المحرر موضوع: جرائم النظام البعثي في سوريا و سكوت الآلهة!  (زيارة 754 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامان سوراني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 294
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
جرائم النظام البعثي في سوريا و سكوت الآلهة!

من المعلوم أن الحرية ليست سوی بحث عن القيم و سعي وراء الممكنات و جهد متواصل من أجل العمل علی تحقيقها. فهي تعبّر عن قدرة المرء علی العودة الی ينبوع نشاطه والرجوع الی مصدر فاعليته، وهذا الينبوع هو مصدر كل شيء، لأنه أصل كل ما في الوجود. الحرية ‌هي الأصل في نشأة المجتمع و لا يمكن أن يقوم المجتمع إلا علی أساس الحرية.
فمع ولادة "البعث" في أربعينيات القرن الماضي بدأ المأزق الحضاري بعناوينه و نسخه في سوريا و بدأت طريقة التعاطي مع الحقوق والحريات تبنی علی شعارات تراجعية مستهلكة كالتحرير والمقاومة و الممانعة و تبطن برفض المفاهيم و النظم، التي كان من السهل إستثمارها في أعمال التحديث و الإنماء أو تجسيدها في إحترام الحقوق وإطلاق حريات التفکير والتعبير و التنظيم.
الدولة الشمولية في سوريا، التي تحولت بساديتها و فاشيتها الی كابوس يجثم علی العقول والأجساد، لم تقم في يوم من الأيام بتسليط الضوء علی الآفات والأخطاء بل إستخدمت فنون التمويه والشعوذة لتحويل الكوارث والهزائم الی نصر و بطولات و قاعدة التستر علی الأخطاء والمساویء، لكي تفعل فعلها بصورة مضاعفة فساداً و إستبداداً.
واليوم يشغل النظام الاستخباري الاستبدادي العنصري الدموي في سوريا بتعتيم شامل و إصرار سلطوي أبشع الآلات الجهنمية التطهيرية ليحصد كل يوم أرواح المئات من المدنيين. نحن لا نری أي تراجع عن الإستمرار في جرائمه و إقترافه المحظور والمجتمع الدولي والشعوب الحية والحرة والضمائر الإنسانية لا تتحرك لإيقاف الهجمات الجوية والميدانية و الممارسات اللاإنسانية من قبل هذا النظام الطاغي، الذي يعيش تداعيات النهاية الحتمية، ضد الشعب الحر المنتفض، الذي يراهن على العالم لنصرته، وتخليصه منه‌.
نحن اليوم إزاء ثورة عابرة في سوريا متحررة الی حدّ ما من القوالب الإيديولوجية التي تختزل الحياة و تستعبد الشعوب لكي تصادر الحريات و تُفقر المجتمعات، فلا مجال بعد للتصورات الفردوسية والطوباوية والخلاصية و لا مكان للنماذج التي تدّعي تقمص دور الزعيم الأوحد والقائد الملهم والبطل المنقذ فيها. 
وهناك دول أقليمية إنتهازية المشرب و شوفينية المطلب تدعم هذا النظام الشمولي و تنسی بأنها سوف تكون في يوم من الأيام مسئولة أمام التاريخ أو تمر بنفس المرحلة، التي يمر به النظام السوري اليوم.
و نظن بأن سرّ سكوت الآلهة الغربية التي تحكم اليوم بمصائر العالم علی كل هذه المجازر الوحشية تكمن في أن لا يقرر الشعب السوري مصيره، ويختار نظاماً يمثله. والدول ذات الفيتو كالصين وروسيا، التي تخادع الشعب السوري بشعارات مستهلكة و تساند النظام، الذي فقد المصداقية والمشروعية بسبب أعماله البربرية، يضعون منافعهم الإقتصادية و أطماعهم الطفيلية فوق أرواح الضحايا والأبرياء. هذه الدول منشغلة اليوم بالتنافس حول الامتيازات الممكنة بعد سقوط النظام الفاسد، الذي كان يرعى مصالحها بشكل أو بآخر.
نحن نعرف بأن للثورات أبعادها الطوباوية أيضاً، لكن أملنا أن تستثمر طاقات هذه الثورة علی نحو إيجابي لصياغة العلاقات بين المكونات في مناخات الإعتراف المتبادل و التلاقح والتعاون، بصورة تتيح للخصوصيات أن تتجلی علی سبيل النفع المتبادل وأن لا تأكل هذه الثورة بالذات أبناءها و لا تسعی في إنتاج أشكال جديدة من العبودية ولا تتحول الی مجرد ثورة دينية إرتدادية تعمل بمنطق الإرهاب و تهتم بقولبة العقول و تعبئة الحشود و تخلق أعداء للمواجهة و المحاربة والإستئصال و تحول العمل الديني من أفيون مخدر الی فيروس قاتل يفتك بالمجتمعات السورية لتجعل من الهوية فخ و عصاب و مأزق.
الرهان، هو أن لا يكون إسقاط النظام مسيرة نحو الأسوء والأخطر لتزداد الإنتهاكات و الإساءات و تقطع جسور التواصل و تسمم نظام التعايش بين الكيانات المختلفة في سوريا وتبرز استراتيجيات الرفض المتبادل و تسود لغة العداء، بل تجاوز التقسيمات الحاسمة والنهائية، لصنع قوی هادئة، مدنية، تواصلية و بناءة.
و ختاماً: إن الدولة الكلانية تسحق الفرد دوماً و تبتلع المجتمع المدني و مؤسساته و واقع التاريخ يقول بأن لكل ظالم و مستبد نهاية و لا شك في أن عصر الدکتاتورية الأسود في سوريا قد ينقضى ولا يكون هناك مجال للعودة الى الوراء مطلقاً.
الدكتور سامان سوراني