجار التي لاترتبط ارتباطا وثيقا بالاعماق
تقتلعها العاصفة... وتذريها الرياح.
****

الأمة التي تقف مكتوفة الأيدي على حافة الرمال
تبتلعها الكثبان
ويطمسها غبار التاريخ.
****

اللغة هي الدرع الواقي لديمومة أي شعب.
****

الفاشلون الأغبياء هم وحدهم
يتباهون بأمجاد الماضي التليد
بينما هم اليوم
يهلوسون احتضارا على قارعة التاريخ.
****

هؤلاء الأغبياء الأعزاء... أهلي
تخلوا عن أرضهم وكل أمجادهم
وتعلقوا بأذيال ثوب السيد المسيح
 وهو في طريقه إلى السماء
وفي منتصف الطريق بين الأرض والسماء
تهاووا وهم يقبضون على طرف ثوبه المقدس
ولم يستطيعوا الصعود معه إلى العلى
وقبل ارتطامهم بالأرض
كان الآخرون قد اختطفوها من تحت أقدامهم
وهكذا...
خسروا الأرض والسماء
وربحوا الثوب السماوي
الذي انقلب بقدرة قادر إلى بساط الريح
ليمتطوه إلى مجاهل الشتات والضياع.
****

متى التقت طيور النورس فوق لآلئ الثلج
تدفق التفاؤل والأمل في أوصال الريح
وبدأ جليد القطب يذوب رويدا رويدا.
****

فليعش كل الموتى المنفيين خارج أسوار ملكوت الوطن
وليسقط الملك الأسطوري المتلألئ في تابوت قدسيته
بين تهاليل شهود الزور المسمّرين على خشبة الخوف
وقد انهار عليهم سقف السماء.
****

أحمق يعاقر أوهامه
رفعوه على الخازوق
ولكن رغم آلامه المبرحة كان يبتسم مزهوا
لأنه ينظر إلى الآخرين من فوق.
****

لاأستسيغ إلا القصائد التي تعاني مخاض النبوءة
وتعشوشب على حوافي البراكين.
****

القصيدة التي لاتتمرد على طقوس الشعر
ونواميس الطبيعة
هي قصيدة عاقر وزانية
تتعرى على ناصية الريح.
****

القصيدة الخالدة
هي التي تمطر حزنا وفرحا
وألقا للأرض وللإنسان
ولاتهز خصرها إلا في عرس لقاح الأزهار.
****

الشاعر الحق
هو الذي يستطيع أن ينفح الروح
 في زهرة من البلاستيك.
ويبعث الحياة في أوصال االكلمات
فتتحول إلى فراشات ملوّنة
ترفرف فوق غصون السماء.
****

بورك الشعراء الذين يتلألأون في لهيب الذعر
لأنهم سيشهدون قيامة الوطن من بين حرائق الطغاة.
****

أنا أكثر حزنا من كل الأغاني الكردية.
****

أيتها الراحلة إلى اللامكان واللازمان
عندما تنساب ذكراك إلى مخيلتي كترنيمة سماوية
فكل ماحولي يشعّ جمالا
وينطلق بالغناء
ويستعيد الماضي شبابه.
في كل ليلة
أرسم صورتك على الطاولة أمامي
وأضع رأسي بين نهديك
وأجهش بالبكاء
كطفل فقد أمه في الزحام.
****

عندما كنت تغردين على غصن روحي
كانت ينابيع الفرح تتدفق من أعماق قلبي
وتفيض في كل الاتجاهات.
****

كنا بالأمس إذا اختلسنا اللقاء
 وتشابكت أيدينا
تصببت النار من رؤوس أصابعنا
وأبحرنا في زورق القمر
وتركنا كل ما حولنا يشرئب إلى السماء.
****

كنت أقف على حافة السماء
لأقطف لك وردة من أعمق الوديان.
****

كنت كلما نظرت إلى صدرك
أرى الفراشات تتطاير من بين نهديك.
****

أجيء إليك مضمخا بكل حنان العالم
أتعلق بأغصان الريح
يرقص دمي على وقع ذكراك.
****

تعالي ننشد الحب والجنون
في غمامة حلم لذيذ
في منأى عن شخير الآلهة
وغوغاء الملائكة
وفضول الكهنة اللواطيين
وصرير بوابة الموت
تعالي نبحث عن لؤلؤة المستحيل
في عمق أعماق ذواتنا.
****

تعالي إلي كعصفورة تحمل بين جناحيها
ضوء رمال السماء
وفي مناقيرها أزاهير المطر.
****

القلب الذي لايعرف الحب
أشبه بالله الصمد
الذي لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفؤ أحد.
****

حين تجوع الآلهة تأكل أطفالها الميتين
الذين لم يدركوا صلاة المساء.
****

إنه مؤمن جدا... جدا
لايقيم الصلاة إلا على قارعة الطريق
وفي المنتزهات العامة.
****                                                                                               

هذا الحمار المقدّس
ذهب صباحا إلى المطحنة
وعاد مساء ينهق بالنبوءات.
****

ألا يكفي تقديس نعال هذا الإله المهترئ
وتقبيل أياديه الملطخة بالدماء
على امتداد آلاف السنين؟.
****

رجاء... لملمي شظاياك من فوق سريري
 ودعيني... أنام.

*****

adamhomeh@hotmail.com

1.   تل نصري: قرية على ضفة نهر الخابور في الجزيرة السورية.