المحرر موضوع: ذكريات من الماضي العراقي القريب (20)  (زيارة 955 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ذكريات من الماضي العراقي القريب (20)
إن الفوضى في الرياضة لا تختلف عنها في التعليم ولا في مفاصل الحياة العامة كلها في العراق، حيث كان القبول في الجامعات قبل عقد من الزمان ولازال هو وفق المعدل الذي يحصل عليه الطالب في امتحان البكلوريا للدراسة الاعدادية، لكن في أي بلد من البلدان لا يصبح المعدل أكثر من 100%؟ فأي متابع علمي لا يوافق على هذا لأنه أمر غير ممكن لكن العراق قد شهده. وحتى في الصناعة لا يمكن أن تكون الكفاءة حتى 100% لوجود خسائر في العملية الانتاجية ويقاس النجاح كلما أقتربنا من الرقم الكامل 100%.
لكن شهدت العقود الماضية مزايدات بين القيادات الصناعية للحصول على مكتسبات وهو تحقيقهم أرقاما تفوق الرقم الكامل!!! نفس الشيء الذي حصل لطلاب الدراسة الاعدادية حيث نال منهم أكثر من الرقم الكامل نتيجة مكتسبات ليست من حقهم ومنها: إذا كان أبوه مدرسا أو معلما فله 5% أضافية وإذا كان خريج المناطق الفلاحية فله 5% أخرى وإذا كان صديقا للريس فله ... وهكذا يوجد في سنوات من حصل على معدل 85% ارتفع معدله بقدرة تلك القرارات إلى 105%!!!
ونتيجة ذلك كنا نلمس بأن المستوى الدراسي في المدارس الابتدائية وصعودا نحو الجامعة بدأ يتدهور وبدأ المعلمون والمدرسون يبحثون عن التدريس الخصوصي لأن رواتب الموظفين أصبحت لا تساوي شيئا فقد حدثني أحدهم الذي ترك العمل عام 1994 وقد كان مهندسا، فقال أنه عند تركه للعمل بعد خبرة 18 سنة من العمل كان يتقاضى 800 دينار عراقي وقتها، وقال محدثي بأن وكيل الوزارة التي كان ينتمي إليها قد أرسل بطلبه عند معرفته انه قد ترك العمل وكان موعد لقائهما في الدوام المسائي. وقد مرّ محدثي بأحد الأسواق القريبة من الوزارة التي كان يقصدها ولمح وقتها أسعار المواد المثبتة على المواد المعروضة وبقت قسما من تلك الأسعار عالقة بذهنه، وبعد أن أستقبله الوكيل الذي على ما يبدو كان على معرفة تامة بمستوى ذلك المهندس وقد حاول جهده كي يثنيه عن قصده بترك الوظيفة وكان قد قدم له (حامض) ضيافة له، وبعد أن أكمل الوكيل حديثه، كان جواب محدثي له: أستاذ آخر راتب تقاضيته كان (800) دينار وقبل وصولي لمقابلتكم شاهدت في محل للمواد الغذائية قطعة السعر المثبتة على طبقة البيض (30 بيضة) حيث كان السعر هو (800) دينار مما يعني أن عائلتي (والحديث لصديقي) حصتها من الراتب بيضة واحدة في اليوم وأردف صديقي بقوله ماذا نفعل بالبيضة الواحدة هل نقدمها للفطور أم في الغداء أم في العشاء؟؟!!!
وبعد ذلك لم يستطع وكيل الوزير أن يقول لمحدثي سوى أشرب الحامض وروح الله وياك فإن الموظف وقتها كان ممن تحلُّ عليهم الرحمة ونتيجة ذلك ازدادت الرشاوي وبحث المعلمون والمدرسون عن الدروس الخصوصية. وكي ينالوا مبتغاهم فإنهم لم يكونوا يقدمون لطلبتهم العلم الكافي كي يبحث أولياء أمور الطلبة عن المدرسين الخصوصيين وهكذا كان لكل مدرس عددا من الطلبة وصل بعضهم ليفتح الصفوف في بيوتهم أو في بيت أحد الطلبة المتمكنين، ثم وصل الأمر لاحقا بأساتذة الجامعات ليلجأوا هم لذلك عندها أصبحت الشهادة لا تساوي شيئا ولم تعد حتى الدول المجاورة للعراق تعترف بشهادة العراقيين. واليوم نجد في المهجر من يحمل شهادة الاختصاص في حقل الطب وهو لا يجد من يعمل لديه ولا حتى العيادات الطبية لأن شهادتهم غير معترف بها وإن أرادوا تعديلها عليهم العمل بصورة مضنية ويؤدوا الامتحانات المرهقة والمكلفة ماديا كي يجتازوا الامتحان ويبدأوا مرحلة البحث المضني عن العمل الذي أصبح صعبا هو الآخر نتيجة وجود خريجين كثر في دول المهجر مما قلل فرص العمل كثيرا لخريجي ما وراء البحار.
ومما يزيد الطين بلة في الجامعات هو القبول الخاص الذي كان من حصة أعضاء القيادة والمسؤولين الكبار والذين لم يكن مستواهم العلمي يؤهلهم لدخول كليات علمية مهمة كالطب والهندسة لكن سلطة آبائهم جعلت من الأساتذة يخشون أفشال هؤلاء الطبة بل علمت من أحد الأساتذة الذي كان يحمل الدكتوراه في الجغرافية وكان مشرفا على أطاريح الدكتوراه لعديد من الطلبة بأنه في أحيان معينة يقوم بنفسه بأعداد الاطروحة وأعطائها للطالب كي يدرسها ثم يقدمها أثناء المناقشة!!! ( وما لم يقل صديقي ذاك هو أن من يعد له الاطروحة هو بنفسه كان ابن مسؤولا مهما ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يضع له درجة الفشل في أطروحته)، كما أن شاشة أحدى القنوات العراقية سابقا عرضت مناقشة أطروحة لشهادة عليا لأحد أبناء الذوات حينها الطالب الباحث وجه كلامه للأساتذة المشرفين بالحرف الواحد وكان موضوع الاطروحة سياسيا على ما يبدو: أخواني أريد ألفت نظركم لموضوع جدا مهم وعليكم الانتباه إليه والتمسك به ... !!! وكان كمن يبدو أنه يُصدر الأوامر لأساتذته، فكيف بهم يجعلونه فاشلا؟
وهذا الأمر مازال على ما يبدو إلى اليوم موجودا رغم أن جامعة بغداد وصل تسلسلها الى الرقم 601 عالميا حيث يوجد نظام القبول على النفقة الخاصة وأغلب من يبحث عن القبول الخاص يكون من هؤلاء الخريجين وخاصة من يتخرج من الكليات الأهلية التي غالبا مستواها ضعيف، فنجد لهؤلاء العديد ممن يتوسط لهم كي يتم إنجاحهم بل وصل الأمر في بعض الأحيان بجعلهم يؤدون الامتحان أدوارا عدة ليس فقط الدور الثاني بل الثالث والرابع و و و  إن ذلك الأسلوب ما هو إلا حلقة مفرغة وأضاعة للوقت وللجهد والمال مما أدى ليكون المستوى العلمي ينحدر سريعا نحو الحضيض!!! وأزاء ذلك لم يتبقى سوى أن يتم تبليغ الأساتذة بأن لا رسوب لطلبتهم كي يتم أعفائهم كما حدث للبعض في الجامعات العراقية.
وعندها لا سامح الله لو حدث ذلك سيتساوى الطالب المجد والجاهل بينما كنا نجد سابقا بأن من يُرقن قيده وخصوصا في الدراسات العليا لن يتم قبوله مجددا لأنه أخذ فرصته فيها وعليه الانتظار لخمس سنوات أخرى كي يتمكن من أعادة المنافسة للقبول. وعندها أيضا كان للشهادة العراقية قيمة وتقبلها حتى أرقى الجامعات العالمية. بل كان المتخرج من جامعات غير عراقية وفي أحيان كثيرة عند الموافقة لإكمال دراسته في العراق هو ان يتم قبوله في مستوى أدنى وبصف أو صفين أقل مما كان عليه في تلك الدول، لكن بعد الحصار الذي فُرض على العراق ومنذ عام 1991 لم يعد أحد يعترف بالشهادة الصادرة من الجهات العراقية إلا بعد خوض امتحانات مريرة لإثبات المستوى العلمي والحصول على التعديل.
ولكون جامعاتنا تعتمد الأسلوب العلمي الرصين فقد كان لنا علماء ومفكرين بارزين وأطباء كان يقصدهم الكثيرين من دول الجوار للاستشفاء لديهم كسعد الوتري مثلا وأمثال هذا كثيرين جدا لم يعد لدينا أمثالهم اليوم نستطيع تشخيصهم او الكتابة عنهم، فالكثير من العيادات والمستشفيات تُدار من أطباء ذوي خبرة قليلة ومقيمين أما الأختصاصيين فقد ابتعدوا إما بسبب الخوف أوالقتل أو الهجرة!!!
ونتيجة ما مرّ به العراق فقد تم تطبيق نظام الاستضافة لدى الكليات الموجودة في المناطق الأكثر أمنا، ولم يكن سبب الأمن هو دائما ما ينشده الطلبة عند طلبهم الاستضافة إنما أحيانا يبحث عن كلية تسهّل عملية أعطاء الدرجات فيقصدها الطالب كي ينال معدلا عاليا عند التخرج!!!، كما أن شائعة موجودة بين أوساط الطلبة عن كلية معينة بأن لا رسوب فيها مطلقا فيقصدها أولياء أمور الطلبة كي يتوسطوا لقبول أبنائهم فيها!!! أليس هذا أسلوب للنيل من شرف المهنة والأمانة العلمية، ونحن نحمل المباديء التي تقول: (من غشنا ليس منا)، أليس هذا سرقة لجهد الطلبة المجدين والمجتهدين، أليست مبادئنا السماوية تقول: ( اما السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، كما أن أساتذة معينين بدأوا اللجوء لإنجاح الطلبة من أمثال هؤلاء أبناء الذوات كي ينالوا حضوة ويتم تنسيب طلبة آخرين كي يشرفوا عليهم ويحصلوا على المال الوفير!!! وما هو حاصل فعلا أن أمثال هؤلاء هم الذين يتبوأون رئاسة الأقسام في الجمعات!!!
وكما كان سوق مريدي سابقا يمنح من يشاء ما يشاء من الشهادات والوثائق؛ فاليوم على ما تنقله لنا الأخبار توجد كليات ومعاهد تعمل ذلك لكن بطريقة منظمة ومرتبة وبالأوراق الرسمية لكن كل شيء مقابل ثمن، وكأني بهؤلاء ينادون على بضاعتهم اللي يريد شهادة للبيع فليأتِ!!! لكن من تربى على المباديء الصحيحة عليه أن يرفض هذه الأساليب ويبتعد عنها لأنها سبب تدهور العملية العلمية وانهيار التعليم في العراق، ففي المجال العلمي ليست الكمية هي الهدف بل النوعية، ومجالات الابداع كثيرة وفي كافة الميادين فليس بالطب والهندسة وحدهما يتقدم الانسان بل ممكن لرسام أن ينال الدكتوراه ويصبح علما يشار إليه بالبنان.
والغش كان منتشرا بكل شيء أيضا، وكان علينا الشك بكل من نتعامل معه، فربما نشتري علبة ما ولزيت الطبخ الصلب مثلا لنجد الزيت هو فقط الطبقة العليا وتحته شيء آخر لا يمت للزيت بصلة!!! أو أن تشتري عبوة من وقود السيارات من باعة الأرصفة لتجده ممزوجا بكمية من الماء ويحرمك من نعمة استخدام السيارة لحين تصليح ما يخلفه الماء من الأضرار الجسيمة فيها.  كل ذلك يحدث وبلدنا يعتبر مهد أبينا أبراهيم أبو الأنبياء أو أنه خليل الله  ومدينة أور شاهدة على أول الخطوات التي حباها هذا الأب المبارك في طفولته وهو بالفعل قد قدّس هذه التربة الخالدة ونأمل ان تكون كذلك ويتخلص بلدنا من كل هذا الكم الهائل من الشر لأن بين حناياه الكثير من المزارات والأضرحة فأينما تذهب شمالا وجنوبا شرقا أو غربا ستجدها مما يدل أن العراق قد أكرمه الله بهؤلاء كي يكون حجة صالحة لذوي البشر.
أرض العراق غنية بالكثير من الأمور المادية والمعنوية، وما علينا سوى استغلال هذا الإرث الجبار لصنع مستقبل زاخر ومشرف لأبناء العراق.... وهذا ما سنستمر بالكتابة عنه لاحقا.

وللذكريات بقية.
عبدالله النوفلي
2012