المحرر موضوع: إغتيال حمامة السلام في أربيل العاصمة ـــــــ فتاح خطاب  (زيارة 936 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Fatah Khatab

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 100
    • مشاهدة الملف الشخصي
إغتيال حمامة السلام في أربيل العاصمة

                                 فتاح خطاب


حين تجرأ صدام المجرم في منتصف السبعينيات،
في أن يشوه المنجز الفني للفنان التشكيلي الشهير (فائق حسن)
بمسح حمامات السلام من على (جدارية فائق) الشامخة في ساحة الطيران،
قامت الدنيا ولم تقعد.. وبدأ الشعراء والكتاب والصحفيين والفنانين..
بفضح تلك الفعلة الشنيعة التي إقترفتها أيادي البعث الحاكم الآثمة،
والتي شكلت علامة فارقة في وحشية وشراسة تلك الزمرة الغاشمة.
وقد بادر شاعر العراق الكبير سعدي يوسف بإصدار ديوانه المسمى
ب (تحت جدارية فائق حسن). وكانت نظرة واحدة من قبل المارين
من هناك، في تلك الجدارية المنتهكةوالمشوهة،
وأنا كنت واحداً منهم، تكفي لتثير فيهم الغضب والإستنكار والإستياء
من حكم البعث المقبور وتكفي أيضاً لرفع روح المقاومة والمثابرة
على العمل الجاد لإسقاط الديكتاتورية.
وحصل ما كنا نحلم به حين رأينا كيف أن الأطفال والرجال والنساء
يسحلون رأس تمثاله البرونزي قرب ساحة الطيران ذاتها،
وهم ينهالون عليه بنعالهم ويمطرونه بصاقاً.
وقد بدأ صدام مشواره التتري من تحت جدارية فائق حسن تلك
وهناك أنتهى عهده الظلامي..
وهنا في أربيل العاصمة، نتفاجأ بإغتيال التمثال الشهير والتاريخي والجميل
الذي كان قد بُني على أنقاض تمثال (حمامة السلام) والذي بُني في عهد  
عبدالكريم قاسم وهدمه البعث الفاشي فيما بعد.
لكن المنطقة برمتها لا تزال تُعرف بإسم حمامة السلام
ولايمكن، بل من رابع المستحيلات محوها من ذاكرة أربيل التاريخية والشعبية.
هنا تحت تمثال حمامة السلام، أحسسنا ولأول مرة، ونحن لما نزل أطفالاً أو شبيبة عبدالكريم قاسم بحق، بالسلام والأمان وذقنا طعم الحرية والإستقلال..
أحببناه بصدق وعلقنا آمالنا به، كان الفرح يملأنا حين كنا نرى الجماهير الغفيرة
وهم يتزاحمون صوب الساحة والأيادي تتشابك في تشكيل حلقات وحلقات
للدبكات الكوردية على قرع الطبول وأصوات المزامير تتخللها خطب وشعارات ثورية من قبل الأحزاب الوطنية والتقدمية..
هناك كنا.. وهناك ترعرعرنا وتمتعنا بدخول المدارس الجديدة ولبسنا لبوسات جديدة، مُنحنا كتباً، كرايس، أقلاماً ودفاترة جديدة..
إستمعنا لإذاعة بغداد وهي تبث خطب الزعيم الخالد وإبن الشعب البار عبدالكريم قاسم، فاتح العهد الجديد ضد الإقطاعية والإستعمار والإستغلال
والتأكيد على الاخوة والمساواة والعدل الإجتماعي..
وكانت ساحة حمامة السلام تزدهي وتزدهر يوماً بعد يوم والأحلام تكبر..
حتى جاء يوم أيلول الأسود حين طالت يد الغدر والخيانة الثورة الفتية،
كما طالت يد التخريب والغدر هذا المعلم الحضاري والرمز التاريخي لنضالات شعبنا
من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة..
إن هذه الفعلة الشنيعة والجريمة السياسية ليست أقل مما أقدم عليها الطالبان
حين دمروا في أفغانستان تلك التماثيل التاريخية والتي كانت سبباً مباشراً في إشعال الحروب والمنازعات بين القوى الديمقراطية والقوى المتعصبة والظلامية.
إن ما حدث في أفغانستان لم تكن سوى تفجير التماثيل البوذية، لكنها كانت منجزاً فنياً جباراً، قل وجوده في العالم،
لكنه لم يكن في أحسن الأحوال، يعبر عن رمز فكري وسياسي
وعن كفاح وأحلام الشعوب المتعطشة للحرية والعيش الكريم
كما كان الحال مع تمثال حمامة السلام الذي كان رمزاً لأيام الخير والإزدهار
والسلام والأمان.. فإن من إغتال حمامة السلام، لا يريد الخير لشعب كوردستان. إنها لجريمة شنيعة لا تغتفر وتخريب بقصد مسح الذاكرة الشعبية وطمس رموزنا الوطنية.. عاشت حمامة السلام والموت والإندحار لإعداء السلام والوئام..!