المحرر موضوع: الرُها ..مملكة السريان الأولى في العالم بالايمان المسيحي  (زيارة 2113 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل seryane

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 42
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الرُها ..
مملكة السريان الأولى في العالم
بالإيمان المسيحي       
  نجيب ياكو / بغديدي

يصعب الحديث القليل بالايجاز الوافي للتعبير عما تحمله هذه المملكة العريقة من حوادث تاريخية وارث حضاري ورموز دينية بالاضافة الى جمال الطبيعة وازدهار الثقافة وتطور المدنية واكتساب المعرفة بمدرستها الشهيرة . والسبب يعود لكونها تجمع وتمثل كل صفحات وادوار التاريخ السرياني العام بعهديه الوثني الارامي والمسيحي السرياني  مع الحياة المزدهرة والنكبات المؤسفة التي مرت بها عبر سالف الزمان القديم والحديث اذا ما قورن ذلك بالخصوصية التي تملكها لوحدها . وبالإشارة الى ذلك سنتناول في مقالتنا هذه تاريخ مملكة السريان الصغيرة والمستقلة من حيث الاسم والموقع والوصف الجغرافي مع شهادة مستفيضة بالرموز والذخائر المسيحية التي يشهد لها التاريخ كأول مملكة في العالم آمنت واعتنقت المسيحية ملكا وشعبا .
فمن حيث الاسم : لقد تعددت اسماؤها وتغيرت كنيتها بحسب تقلب التاريخ حيث ذكر اسمها في سفر التكوين باسم (ارخ) او (ارك) بالاشارة للايات الاتية :- "وكوش ولد نمرود وهو اول جبار في الأرض . وكان جبار صيد امام الرب ولذلك يقال كنمرود جبار صيد امام الرب . وكان اول مملكته بابل وارك واكد وكلنة في ارض شنعار " سفر التكوين / 10 : 8- 10 . كما اسماها السريان سكان منطقة ما بين النهرين (اورهي) او (اورهاي) والارمن اسموها (ارهائي) في حين ان العرب قد اسموها (الرُّها) او (الروها) . اما الاسماء الغريبة والدخيلة فهي عند اليونان (اديسا ) وعند الرومان (اذاسا) وعند الفرنسيين (اديس) واخيرا اسماها الاتراك العثمانيين (اورفا) او (اورفة) . اما اسماؤها كمملكة عند الملوك السريان الاباجرة الذين حكموها للفترة ما بين 132 ق.م – 244 م فهي : مملكة (اسروين) او (اسروان) او (اسروانا) او (اوسرهوني) . اما اسم المدينة بعد ايمانها المسيحي اصبحت كالاتي : (الرها المقدسة) او (الرها المباركة) او (مدينة ابجر محب المسيح) او (مدينة الرسول ادي) . اما من حيث الموقع والجغرافية : فمدينة الرها تقع في شمال منطقة ما بين النهرين التاريخية (ميسوبوتاميا) و بعد ان اقتطعت من قبل دول الحلفاء سلمت الى الحكومة التركية بموجب معاهدة سايكس بيكو . وعلى هذا الأساس تقع اليوم في جنوب شرق تركيا الحالية . ان وقوعها على امتداد سفوح جبلية مع وفرة المياه واحاطتها من شرقها الى شمالها بنهر ابراهيم (ديصان) جعل الطبيعة الجغرافية فيها ذات زروع وفيرة وبساتين مثمرة وحدائق زاهية اضافة الى كونها مزدانة باديرتها وصوامعها وكنائسها. كما ان شهرة مدرستها وجمال قصورها ومسارحها وساحات خيولها جعلت منها مدينة حافلة بالسكان ومزدهرة بمختلف انواع العلوم والاداب والفنون . وان احاطة المدينة بسور كبير وحصين من الجهات الاربع كان من الطبيعي ان يكون لها اربعة مداخل او ابواب وهي : باب الامير من جهة الشرق وباب الاقواس من جهة الغرب وباب سميساط  من جانب الشمال و باب حران من ناحية الجنوب . اما اهم المواقع الاثرية والشهيرة فهي : بركة ابراهيم الخليل وبركة زولها (البركة المقدسة) والحصن الاعلى وقلعة نمرود . اما من حيث الايمان المسيحي : لقد سبقت الرها كل ممالك العالم بالايمان المسيحي وان الذين بشروا بالمسيحية فيها كانوا اربعة رسل : توما الرسول احد ألاثني عشر تلميذا وادي الرسول احد ألاثنين والسبعين تلميذا وتلميذاه اجي وماري . ويعتبر التقليد المشرقي ادي الرسول عموما رسول الرها ومؤسس المسيحية فيها وباني اول كنيسة في المدينة باسم كنيسة المخلص ايام خلافة الملك ابجر الخامس ( اوكاما) ما بين 4ق.م – 50م واليك الطريقة الموجزة لانتشار الايمان المسيحي والرسالة اليسوعية في هذه المدينة المقدسة .. فعندما كان الملك مصابا بداء النقرس ( الملوك) وسمع باخبار العجائب والايات التي يجريها المخلص يسوع في اليهودية . ارسل اليه  وفدا يحمل رسالة  يلتمس فيها الشفاء والقدوم الى مملكته .
وهذا نص رسالة الملك ابجر الى يسوع المسيح له المجد : " من ابجر اوكاما الملك الى يسوع الصالح في مقاطعة اورشليم ، السلام . لقد بلغني انك تطهر البرص وتخرج الارواح النجسة وتشفي الذين يتعذبون بمرض طويل وتقيم الاموات . فعرفت انك اله وابن اله قد اتيت لشفاء الخليقة . وانا مصاب بداء عضال فاسألك ان تاتي الي ّ وتشفيني من هذا المرض وعلاوة على ذلك بلغني ان اليهود يضطهدونك ويطلبون هلاكك فان اردت فان لي مدينة صغيرة ، حسنة جدا تكفي لي ولك ، فنحيا فيها بامـان وسـلام معا " . ولما اطلع يسوع المخلص على الرسالة وجد انه ليس من المناسب ان تنتشر بشارته بين الامم قبل مماته فبعث برسالة جوابية الى الملك ابجر واليك نصها : " طوبى لك يا ابجر لانك امنت ولم ترني .. اما بخصوص ما كتبته اليّ ، بان اتي اليك ، فعليّ ان اكمل كل ما ارسلت لانجازه . وبعد قيامتي وصعودي الى السماء سارسل اليك واحدا من تلاميذي ليشفي مرضك ويمنحك الحياة لك وللذين معك " . ولما تلقى ابجر الملك الرسالة الجوابية من يسوع المخلص فرح فرحا عظيما  ولكنه تحسر كثيرا لانه لم يستحق المشاهدة المباشرة فدفعته رغبته الشديدة الى اختيار مصورين حاذقين ليذهبوا ويرسموا صورته وياتون بها ليفرح قلبه وكانه بعمله هذا يلتقي المسيح له المجد بنفسه. ولكن هؤلاء المصورين عجزوا عن ذلك لرؤيتهم المسيح في بهائه البشري . فعرف المسيح ما في قلب ابجر من رغبة جياشة  في مشاهدته ، فاخذ منديلا ووضعه على وجهه ، فانطبعت فيه صورة وجهه المقدس . وعندما وصل المنديل الى ابجر وضعه على وجهه وقال : " انا اشهد ان هذا هو ابن الله الحي الحليم " . ثم وضعه بتبجيل عظيم  في احدى غرف قصره بعد ان كتب العبارة الاتية " ايها المسيح الاله لن يهلك كل من يثق بك " . وبعد فترة من الزمن قدم الرسول ادي الى الرها وحل في بيت رجل يدعى ( طوبانا ) بمعنى سعيد وشرع يصنع العجائب باسم يسوع المخلص فسمع الملك واستدعى طوبانا وقال له " بلغني ان في بيتك رجلا قديرا ، فآتني به " . ولما دخل ادي الرسول ليمثل امام الملك واذ بالملك ينتفض من عرشه ويسجد امامه لانه شاهد منظرا عجيبا على وجهه وقال له " بلغني انك تقوم بامور عجيبة وعرفت انك تلميذ يسوع الذي كتب اليّ في رسالته : اني بعد قيامتي سارسل اليك واحدا من تلاميذي فقد اتيت اليّ الآن لكي تشفيني " . فاجابه الرسول ادي بالقول " ان تؤمن ، تنل مرامك ، اذ ان كل شيء مستطاع لمن يؤمن " فقال الملك ابجر له " اني امنت به الا حد اني لولا خوفي من مملكة الرومان لارسلت جيشا لابيد اليهود الذين صلبوه" . فوضع الرسول ادي يده على الملك وتعافى بقوة يسوع المسيح من جميع امراضه . وعليه امر الملك بان يعطى له فضة وذهبا فقال ادي الرسول للملك ابجر " كيف نستطيع ان ناخذ ما ليس لنا ؟ فاننا قد تركنا ما كان لنا . اذ اوصانا الرب ان نكون بغير اكياس ولا حقائب وان نحمل الصليب على اكتافنا ونعلن  بشارته في المسكونة كلها " . واخيرا انضمت المدينة كلها وجميع المناطق والبلدان المحيطة الى الايمان بالمسيح حتى كادت منطقة ما بين النهرين برمتها تصبح مسيحية . وكان الذين يؤمنون يتنافسون على الفضيلة والاعمال الصالحة . وبعدة انهاء مهمته غادر مار ادي الرسول هذا العالم بسلام في يوم الخميس المصادف الرابع عشر من شهر ايار سنة 49 م ودفن في الكنيسة التي شيدها وهناك من يقول انه دفن في ( مقبرة ملوك الرها ) .
المصادر    
1-الكتاب المقدس – العهد القديم – سفر التكوين – الطبعة الكاثوليكية 2-    البير ابونا – شهداء المشرق – الجزء الاول – بغداد 1985م 3-    نوري ايشوع – أورهاي مملكة ابجر محب يسوع – مجلة ما بين النهرين – العدد 129 – 130 ( 33 ) 2005