المحرر موضوع: أبو صابـــــر .. والمتســوّل !  (زيارة 1812 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نادر البغـــدادي

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 12144
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

 كانت الشّمس آيلــة للغروب ؛ خرج أبو صابر من داره
 ( دار لم يبقى منها إلاّ جدارين ؛ فقد تساقطت عليها قذيفــة صاروخيّـة ) !
 ملابســه رثّـــة قد أكل منها الدّهر وشرب ! مشى في شارع ترابي ؛
 لقيــهُ متسوّل طلب منه ( صدقــة ) أخرج من معطفـــه الف دينار
 ( العملة الحالية للعراق الجديد ) قال للمتســوّل :
 عندي خمسة آلاف دينار ؛ لك ألف ولي أربعة آلاف ؛
 والى الغد الله المدبّر ..
 في تلك اللحظـة مرت سيّارة دوريّـة عراقيّــة ؛ ترّجـــل منها
 عسكري وآقترب من ابو صابر ومــن عينيــهِ يقدح الشّـــرّ !
 قال لأبو صابر : هويّتك .. أخرج أبو صابر من معطفـهِ هويّته ؛
 تلقّاهـا العسكري بعصبيّــة ؛
 وأضاف : ماهـذه الملابس الرّثة التي انتَ ترتديها ؟
 ــ لم يبقى لي من متاع الدّنيــا غيرهــــا !
 ــ ماذا تعمـل هنـــا ؟ ومـن هذا الصّبي الذي معكَ ؟
 ــ هذا مجرّد متسوّل يبحث عن رزقــهِ .
 ــ من أي طائفــة أنــتَ ؟
 ــ أنا عراقـــي .. أبن هـــذا الوطـــن !
 ــ هل أنتَ تتعاطــى بالمخــدّرات ؟
 ــ فتّشــني سـيّدي .
 ــ أنا رأيتك من سيّارتنا ترمـي شـيئاً رميتــهُ بعيداً !
 ــ والله العظيم أنا مواطــن من الدّرجة العاشرة !
 وليس لي ايّ علم عن ما تتحدّث عنـــهُ ســـيّدي .
 ــ اركب معانــــا ؛ بعدئــذٍ ستعرف كلّ شئ .
 اركبه العسكري بالسّيارة .. قالَ لهُ احدهم :
 أخبرنا بحقيقة شخصيّتكَ ونحنُ سنطلق
 ســـراحكَ حــــالاً !
 ــ ابو صابر : قلتُ للأخ العسكري .. أنا مواطـن عراقي !
 في مركز الشّـرطـة .. أدخلوهُ في غرفــة بلا نوافذ ؛
 أشبعوهُ ركـلاً ولطمـا على وجههِ ؛
 وكسروا له ثلاثـة أســـنان ! وبعد أن لم يجدوا فيهِ علّــةً
 أو ذنبـــاً ؛ أخرجــه احدهم للخارج مودّعــاً إيّـــاهُ بركلــة مُحترمــة !
 خرج أبو صابر من هناك ولم ينطق بكلمـة واحدة ؛ مسح فمــهُ
 بمنديل عتيق وأزال قطرات الدّم حول شفتيهِ ! كان المتسّول بآنتظارهِ ..
 قال له : لقد آشتريتُ ( لفّتـــان ) من حمّص بطحينــة ؛
 واحدة لي والأخرى لكَ بـ ( الف دينــار ) !
 مسك أبو صابر بيد المتسّول بكل قوّة بعد أنّ قبّلـــهُ بحرارة ؛
 قائـــلاً : دعنــــا نمشي من هذا المكــان المشـــؤوم !
 وغاصـــــا في عتمــة المســــاء ؛ لأنّــهُ لم تكـن
 هناكَ إنارة تضئ الشّــــارع !!
 وا أســــفاع عليك ياعراق الخيـــر والرّفاهيـــة ! بات شعبك
 يتكوّن من الفقـــراء والمتسوّلين
 والأيتـــــام والأرامــــــل ! بعدمــا كنــتَ ( سلّة الخبز )
 ومضيافاً كريمــاً لكل عابر سبيل !
 لعـــن الله كـلّ مــنْ كانَ السّـــــبب !
 لعـــن الله كـلّ مـنْ كانَ السّــــــبب !
    * بقلمـي *