كانت الشّمس آيلــة للغروب ؛ خرج أبو صابر من داره
( دار لم يبقى منها إلاّ جدارين ؛ فقد تساقطت عليها قذيفــة صاروخيّـة ) !
ملابســه رثّـــة قد أكل منها الدّهر وشرب ! مشى في شارع ترابي ؛
لقيــهُ متسوّل طلب منه ( صدقــة ) أخرج من معطفـــه الف دينار
( العملة الحالية للعراق الجديد ) قال للمتســوّل :
عندي خمسة آلاف دينار ؛ لك ألف ولي أربعة آلاف ؛
والى الغد الله المدبّر ..
في تلك اللحظـة مرت سيّارة دوريّـة عراقيّــة ؛ ترّجـــل منها
عسكري وآقترب من ابو صابر ومــن عينيــهِ يقدح الشّـــرّ !
قال لأبو صابر : هويّتك .. أخرج أبو صابر من معطفـهِ هويّته ؛
تلقّاهـا العسكري بعصبيّــة ؛
وأضاف : ماهـذه الملابس الرّثة التي انتَ ترتديها ؟
ــ لم يبقى لي من متاع الدّنيــا غيرهــــا !
ــ ماذا تعمـل هنـــا ؟ ومـن هذا الصّبي الذي معكَ ؟
ــ هذا مجرّد متسوّل يبحث عن رزقــهِ .
ــ من أي طائفــة أنــتَ ؟
ــ أنا عراقـــي .. أبن هـــذا الوطـــن !
ــ هل أنتَ تتعاطــى بالمخــدّرات ؟
ــ فتّشــني سـيّدي .
ــ أنا رأيتك من سيّارتنا ترمـي شـيئاً رميتــهُ بعيداً !
ــ والله العظيم أنا مواطــن من الدّرجة العاشرة !
وليس لي ايّ علم عن ما تتحدّث عنـــهُ ســـيّدي .
ــ اركب معانــــا ؛ بعدئــذٍ ستعرف كلّ شئ .
اركبه العسكري بالسّيارة .. قالَ لهُ احدهم :
أخبرنا بحقيقة شخصيّتكَ ونحنُ سنطلق
ســـراحكَ حــــالاً !
ــ ابو صابر : قلتُ للأخ العسكري .. أنا مواطـن عراقي !
في مركز الشّـرطـة .. أدخلوهُ في غرفــة بلا نوافذ ؛
أشبعوهُ ركـلاً ولطمـا على وجههِ ؛
وكسروا له ثلاثـة أســـنان ! وبعد أن لم يجدوا فيهِ علّــةً
أو ذنبـــاً ؛ أخرجــه احدهم للخارج مودّعــاً إيّـــاهُ بركلــة مُحترمــة !
خرج أبو صابر من هناك ولم ينطق بكلمـة واحدة ؛ مسح فمــهُ
بمنديل عتيق وأزال قطرات الدّم حول شفتيهِ ! كان المتسّول بآنتظارهِ ..
قال له : لقد آشتريتُ ( لفّتـــان ) من حمّص بطحينــة ؛
واحدة لي والأخرى لكَ بـ ( الف دينــار ) !
مسك أبو صابر بيد المتسّول بكل قوّة بعد أنّ قبّلـــهُ بحرارة ؛
قائـــلاً : دعنــــا نمشي من هذا المكــان المشـــؤوم !
وغاصـــــا في عتمــة المســــاء ؛ لأنّــهُ لم تكـن
هناكَ إنارة تضئ الشّــــارع !!
وا أســــفاع عليك ياعراق الخيـــر والرّفاهيـــة ! بات شعبك
يتكوّن من الفقـــراء والمتسوّلين
والأيتـــــام والأرامــــــل ! بعدمــا كنــتَ ( سلّة الخبز )
ومضيافاً كريمــاً لكل عابر سبيل !
لعـــن الله كـلّ مــنْ كانَ السّـــــبب !
لعـــن الله كـلّ مـنْ كانَ السّــــــبب !
* بقلمـي *