المحرر موضوع: بغــــداد  (زيارة 630 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نادر البغـــدادي

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 12144
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بغــــداد
« في: 14:47 24/02/2013 »



بغداد



سالم المساهلي


 إلى بغداد : مدينة التاريخ  وتاريخ المدينة



 أمَّ اللغات تضعضعت أركــاني       وتبعثر الإيقاع في ألحــــــــاني

 تتمزق الألفاظ صُلب عبـــارتي    والعِيُّ يعقد عَبرتي ولســــاني

 أرقٌ على حرق الفؤاد يهــــّدني   ويسيل ماء الصبر من شريـاني

 تترقرق الأوجاع بين جوانــحي    والنار تأكل مهجتي وجَنـــاني

 عبثا أحاول أن ألمَّ شتاتـــــــــها   نفسا تَساقطُ أنفُسا بكيــــــــاني

 يترنَّح التّـاريخ في أرجـــــــــائنا   ويموج مثل المفرد الحــــيرانِ

 قمرٌ يطلّ على الفرات مُشَّـــردا  يُخفي ويُبدي لوثة السّـــكرانِ

 لا شمس في بغداد تمسح حُزنها   لا صوت غير قنابل العــدوانِ

 هذا هو النّـبأ العظيم يهــزّنا     ويبيحنــــا للتّيه والغـــــــــثيانِ

 أهلي هناك أَحلَّ سفكُ دمائـهم    هتكَ الستور وكشفَ كلّ مُـدانِ

 ذي فتنة أونكسة أونكــــــــبة    أخرى تُعيد الـرّوح للأشــجانِ

 كانت فلسطين السبيّة والقضيّة    والقصيدةَ ، ها هما إثـــــــنانِ

 فتوزّعوا قمم التّفاوض جـدولا    لتبادُل الطّلقات والشّــــنَانِ

 يا أمَّة عبثت بجامع عِرضـــــها    وتدحرجت في البئر كالأشطانِ

 ما كنت أحسب أن أقوم مُشوَّشا    أرثي العراق ببالغ الأحـــزانِ

 قل للـرّجال الشمِّ في عليائـهم     فضّ العلوج بكارة الإحصــانِ

 داسوا على حرم العروبة شهوةً     وأشدُّ منه تناغمُ العُربــــانِ

 يتفيّـأون النّـخل ملء شمــــــــاتةً    تغلي بها الأحقاد من أزمـــانِ

 يترجرجون كما القطيـــع تهيُّبا     وتوجُّسا من هبَّة الجــــــدرانِ

 يستوطنون الـذّعر بين دروعهم    علَّ الـرّمال تمور في هيـــجانِ

 يتصفّحون خطى الجياد تطــلُّعا  لبداية التّكوين والعمـــــــــرانِ

 هارون كان هنا وكنا مطــــــلع    الشّمس المضيئة في ذُرى الأكـوانِ

 ذي بابل تلــكَ التي عنوانــــــــها    يستنطق التّـاريخ كـــــــلّ أوانِ

 ماجت بها العَرَصات حين فُجاءة     وآستسلمت لمجاهل القُرصـانِ

 غـصّ الفُرات بمائه وسمـــــائه    لهفاً على المجرى من التّيَهـانِ

 برح المهى أعطاف دجلة نافــراً     ياغربة الأمواه والحيـــــــوانِ

 فبم التعلل والرفاق تفــــــرقوا    وتنكر الخلاّن للخـــــــــــــلاّنِ

 وبم التحجّج والصحـائف أُتلفت    ومداد وحي الله كالغـــــــدرانِ

 قُبرت أدلة وصلنا بنسيــــجنا    ها أننا في التّــيه للأذقـــــــــانِ

 إني رأيت الآن كيف خــــيولنا    تعدو بلا هدف ولا عنــــــوانِ

 ورأيت رأي العين كيف جنـودنا    قد جُرِّدوا إلا من التُّـــــــــبانِ

 أُلقوا على وجه التراب كراهــة   يا ليتهم لثموه بالأحضـــــــانِ

 يا ليتــــــهم ـ والموت فعل لازم   لم يركنوا في ذلة وهـــــــوانِ

 عقّوا الحسين فلا لواء يشــــدّهم    وتقدَّموا في حِلية القُربــــــانِ

 ما أكثر الشجعان يوم خطابــــة     لكنهم في البأس كالأضعـــــانِ

 كم من " يزيد " عاث في أحلامنا    وأضافنا لحضيرة الغلمـــــانِ

 كم مرّث الأيام في أحداقـــــــنا     وأذاقنا الضرّاء في فنــــجانِ

 ذهب الذين الوعد صِنْوُ رقابهم    لايُستباح بباهض الأثــــــمانِ

 ذهب الذين النارُ نبض قلوبهم    لا يحفلون بجنة الســــــــلطانِ

 من ذا الذي يشفيك بعد ذهابـهم   يا درّة في معجم البلـــــــدانِ ؟

 لولا الملامة قلت ملء حماسـتي   ما لم يقله الله في الــــــــقرآنِ

 لولا الملامة والخلاق وهمـــتي   لركبتُ نزق الجن والشيــطانِ

 وقرعتُ أجراس الفسوق تمـرُّدا   وعصفت مثل الريح والطـوفانِ

 وحرقتُ رايات النفاق تحــــرّرا    وكنست كلّ النصب والبهــتانِ

 وفقأتُ عين الراصدين تنفــــُّسا   وهدمت كل مخافر الطــــغيانِ

 وهتفتُ في القطعان : يا شرالورى   هبُّوا إلى التبشير بالإنســـــانِ

 أو فلتعودوا الجاهلية ثانــــــــيا       ويعود شأن الوأد والأوثـــــانِ

 ولنركب الصحراء خلف " الشنفرى"    لكن بغير ملابس الخـــــــذلانِ

 ولنقتف " العبسي " في كـــرَّاته    لكن بصدق السّر والإعــــلانِ

 أو نتبع" الخنســاء " في تعديدها     لكن بحرق القلب والأجفــــانِ

 بغداد ماج الصّبر في نظراتــها     وبخلتُمُ بالوصل والفرســـــانِ

 سقطت نوارسها على أسوارها    وبخلتمُ باللحد والأكفـــــــــانِ

 ****

 نقِّل ولاءك حيث شئت فلن ترى    غير الذي يُغريك بالإذعـــــانِ

 يسقيك ماء النار دون كلالــــــة    ويريد منك وداعة الحِمـــلانِ

 ومن الصداقة ما يكون مطيّـــة    للذل والتفريط بالمـــــــــجَّانِ

 ومن العداوة أن تكون مُحـاذرا     ومدافعا عن حرمة الأوطـــانِ

 لا خير في الشرّين يُؤمن ظــلّه :     حُمم الغزاة ومَخفر الســـجّانِ

 من ذا يصدّق أنهم بجيوشـــهم    جاؤوا ببعض مبادئ الإحسانِ ؟

 كلّ الذي أدريه أن ظلالهم      لن تُستطاب وليس في الإمكانِ

 وسترجع الأيام رغم جموحـــها     ويعود طلع البشر للــــــولْدانِ

 ويفيض عشق الرافدين بيــادرا     تُغني ، وتفني موسم الحـرمانِ

 هذا نشيد الرّوح يطفح وجــــْدهُ     يشدو هواكِ بألف ألف لســـانِ

 هذا انعتاقُ الوصل من سكَراته    أعياه داء الحَبس والكتمـــانِ

 يا خيمة الأجداد يامُهــــرالرُّبى    إنّ الذي أضناك قد أضنـــاني

 لم أبك فقدًا أورثاء أوســدى     لكنه الحبّ الذي أبكانــــــــي

 هذي المواجع لن يغيب صهيلها    ستظل نبض الوحي والبرهانِ

 هذا هو الدّرَك السحيق وبــــعده    قاع الضياع ودفتر النســـيانِ

 هذا هو الفصل الأخير وبـــعده      لن يسمح التاريخ بالغفــــرانِ

 أوَّاه يا همم الرّجال توقــــــــَّدي    جدّي فإن الدّهر في ميَســــانِ

 آمنت بالإنسان حرّ ثائــــــــــرا    وكفرت بالأغلال والقضـبانِ