المحرر موضوع: يوميات مدينة/الجزء الثالث  (زيارة 1412 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الستار نورعلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 182
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


يوميات مدينة/الجزء الثالث



عبد الستار نورعلي



* السبت  16 يناير 2010
الساعة 13.00 / المكتبة العامة



هذهِ الأضواءُ تغزو العينَ والرؤيةُ صفرٌ

وأنا أسمعُ جازاً يطرقُ الأسماعَ
كالماء الذي ينسابُ في جدولِ هذا الكونِ
نحو البئرِ ، والبئرُ صموتْ

سمعَ الصدِّيقُ صوتَ الذئبِ
في ألسنةِ الإخوةِ
والذئبُ براءٌ من دمِ الماءِ
فيابئرُ ارفقي
فالطفلُ في خاصرةِ الحُلْمِ انتظارٌ
نازفٌ سبعاً سماناً
في تواريخ الممرّاتِ العجافْ

كانتِ الرؤيا نجوماً في سماءِ القمر البازغِ
والشمسُ سجودٌ، وبقايا السِـفر ظلَّـتْ
تُمطرُ الريحَ ، انطفاءَ العينِ
في البيتِ العتيقْ

ودمُ الأنيابِ مرسومٌ على لحم الأشقّاءِ
اهبطوا، بعضٌ لبعضٍ لعنةٌ
والجنةُ الموعودةُ الدانيةُ الأعنابِ
والأرطابِ والشهْدِ المُصفّى غربةٌ
في غابةِ الطوفانِ والقُمّلِ
والطاعونِ والليلِ وأفواهِ الحريقْ




* الخميس 11 فبراير 2010
الساعة 14.00 / المكتبة العامة



في حانةٍ في شارعِ الرشيدِ
همٌّ  وسُكارى
وغناءُ الحزنِ مبحوحٌ
صراخٌ ، هذرٌ ، ضحكٌ ، بكاءْ

الجنديُّ العائدُ من جبهات الحربِ
أمامي في الكرسيّ الخشبي

كأساً ...كأساً ... تفرغُ مائدةُ الليلةِ
وسجائرُ تشتعلُ
وكلامٌ يبحثُ عن أجوبةٍ

وجهٌ أسمرُ شاحب
في فمهِ توليدُ الخوفْ

عينانِ تدورانِ

ـ هل تبحثُ عن شيءٍ ضاع هنا ؟
أم في رابية الحرب هناك ؟

سنواتُ رضاعةِ أحلامٍ
عشقٍ وخيالٍ قد ضاعتْ
من أيدي التاريخِ
سقطتْ في قارعةِ الحربِ المشتعلهْ

لا تطفئها أنفاسُ الأيامْ

وطنٌ في عينيه السوداوين الساطعتينْ

يتحدثُ عن وطنٍ ضاعَ هناك
بين بساطيل الجنرالات وسوط القائدِ

أطبقَ عينيهِ على الكرسيِّ ونامْ


* الاثنين 22 مارس/آذار 2010
الساعة 13,00/المكتبة العامة


* الشاعر:

يرتدي قبعةَ الريحِ ويلقي بعصاهْ
بينَ أمواج هياج البحرِ
والليلُ اقترابُ الرأس
منْ أجنحةِ النارِ ، وحلمٌ
أنْ يكونَ الصبحُ أعياداً لعشبِ النورِ
في قاربهِ المبحرِ نحو النبعِ
في فردوسِ آدمْ

ثمّ يصحو دهشةً تهبطُ
منْ علياءِ عينيهِ على الأفْقِ انبهاراً
صبحُهُ كرّاسةُ الرسمِ
فضاءُ الطيفِ في زاويةِ الشارعِ
صمتٌ بينَ أمواجِ المحيطْ
وخشوعٌ ، وخضوعٌ لمواعيدِ الهبوطْ


* الجمعة 23 تموز 2010
الساعة 13.00/المكتبة العامة

أمسكتُ العتمةَ منْ أذنيها

أقبلتِ الريحُ الباردةُ
تتماوج
الساعةُ واقفةٌ
تتراوحُ في قبو الماضي

ها نحن نجرُّ الأذيالْ
نحو كهوفِ دواخلنا

عيناكَ العصفورانِ يقتفيانِ
أثر َ الشمسِ
وثمارَ الأشجار

حبّـاتُ اللؤلؤ
المعقودةُ بالبؤبؤ
تنفرطُ
مثلَ الأغصانِ عن الأشجارْ

هل تلتقط الحباتِ
أم لا تحفلُ أن تنحدرَ
في الهوةِ بين الرملِ
وأعشابِ الحقلِ المسدود ؟

عيناك شهابان اقتحما التاريخَ وعادا
بخفي حنين

نعلاك تمزّقتا
من كثرة أشواك الدربِ
وقيعانُ الرغبةِ أصداء رنين الأجراس

أتواصلُ سيرَكَ بعد الساعةِ
أم أنّ الساعةَ واقفةٌ عند القدمين؟

تلك الأيامُ نداولها عشقاً
شوقاً ، عرَقاً ، نزفاً،
تاريخاً يتراجعُ
جغرافيا تحترق
وأناساً من شمع

المتحفُ حدٌّ ما بينَ الرغباتِ الكبرى
وجمود الأعصابْ

حين وقفْتُ بباب القافلةِ
رحلتْ منْ دون وداعٍ
أو وعدٍ بلقاءْ

صرتُ وحيداً
أتعرّى من جلدي
في دار الغرباءْ

نعق غرابٌ فوق الرأس
ذكّرني بسفينة نوح
أنتظرُ طلوعَ حمامة غصن الزيتون
أنتظرُ... أنتظرُ ...

ذبُلَ الغصنُ على الشاطئ
والطيرُ تقافز من رمل والى حجرٍ

رملٌ حرّاق
حجرٌ صوان
ورياحٌ هبّتْ عاصفةً
بوجوهِ الأشجار

العصفور الغافي فوق الغصن
تهاوى في النار

أنا مسروقٌ
أنا محروقٌ
أنا مشنوقٌ
في داخل أقبية الكتبِ
وعيون الناس

لم تُفتحْ نافذةٌ
رغم الأنواءِ ورغم الإعصار




* الأثنين 24 يناير  2011
الساعة 23.00



ماذا يحدثُ في هذي الساعة؟

الصمتُ حديدٌ صُلبٌ
لا يتغيرُ من حالٍ الى حال
رغم الدقّ الهائلِ بالمطرقةِ
منْ داخلِ هذا الصمت

أأنا أهذي
أم أنّ الوقتَ ثقيلٌ؟

لا أدري

مَنْ يدري؟

العلمُ لدى العرّافِ النائمِ
في كتبِ الصمتْ

دقاتُ الساعةِ تُشعلني
منْ قمةِ رأسي
حتى أخمص قدَمَي حَرفي

قالَ أبي يومَ وُلِـدتُ:
في حُلمٍ بالأمسِ
كانَ ينامُ على حدِّ القمرِ
هذا المولودُ وحيدي
فليسترْهُ الستّار

اليومَ أنامُ على حدِّ الرأسِ
وعلى جمرِ الأسرارْ

الليلُ سميرُ الحيرانْ
ونديمُ السكرانِ ونارُ العاشقِ
المحرومِ من النيرانْ

كنتُ أصلّي في محراب الكوكبِ
كوكبِ ذاك الشرقِ
وهي تغني:
"سهرانْ لوحدي
أناجي طيفك الساري"
فسهرْتُ لوحدي... ولوحدي
حتى آخر رمقٍ في الكأسْ
فامنحْني ياربّي كأسَ رضاكْ
حتى آخرِ رمقٍ في الجمرةِ

أنا أهواكَ فأطلقْ أجنحتي ويديّا
أمّا القدمانِ ففي السعيِّ
وأنا الحاملُ قلبي قنديلاً في الصحراءْ

ايامُ السبيّ توالتْ
منْ أيامِ التابوتِ  وأيامِ النعلينِ
وعمامتهِ

أنا ابنُ السبيِّ الدائمٍ
منْ غير كلامْ

أوقدتُ كلامي منْ جمرٍ
منْ زهرٍ
منْ ماءٍ
منْ عبقِ الأيامْ

فاستلوا الخنجرَ طعنوني
ومنَ الخلفْ،

نصفي الروحيُّ ينامُ الآنَ
في المشفى منْ غيرِ كلامْ
لا ينطقُ... لا يتحركُ
لا يسمعُ قولي ونشيدي ونشيجي
لا يسمعُني
فالآلاتُ الأنفاسُ ، الدمُ ،
رمقُ الروحْ *

اللهمّ اسمعْ ما أدعو
فلْيسمعْني
فالروحُ
منْ أمركَ
فاسمعْني!



(*) اشارة الى أخي في الرضاعة وتوأمي الروحيّ وصهري الذي نشأنا وتربينا معاً منذ اليوم الأول الذي وُلدتُ فيه ولم نفترقْ يوماً ، هو لاعبُ كرة السلة الدولي السابق وعضو المنتخب الوطني الكابتن داود سلمان رمضان (داوي) ، وهو في لحظة كتابة اليوميات هذه راقد في المستشفى غائباً عن الوعي يحيا على شبكة من الآلات والأنابيب يصارع المرض .


اسكلستونا/ السويد






غير متصل Enhaa Yousuf

  • مشرف
  • عضو مميز
  • ***
  • مشاركة: 1748
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.enhaasefo.com/
رد: يوميات مدينة/الجزء الثالث
« رد #1 في: 19:06 01/03/2013 »

ايها النص الممزوج بأمنيات لحياة جديدة

الممزق على ضفة الاحلام القديمة

انه هنا ... وفيٌّ لصديق العمر ورفيق الدرب الطويل

انه نداء الروح لبقاء الثمر عنوان لعمر الاشجار الجميلة

تحيات تعبق بالجمال لك اخي العزيز عبد الستار لهذا النص المبدع

انهاء