المحرر موضوع: البغــداديــون والهـروب الى الانتـرنيـــت  (زيارة 1607 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sabah Yalda

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 32867
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي


البغــداديــون والهـروب الى الانتـرنيـــت[/color][/size][/b]
 

بغداد/صافي الياسري

المواقع المتعددة لجهات متعددة ومختلفة على جغرافيا شبكة الانترنيت لها جاذبيتها الأخاذة، فالعالم الذي جعلته شعيرة الانترنيت قرية صغيرة، تحت تصرفك بمعلوماته واخباره الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية وفي جميع المجالات، بمجرد ضغطة رقيقة على زر ما، وتحريك (الفأرة) على المنضدة الى جهة ما، لكن الاكثر جاذبية هي غرفة (التشات) او (المحادثة) فهنا تستقبل الاصدقاء والصديقات من مختلف انحاء العراق والعالم وتدور بينكم دردشة لا تتوقف عبر موضوع معين،
ولا تنقصها الخلوة اذا اردت لتوصل همسة رقيقة او عبارة غزل جامحة فبامكانك الحصول على عناوين لا تنتهي لعشاق وعاشقات ادمنوا تبادل (الدردشة).
والبغداديون (الزكرتية) وارباب وربات العوائل، الذين كانوا يسمرون سابقا و(يتعللون) على شواطئ دجلة في (ابو نواس) و(الاعظمية) و(الكراج) و(الكريعات)، بعد ان يتناول افراد العائلة (الساهرة) او (الشبان) (العزاب) عشاءهم العراقي اللون والطعم والرائحة، السمك المسكوف وخبز التنور والطرشي والتمر، واللبن المثلج، (الزبادي) افتقد هذه الامسيات والرفاهية، بفقدانهم الامن والامان، فتشرنقوا في بيوتهم، واقفلوا الابواب على انفسهم بعد ان حصنوها ودرعوها واحتاطوا لانفسهم، وبخاصة بعد مغيب الشمس، حيث تتحول بغداد الى مدينة اشباح مقفرة الشوارع الا من قوى الشرطة والجيش والمسلحين المجهولين ذوي الغايات والاهداف المختلفة، والحراس الشعبيون، ابناء الاحياء الذين اخذوا على عاتقهم مهمة حراسة احيائهم، بيوتها ومحالها التجارية واسواقها، وورشها، ومعاملها، ومساجدها وحسينياتها، ودوائر الحكومة، ومقرات الاحزاب الغافية خلف ستائر الاسمنت المسلح.
لكن الليل البغدادي لم يفقد سامريه متعة السهر حتى في غرفهم المغلقة، في بيوتهم المحصنة، فقد وفر الانترنيت، معجزة العصر وسيلة فعالة للهرب من واقع بغداد المضجر والمثير للرعب والفزع، الداعي الى العزلة والانكفاء، وللاتصال بالاخرين، واذا كان (الانترنيت) قد شكل ادمانا خاصا في بلدان اخرى لا تعاني ما نعانيه نحن في العراق، الامر الذي الجأ الكثيرين الى ملازمة غرفهم وبيوتهم اختيارا، مسرورين بمدى المتعة التي توفرها لهم اتصالاتهم واحاديثهم مع اصدقائهم وعشاقهم على الجانب الاخر من النهر الانترنيتي، فقد تعذر علينا نحن البغداديين زيارة اقربنا واصدقائنا في جانب الرصافة، الجانب الشرقي من دجلة الخالدة.
لهذا اصبحنا اصدقاء متلازمين، وخدمة ياهو ماسنجر وغرفة التشات، ودفتر عناوين البريد الالكتروني، وقد هونت الدردشة المكتوبة والمسموعة معاناتنا من العزلة، ووفرت علينا مخاطر الانتقال عبر شوارع لا تدري متى تنفجر فيها السيارات او العبوات الناسفة، او متى تسقط عليها حمم المورتر(الهاونات).
ومنذ تفجير مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري (ع) في سامراء، في شباط الماضي، وموجة العنف الطائفي لم تتوقف، وبغداد، هي المدينة الاكثر معاناة من مدن العراق، ويصعب احيانا التنقل في شوارعها حتى بين الاحياء المتجاورة فكثيرا ما تغلق شوارع احياء الاعظمية وحيفا والكرخ والعدل والفضل والعامرية، وعندها تموت الحركة او تشل وتتقطع اوصال بغداد، هذا اذا لم تعلق الحكومة لافتة منع التجول في العاصمة في مناسبات محددة وفي ظروف معينة، في ايام غير يوم الجمعة، الذي لم نعد نأمل ان نرفع فيه منع التجول، وحرمنا فيه من اسواق الجمعة البغدادية، ومن قضاء العطلة الاسبوعية في زيارة بعض معالم العاصمة او التنزه في حدائقها او زيارة الاقارب والاصدقاء واداء بقية الالتزامات والفعاليات الاجتماعية، الامر الذي رسخ الرغبة في الالتصاق بشاشة الحاسوب والتعامل مع الخدمات الانترنيتية، كبديل امن ومحبب وسهل للتواصل مع العالم.
والليل المقفل في هذه المدينة اعتبارا من الساعة التاسعة مساءا حتى الفجر، وحملات العنف المتبادل، والتهجير القسري، اعطت البديل الانترنيتي قيمة اعتبارية اكبر من قيمته الحقيقية وما زاد اللهفة عليه هو انقطاع التيار الكهربائي ساعات عديدة، وانطفاء اجهزة الحاسوب وانقطاع التواصل عبر شبكة الانترنيت اضافة الى الوحشة والشعور المرضي بالوحدة الى جملة نواحي المعاناة الاخر لدى المواطن البغدادي.
تقول سوسن عبد الحميد، التي تعمل سكرتيرة في احد المكاتب في ساعات محددة من النهار:
-اصل الى المكتب متأخرة دائما، واتركه مبكرة أي قبل انتهاء الدوام، كي استطيع الحصول على واسطة نقل تقلني الى الحي الذي اسكنه، وخلال رحلة الذهاب والاياب (أيدي على قلبي) خوفا مما تخبئه الاقدار، ولا تنس ان حركة المرأة في شوارع بغداد لم تعد مأمونة بشكل اكثر في درجة الخطورة من الرجل، فهي مستهدفة من جهات عديدة في مقدمتها عصابات الجريمة، وبعد الدوام.. لا اذهب الى أي مكان الا الى زيارة الطبيب او اداء واجب اجتماعي ملح، كحضور جنازة او حفلة زفاف، ولم ار العديد من اقاربي وصديقاتي منذ عدة شهور، برغم انهم يسكنون في بغداد وفي احياء ليست بعيدة كثيرا لكننا نلتقي عبر دوائر شبكة الانترنيت يوميا تقريبا ونتبادل الاخبار والاحاديث واغلبها عن الوضع الامني المتفجر في بغداد، ونسبة قليلة منها عن اخبار عدد من الصديقات والاقارب من خطب ومن تزوج، ومن نجح في الامتحانات وقبل في الجامعة، وبقية الاخبار الاجتماعية واصبح لدينا تقليد نكرره في ختام كل حديث مع الاصدقاء والاقارب، هو الدعوة بالسلامة والبقاء حتى اللقاء القادم، وتؤكد، سوسن، ان الجنون خارج البيت وفي الشوارع يفقدني اعصابي.
*وماذا تفعلين في ساعات انقطاع الكهرباء؟
-لدينا مولدة خاصة صغيرة، تشغل عددا كافيا من الاجهزة، ومن جملتها الحاسوب، لكننا نواجه صعوبة شديدة في الحصول على الوقود، وبخاصة ايام الازمات وحين يشتد الطلب عليه، ولا ندري كيف ستكون احوالنا في الشتاء، فقد عانينا الامرين في الصيف للحصول على (البنزين).
اما مقاهي الانترنيت، فقد انكفأت الى داخل الاحياء، وصارت تعتمد في عملها على بناء هذه الاحياء من الشباب والمراهقين من الطبقة الاكثر فقرا او دون الطبقة المتوسطة التي تكاد تنتهي في بغداد، فقد هاجر اغلب افرادها، اما الى خارج العراق او الى المحافظات الشمالية، او الجنوبية، بحسب درجة الامان، وتوفر فرص العمل.
وتبيع اغلب مقاهي الانترنيت في هذه الاحياء بطاقات الاشتراك فيها بما يساوي 40 دولارا شهريا، وقد جذبت اعدادا كبيرة من الشبان والمراهقين، الراغبين في اقامة علاقات صداقة مع اندادهم في العاصمة، او في المحافظات او خارج العراق، ولم تكن خدمة الانترنيت مسموحا بها ايام النظام المباد، لذا فهي ما زالت جديدة على العراقيين، ولكنها تنتشر بسرعة هائلة، مستفيدة مما تقدمه لها الاقمار الصناعية من سبل سهلة للوصول الى ابعد المناطق في البلد.
ويمكنك بسهولة ملاحظة انتشار شركات خدمة الانترنيت في انحاء بغداد والعراق، مستغلة الاتصالات الجديدة عالية التردد عبر الاقمار الصناعية والتي تجعل امكانية انشاء مزود صغير بخدمة الانترنيت ميسورة دون الاعتماد على الاطلاق على اية بنية تحتية تخضع الى سيطرة مركزية، بينما كان النظام المباد قد ربط العراق رسميا بشبكة الانترنيت عندما انشأت الحكومة شركة لخدمات الانترنيت عام 2000، غير ان الاتصالات الخاصة كانت مخطورة، واغلق مزود الخدمة القانوني الوحيد، سبل الوصول الى مواقع البريد الالكتروني، ومواقع الدردشة، (غرف التشات).
ويقول السيد علي يوسف، الذي تدير شركته (أتفوزون) اربع مزودات بخدمة الانترنيت في مناطق مختلفة ببغداد، انه يشترك في اتصالات عالية التردد، عبر القمر الصناعي لدى شركات بالكويت والامارات العربية المتحدة. ويقول ان احد مزودات الخدمة التابعة لشركته يتمتع بسرعة اتصال تصل الى اثنين ميجابايت في الثانية، وتتكلف نحو سبعة الاف دولار شهريا عبر القمر الصناعي، وهذه السرعة مشابهة لسرعة الاتصال عبر التردد العالي من منزل واحد في معظم البلدان العربية.
ويضيف السيد علي قائلا:
يبيع هذا المزود الخدمة الى 200 مشترك في ثلاث ضواح ببغداد، محققا عائدا اجماليا يبلغ ثمانية الى تسعة الاف دولار.
وتقوم المولدات الخاصة، بتزويد المناطق التي توجد بها مستقبلات لاسلكية، بالكهرباء خلال النهار بواسطة بطاريات تنتج نحو 200 امبير لكي تظل عاملة دون انقطاع خلال الليل. والانترنيت عدسة لرؤية مشاهد كثيرة بوضوح اكثر، ومكان للبحث عن الحب والصداقة والمعرفة والعلم والاتصال بالعالم، هو عالم فسيح متفتح على خدمات لا تنتهي وتتقدم بالبشرية مشاوير طويلة ومهمة في نهج الحضارة ويوفر على مستخدميه مشقة الانتقال للتسوق والاعلان وحتى العمل، لكن هذه المجالات لم نلجها بعد في عالمنا الانترنيتي الذي ما زال بدائيا كما نظن برغم اننا نراه سعة الكون، ومتقدما وحضاريا بما لا تستطيع وصفه الكلمات، وهو اليوم مهربنا، وطريق هروبنا من واقعنا المرير، اليه وعبره.



http://www.almadapaper.com/sub/11-805/p10.htm#1[/font]
مرحبآ بكم في منتديات عنكاوا كوم