الثقافة الشمولية وفلسفة تأليه وعبادة الفرد في
الأنظمة والتنظيمات الشمولية
( تنظيمات وأحزاب شعبنا )
المهندس : خوشابا سولاقا بدءً ذي بدء من المفروض بكل من يتعاطى بالسياسة عليه أن يفهم بأن عصر الأحزاب والأنظمة الشمولية المهيكلة على مبدأ سياقات الضبط الحديدي قد إنتهى منذ ظهور عصر الأنترنيت وإنهيار الأنظمة الشيوعية الشمولية في بلدان أوربا الشرقية بقبضة الأرادة الحرة للشعوب المتطلعة للحرية والأنعتاق من قبضة الدكتاتورية والأستبداد وتم إعادة هيكلة الأنظمة السياسية للدولة والأحزاب التي تقودها وفق المبدأ والفلسفة الديمقراطية باتجاه الديمقراطية الليبرالية كما هو الحال في دول أوربا الغربية وأميريكا وبقية البلدان المتحضرة ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً بعد إنهيار الأنظمة والأحزاب الشيوعية الشمولية ، وعليه نستطيع القول بأن عصر الثقافة الشمولية كبناء فوقي لتلك الأنظمة الشمولية كبنى تحتية للدولة قد بدأ بالتداعي والأنهيار ثم الأنقراض والزوال من غير رجعة ، إلا أن ذلك يتطلب بعض الوقت أطول مما يحتاجه بناء البنى التحتية للأنظمة الديمقراطية الجديدة ، لأن الثقافة الديمقراطية القائمة على مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر وعدم كم الأفواه وإسكات الأراء الحرة تكون بطبيعة الحال هي البناء الفوقي للأنظمة الجديدة ، ولكن ذلك سوف يحصل حتماً بعد حينِ من الزمن من إنهيار هياكل الأنظمة السياسية للدول والأحزاب الديكتاتورية وإنطلاق الأنظمة السياسية والأحزاب الديمقراطية الجديدة .. لذلك يستوجب على من بنوا ثقافتهم السياسية والحزبية وحتى الأجتماعية على وفق مبادئ الفكر الشمولي والثقافة الشمولية إعادة النظر بثقافتهم تلك لأن تلك الثقافة قد أصبحت خارج العصر والزمن ، لأن حاملي تلك الثقافة سوف لايستطيعون من السباحة ضد التيار الجارف للفكر الديمقراطي الحر القائم على مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر في ظل توفر وسائل الأعلام الحرة المفتوحة للجماهير الشعبية في عصر الأنترنيت والأقمارالأصطناعية التي جعلت من الكرة الأرضية مجرد قرية صغيرة تحت أنظارنا من أقصاها الى أقصاها على مدار الساعة بعيداً عن دهاليز وقنوات وقواعد وسياقات التنظيمات ذات الضبط الحديدي السيئة الصيت المعتمده في الأحزاب الشمولية ، أحزاب مقبرة الأفكار الحرة وحرية الفرد والأرادة المستقلة ، في التنظيمات الشمولية عادة الأفراد فيها تفكر بعقل رأس الهرم وتتكلم بلسانه عن الحق والباطل من دون تفكير حر يجسد إرادتهم الشخصية ، حيث يكون الفرد فيها مجرد بيدق على رقعة الشطرنج تحركه أصابع رأس الهرم في الدولة أو في الحزب كما يشاء ..
بالتأكيد أن سيادة الثقافة الشمولية في النظام السياسي للدولة الشمولية أو في صفوف التنظيم الحزبي الشمولي يؤدي بطبيعة الحال الى نشوء ثقافة تأليه وتقديس وعبادة الفرد الرمز الذي يكون عادةً رأس الهرم في الدولة أو رأس الهرم في التنظيم الحزبي ، وعندها يكون المديح والتبجيل لرأس الهرم كائن من يكون واجب مقدس للجميع ، وإنتقاده خط أحمر لا يجوز التجاوز عليه من قبل كائن من يكون مهما علا شأنه ومكانته في الدولة أو في الحزب ، ومن يفعل يكون مصيره الموت المحتم في أنظمة الحكم الديكتاتورية الشمولية ، والفصل والطرد من صفوف التنظيمات الحزبية الشمولية ثم التصفية الجسدية لاحقاً إذا إقتضى الأمر وتوفرت الأمكانية وسُمحت الظروف لذلك ، ويصبح كل ما يقوله ويصرح به رأس الهرم هي الحقيقة المطلقة الكاملة التي يكون من واجب الجميع أن تترددها كالببغاء من دون تفكير ، ومن يقول وينطق بغير ذلك يكون قد كفر بأقدس المقدسات ومبادئ التنظيم السياسي الحزبي أو بقانون نظام الحكم الديكتاتوري ويستحق الموت على كفره حسب شريعة الفكر الشمولي ..
إن الثقافة الشمولية التي تنتج الديكتاتورية الأستبدادية الفردية التي تصادر الفكر والأرادة الإنسانية للفرد على مستوى أنظمة الحكم للدولة أو على مستوى التنظيمات الحزبية تحول الأفراد فيها الى أقراص مدمجة لا تستوعب إلا فكر الشخص الرمز القائد ، وتعتبر القائد الرمز في فلسفتها هو نظام الحكم وهو الدولة ، أو هو الحزب السياسي ، وعليه فان معارضة الشخص القائد في الدولة أو في الحزب هي معارضة للدولة أو هي معارضة للحزب ، وكأن الدولة مختزلة في شخص رأسها القائد الرمز الهمام ، وان الحزب مختزل في شخص رأس الهرم التنظيمي الذي هو سكرتيره العام أو رئيسه ، والبقية الباقية من العاملين هم مجرد رعايا ، كأن وجودهم وعدمه لا فرق بينهما ، هذا النمط من الثقافة هي ثقافة إسقاط إنسانية الإنسان وتمسيخ لكيانه الخلاق وتحجيم لمبادراته في الخلق والأبداع ، أي بمعنى آخر أن الثقافة الشمولية تبتغي إلغاء الفرد بمصادرة حريته وإرادته ودمجه وصهره في شخص الرأس الرمز للدولة أو للتنظيم الحزبي ..
إن الغرض من كتابتي لهذا المقال هو لأن أقول لبعض الأخوة الأعزاء من الكتاب من أبناء شعبنا الذين ينشرون مقالاتهم في هذا الموقع الكريم ممن يدعو الى إعتماد الحلول التوفيقية ونهج السياسة الوسطية بين المواقف المتعارضة وأحياناً بين الحق والباطل لما يتم كتابته من قبل الآخرين ممن يتبعون في كتاباتهم نهج الخطاب المباشر عبر وسائل الأعلام الشعبية الحرة والمفتوحة لطرح أرائهم وتوجيه إنتقاداتهم اللاذعة والمباشرة عن الممارسات الخاطئة والمنحرفة لبعض أحزاب شعبنا أو لبعض قياداتها يطالبونهم بإعتماد السياقات والقنوات الحزبية من خلال التنظيم الحزبي بدلاً من اللجوء الى وسائل الأعلام الشعبية الحرة والمفتوحة . أقول لهؤلاء الأخوة الكتاب الناصحين والمحبين والحريصين على مصالح شعبنا إن الأمر ليس بتلك البساطة التي تعتقدون بل هو أعقد من ذلك من وجهة النظر السياسية العملية ، لأن النقد من خلال القنوات الحزبية والسياقات التنظيمية المعروفة في الأحزاب الشمولية ضد الممارسات الخاطئة والمنحرفة وحتى ممارسات الخيانة للمبادئ والمصالح القومية للأمة لبعض للقيادات المتنفذة لا جدوى منه ولا يصل الى حيث يجب أن يصل من خلال تلك السياقات التنظيمية ، لأن نفوذ القيادات المتنفذة تقمع الأراء الحرة وتمنعها من الوصول الى حيث يجب أن تصل قبل أن تنطلق ، ويتم تصفية أصحابها بوسائل شتى قبل أن يكون لها شيء من التأثير إن أمكن ذلك بقدرة قادر .. !!! لأن النقد البناء الذي يؤدي الى تغيير في نهج القيادات المتنفذة غير مسموح به ضد القيادات الفردية المقدسة في التنظيمات الحزبية الشمولية المشبعة لحد النخاع بالثقافة الشمولية الأقصائية وثقافة تأليه وتقديس وعبادة الفرد الذي يجلس على رأس الهرم التنظيمي ، وهذه كانت وستبقى مشكلة مشاكل الكتاب والعناصر من أصحاب الرأي الحر الذين يؤمنون بحرية الرأي وحرية الفرد داخل مثل هكذا تنظيمات ، وما يمر به العراق اليوم عبر تجربته الوليدة لبناء الديمقراطية غير مثال حي على سموم الفكر الشمولي الأقصائي والثقافة الشمولية في إعادة إنتاج الديكتاتورية في الدولة والأحزاب السياسية والكتل البرلمانية .. وما يسمى بالسياقات والقواعد والقنوات التنظيمية الحزبية لتناول عرض الأفكار والأراء المتخالفة والتي تقدسها القيادات المستبدة برأيها وسلطتها وهيمنتها على القرار لبلورة الرأي الموحد من خلال التنظيم ما هي إلا فلسفة سخيفة تعتمد من قبل المستبدين لشرعنة وتبرءة إستبداديتهم وديكتاتوريتهم وإنفرادهم بالقرار السياسي في التنظيم لقمع الأراء الحرة المعارضة لنهجهم وكم أفواه أصحابها وبالتالي إقصائهم لصالح إستمرار الديكتاتورية الشمولية الأقصائية ذاتها على رأس الهرم التنظيمي للحزب وتحميل أصحاب الأراء المعارضة مسؤولية كل الأخفاقات والتداعيات والتراجعات التي حصلت في مسيرة تلك التنظيمات ، أي بمعنى آخر تبديل مواقع الجلاد والضحية في العملية حيث يتحويل الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد ، كل ذلك يجري تحت ستار حماية الشرعية التنظيمية وسياقاتها وقواعدها في العمل الحزبي من دون النظر الى النتائج المتحققة في نهاية المطاف ، وأما الحال فيما يخص الكونفرنسات والمؤتمرات الحزبية العامة المعروفة نتائجها سلفاً والتي فيها من المفروض ان يتم تقييم المرحلة السابقة من مسيرة التنظيم وتجاوز كل الأخطاء والاخفاقات التي حصلت وتخطط للمرحلة اللاحقة من عمل التنظيم فما هي في الحقيقة إلا مسرحية هزلية غايتها شرعنة إعادة إنتخاب نفس القيادات المتنفذة السابقة وبالأخص رأس الهرم في التنظيم بإستثناء من يرغب منهم الأبتعاد وإقصاء من كان له صوت معارض وإبعادهم عن أي دور مستقبلاً في المشاركة في رسم السياسات العامة للتنظيم والتشهير بهم بغرض إسقاطهم سياسياً وإتهامهم بخيانة مبادئ التنظيم وأهدافه كل هذه السيناريوهات يتم الأعداد لها بدقة مسبقاً من قبل القيادة الحاكمة صاحبة القرار الأعلى ، وعليه لا يمكن أن يأتي التغيير والأصلاح السياسي الشامل في التنظيم من خلال هكذا آليات متخلفة ، بينما الذهاب الى وسائل الأعلام الشعبية الحرة في توجيه الانتقادات وطرح الأراء المعارضة يشكل بحد ذاته عملية العودة الى الجماهير الشعبية مصدر قوة التنظيمات الحزبية وفق مبدأ المصارحة والمكاشفة والشفافية لأطلاعها على كل ما يجري داخل التنظيمات السياسية ومن ثم الأحتكام إليها لتصدر حكمها العادل بحق من يستحق الثواب وبحق من يستحق العقاب .. لماذا نخاف من حكم الجماهير التي هي الغاية والوسيلة في مناهج وبرامج الاحزاب السياسية لشعبنا كما تدعي طالما هي صادقة في قولها وفعلها وسلوكها وشفافة في طرحها مع الجماهير .. ؟؟ لماذا نصف عملية التواصل مع الجماهير عبر وسائل الأعلام الشعبية الحرة المفتوحة بأطلاعها على ما يجري داخل الأحزاب بأنها عملية نشر الغسيل الوسخ عبر الأعلام المفتوح للجماهير. ؟ لماذا يجب علينا التستر على هذا الغسيل إذا كان غسيلاً وسخاً فعلاً أليس من الأحرى بنا أن نكشف ونعري أصحابه ومسببيه للجماهير للقصاص منهم .. ؟ أليس المطلوب منا أن نكون صريحين وصادقين مع جماهيرنا لنعزز ثقتهم بنا ونقوي تمسكهم باحزابنا وتعظيم دورهم في دعمنا ومساندتنا في كل ما يتطلبه عملنا الحزبي لتحقيق أهدافنا .. ؟؟ أليس من حق الجماهير أن تعرف الحقائق داخل التنظيمات السياسية كما هي من دون تضليلهم وخداعهم .. ؟؟ ما العيب في مصارحة ومكاشفة الجماهير بشفافية .. ؟؟ ، أنا من وجهة نظري المتواضعة أجد في اللجوء الى وسائل الأعلام الشعبية للتعاطي والتواصل مع الجماهير بكل شأن من الشؤون السياسية المتعلقة بمصالحها القومية هي قِمة الممارسة الديمقراطية وقِمة المصارحة والمكاشفة المباشرة التي تؤدي الى فضح المقصرين بحقها وإيقافهم عند حدهم ومنعهم من التمادي من الأستمرار فيما هم عليه من الممارسات والأنحرافات التي تضر بمصلحة الحزب والأمة وليس العكس كما يتصور بعض الأخوة الكتاب الذين لديهم تحفظات على هذا الأسلوب .. فإذا كان ما يوجه من النقد من قبل البعض ضد البعض الآخر في قيادات هذه التنظيمات غير دقيق وغير منصف وفيه شيء من الظلم عليهم ونوع من التشهير بهم الغير مستند الى وقائع ووثائق الثبوت ، على ذلك البعض الآخر وهذا من حقهم طبعاً أن يُقدم وينشر عبر نفس وسائل الأعلام ما عنده مما يُكذب وينفي ما كُتبَ وما نُشر عنه ويثبت العكس للرأي العام ، عندها يكون رأي الجماهير هو المعول عليه وهو القرار الفيصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود وبين الحق والباطل بدلاً من اللجوء الى وسائل أخرى من باب الأستقواء بالآخرين من الغرباء وإستخدام النفوذ والمنصب للأنتقام ، أو باستجداء عطف البسطاء من الناس تحت غطاء البكاء على شرعية السياقات والقواعد التنظيمية في توجيه الأنتقادات وطرح الأراء المعاضة لتقويم الممارسات الخاطئة والأنحرافات والخيانات الصادرة من بعض القيادات العليا في التنظيمات السياسية الشمولية .. لماذا لايقبلون هؤلاء البعض ممن يخاف النقد ويهابه بالمصارحة والمكاشفة وإعتماد المعايير العلمية بديلاً لتجاوز وحل الأشكالات داخل التنظيمات أمام محكمة الجماهير الشعبية التي هي مصدر قوتهم إذا كانت النوايا صادقة وحسنة والأعمال مكشوفة تحت الشمس والمصالح والغايات الشخصية معدومة .. ؟؟ إن الحاجة تنتفي الى اللجوء الى وسائل الأعلام الشعبية الحرة في نشر الأفكار والأراء المعارضة والأنتقادات في التنظيمات الشمولية متى ما تتخلى هذه التنظيمات عن الثقافة الشمولية ونهج السياسة الأستبدادية الديكتاتورية وفلسفة تقديس وتأليه وعبادة الفرد الرمز الجالس على رأس الهرم التنظيمي والتعويض عن ذلك بالثقافة الديمقراطية ونهج القيادة الجماعية الحقيقية الصادقة مع جماهيرها في توجيه دفة العمل في أحزابها ، والتواصل المباشر مع قيادات وكوادر التنظيم في مختلف المستويات التنظيمية ومع الجماهير الشعبية عبر سياسة المصارحة والمكاشفة ، عندها سوف لا يكون هناك غسيل وسخ يتطلب نشره أو التستر عليه خوفاً على السيد الذي يتربع على رأس الهرم التنظيمي لكي لا تكشف عورته للملئ ، ولكي لا يضطر لأنقاذ نفسه من سهام الآخرين ومن طائلة المحاسبة القانونية جراء تجاوزاته الى التشبث بالسياقات والقواعد والقنوات التنظيمية التي أصبحت في خبر كان من دون جدوى في عصر الأنترنيت والأقمار الأصطناعية التي جعلت من العالم كما قلنا قرية صغيرة تحت النظر والمراقبة ، لا يمكن في ظل هذه الوسائل الأعلامية العملاقة لجمع ونشر وخزن المعلومات تغطية أي سر من أسرار السياسة ، أقول هذا للذين يعيشون في هذا الزمان وليس للذين ما زالوا يعيشون في كهوف الماضي وليكن الله في عونهم ، متى سيلتحق هؤلاء بالركب المتقدم نحو المستقبل بسرعة الضوء ...