المحرر موضوع: لماذا لا ينتفض الشعب العراقي ؟  (زيارة 772 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تحسين المنذري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 141
    • مشاهدة الملف الشخصي
لماذا لا ينتفض الشعب العراقي ؟

تحسين المنذري
تشتد يوما بعد يوم الفاقة عند جموع متزايدة من أبناء الشعب ، نتيجة لسياسات الحكام المتراجعة دائما وغير القادرة على تحقيق أبسط منجز يستحقه المواطن العراقي ، بعد عقود عجاف عانى فيها الامرين من أنظمة حملت لواء الدكتاتورية شعارا وممارسة ، ولم يكن التغيير الذي حدث عام 2003 إلا بارقة أمل سرعان ماخبت مع تزايد الاعتماد على المحاصصة المقيتة وإنتشار الفساد الاداري والمالي جنبا الى جنب مع تنامي الارهاب وتنوع أدواته ، ومن ثم التراجع عن الحريات العامة والشخصية وتقليص مساحة الديمقراطية وفقا لدستور متناقض أو حتى خروجا عن بعض الاضاءات التي يحملها . ورغم إن كل ذاك لم يمر دون إحتجاج أو رفض من هذه الكتلة أو تلك القوى ومن تجاوب يبدو الى الان محدودا من عموم جماهير الشعب ، إلا إن كل ذلك لم يعد كافيا ليس بمنظور المراقب البعيد فحسب لكن حتى عند من يتلقى لظى السياط ، ومع تجدد الانتفاضة المصرية ضد حكم الاخوان تنادت أصوات عديدة عبر المواقع الالكترونية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي متسائلة عن سبب عدم تكرار التجربة في العراق ، بل وذهب البعض منها الى وصم الشعب العراقي بالجبن والتخاذل والخنوع وغيرها من الاوصاف الظالمة ، فإلى متى يبقى لمثل هذه الاصوات صدى ً ؟ وهل إن الشعب العراقي هو نفسه وريث إنتفاضات الوثبة عام 1948 وتشرين 1952 وضد العدوان الثلاثي عام 1956 وثورة تموز 1958 وغيرها؟ أم إن الشعب الان منفصل عن تاريخه ؟ ولكي تكون الصورة أوضح فلابد من التوقف عند محطات هامة في التاريخ القريب للشعب العراقي ، تلك التي وُلدت معها هذه الاجيال وتكونت شخصيتها بهذا الشكل ولعل أبرزها :
•   سلسلة الحروب : على فرض إن معدل عمر المواطن العراقي الان يزيد عن الخمسين سنة تقريبا فإن من وِلد مع بداية عقد الستينات وعى الحياة بعد عقده الاول على حرب داخلية شنتها دكتاتورية البعث ضد مواطنين عراقيين يسمونهم الكرد إستخدمت فيها كل أنواع الاسلحة بما فيها غير الاخلاقية ،أعقبتها حملة شعواء ضد عراقيين وطنيين مخلصين لوطنهم أدت الى إعدام وسجن وتشريد الالاف منهم بلا ذنب سوى حملهم لفكر آخر غير فكر سلطة الدكتاتورية الحاكمة، ومع إكتمال عقده الثاني وجد نفسه جنديا مجبرا لخوض حرب لا يعرف من بدأها ولماذا ، قدم فيها سنوات عمره الاهم من حيث النضج والتكوين بين أسلاك المعسكرات أو في حفر الملاجئ ولا يرافقه سوى سلاح أصم لا ينطق بغير أُقتل أو تُقتل ، فقدت العوائل العراقية خلال هذه الحرب قرابة المليون بين قتيل أو معاق أو أسير أو معدوم ، كانوا أبناءا وأخوة أو أصدقاءا لمن مازالوا أحياءا الى اليوم ، وما أن إنتهت هذه الحرب بدون تحقيق أي هدف معنوي او مادي كان يبحث عنه المواطن الانسان ، وكان لمّا يزل ينفض عن نفسه غبار ومآسي حرب ضروس ، حتى وجد نفسه في حرب أخرى لاتقل ضراوة وبمواجهة قوى لم يكن يحلم برؤية جنديا منها ، فكيف وهو يواجه أعتى دول الحروب وأكثر الاسلحة فتكا بالعصا والحجر وأقوال لقائد مهووس بالانتصارات الوهمية ، وحصار إقتصادي عالمي دمر كل شيئ من البنى التحتية للاقتصاد الى روح الاستقرار في النفس البشرية ، وصولا الى البحث عن السلامة والرزق يوما بيوم وطموح بالبقاء على قيد الحياة ليوم آخر لاأكثر .... والله كريم !!. ولا ننسى إن أجيالا أخرى وِلدت في خضم هذه الحروب أشبعت ذاكرتها صور من المعركة ولافتات سوداء أين ماجالت بأعينها . فما الذي ترك كل ذاك عند الانسان العراقي من عزم وتصميم على روح التغيير ؟.
•   إنتفاضة آذار 1991: بعد كل هذا الخراب والدمار الذي أصاب كل شئ وبعد الانكسارالكبير الذي أصاب النظام الدكتاتوري نتيجة هزيمته الشنعاء في حرب الكويت ، إستغل المواطن العراقي بحسه الفطري فرصة ً كانت مواتية للتغيير فإنتفضت الجموع في إنتفاضة وطنية لم تنشد غير إسقاط النظام الدموي  من أجل العراق / كل العراق ، ومن أجل الشعب / كل الشعب ، لكن ماحدث لم يكن في الحسبان ، فدولة مجاورة تتدخل لحرف وجهة الانتفاضة من وطنية عامة الى طائفية ضيقة ، ودول أخرى كانت سببا مباشرا في هزيمة النظام تحولت الى سبب مباشر في نصرته ، أميركا بسماحها بإستخدام المروحيات في قمع المنتفضين والسعودية وغيرها من دول الخليج بما قدمته من دعم غير منظور لوجستيا ومعنويا ، فكانت النتيجة دماء لونت المشهد ومئات الاف غيّبوا الى اليوم وإزدياد عجرفة النظام الدكتاتوري الدموي . مما إنعكس على ذهنية العراقي بالخوف أو التردد في الاقدام على أي عمل لتغيير النظام خشية تكرار التجربة ,
•   التغيير عام 2003 والمحاصصة المقيتة : كان الامل بسقوط صدام حلما يراود المخيلة ، وحلم النظام القادم رسمت له عواطفنا صورا بأزهى الالوان ، فكان التغيير على بؤس الطريقة التي تم بها مقبولا بشكل كبير ، وإرتفعت الامال في البدء مع حجم الدعاية الاعلامية التي مارستها سلطات الاحتلال وبشتى السبل ، لكن هروب الدكتاتور والصفح الذي أبداه المحتل علنا وعن قصد عن كثير من الرموز البعثية والذين تلطخت أياديهم بجرائم شنعاء بحق الشعب ، ومن ثم بروز أشخاص تصدروا المشهد السياسي أقل ما يمكن وصفهم به هو عدم الكفاءة وتبنيهم للمحاصصة الطائفية كأساس للحكم وبطريقة أدت الى تمزيق لحمة الشعب ،  إضافة الى تشتيتها لجهد القوى الوطنية الديمقراطية المجربة تاريخيا ، جعل المشهد العراقي يبدو قاتما خاصة بعد التدخلات العلنية لدول الجوار وإنحياز رموز الكتل السياسية وتبريرها لتلك التدخلات وإستخدامها سلاح الخوف من الاخر ، الاخر العراقي قبل أي شيئ ، مما ترك بصمات سوداوية وخوف من التغيير القادم وعدم ثقة بكل الوعود والمواثيق مهما كانت بسيطة أو ضرورية .
•   فوبيا البعث : إستخدم المحتل ومن بعده من تنفذ في الحكم "البعث" شماعة لتبرير كل التراجعات والاخطاء بل وحتى الارهاب المنفلت ، ووصل الحال الى التهديد بعودة البعث مع أي إنتكاسة ممكن أن تحصل في البلد ، ولكن في نفس الوقت تمت إعادة الاعتبار لكثير من شخوص البعث ومنحهم مراكزا حساسة في الاجهزة الامنية خصوصا ، وعودة اساليب البعث بلبوس أخرى وأسماء كانت تدعي المظلومية والاضطهاد من قبل النظام البائد ، حتى صار " البعث " فوبيا يتشدق بها السياسيون وبجيدون إستخدامها متى ما شاءوا ، مما ولّد وما زال حالة من ردة الفعل السلبية إزاء كل تصرف يؤدي الى رفض أساليب الحكم الحالية أو بعض رموز الحكم خوفا من عودة البعث ، الذي عاد كما أشرت سلوكا ونهجا في الكثير من ممارسات الحكم والذي عزز الخوف منه بشكل أكبر
•   مظاهرات 25/ شباط /2011( التجربة ) : رغم كل التجربة المرة التي يحملها العراقي فردا او جمعا ، وبالضد من توجه الخنوع الذي أرادت الحياة ان تفرضه عليه ، وإتساقا مع إنتفاضات الربيع العربي التي عمت المنطقة حاول الشعب النهوض من جديد بعد سلسلة تجارب محدودة سبقت حتى الربيع العربي مثل انتفاضة الكهرباء في البصرة وغيرها ، تنادت قوى مجتمعية تتصدرها قوى شبابية يملؤها التحمس للتغيير وللتجديد الى القيام بتظاهرات جماهيرية تعم أغلب مدن العراق في يوم الجمعة 25/شباط ، ربما كان الامل يحدوهم لكي تتطور الى إنتفاضة !! فما الذي حدث ؟ كانت أول ردة فعل من جانب السلطات إتهامهم بالبعث "فوبيا البعث " وشرعت مرجعيات دينية الى تحريم التظاهر وأخرى أرادت مصادرتها ، وإعلام قادته السلطة السياسية للتحريض ضد هؤلاء الشبيبة ومن ثم منع للتجوال في يوم المظاهرة المحدد ، إلا إن كل ذلك لم يمنع المتحمسين للخروج الى الشارع والتجمع في ساحة التحرير وتحت مرأى ومسمع السلطات وشخوص متنفذه منها قادوا الاجهزة الامنية لارهاب المتطاهرين ـ رغم عدم تخصصهم في ذلك ـ هتف المتظاهرون وطالبوا لكن للاسف بالاصلاح وليس التغيير !! وتلك كانت أولى مثالب تلك الهبة الجماهيرية ، إلا إن ذلك لم يمنع السلطات من مواصلة شن الحرب الاعلامية والامنية ضد المتظاهرين ومع تكرار التحشيد في ساحة التحرير إزدادت الضغوط وبشتى الاشكال وتم إعتقال بعض الناشطين وترويعهم وتهديد آخرين ومحاولات إغراء للبعض الاخر، وكل ما أتيح للسلطة من أيادي كانت آخرها تحشيد بعض رجالات العشائر حيث تم نقلهم بسيارات مريحة وإيصالهم الى ساحة التحرير بحجة مطالبتهم بقضية أخرى إلا إنهم نفذوا إعتداءا شرسا على متظاهري ساحة التحرير الاصلاء ،في نهاية المائة يوم التي وعدت بها السلطة لتنفيذ الاصلاح المطلوب!! لتستمر الضغوط ويستمر معها تقلص عدد المشاركين حتى إضمحلت . ولعل في هذه التجربة أكثر من درس ربما تكون لنا معها عودة .
•   عوامل أخرى : بالتأكيد ما ذكرته أعلاه ليس كل الاسباب بل هناك عواملا أخرى لاتقل أهمية عنها، وهذا ليس من باب التبرير وإنما هو توصيف للواقع ، فالوضع المعيشي  المتردي ، وعدم وضوح التشكيلات الطبقية وإتساع نسبة المهمشين في المجتمع ، وإشاعة مفاهيم الولاء للقائد ، وتكريس دور الدين في حماية السلطة وغيرها الكثير الكثير مما يترك أثارا سلبية في رغبة وإستعداد العراقي  للمشاركة في أي عمل برغبة التغيير كا التظاهر اة الاعتصان أو غيرها
•   ما العمل : لابد للقوى التي لها مصلحة في التغيير ،مجتمعية أو سياسية ، من العمل الدؤوب وصوغ شعاراتها بطريقة واضحة وتحجديد أهدافها وتبني على ضوئها تحالفات مرحلية وقبل هذا وذاك إعتماد الطرق الديمقراطية ـ السلمية والسير بطرق قانونية مع تحشيد الرأي العام العراقي وتقليل قدر الامكان من حجم المخاوف من التغيير بضمانات التاريخ النضالي والبرامج ، والابتعاد كليا عن كل أشكال العنف وجعل السلم الاهلي هدفا أسمى من كل الاعتبارات .