المحرر موضوع: بيزنطة تخطف البريق من روما  (زيارة 690 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عزت اسطيفان

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 50
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عزت اسطيفان

من كتاب صراعات الكنيسة وسقوط القسطنطينية 
 للاستاذ نجيب اسطيفان
     بيزنطة تخطف البريق من روما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقع بيزنطة في زاوية عند تماس الحدود الشرقية لقارة أوربا مع الحدود الشمالية الغربية لقارة آسيا ٠ يمتد في  شمالها القرن الذهبي والبحر الأسود وفي جنوبها بحرمرمرة . أسست تلك المدينة سنة 600 ق . م .من قبل بيزانس ، وهو قائد لمستوطنين يونايين قدموا من مدينة ميغارا  اليونانية .  عندما وقع نظر القيصرقسطنطين الأول على تلك المدينة وهو في طريقه لقيادة معركة ضد خصومه ، قرر جعلها عاصمة جديدة للإمبراطورية الرومانية ولتكون متروبول ذلك الزمان بدلا  من روما التي دبت بها الشيخوخة ٠إستهوت بيزنطة  قسطنطين لجمال طبيعتها ، موقعها الحصين الذي يجعلها حصنا ً منيعا ً متقدما َ لصيانة الإمبراطورية ضد التهديدات القادمة من الشرق٠
    إقترنت رغبة القيصر بنقل العاصمة من روما إلى بيزنطة بقصص أسطورية نُسجت وراجت حول الموضوع . تقول إحدى الأساطير بأن نية قسطنطين كانت أصلا ًبناء عاصمة جديدة في سهول طروادة ، لكن الله ظهر له في منامه وأمره بجعل بيزنطة عاصمة للإمبراطورية . وتقول اسطورة ثانية بأن النسر حمل قسطنطين على جناحيه وطار به الى مضيق البوسفور ووقف فوق بيزنطة . واسطورة اخرى تقول بظهور البابا سيلفستر لقسطنطين في حلمه طالبا ًمنه نقل العاصمة إلى بيزنطة . بعيدا ً عن التفسيرات الاسطورية هذه وغيرها ، فلقد كانت هناك  ظروف على أرض الواقع ، دفعت قسطنطين للتفكير بنقل العاصمة شرقا ً. في أيطاليا كانت قد إنتشرت الأوبئة التي قادت البلاد إلى وضع  اقتصادي  صعب . ومن الناحية العسكرية إشتدت تهديدات الإمبراطورية الفارسية الساسانية ، خاصة على الأناضول  وأرمينيا بالإضافة إلى تهديدات الأقوام ذات الأصول المغولية  والزاحفة من سهول اواسط آسيا . 
      بالتشاورمع المنجمين والفلكييين حُدد الرابع من تشرين الثاني سنة ٣٢٨ يوما ً للإحتفال بتدشين العاصمة الجديدة . وهو يوم  إستواء الشمس في قوسها مع برج السرطان . لم يكن للتقاليد المسيحية  أي  دور في تحديد يوم الإحتفال بالعاصمة بيزنطة ، بل إن التراث الهيليني والثقافة الإغريقية هي التي لعبت دورها في ذلك . لقد إتخذ القيصر قسطنطين موقفا ًتوفيقيا ً لإرضاء الأطراف الدينية كافة ، وأمر أن يكون اليوبيل الفضي للمدينة سنة ٣٣٠ أي بعد سنتين من بداية  تطوير بيزنطة . لذلك إنطلقت حملة إعمار سريعة  وواسعة ليلا ً ونهارا ً.
    إبتدأ العمل في الجانب الشرقي وعلى ميدان سباق الخيل وما حوله ، وأقيمت في مركز المدينة أربعة أقواس نصر وعلى ساحة واحدة  وبُنيت فوقها قبة وُضع في أعلاها الصليب الأصلي للمسيح والذي جلبته هيلانة والدة القيصرمن أورشليم . وفي منطقة مخصصة سابقا ًللآلهة أفروديت شُيدت أبرشية العاصمة الجديدة . بعد فترة قصيرة شُيدت بجانب الأبرشية  الكنيسة الشهيرة كنيسة الحكمة المقدسة   . وعلى بعد 500 مترا ًوبإتجاه بحر مرمرة أقيم ميدان سباق الخيل للقيصر . 
         أ بقي َ على نصب عمود الأفعى وعلى تمثال الإله أبولو الذي يرمز الى نصر ألإغريق على الفرس في معركة سنة ٤٧٩ ق.م . إلى جهة الغرب من المدينة إمتد شارع رئيس ، وعند نهايته أقيم ملعب كبير شبيه بملعب جرش في الاردن . في وسط الملعب أقيم عمود بأرتفاع ثلاثين مترا َوعلى ارتفاع سبعة أمتارمنه شيد نتوء على شكل منجل وضِعت عليه أشهر التحف والقطع الفريدة مثل الحبل الذي أستخدمه  النبي نوح لسفينته والسلة التي وُضِعَ الخبز الذي وفره المسيح في إحدى عجائبه ، وكذلك وعاء الزيت الذي إستخدمته ماريا المجدلية لمسح وغسل قدمي المسيح . كما وإنتصب بجانب ذلك العمود تمثال للاله أبولو وبجانبه تمثال للقيصر وهو محاط بإكليل يمثل أشعة الشمس ويحمل بيده اليمنى صولجانا ً وباليسرى تفاحة وجزءا ً من الصليب الأصلي للمسيح ، وبذلك تزاوجت الثقافة الإغريقية الهيلينية مع الفكر المسيحي .
       لقد تم نهب الكثيرمن التحف والأعمال الفنية الراقية من أماكنها ونُقلت إلى بيزنطة لتزيينها وجعلها تفوق روما والمدن المشهورة آنذاك زهوا ً وجمالا ً.
       بعد الإنتهاء من إحتفالات تدشين العاصمة وإعطاء المدينة اسما ً جديدا ًهو القسطنطينية تخليدا َ لقسطنطين ، وقام القيصر بزيارة لكنيسة القديسة إرينة ،  وكذلك أدى زيارة لمعبد وثني تعبيرا ً عن حسن النوايا تجاه الديانات القديمة .  إرتقت كنيسة بيزنطة وأصبحت مقرا ً للبطريركية ، ومنذ ذلك الحين بدأت تتعزز وتزداد نفوذا ًعلى حساب الكرسي الرسولي في روما ، خاصة وأن المدينة أصبحت عاصمة للإمبراطورية ومتروبول ذلك الزمان . ولإثبات هويتها الخاصة بها أطلقت على كنيستها تسمية الأرثودوكسية أي الأصولية القويمة ، وبدأ بطريركها ينافس بابا روما ويعد نفسه ندا ً له بعد أن نال دعم القيصر . من جانبها أطلقت روما على كنيستها ولأول مرة تسمية " الكاثوليكية " أي الجامعة والأم سنة ٣٩٥ كونها الكنيسة التي شيدها الرسولان بطرس وبولس .
بعد أن سطع نجم بيزنطة ، بدأت العديد من العائلات الأرستقراطية الرومية وأعضاء مجلس الشيوخ والقادة العسكريين ومالكي الأراضي بالهجرة إليها مسحورين بأبهتها وتجارتها الرائجة وإقتصادها المتنامي .
      لتعزيز أركان المسيحية في القسطنطينية ، جُردت الكثير من المعابد الوثنية من معالم زينتها وأبعدت وجردت من القدسية الإلهية . عُدّت تلك الخطوة ضربة موجعة للديانات الوثنية  وتكريما ً للمسيحة .