المحرر موضوع: من موروثنا الشعبي طريتا دبُقّرا  (زيارة 786 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بدران امـرايا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1003
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من موروثنا الشعبي
طريتا دبُقّرا   
                                   
  بدران امرايا
  ليس من شك إن حياة القرية حياة حافلة بالنشاط والممارسات اليومية العديدة ,وكون طبيعة القرى تتطلب تربية الحيوانات المختلفة للاستفادة منها للعمل أو لمنتجاتها الكثيرة ,إلى جانب إطلاق تلك الحيوانات  إلى المراعي عند عدم استخدامها اليومي وتسمى هذه الظاهرة ( بقرا ) وهنا سوف نتطرق إلى إحدى تلك الظواهر القروية .
طريتا أو مربَيتا  دبقرا اسم سرياني مُركب معناه إطلاق البُقرا والبُقرا مَعناهُ حصراً البقر , وهنا إنها تعني القطيع الذي يضمُ الأبقار, الحَمير ,الخيول, البغال , الجحوش. وهي ظاهرة تمارسُ ولحد الآن في القرى عند الصباح ويختلف التوقيت من فصل لأخر , فكان أهالي القرى يملكون عدد كبير من الأبقار ( تَوراتا )وحسب غنى كل بيت فكانت لأغراض كثيرة منها اللحوم ومشتقات الحليب العديدة , والجلد كان يدبغ ويستعمل لغرض تخزين الحبوب ( بردي ) ويسمى ( مزيدا- زميدا) أو لصناعة ( كالكي)الحذاء المحلي الصنُع أو يباعُ إلى تُجار متجولين أو لـ (لقراجايي ) لصناعة الطبول ( دَولا ) , أما الثيران فكانت تستخدم للحراثة ( بدانا , بعدانا ) لجر المحراث الخشبي ( اقولتا – عقولتا )أو لـ (دوارا ) أي لهرس سيقان الحنطة والشعير والعدس وغيرها في بيادر الخير والبركة , بالإضافة إلى الدواب من الحمير ( خماري ) والبغال ( كََودني ) والخيول ( سوسي ) .

 ففي الصباح كان صاحب البيت أو السيدة تقوم بالدخول إلى ( كََوما) الحظيرة وتفرغ ( اوري ) من مخلفات التبن الخشن العقد (قطرا) وجلب تنكه من التبانة ( بيث توّني ) وإفراغها في المعلف ووضع كمية من الشعير عليه وخلطه فتتغذى عليه البقر وغيرها من الحيوانات واملآ آنية الماء لتشرب منها , وبعد حوالي نصف ساعة , فيؤتى بعجل البقر الصغير ويقرب من أمهِ فيرضع بعض الشيء ثم يُبعد عن الأم فتسمى هذه العملية ( ممرجتا) أي لكي تترك البقرة حليبها , ومن عادة البقرة عند الحلب فإنها لا تترك حليبها لذا كان يُجلب العجل فيرضعُ فتترك الحليب له , وكانت سيدة البيت تحلبها عندئذ,  وبعدها تترك كمية من الحليب للعجل الصغير , ثم يترك العجل بحريته ليرضعَ وبعد أن ينفذَ الحليب  من ( كَوهانا ) تبعده عنها , عندئذ يبعد العجل عن ألام نهائيا, ويفك حبل الربط ( كابكا) من يد البقر وعادة يسمى الزوج الأمامي من أطراف البقر باليدان  والزوج الخلفي الرجلان , عندئذ كانت البقرة تعرف طريقها نحو ( البُقرا)  أو أحياناً لا تترك عجلها بيسر فيقودها الصاحب أو الزوجة إلى مكان غالبا ما يكون وسط القرية قريب من الكل فيسمى ( جمعتا دبقرا ) أي تجمع القطيع ,وكان الطريق نحو تلك الساحة محكاً للقاء الرجال أو السيدات وتناول آخر الأخبار الصباحية المحلية وغيرها .

 وبعد تجمع (البُقرا ) القطيع كان الراعي ( بقارا ) يتشرف ويسلم على الحاضرين , ومن الناس من كان يوصي الراعي بإشراف بَقَرتهِ على الولادة وان ينتبه لها , بعدها كانوا يحركون القطيع من مكان التجمع ويساعدون الراعي في اجتياز ( زياني) البساتين والحقول المجاورة للقرية لكي لا ترعاها البُقرا فكان الراعي وحده لا يسيطر على البُقرا لوحدهُ وعند اجتياز تلك المناطق كان أصحاب الأبقار يرجعون لبيوتهم مثل الجيش المنكسر( كَيسا  تويرا ) أي لا يرجعون معا بشكل منظم , أما الراعي فيشقُ طريقهُ نحو المراعي السهلية والجبلية والوديان , ولدى ولادة أية بقرة كان الراعي يشرف عليها فيقوم بمساعدة العجل على الرضاعة ووضع كمية من الملح على جسمه فتقوم الأم بأكل الملح بإمرار لسانها على جسم العجل الذي يسمى بالسريانية  عند الولادة بـ ( موجا ) أي الرضيع, وتمشيطه بلسانها وقبوله أن يرضعها  وتسمى هذه العملية ( رخمتا ) بالسريانية أي الرحمة وبعدان يكبر العجل  ويجتاز السنة يسمى ( شرخا  او لولا) أي المرهق بالسريانية وبعد أن يجتاز السنتين يسمى ( تورا) أي الثور .
 ويقال للشخص الكريم ( ايلي تورا ونورا كيبي خا )  أي عنده يتساوى الثور والمرآة  فشتان بين قيمة الشيئين أو يقال ( يولي تورا بنورا ) أي ضحى بالثور من اجل المرآة أي للتاجر الذي على موعد دائم مع الخسارة  , ( فيدا دبقارا ركّوتا لخماري ) أي فائدة الراعي هو فقط ركوب الحمير, ففي إحدى قرانا كان هناك راعي للبقر ( بقارا ) وذات مرة قال احد أبنائه الصغار والذي كان يتلهف للذهاب مع قطيع( البُقرا ) متى ستأخذني معك فكان يقول لم يحن الوقت بعد وبعد إلحاح كبير ذات صباح أخذه معه. وكان هدف الابن فقط ركوب الحمير فقط لان في القطيع عدد كبير من الحمير والأحصنة والبغال والجحوش . إلى جانب البحث عن أعشاش الطيور المختلفة . ومنذ الصباح ألحّ على الوالد بان يسمح له بالركوب على ظهر الحمار ( بابي ايمن بد ركون؟ ) أبي متى سأركب ؟ فكان الوالد يقول له ( سي مدريّ انيهي توراتا  وبد ركّوت ) أي ارجّعْ تلك الأبقار الخارجة عن السرب وبعدها ستركب!! وكان الولد يذهب بسرعة البرق ويفعل ذلك  على  أمل أن يركب وهكذا كان الأب يتماطل على  الولد  باستمرار منذ الصباح  والى حد المساء فتعب الولد إلى حَدّ الإرهاق  وعند الإياب للقرية تغاضى الولد عن طلبهِ ونساهُ من شِدة المَلل , فقال الوالد يا ( و) إلا  تركب الآن ؟ فرد على والدهُ ( والله بابي جو خا لا بريطالي يمّي إلا أتّي ) أي والله يا أبي لا احد مزق أمي إلا أنت , أي على غرار لم يدمرني احد إلا أنت !! وكان (البقارا) الراعي عادة  يرمز إلى الفقر في القرى ( ايلي بقارا دماثا ) أي انه راعي البقر نكاية بمكانة الشخص الاجتماعية . وكانت العادة أي يستلم الراعي أجره كل ستة أشهر فقد وحسب عدد رؤوس الحيوانات الموجودة في القطيع , وكان يقال في القرى ( ليبُخ كربتْ من طلا ناشيّ  بقارا ومَلبانا وقاشا ) أي ليس بإمكانك مخاصمة  ثلاثة أشخاص وهم  الراعي والمعلم والقس ) لأنه ليس بالإمكان الاستغناء عن خدماتهم  .

 وكان لهذا الراعي صديقه الحميم وهو حماره( خمارا درعيا) الذي كان يحمل أمتعته الكثيرة من المأكل والملبس ويحمل العجول المولودة حديثا . وعند المساء لدى إياب (البُقرا ) إلى القرية كان عدد من أصحاب القطيع يأتون لمساعدة الراعي لإدخال القطيع إلى القرية , وكان صاحب البقرة المولودة يعطي هدية إلى الراعي بمناسبة ولادة بقرتهِ وتسمى  تلك الهدية ( خَليتا ) أي الخلوة .. تودي ساكَي ..

Badran_omraia@yahoo.com