المحرر موضوع: مسيحيو العراق مقال لنصيف الجبوري في جريدة الزمان.. الكنائس تحولت الى شبه ثكنة عسكرية  (زيارة 627 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عيون اخبارية

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 823
    • مشاهدة الملف الشخصي
مسيحيو العراق ـ نصيف الجبوري

 – November 6, 2012

مسيحيو العراق ـ نصيف الجبوري
يعرف العالم أجمع بأن المسيحيين العراقيين يشكلون مع غيرهم اصل العراق وجذوره الممتدة في اعماق التاريخ. فقد أسسوا هذا البلد مع الاخرين وعاشوا في ظل خيراته ذاقوا حلاوته مثلما ذاقوا مآسيه منذ عهود ساحقة حتى يوم الاحتلال الامريكي لهذا البلد عام 2003. من جانب آخر فقد عشق النظام السابق الحروب والمغامرات وادخل هذا البلد في نفق مظلم منذ عام 1980 حيث حرب السنوات الثماني مع ايران ومن ثم مغامرته في غزو الكويت عام 1990 وتداعياتها أثر حرب التحالف الدولي ضد العراق عام 1991 وما اعقبته من حصار ظالم فرضته الولايات المتحدة الامريكية والنظام البائد على العراق. لقد دفع مجموع الشعب العراقي بما فيه المسيحيون ثمنا باهظا من جوع ومرض وموت في حينها كان الضمير الانساني في اجازة. ثم جاءت الطامة الكبرى عام 2003 عندما غزت امريكا وبريطانيا بلاد الرافدين.
الغزو البربري الامريكي للعراق عام 2003 قد انتهك كل الحرمات فدمر البلاد وقتل العباد فقنابله المحرمة دوليا والتي استخدمها على نطاق واسع ضد عموم العراقيين لم تميز بين مسلم ومسيحي. كما ان الحرب الطائفية التي اعقبت الاحتلال لم تستثن احداً بمن فيهم المسيحيون خصوصا في بغداد والموصل.
يمثل المسيحيون حسب احصاء عام 2005 حوالي 2 بالمائة من مجموع الشعب العراقي الذي يبلغ تعداده اليوم حوالي 33 مليون نسمة. انهم يعيشون منذ فترات طويلة في المدن الكبرى كبغداد والبصرة والموصل وكركوك وبقية المدن الاخرى كاربيل والحلة وغيرها.
بدأت مأساة المسيحيين تتفاقم شأنهم شأن المسلمين منذ عام 2003 حال وصول طلائع جيش الغزو الامريكي الذي هدم الاسس البنيوية للعراق كدولة. اذ خلق نظاماً جديداً لا يرتضيه لنفسه، نظام سياسي واقتصادي وعسكري تعود اصول بنائه الى القرون الوسطى حينما كان نظام الطوائف والأعراق هو السائد. هذا النظام او بالحقيقة اللانظام خلق فراغا امنيا واسعا سمح لفوضى عارمة في البلاد اعقبته كتابة دستور مشوه مهد لتقسيم الشعب العراقي الى ثلاثة مكونات على اسس طائفية وأثنيه، تاركا المكونات الاساسية الاخرى كالمسيحيين والتركمان والصابئة وغيرهم للأقدار تلعب بهم كيفما تشاء.
ان تدمير الاقتصاد العراقي من قبل آلة الحرب الامريكية اثر غزوها قد ادى الى كسر القواعد الصناعية والزراعية في هذا البلد وبالتالي نهبها وسرقتها من قبل العصابات بتشجيع وتدبير من القوات الغازية. لكن الذي زاد الطين بله هو قرار الحاكم الامريكي في بغداد بول بريمر عندما قرر حل الجيش العراقي بتشجيع من انصار المحتل الامريكي من السياسيين العراقيين. مما خلق فوضى امنية كبيرة وبالتالي سمح لظهور وانتعاش المليشيات والمتطرفين وعصابات الجريمة المنظمة وتأسيس جهاز شرطة وجيش غير مهنيين.
هذه التحولات الكارثية الكبرى جعلت من العراق بلد الفوضى الشاملة. فالقوانين الوطنية أسقطها الاحتلال تماما، وحب الوطن اسقطه النظام السابق وأجهز عليه جيش الاحتلال بالضربة القاضية. بات قانون الغاب هو الذي يحكم، فالقوي الذي يسير في ركب امريكا ويأتمر بأمر جيشها العرمرم من الاحزاب والمليشيات يعيث في ارض العراق فسادا كما يريد. وقتذاك غاب القانون مما مهد لانطلاق الحرب الاهلية.
بعد الحرب الطائفية المقيتة بين عامي 2006 و 2008 تمزق المجتمع العراقي وقتل الكثير من الضحايا الابرياء. ثم انطلق لهيب تلك الحرب وانتشرت الجريمة المنظمة والخطف على الهوية بين الشيعة والسنة لتصل الى مكونات صغيرة وضعيفة لا تمتلك القوة للدفاع عن نفسها كالمسيحيين والتركمان والصابئة واليزيديين وغيرهم.
من الطبيعي ايضا ان نرى بأن الكنائس شأنها شأن المساجد والحسينيات باتت لقمة سائغة لعمليات الارهاب الاعمى الذي لا يفرق بين دين ودين ولا بين مذنب وبريء. عجز المسيحيون عن ممارسة طقوسهم الدينية المضمونة من حيث المبدأ في القرآن الكريم وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. هكذا غلقت الكثير من الكنائس ابوابها ولم يبق إلا القليل الذي تحول الى شبه ثكنة عسكرية نتيجة الحراسة المشددة ضد الارهاب. الخوف اضحى سيد الموقف ليشمل المسيحيين اضافة الى اخوانهم المسلمين. ومع شديد الاسف فإن وسائل الاعلام المحلية والسياسيين زادوا من حدة التوتر. لقد اصبح الشغل الشاغل للمليشيات وبعض الاحزاب وعصابات الجريمة المنظمة جمع الاموال الحرام والسحت بأي طريقة سواء الخطف او القتل او السجن والمساومة مع اهل الضحية على دفع الالاف المؤلفة من الدولارات بغض النظر عن هوية الشخص، ودفع المسيحيون هنا ايضا ثمنا غاليا من تلك الاعمال القذرة.
باتت المتاجرة بقضية المسيحيين بضاعة رابحة ورائجة لتلك العصابات والمرتبطين بها. فهذه الطائفة لا تمتلك مليشيات او جيشاً يدافع عنها وتعتمد على الدولة لحمايتها في وقت اصبحت الدولة لم تتمكن حتى من حماية نفسها. فعلى سبيل المثال في مدينة الدورة إحدى مدن ضواحي بغداد استخدمت بعض العصابات والمليشيات سياسة التخويف والترويع والإرهاب ضد مسيحيي المدينة بإلقاء تهديدات لتلك العوائل كي تترك بيوتها في اسرع الآجال وإلا فأن بيوتهم سوف تتعرض للتفجير. نتيجة لذلك باعت الكثير من تلك العوائل منازلها على عجل بأبخس الاثمان لنفس تلك العصابات والمليشيات التي سبق ان هددتهم من قبل. لم يبق لهؤلاء المتاجرين سوى ان يبيعوا تلك المنازل ليربحوا اضعافا مضاعفة مالا حراما مغتصبا من الغير. ونفس هذه التجارة المقيتة مورست ايضا وبطريقة واسعة في الكرادة وكرادة مريم وفي بقية مدن العراق الاخرى.
ان محاولة افراغ العراق من سكانه الاصليين من اتباع الديانة المسيحية من قبل القوى المحلية وبعض الدول الاوربية لن يصلح الامر ولن يحل المشكلة بل يفاقمها، وسوف يعمق الطائفية والانغلاق على الاخر وبالتالي يترك المجال واسعا للطائفيين والمليشيات وعصابات الاجرام والمفسدين ليعبثوا في البلاد كما يحلو لهم ويفرضوا قانون القوة بدل فرض قوة القانون.
ان من ضمن مشاكل العراقيين عموما حسب رأي الدكتور لويس ساكو مطران كركوك هو ان تترك الدول الاجنبية بما فيها دول الجوار العراق دون تدخل في شؤونه الداخلية. وان ارادت تلك الدول مساعدته فيتعين عليها ان تساعد كل العراقيين دون تمييز بين طائفة وأخرى او دين وآخر. هناك ضرورة قصوى ان تظل ادياننا بمعزل عن التجاذبات السياسية وان لا تكون مطية لتلاعب السياسيين لأهداف انية وأنانية. اننا قادرون ان ننظم علاقاتنا مع بعضنا البعض مسلمين ومسيحيين. لقد أردف المطران لويس ساكو متسائلا ومستغربا في نفس الوقت بالقول ان الصراع على السلطة والمال والمناصب بين السنة والشيعة او بين العرب والأكراد والتي ترجمت تداعياته على الارض من خلال السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية والإرهاب الاعمى كان ينبغي ان لا تصل شظاياه وشروره الى الطائفة المسيحية لان الاخيرة وبكل بساطة لا تنافس احداً على السلطة ولا تملك مليشيات للخطف او سرقة الأموال ولا تهدد أحداً وليس لها طموح سوى العيش بسلام ووئام.
إنه من المهم من الناحية السياسية ان يعرف كل ذي بصيرة بأن وجود مسيحي واحد يعيش على ارض العراق لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يصنف او يعتبر أقلية، طالما هو مواطن يحب وطنه ويدافع عنه شأنه شأن الآخرين. ان الاقلية والأغلبية في العرف السياسي ليست لها اية علاقة بالدين والمذهب والقومية والجنس لأن من يؤسس لها ويقودها احزاب مدنية يجمعها او يفرقها البرنامج السياسي الاقتصادي الاجتماعي ويضعها الشعب باختياره الحر في موقع الاغلبية او الأقلية دون تمييز بين رجل وامرأة او بين شيعي وسني ومسيحي وصابئي او بين عربي وكردي وتركماني.
أخيرا فليشهد التاريخ بأن هناك مجموعة من قادة مسلمين عراقيين لأحزاب سياسية علمانية وإسلامية زينت للمحتل الامريكي منذ بداية التسعينيات غزوه لبلدهم ودخلوا خلف دباباته. في حين يشهد التاريخ أيضا على عدم مشاركة اي قائد مسيحي تعاون مع المحتل الامريكي او سهل او ساهم مع الغزاة وأعانهم على جريمتهم لتمزيق هذا البلد.
كاتب وباحث عراقي
AZP07

http://www.azzaman.com/?p=17323