المحرر موضوع: من موروثنا الشعبي اِزَلْتا لكَلا  (زيارة 793 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بدران امـرايا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1003
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من موروثنا الشعبي
اِزَلْتا لكَلا
         
بدران امرايا
تعتبر الحياة القروية حياة بسيطة المعالم والممارسات فيها يكمن النقاء والصفاء وجمال الطبيعة والكرم الجود الرجولة , وهي حياة ليست معقدة التركيب بل يتغلب عليها طابع البساطة, لأسباب غنية عن الذكر , ففي أجواء معالمها الطبيعية  يكمن سر الإبداع و تفجير المواهب الخلاقة عند الإنسان وفي كل مجالات الحياة ,هذا من جانب والجانب الآخر لهذه الحياة له ضريبته الكبيرة وخاصة أيام الزمان في القرى ,وليس في وقتنا الحاضر فان القرى أضحت كالمدن تحضرا بفضل ثورة التكنولوجيا والمواصلات وما إلى ذلك. .
ففي القرى كانت هناك الكثير من المهام يجب إنهائها في وقتها المناسب قبل أن يذهب أوانها , وقد تناولنا الكثير منها في حلقات سابقة , وهنا سوف أتطرق لمهمة كان يجب القيام بها في نهاية الربيع وبداية الصيف وهي ( ازلتا لكَلا)  وهي مصطلح سرياني مركب معناه الذهاب للحشيش , والحشيش هنا ليس المخدر وما إلى ذلك طبعا , بل هو الحشيش الذي ينمو من تلقاء نفسه في الربيع في السهول والجبال والوديان  والمروج من أنواع الحشيش ( نَفَل, بَيجرا, كَليا, كَربَشا كِّزر , كَلَن دوري, وغيره ) فكان أهلنا يكدسون الحشيش اليابس لماشيتهم في فصل الشتاء , ففي نهاية الربيع وبعد أن يكتمل نمو الحشيش (ماطي كَلا )كان الشبان يشدون الرحال بحميرهم وحبالهم ومناجلهم أو يأخذون ( خركَا ) ويقصدون أماكن الحشيش فيربطون دوابهم لدى الوصول ثم يشرعون بـ (خزدتا ) بحصد الحشيش بمناجلهم البتارة , وكانت هناك طريقتين للحصاد الأولى مسك حزمة الحشيش باليد اليسرى وإمرار المنجل باليد اليمنى على أسفل                                                                                                                       حزمة الحشيش وقطعه بسحب المنجل ووضعه جانبا وهكذا دواليك هذه إذا كانت الأرض محجره  بها حجارة  , والطريقة الثانية هي ( كَريتا, كَرعتا ) أي الحلاقة وذلك بإمرار المنجل على أسفل الحشيش على شكل ضربات وباليد اليسرى قلب الحشيش المحصود وهكذا  يتجمع الحشيش بحلاقة مساحة كبيرة أذا كانت الأرض خالية من الحجارة التي تدمر حافة المنجل الحاد عند الضرب  .
.ثم جمع الحشيش على شكل كومة ( قوخا) ,وبعد التيقن بان الحشيش كافي لحمل الحمار ثم مساعدة الأصدقاء في الحصاد ولدى الحصاد كان يصادف وجود ( خوواوي )الأفاعي ( عقروي ) العقارب أو أعشاش الطيور فيها بيض أو الفراخ الصغيرة العمياء الحمراء ( بَرخي ملوخي ) أي الفراخ المالحة ,وكم من شخص لدغته الأفاعي والعقارب خلال عملية الحصاد .
 وأحيانا كان الأفعى يرفع رأسه ويقوم على ذنبه استعدادا للقفز ولدغة خاطفة فكان الشخص يسبقه بإمرار المنجل الحاد على رأسه وفصله عن جسمه ثم سحق رأسه, وأحيانا كانت الافاعى تختبئ في كومة الحشيش وتنقل إلى البيت دون أن ينتبهوا لها , وذات مرة كانت الخالة  (سور – ساره )  تحمل ( بَرزونا) على ظهرها وهو قماش منسوج من شعر الماعز ( صيرا , صَعرا ) وهو على شكل جيب كبير  مثلث الشكل  يوضع على الظهر وله حزامين طويلين يمرران من فوق الكتفان ويعقدان وسط صدر المرأة ويستعمل لحمل أشياء كثيرة من الأطفال وغيرها وكان يزركش ويزخرف بنقوش متنوعة , فكان حمل الخالة ( سور) محشو بالحشيش فجأة ظهر أفعى كبير من بين حشيش الحمل فالمسكينة  لا تراه لأنه خلف رأسها فكانت رفيقاتها تصرخن بكل قوة ( سرو سرو خوي خوي !!) أي ساره ساره أفعى أفعى !! ففي الحال حلت عقدتي الرباطين ورمت (البَرزونا) عن ظهرها بسرعة البرق وابتعدت عنه  حمدا لله على سلامة الخالة ( سَرو).
بعد الانتهاء من الحصاد , يبنى الحمل ( طينا , طعينا ) بإمرار الحبل ذات العقدتين في الوسط على الأرض بشكل ثنائي ثم حمل رزم الحشيش المحصود ووضعها على الحبل وجعله كومتين كبيرتين أو كفتين متساويتين تقريبا ثم إمرار راسي الحبلين فوق الكومة الأولى وإمرارهما تحت نفسي الحبلين وسط الكومتين ثم فوق الكومة الثانية وإدخال راسي الحبلين في الحلقتين ( قلبكياثا) وشد الحبلين بكل قوة بحث تتكبس كومتي الحشيش وعقد راسي الحبلين هناك.
ثم اقتياد الحمار قرب كفتي الحمل وحملهما ووضعهما على ظهر الحمار وإرخاء الحبلين بحيث تستقران الكفتين على الظهر لكن دون إن تؤثر على حركة أطراف الدابة وتحد من حركتها . بعدها حمل حزمات الحشيش ووضعها على الكفتين وبشكل متساو, وبعد إنهاء الحشيش ,إمرار الحبل الأخر ذات الحلقة من فوق الحمل وسحب رأس الحبل من تحت بطن الحمار وإمرار الحبل في تلك الحلقة وشده ومراه ثانية وشده بكل قوة , بعدها إمرار المنجل تحت الحبل وسحبها وتدوير المنجل بحيث يلتف الحبل عليها ويشد الحمل أكثر فأكثر. وبعد انتهاء كل الأصدقاء ينطلقون نحو القرية وأحيانا يركبون على حمل  الدابة الناعم  ويشرعون بأكل ( كليي ) وهي  أنواع من البازاليا الطبيعية البرية منها (كليي دجيرجير) عند احتكاكها بالبعض تصدر صوت ( جيير )( وكليي ددَربو, وكليي دخوي) الأفعى (وكليي دجويكي) العصافير الصغيرة واكل ( كلَن دَوري ) وما أكثر من خيرات الطبيعة عند الربيع. وأحيانا يوضع الحشيش القصير في كفتي (الخركَا ) ويحشو بقوة ويوضع  (الخركًا ) على ظهر الحمار ويبنى الحشيش على فوهة (الخركًا )وينطلقون نحو القرية يُغنونَ ويزمرونَ.
 وعند الوصول كان الحمل ينزل ثم  يرمى الحشيش على سطح البيت ويسطح هناك تحت الشمس لكي يجف الحشيش وبعد يومين أو ثلاثة يقلب الحشيش إلى الجانب الآخر لكي يجف تماما ثم يبنى على شكل ( كوَشتا ) بناء مخروطي الشكل ويترك هناك إلى انتهاء الصيف ثم ينزل ويوضع في الحظيرة قبل أن تمطر عليه الدنيا ويتلف ( سابس , بَكي )أو لف الحشيش وجعله أحزمة طويلة تسمى ( بَتيلي) ووضعها تحت الشمس . وتقديمها للماشية في الشتاء حيث الثلج والقحط. ومؤخرا يستخدم ( تربانا ) لحصاد الحشيش وهو منجل كبير وله يد خشبية طويلة تصل لحد المترين فيستخدمه الشخص وهو واقفا دون أن يؤثر العمل سلبا على ظهره فضلاً عن السرعة في الانجاز لكن بشرط أن يكون  سطح الأرض خاليا من الحجارة ومستوي . فهذا كان احد إشغال أهلنا في القرى , ولم تكن الحياة سهله بل حافلة بالمهام لكنها كانت ممتعة في نفس الوقت فتعاون بينهم كان يجعل كل شيء هَين , فكان لهم مثل يشحذ هممهم ( شولا ايلي اخ اريا ,بس ايمَن دِدارت ايذا الِه كي بائش اخ تَعلاَ ) أي العمل يبدو للوهلة الأولى صعبا  كمواجهة  حيوان الأسد ولكن حالَ الشروع به يصبح كالثعلب الجبان يهزم بسرعة. أي هو شعور نفسي يزودهم بشحنة الصبر والقوة في مواجهة أشغال الحياة . تودي غَلَبَا ..

Badran_omraia@yahoo.com