المحرر موضوع: "لكي لا يسير الشعب كلّه في طريقه الى الضياع"  (زيارة 1464 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل david gorgius

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 5
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
"لكي لا يسير الشعب كلّه في طريقه الى الضياع"

عَلام نقتُلُ بعضنا البعضْ؟
تُرى متى إكْتَشفنا بأننا اعداء للبعض الأخر!
متى امسى هذا الوطن المسمّى "العراق" لا يتسِعنا، لمجرد إنّنا مختلفون في الأنتماء لهذا الدين او ذاك، لتلك الطائفة او هذه، لهذا الأثنوس او ذاك!
متى تولّدَتْ فينا هذه الرغبة في انْ نَنْخَرَ بعضنا البعض لمجرد الأختلاف في الأنتماء!
ألمْ نَعِشْ في هذا الوطن عُقودٍ طويلة رغم كل ذاك وهذا الأختلاف!
ما الّذي حَدَثْ؟
هلْ تغَيّرنا في ليلةٍ وضُحاها؟
أمِنْ المعقولِ أنْ نوغِلَ عميقاً في هذا الأجرام الّذي نعيشه كلّ لحظةٍ ونمضي به قُدُماً حدَّ انْ نَفْني بعضنا البعض!
أَيُعْقَلْ إنّ الحياة بهذا الرخص وليس لها ايّةِ قيمة في قواميسِنا!
أيّةِ نوازع لا إنسانية إسْتيقَضتْ في بعضٍ منا، وما هي يا ترى هذه النوازع؟
اينَ كانتْ إذنْ مخفية مثلَ تلك النوازع؟
ولماذا؟
هذا السؤال المُلِحُ بات يؤرّقُنا مع مرور الأيام :
لماذا نَقْدِمْ على قتل الواحد الأخر؟
لماذا يُحَلِلْ واحِدُنا دَمَ الأخر؟
لماذا يكَفّر واحدنا الأخر؟
ألأننا مختلِفون في طريقة التفكير وفي اسلوب الحياة؟
لكنْ يا سادتي هذا ليس بالجديد، وقد مارسناه وعشناه سوية ولعقود طويلة!
أم لأنّ هذا شيعي وذاك سنّي، هذا مسيحي والأخر مسلم، هذا عربي وذاك كردي، هذا أشوري وذاك مندائي او ايزيدي او يهودي...الخ!
وهذا ايضاً ليس بالجديد على شعب العراق، إنّه تاريخنا المشترك بهذه الفسيفساء منذ القِدم.
   * * *

إنّ النفس البشرية خُلِقَتْ لكي تَعيش أيها الطائفيون والظلاميون.
وليس من حق أية قوةٍ او كائن من كان أنْ يَسلَبَ النفس البشرية حقها الطبيعي والشرعي في الحياة.
الحياة هي الغاية الأسمى للأنسان في هذا الوجود وليس هناك اي  شئ اخر يسمو عليها.
أمّا الأختلاف بين شخص واخر في طريقة التفكير والطبائع والسلوك، فهي وسائل يسعى من خلالها الأنسان لأنْ يعيشَ حياته كما يريد.فلا تأتونا بأحكامكم المنحدّرة من كهوف وعصور الظلام "لِتَخْلَقوا" لنا وسائل بديلة لا يقبلها العقل ولا الضمير ناهيك عنْ العصر.
فكِّروا قليلاً إنْ كنتم قادرون على ذلك : إن التاريخ لا يرجع إلى الوراء وليس بامكانكم ايقاف زحفه، فكل شئ سائر الى التغيير، وقيل قديماً إنّ المرء لا يسبح مرتين في مياه النهر.
نعم كل شئ، دون استثناء، سائر الى التغيير. حتى انتم، اذا لم تتغيروا فسوف يلفظكم التاريخ.
اسمعوا ما يقوله احد شعرائنا:
آياتٍ
نَسَخَتْ
آياتْ
وتريدُ لِرأسِكَ أنْ يبقى
جلموداً
لا يتغيّر والسنوات
..........
يا هذا الفان
وَلْتَنْظر
كيف تحاور ربُّكَ والشيطان
أكَثيرُ انْ تَتعلّم
كيفَ تُحاوِرُ أنسان
                                                                         * * * 
تُرى ماذا يستطيع أنْ يَنْتُجْ هذا الفكر الطائفي الظلامي المتصحّر؟
لا شئ سوى الجدبْ كجدبِ الأرض المتصحّرة الّتي لا ينبُتُ فيها اي شئ.
فحينما يتصحّرُ الفكر تتصحّر النفس الحاملة لهذا الفكر.
وعندما تتصحّر هذه النفس تَفْقٍدُ إحساسها وعاطفتها
وعندما تفقد إحساسها وعاطفتها تتحوّل إلى رمال وصخور واشواك لا اكثر.
فالرمال تزحف تدريجياً لِتَقتل كل ما هو اخضر يرمز للحياة محاولاً الأتساع.
والصخور هي الأخرى لا ينبتُ عليها اي شئ يدلُّ على الحياة.
(...فتحت الصخر كلسُ... تحت الكلس جذور العقل الظلامي) على حد تعبير مصطفى جحا!
اما الأشواك فانّها توخز الأنسان حد النزيف تماماً كما يفعل الظلاميون والطائفيون.

* * *

مَنْ إتَمَنَكُمْ على رِقابِنا وضمَائرنا وأُمهاتنا وَلَدَتنا أحراراً؟
مّنْ خوّلَكُمْ في انْ تَفرِضوا علينا ما تؤمنون وتفكرون به؟
منْ اعطاكم الحق في انْ تقتلونا لمجرّدَ إننا نختلف معكم في الرؤية ونرفض منطق قتل الحياة، فالحياة ايها الظلاميون حق مشروع لكل بني البشر؟
ايّة شرائع تلك الّتي تسعوَن من اجلها بقوة السلاح ومنطق التكفير كي تسلبونا حريتنا وحقنا في انْ نَخْتَلِفَ مع الأخر؟
اي منطق هذا الّذي يبيح قتل منْ لا تتفقون معه؟

* * *
إلبسوا ما شِئتم من العمامات
بيضاء كانتْ أم سوداء او خضراء
قَصّروا، إنْ شِئتُمُ، سراويلكم حتى تصل الرِكبة
وأطلِقوا لحاكم مع الشارب او بدونه كما تشاؤون
لكنْ لا تفرِضوا الحجاب على النساء عنوةً
وليس مِنْ حَقِكمْ انْ تفرِضوا على الرجال إطالة اللحى
ولبس السراويل الطالبانية
فوالله ما اقبح شكل هذه اللحى المنفوشة
وتلك السراويل الغريبة في شكلها.

* * *

كل سور القرآن، عدا واحدة منها، تُفْتَتَحْ بالقول:
"بسم الله الرحمن الرحيم"
فلماذا لا يكون  "الله" رحيماً في تفسيركم الأرهابي!
لماذا تحولون هذا الله، الّذي هو المحبة والجمال والسعادة والخير، ألى شئ اخر؟
تحولونه إلى اجتهاد للتكفير والتخوين والقتل.
لماذا لا تلتزمون بكتاب الله، الّذي تتهافتون ليل نهار بجعله منار "هُداكم" لكنكم في الواقع تحرقون هذا الكتاب بافعالكم الشنيعة؟
لماذا هذا الله في البلدان الّتي تنعتونها ببلاد الكفر يتجلّى في المحبة والسعادة والخير والتسامح وقبول الأخر، بينما هو عندكم يتجلّى في انكار الأخر حد نحره لآنه مختلف عنكم؟
الله عندكم يتجلّى في التكفير وليس التفكير.
يتجلّى في إعدام الأخر حياته.
يتجلّى في الشر وكره الحياة وتحريم السعادة
وحتى تحريم لعبة كرة القدم!
لِنَعِدْ قليلاً إلى القرآن وماذا يقول الله فيه؟
إنّه يقول:
"وانّا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا فيما بينكم"
نعم انه يقول: لتعارفوا ولم يقل لتتقاتلوا وتفنوا بعضكم البعض.
فلماذا لا تتلزمون بما تروجون له دجلاً ليلاً ونهاراً؟


* * *
يقول كتاب الله" أنْ لا إكراه في الدين"
لكنكم بافعالكم تديرون ظهوركم عنْ هذا القول؟
إذْ ماذا يمكن أنْ نسمّي قتل أصحاب الديانات الأخرى؟
إنّكم تزعمون بانّ المسحيين واليهود والصابئة المندائيين والأيزيديين كفرة يجبُ قتلهم أو ارغامهم على إلدخول في الأسلام.
ترى! أليسوا اصحاب رسالات سماوية مثل ما هو الأسلام ويؤمنون بنفس الأله الّذي تؤمنون به؟
ألمْ يوصي كتابكم المقدس "القرآن" باحترام اصحاب الرسالات السماوية؟
لماذا تديرون ظهوركم عنْ ذلك؟
ثمّ اليس غريباً كلّ الغرابة في أنْ تعترفوا بأنبيائهم وكتبهم لكنّكم من الناحية الأخرى تعتبروا اتباعهم كفرة تجبُ محاربتهم إلى أنْ يعلنوا التوبة ويدخلوا الأسلام او يلاقوا مصيرهم وهو القتل!
أينَ إذنْ القول بأنْ "لا إكراه في الدين"؟
هل هو قول لم يعِدْ له أثرُ في هذا الزمن الفاجر زمن الأرهاب الطائفي الديني المقيت، زمن إلغاء الأخر فكراً وحياة ووجوداً؟
* * *

بالأمس القريب إختطفتم كاهناً مسيحياَ
في البداية ساومتم اهلهُ على سعر للأفراج عنه بالدولارات!
نعم بالدولارات وليس بالدينار او الريال او الدرهم
او التومان! يا للعجب!
لكنكم مع ذلك نَحَرْتُم هذا الكاهن المسالم
الذي لم يجلب الأذى لأيّ انسان
بل كان يصلّي لربه كي بنقذ العراق، وطنه، من محنته!
إقترفتم جريمتكم بنحر الكاهن واعلنتم بأن عملية النحر تمّت في برميل
وعلّلتم فعلتكم الشنيعة هذه لكي لا يدنّس دمه "النجس" ارض الأسلام!
لذا اسئلكم يا مَنْ نسلكم ينحدر من نسل الذئاب وليس البشر!
من انتم؟
وماذا تريدون؟
انا لا افهم، كما غيري، حِقدكم الدفين هذا على بني البشر!
ألأنّ هذا الكاهن كان "ازرق العينين" لذلك وجهتم نٍصالكم المسمومة الى روحه الطاهرة وازهقتموها.
لم يكُنْ هذا الكاهن ومثله المئات من الكهنة المسيحيين في العراق اميركياً او بريطانياً
او فرنسياً او إيطالياً او...أو..او...
بل كان عراقياً ومن أرومة العراق اباً عن جد.
جذوره تمتد عميقاً في سومر واكد واشور وبابل.
لعمري انكم قوم ينطبق عليكم المثل القائل:
"أمُ سَقتك الغيل من غير حَبَل"
لأنّكم تدينون الأخر من دون ذنب وتقصونه حد حرمانه الحياة.
لكن يبقى السؤال قائماً!
من انتم؟ ومن اين جئتم؟
اي ارض لفظتكم لقطاء في غفلة من التاريخ؟
نعم لقطاء
لا اصل ولا هوية ولا تاريخ لكم!
وهذا الّذي يجعلكم تتمادون في ممارسة كل هذا الأجرام
 من خطفٍ وقتلٍ ونحر رؤوس
علّكم من خلاله تستطيعون كتابة "تاريخكم" .
لكن هيهات
فمثل هكذا صفحات سوداء سوف لن تدخل تاريج البشرية مطلقاً!


دعوني باسم منتسبي هذه الأديان أنْ أطمئنَكم يا رهط الأرهاب الطائفي الديني وأقول:
بأنّ اصحاب هذه الديانات لهم عراقة عميقة في تاريخ هذا البلد فهم من اسسوا حضارته وهم الّذين ارسوا معالمه العلمية والفكرية والثقافية والروحية والجمالية قبل أنْ يمارس التاريخ غَلطته ويخلقكم طفيليون على هذه الأرض المقدسة الّتي تريدون حرمانها من نسغها الّذي غذاها طوال هذا التاريخ الممتد على مدى سبعة آلاف سنة.
هم ليسوا بوافدين اليه ابداً، وهم لا يشعرون بخجل كونهم مواطنوا هذا البلد ولم يُثلمْ تاريخهم وشرفهم فيه وهم الوجه الحضاري والجميل لهذا البلد. إنهم جميلون مهما حاولتم تشويه ذلك وإلصاق كل وساخاتكم بهم ، وعليهم بالذات ينطبق
قول الشاعر السمؤأل:
"إذا المرء لَمْ يُدْنَس من اللوم عرضه     فكلّ رداء يرتديه جميلُ".


* * *


لقد نصبّتم من انفُسِكم آلهة على رِقابنا.
وجعلتم من السماء المصدر الّذي تتلقون منه الأحكام والفتاوي الظلامية.
وأخَذتم، وعلى ضوء ذلك، تَعْبَثونَ بمصائرنا كأننا ذباب وليس بشر.
لقد صدق شكسبير وعلى لسان بطله الملك لير حينما صرخ قائلاً:
"مثلما الذباب للصبية العابثين كذلك نحن للآلهة.
انّهم يقتلوننا في لهوهم ".

* * *

كلا، لا يحق لكم الأدعاء بأنّ السماء توحي لكم
وانها ارسلتكم لكي "تطهروا" الأرض من "شرورنا" نحن ابناء الأرض!
فالسماء بريئة من إدعائكم
السماء هي رئتنا الّتي من خلالها نستنشق هواء حياتنا النقي
وما انتم إلاّ مخلوقات تحاول تسميم هذا الهواء النقي لأنكم اعداء الحياة.
"إنّ الحياة نبع فرح فياض، لكنّ حينما يكرع السفلة والغوغاء تتسمّم كل الأبار" على حد تعبير نيتشة.

* * *

إنّنا بحاجة يا قوم إلى التعقل، إذا كان هناك متسع للوقت والمكان،
 لكي يُمكننا التوقف امام هذه الحالة المأسوية التي اوصلتنا اليها كل السياسات السابقة واللاحقة.
حيث لم تَعِدْ كرامة لم تُهان ولا حياء لم يُمَسْ من قبل كل الطغاة والسفلة.
ألا يجدرُ بنا أنْ نعمل على أنْ لا يسير "الشعب كله في طريقه الى الضياع"؟

الدكتور داود كوركيس[/b][/size][/font]