المحرر موضوع: زعماءنا لم ولن يكونوا قديسين ولا مجرمين  (زيارة 2360 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
زعماءنا لم ولن يكونوا قديسين ولا مجرمين



تيري بطرس
في النقاشات التي دارت على صفحات عنكاوا كوم، اثيرت امور باعتقادي خرجت من كونها دراسة تاريخية، الى كونها موقف ثابت لا يتغيير بمرور الزمن وان ظهرت عليه حقائق جديدة.  ان التاريخ ورجالته هم جزء من موروث الشعب، ولابناءه الحق في دراسة هذا الموروث واعطاء وجهة النظر فيه، ولايجب هنا اتهام احد لانه لم يطلع على وثائق قد لا تكون متوفرة او متداولة، وبرغم من بعض الوثائق قد تظهر حقائق جديدة، الا ان الموقف يجب ان يكون النقد والتصحيح وتبيان الاخطاء لاستخلاص الدروس، فمالك خوشابا ومالك ياقو واغابطرس وسورما ومار بنيامين شمعون وغيرهم صاروا ملك شعبهم وهم لم يعودوا ملك عشائرهم وعوائلهم، لانهم ليسوا رموزا لهذه العوائل بل رموزا لشعبهم. ان واجبنا اليوم هو الخروج من دائرة الاتهامات والاتهامات المتبادلة، وخصوصا لزعماء لم يعد بوسعهم ان يخطأوا، لانهم رحلوا عنا.
كان شعبنا ولا يزال ينقسم الى طوائف دينية متعددة وكان ينقسم الى عشائر(عشيرتي) والفلاحين العاملين في القرى تحت رحمة الاغوات الاكراد او العرب او غيرهم حسب موقعهم (رهتي) ومن عشائرنا البارزة تياري العليا وتياري السفلى وباز وديزى وكاور وتخوما وجيلو. هذان التقسيمان الطائفي والعشائري والفلاحي اثر في شعبنا كما اثر في شعوب المنطقة التي تعاني نفس مشاكلنا وقد يكون بصورة اقل وذلك لكثرة عددهم مما هيأهم للسيطرة على بعض المقدرات التي تمكنوا من استغلال حزء منها في تمتين هوية قومية اكثر وضوحا منا.
قيادات شعبنا كانت قيادات العشائر، باسثناء اغا بطرس الذي يمكن ان يقال عنه انه صنع قيادته بنفسه، الا انه ايضا كان من ابناء العشائر، وبالتالي ان قولنا ان قيادتنا كانت عشائرية كمكون وحتى كتفكير وانتماء لا يتنافي مع الحقيقة ابدا. لانهم كانوا ابناء بيئتهم ولا يمكن لومهم على ذلك، لا بل ان القيم العشائرية كانت مطلبا ومقياسا للقوة والرجولة والكرامة وحتى ابناء شعبنا من الرهتى كانت تحاول التمثل برجال العشائر في مواقف معينة كالثار مثلا.
الحركة القومية، هي حركة سياسية ثقافية اجتماعية، وهي حركة عابرة للعشائرية، تعتبر العشيرة والقيم العشائرية معيقات تقف في وجه تطور حركة قومية سليمة ومعاصرة. كررنا مرارا اننا استوردنا الحركة القومية كاطار لعملنا القومي، ولكن لم تكن حالة مختلقة عندنا نتيجة تراكمات ثقافية واقتصادية وقانونية، استوردنا نموذجا ناجحا في اوربا، كان نتاج حركة اقتصادية واجتماعية وثقافية محددة ومستمرة لاكثر من ثلاثة قرون، ونحن والعرب والكورد والارمن والترك اخذنا هذا النموذج دون ان نمر بالمراحل التي مرت بها في اوربا. وبالتالي كان علينا ان نخلق اطار قومي يشعر الجميع حقا بالانتماء اليه وينمي لديهم الامان والتطلع للمستقبل الزاهر. الحركة القومية وعدت بذلك، ولكن النتائج كانت مخيبة للامال. العشيرة واستمرارها ليست معيقة لحركة قومية ناشئة بل هي معيقة للدولة الوطنية ايضا، المؤسسة التي بنيت على مقياس حركة قومية او وطنية عابر للعشائر ولا يمكنها بالحقيقة التعايش مع القيم العشائرية. والمفارقة الكبيرة في شعبنا ان تقسيماته العشائرية والفخر بها لا تزال متداولة رغم ان ابناء العشائر لا يمارسون اي من قيمها ولا يعيشون بيئتها، ولهذا دلالة كبرى وهي تعني فشل الحركة القومية في ان تكون البديل للعشائرية، والامر الثاني ان الشخص العشائري وغيره لا يزال مفتقدا للامان ولمستقبل مطمئن، بالرغم من انخراط الكثير من ابناء شعبنا في اطار الحركة القومية من خلال الاحزاب او المؤسسات الثقافية والخيرية والاجتماعية وغيرها.
اذا كانت لدينا قيادات عشائرية تقود حركة بمطالب قومية، وهو امر صعب جدا ان يحقق نتائج، ولكن الواقع كان كذلك فان القوة كانت بيد هذه القيادات، وبيد الكنيسة الشرقية التي كانت كل العشائر السبعة تنضوي فيها او تاتمر وتعترف بقيادة المارشمعون لها، وهو نظام ولد نتيجة  لاوضاع شعبنا، وكان نظاما ناجحا لانه ولد من الحاجة اليه، فتمكنت العشار من المقاومة به لاكثر من ثلاثة قرون، الا ان هذا النظام كان بحاجة الى تجديد وتطوير يلائم التغييرات التي حدثت في المنطقة. ومنها محاولة السلطنة العثمانية فرض سطوتها على الجميع. فالعشائر التي كان يمكنها مجابهة العشائر الكوردية، لم يعد بامكانها مجابهة هذه العشائر المدعومة من السلطنة، ان رغبة السلطنة في توسيع رقعة سيطرتها الداخلية وخصوصا الممالك الشبه المستقلة مثل العشائر السبعة، ترافقت مع فقدان هذه السلطنة لمناطق واسعة في اوربا نتيجة لثورات هذه البلدان الاستقلالية، ومن هنا كان هناك ميل ليس لتوسيع رقعة دافعي الضرائب، بل الميل للانتقام من المكون الديني المماثل للذي حقق انتصارات في ساحات اخرى.ان سرعة التطورات وانعزال العشائر السبعة عن العالم جعلت من الصعوبة عليها هضم التطورات الحديثة سواء على المستوى الافكار او العلوم او الادارة.ولذا فقد بقت على نظامها القديم.
اما القوميين المثقفين والغير المنتمين للعشائر وكان اغلبهم اما من منطقة اورمية او جورجيا او طورعابدين فهم كانوا يمتلكون القلم والثقافة الحديثة ولكنهم لم يمتلكوا القوة، والحال كان يتطلب القوة وتجييش الناس. ولذا فان انخراط الماربنيامين شمعون في الحركة القومية منحها تلك القوة، التي كانت بحاجة لها، لتحقيق امال الامة في الاستقلا ل الذاتي. وهذا يشبه ما حدث للحركة القومية الكوردية، بقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حيث تم منح قيادة الحزب للملا مصطفى البارازاني القائد العشائري والذي كان يمتلك ماضيا نضاليا، لكي يمنح مصادقية اكبر لحركة المثقفين الكورد، المنادية بالمطالب القومية الكوردية ولكي يمدهم برجال العشائر المسلحة.
يقال ان للنصر الف اب، ولكن عند الهزيمة الكل يتنصل منها، وعندما انهزمنا في اورميا، تحت ضربات قوات السلطنة العثمانية، كل حاول وضع المسؤولية على عاتق الاخرين، وكانت العائلة الشمعونية اكثر ممن تحمل وزر الاتهام، بحجة انها هربت وتركت الناس في مازق، ولكن في الحقيقة ان هذه العائلة كانت بلا قائد حقيقي، فحتى سورما خانم لم يكن لها تلك القوة او الدراية للتصرف في مثل هذه الحالات، حالات العدو يطوق المدينة والقادة العسكريين بعيدن عن الناس، فهرب الناس من الموت المحقق لينقذوا ما يمكنهم انقاذه.
في مقالة سابقة تطرقت الى ان اتهام مالك خوشابا بالعمالة امر غير صحيح، واتذكر انني قلت لاحد اصدقائي عام 1985 انه لو كنا كلنا توحدنا خلف مالك خوشابا لكان مصيرنا افضل، ولكن عين الامر لو كنا كلنا توحدنا خلف العائلة الشمعونية، ان اكثرما اضرنا في الحقيقة انقسامنا، ليس الى رايين فيهما اختلاف ولكنهما سيمارسان عين الشئ عند احتدام الامور، بل الى فريقين متعاديين، وان لم ينشب بينهم قتال ولكن الاخر من كان يتربص بشعبنا استفاد كثيرا من هذا العداء.
من الممارسات العشائرية الاعتزاز بالراي والتعصب له واحيانا التضحية بكل شئ من اجل اظهار الفرادة والتمييز، وهذه حالة او ممارسة عشائرية، ولكن في العمل القومي يتم وضع مصلحة الامة فوق كل شئ، ومصلحة الامة هي ما يتفق  بشأنه، ولكن ما حدث ان البريطانيين والفرنسيين ارادوا الاستفادة القصوى من شعبنا في تحقيق مصالح معينة، فمقابل ما وعدت بريطانيا شعبنا به وخصوصا قبل واثناء الحرب العالمية الاولى وحتى قبول العراق في الامم المتحدة، كانت فرنسا ايضا تحاول ان يكون لها نصيب من جهد شعبنا لترسيخ سلطتها في الجزيرة وبعض مناطق حنوب تركيا من خلال وعودها لبعض رؤساء الاشوريين مثل مالك قمبر. في مؤتمر ريشا داميديا (سري اميدي) اتفق القادة مجتمعين على مطالب معينة وكان الموقعون عليها كل من (المار شمعون ايشا، المطران يوسف خنانيشو، الاسقف زيا سركيس، الاسقف يوالاها، ملك خوشابا ملك يوسف، ملك زيا ملك شمزدين، ياقو ملك اسماعيل، ملك خنانو التخومي، زادوق بيت مار شمعون) ولم يكن بينهم سورما خانم وان كانت تعتبر المستشارة الخاصة لمار شمعون وموجهته، بعد تقديم المطالب انقسم القادة، وكانت النتائج مأساوية، والتي يعلم بها الكل. وفي مثل هذه الحالة الكل يحاول التنصل، والبعض اتهم العائلة الشمعونية بانها عميلة الاستعمار والانكليز، سيرة على ما تم بثه من قبل الحكومة العراقية التي كان لها في كل وزارة مستشار بريطاني، لا يقرر الوزير الا بعد اخذ رايه. ان العائلة الشمعونية كونها قائدة ووريثة ما بنيامين شمعون، وحافظة النظام الموروث والذي لم يتم  تغييره بعد، كانت تمثل هذا الطرف من شعبنا الذي اعلن ثورته من اجل مطالبه القومية، وتحالف مع اطراف دولية، وكان هذا كله بعلم جميع قادة شعبنا وقادة عشائره، وبالتالي فان اتصال العائلة بالحلفاء واخذ مشورتهم على الاقل من كان يتعاطف منهم مع قضايا شعبنا، كان امرا حتميا، لكن الخطاء هو ان الاتصالات لم تكن بصورة معلومة بالتفاصيل للجميع، ان قيادة شعبنا لم تكن على ادراك تام لدور اقامة مؤسسة حقيقية تضم كل القادة لكي يتم فيها اتخاذ القرارات. والاخرين اتهموا مالك خوشابة بالعمالة للنظام العراقي رد على اتهام العائلة الشمعونية وسورما تحديدا، والنتيجة دفع شعبنا الثمن الكبير، ليس باستشهاد الالاف من ابناءه وما يترتب عليه ذلك من الناحية الديمغرافية حينذاك وترتب عليه الان ايضا، بل من الناحية  السياسية حيث شل الرعب شعبنا لسنوات عن المطالبة السياسية، ناهيك عن ازدياد تقسيم شعبنا الى اجزاء جديدة. وهذه الحالة وهذا الدرس نعيشه بامتياز منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ولحد الان، حيث ان انقسام قوانا السياسية حزبيا وطائفيا وتاثيرات العشائرية، دفع ثمنها شعبنا من ابناءه المهاجرين وتقلص حجمه ديمغرافيا وتهميشه سياسيا. التوصيف يكون دائما اسهل من العلاج، ولكن من واجبنا وصف وتحليل الاحداث كل من وجهة نظره لكي يمكننا ان نتعض وان نتوقف من الوقوف مواقف ثابتة وحدية ولا تقبل النقاش. من الملاحظ ان عدم قدرة قادتنا حينذاك واليوم ايضا من معرفة ما يدور في اروقة السياسة الدولية وحتى الوطنية، يمنعهم من اتخاذ القرارات الصحيحة. احداث سميل كانت ضرورية لتحقيق طموحات بعض القادة العراقيين من الذين رضعوا الثقافة العثمانية، والتي كانت ترى  في المطالب الاشورية انقلاب تاريخي على مفهوم اهل الذمة، الذي وان لم يكن في القانون العراقي الا انه كان في ذهنية بعض القادة السياسين والعسكريين العراقيين. فالحكومة كانت قد اتخذت اجراءات محددة لاضعاف الاشوريين، ومنها حجز مار شمعون في جمعية الشبان المسيحيين ومنها مطالبته بالتوقيع والموافقة على الاسكان كما ارادت الحكومة ودون ان يعرف ابعاده. هذه الحكومة لم تكن تعلم ما هي مشاعر ومخاوف المارشمعون وهو وشعبه خارج من مذابح كبيرة قلصت نصف عدد اتباعه ومن ابناء شعبه من الكنائس الاخرى. ان الخيارات قد تكون خاطئة لفترة قصيرة ولكنها قد تكون على المدى البعيد صحيحة والعكس ايضا صحيح، فخيارات قادتنا كلهم ثبت انها كانت خاطئة لانها ادت الى ضعف الشعب ولم تؤدي الى تقويته  (قوة القرار السياسي والاقتصادي والعسكري). فالعراق الذي اعتقده مالك خوشابا الملاذ الاخير لشعبنا وعلينا القبول بما يراه قادته، لم نتمكن من العيش فيه بحرية وامان منذ تاسيسه، فكنا نحن ضحايا الخلافات السياسية وضحايا الخلاف الكوردي العربي الذي جعلنا نخسر قرنا وممتلكاتنا في مناطق دهوك ومناطق اخرى من اربيل، ونحن ام نكن جزء من الصراع.
ان الارتقاء بمفهوم الانتماء القومي وبناء مؤسسات تقرر قوميا بعد دراسة وفهم لابعاد كل قرار، هو درس يمكن استخلاصه من تجربة خلاف قادتنا السياسين منذ ما بعد الحرب العالمية الاولى ولحد الا ن. ان كل قائد من قادة شعبنا كانت له مصادره التي يعتمد عليها، سواء كانت هذه المصادر انكليزية او فرنسية او عربية او امريكية، ولكن لم يتم يوما وضع ما تزوده هذه المصادر في دائرة نقاش جماعية وكل يعطي ما لديه من المعلومات، اي ان انقطاع التواصل وعدم الثقة هي علة من عللنا المستمرة، والتي لا نزال نعيشها، فكل قائد من قادتنا يعيش في برجه العاجي وهو يعتقد بانه يمتلك الحقيقة الكاملة، ولا يريد ان يزود الاخرين بها خشية من ضياع النصيب من الكعكة او خشية من مشارك الاخرين في النصر .   
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ