المحرر موضوع: مَن لهُ مَصلحة في دق الإسفين بين المسيحية والإسلام .. ؟  (زيارة 1150 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
مَن لهُ مَصلحة في دق الإسفين بين المسيحية والإسلام  .. ؟

                                                                                                                   المهندس : خوشابا سولاقا
في هذه الأيام شاهد العالم بصورة عامة والعالم الإسلامي والعربي بشكل خاص أحداث لها دلالاتها ومؤشراتها المريبة ، حيث اجتاحت مدن العالم العربي والإسلامي وحيثما تواجد المسلمين من مختلف الأجناس والطوائف موجة من التظاهرات والاحتجاجات العارمة والعنيفة كرد فعل من قوى تيارات الإسلام السياسي المتشدد والمتطرف شارك فيها شرائح اجتماعية مختلفة من المسلمين والمسيحيين وغيرهم على حد سواء على ما أشيع من وجود فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد أتسمت هذه الاحتجاجات كما قلنا بطابع العنف المفرط  أسفر عن مقتل السفير الأمريكي واثنين من مرافقيه في مدينة بنغازي الليبية من قبل المحتجين الغاضبين الذين اقتحموا مبنى القنصلية هناك ، وقتل العديد من المحتجين في بعض البلدان التي شاهدت مثل هذه الاحتجاجات العنيفة من قبل القوات الأمنية في عملية التصدي لهم لمنعهم من اقتحام مباني السفارات والقنصليات الأمريكية والغربية والاعتداء على موظفيها وحرقها وتكرار ما حصل في ليبيا .. إن ما حصل من مثل هكذا ردود أفعال في ظل وجود مثل هكذا فيلم مسيء أمر طبيعي جداً وخصوصاً في بلدان تتسم شعوبها بالتمسك الشديد بأديانها وطقوسها وتقدس رموزها وشخصياتها الدينية الى حد التطرف من قبل بعض الفئات المتشددة منها ، وبالأخص حصل هذا الأمر في فترة شهدت هذه البلدان مد لنفوذ الإسلام السياسي ووصول بعض تياراته إلى سُدة الحكم في بعض منها بعد أن نجحت ثورات الربيع العربي فيها بالإطاحة بأنظمتها الديكتاتورية العسكرية ، مما شجعها على التمادي في تطرفها وتجاوزها لحدود المعقول والمقبول من العنف السياسي حسب القانون والأعراف الدولية ، ولكن ما  ليس مقبولاً بالمرة ومرفوضاً هو المبالغة والمغالاة في ردود الأفعال العنيفة الى الحد الذي عنده ينقلب السحر على الساحر ، وكان ذلك هو أحد الأهداف المخطط لها من قبل صانعي الحدث ، أي من قبل من كان وراء هذا التحريك الذي أفتعل هذه الفعلة المشينة بإنتاج هكذا فيلم مسيء للإسلام والذي لم يتأكد وجوده فعلاً لحد الآن .. عند الأمعان بدقة في قراءة تفاصيل ما حصل من فعل ورد الفعل ودراستها من كل الجوانب المحيطة سنجد أن هناك مقاصد وغايات وأجندات سياسية وتاريخية وعقائدية من وراء ذلك ، وهناك أطراف وجهات بعينها مستفيدة وأخرى خاسرة من نجاح أو فشل هذا المخطط ولها مصلحة في ذلك، وما هو مؤكد وواضح أن الأطراف الخاسرة من وراء هذه الزوبعة المفتعلة هما الطرف المسيحي إن كان قبطيا أو غيره  والطرف المسلم كائن من يكون .. على أثر ما ظهر في العقدين الأخيرين من الزمن على الساحة المسيحية الدولية من منظمات وتيارات في أوربا وأمريكا تتعاطف مع القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضايا العربية ولإسلامية ولانفتاح على الإسلام وظهور ما أطلق عليه بالحوار الإسلامي –المسيحي وحوار الحضارات والثقافات بشكل عام ، والتنديد بمواقف الدول الرأسمالية في دعم عدوان إسرائيل على حساب العرب وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد العالمي ، وتحميل إسرائيل والمنظمات الصهيونية العالمية مسؤولية ما يجري من مظالم وجرائم بحق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة والتنديد بها وإدانتها وتحفيز الرأي العام العالمي ( المسيحي ) للوقوف بوجه ممارسات إسرائيل المنافية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية ، كل هذه العوامل مجتمعة دعت الى إطلاق جرس الإنذار في مراكز الصهيونية العالمية للتحذير من الخطر القادم على إسرائيل باحتمال خسارتها لأصدقاء الأمس الداعمين لها بكل وسائل القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية المتقدمة والمعلوماتية والإعلامية بما في ذلك التشهير والإساءة على الغير للقيام بأي عمل من شأنه أن يضّعف من هذا الاحتمال وتحوله إلى خطراً قاتلاً على إسرائيل والصهيونية ، فكان إشاعة إنتاج مثل هكذا فيلم مسيء للإسلام ورموزه ومقدساته وبالذات في أمريكا باعتبارها طليعة وقائدة للدول الرأسمالية المسيحية يحقق الأهداف الإستراتيجية للمخططين لهذه المؤامرة الموجه للمسيحية والإسلام معاً :
أولاً :  إن المخططين لهذه المؤامرة الدنيئة والخسيسة كانوا  يدركون ويعرفون جيداًَ طبيعة الناس المنخرطين في صفوف تيارات الإسلام السياسي وبالأخص المتشددين منهم كيف ستكون طبيعة ردود أفعالهم على مثل هذه الإساءة على الإسلام ورموزه ، وكيف ستكون انعكاساتها السلبية على أرض الواقع ضد المصالح الأمريكية والغربية على حد سواء في العالم العربي والإسلامي وبأي شكل من عدم المعقولية والمقبولية تكون في العالم المتحضر وحتى بين الشرائح والأوساط المثقفة والمعتدلة  من المسلمين أنفسهم ، لأنه ليس من المعقول أن يأخذ الإنسان بجريرة غيره كما يقول المثل ، وهذا ما حصل فعلاً في الشارع العربي والإسلامي .. كان المخططون يستهدفون من خلال هذا السلوك أن يعكسون للآخر في العالم المسيحي صورة مشوهة وبشعة للإسلام والمسلمين ولكي يقولون لهم هذا هو الإسلام الحقيقي والمسلمين كما ترونهم على حقيقتهم على أرض الواقع من خلال أفعالهم وليس من خلال أقوالهم في وسائل الأعلام ، إنهم يفعلون عكس ما يقولون ، إنهم أُناس لا يتقبلون الآخر ولا يتقبلون التعايش معه بسلام ، ولا يتقبلون قيم الحضارة والتمدن والثقافة الإنسانية ، ولا يؤمنون بقيم الديمقراطية والحرية الفردية وحرية الرأي ،  وإنهم غارقين في التخلف والهمجية لا يعرفون حلاً لمشاكلهم إلا من خلال استعمال العنف ، أي بمعنى آخر إنهم أرادوا إظهار الإسلام والمسلمين بأسوأ صورة من الهمجية والتخلف في نظر المسيحيين وغير المسيحيين من غير المسلمين في العالم  ، وهذا كان الهدف الأول المخطط له والمطلوب تحقيقه من وراء الإشاعة بوجود هكذا فيلم أو غيره من الأعمال المماثلة كما حصل في الدانيمارك قبل أكثر من سنة .. وما هو مؤسف حقاً هو أن هؤلاء الأشرار السيئين تمكنوا من صيد التيارات المتطرفة ودفعهم للقيام بما هو أسوأ على سمعة الإسلام ورموزه  ..  هذا ما تخطط له وتشرف على تنفيذه المنظمة الصهيونية وإسرائيل بغرض الإساءة على الإسلام من خلال المسلمين أنفسهم.. أنا لا أنكر الحق للمسلمين وغيرهم من التظاهر والاحتجاج على المسيئين على معتقداتهم ومقدساتهم ورموزهم الدينية بالطرق السلمية والقانونية دون اللجوء إلى العنف الذي تذهب ضحيته في الغالب أناس أبرياء ، واللجوء الى الطرق القانونية في المحاكم الدولية المختصة والمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وغيرها الكثير من المنظمات القانونية لمحاسبة المسيئين الفعلين أفراداً كانوا أم جماعات أم دول بدلاً من العنف بالشكل الذي حصل ، هذا الأسلوب هو الأجدى من غيره حسب اعتقادي المتواضع ..
ثانياً : كان المخططين لإنتاج هكذا فيلم يهدفون الى هدف إستراتيجي آخر أكبر وأهم ، ألا وهو دق الإسفين بين المسيحية والإسلام وإجهاض النتائج المتوخية من الحوار المسيحي – الإسلامي التي تؤدي بالضرورة إلى تقليص هوة الخلافات وزيادة التقارب والتفاهم المشترك بين الديانتين مستقبلاً ، ويسعون أيضاً لزيادة الأحقاد والكراهية وتعميق أسباب الفرقة والتناحر والعداء بينهما ، وذلك لإظهار اليهودية ووكيلتها على الأرض دولة إسرائيل للمسيحيين في العالم المسيحي  بأنهما الأقرب للمسيحية من الإسلام الذي يدعو للعنف وعدم قبول الآخر والتعايش معه بسلام ، وهذا بالتالي يساعد على ردم الهوة الآخذة في التوسع بين الدول المسيحية وإسرائيل بسبب سلوك الأخيرة وما تمارسه من الممارسات المنافية لحقوق الإنسان والقانون الدولي في فلسطين من جهة وتوسيع هوة العداوات والأحقاد والكراهية  بالمقابل بين المسيحيين والإسلام من جهة أخرى .. وفي ختام هذه المقالة أحب أن أذكر كل المتشددين والمتطرفين من أية ديانة كانوا بأن امريكا أو أية دولة أخرى ستكون  عاجزة عن الإتيان بسفير أو موظف بأي مستوى كان بآخر بدلاً من الذي يقتل ، لأنه من غير الممكن كما يقول المنطق العقلاني أن ينتصر من يحتكم لعواطفه على من يحتكم لعقله والحكيم تكفيه الإشارة ..