المحرر موضوع: ليلة سقوط بغداد  (زيارة 668 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خالد شعيا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 95
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ليلة سقوط بغداد
« في: 05:40 09/04/2013 »
                                             ليلة سقوط بغداد
الكل هنا مترقبون, والاطفال خائفون, والشيوخ مهمومون فما عساهم يفعلون,
ظلام دامس في كل مكان خوف وترقب وقلق, قليل فقط هم الذين يعرفون, ما الذي يدور في افكار المهاجمون,
في المقابل فهل رعاتنا لحجم الهول مدركون؟ ام انهم كالعادة شعارات, بيانات واصوات عالية فقط لعلهم يخففون,
الكل هنا مراقبون وقلقون وعقارب الساعة مسرعة في الدوران وكأنها هي الاخرى خائفة ومضطربة من الهوان الذي سيحل بلا شك في كل مكان وفي كل ركن من الاركان.
نعم لانها ليست جديدة علينا فلنا معها لقاء في كل عام من الاعوام, بعد ان شاء القدر ان نعيش تحت حكم ليس كبقية الاحكام, ولا مثيل له في عالم الاحلام.
صراخ وعويل وجدل هنا وهناك, هروب واضطراب مع اقتراب امطار الغزاة.
بعضهم ذهب ليبتاع له زيتا اضافيا لعله يستطيع ان يوقد سراجا اوبصيصا لاهله المرعوبون,
بعضهم بحث في الاسواق طويلا لعله يجد ما يسد رمق اطفاله الجائعون, من الذي تبقى على تلك الرفوف التي شهدت نزيفا من المخزون,
بعضهم يجهل مصير ابنائه الذين ذهبوا لملاقات اعدائهم ولكنهم لا يحملون شيأ يقيهم من الرعود التي ستنهال على رؤوسهم.
وبعضهم وجد ضالته في العبث او المساس بما ليس لهم اومن حقهم ان يتصرفون.
البقية من السكان هم في الاحياء والبيوت ساكنون, لا يعرفون بأي شيء يتكلمون, وماذا سيكون مصيرهم بعد حين, يهمسون يراقبون فهو كل ما تبقى لهم من ظنون,
هل هي ساعات الوداع والفراق ام انها ساعات اليأس من البقاء, فالكل خائف وقلق في ذاته والكل محتار في امره ويجهل ايضا مصيره ولا يستطيع ان يحرك ساكنا من حوله,
فقد انقطعت الاوصال عن بعضها وتشتت الافكار وتبخرت من جماجمها, واصبحت الاحلام والامال شيء من ماضيها, والعين لا ترى الا السواد من الوانها.
تسارعت الاحداث اكثر فاكثر وبدأت الرعود تنهال في مواقعها وحسب مخططاتها دون تمييز اوتحديد لمستوى طبقاتها, فتوقفت القلوب قليلا عن نبضاتها, ولولا فسحة الامل لاعلنت عن نهايتها, فبأس الحياة التي تكون مرهونة بيد أثمة اختارت طريقا بعيدا عن خالقها,
صراخ وعويل وانين يعلو ويعلو في كل مكان وحتى في اضيق طرقاتها, حرائق ودمار وابنية تنهار على اصحابها, اختلطت الاشلاء وتناثرت الجثث واصبح من الصعب جدا تجميع اجزائها, او التعرف على اصحابها لتسهيل ان امكن دفنها,
تحول اليل الى نهار, نهار ولكن بدون جمال, والعطر ايضا ابتعد عن الازهار, فتوارت هي الاخرى عن الانظار, وتوقفت فجأة مياه الانهارعن الجريان, ونظرت من حولها واعتذرت من الاشجار, وطيور الامس الذين كانوا يتسابقون ويغردون لجمال بغداد, اصبحوا اليوم واقفين مذهولين معلنين الحداد.فأين شموخك يا بغداد فالكل تخلى عنك وفضل الابتعاد والكل توارى خاجلا من الذي سيصيب البلاد, وحتى الاعراب الذين كانوا يأتون هاربين يحتمون بضلالك, ها هم اليوم يوجهون سهامهم من خارج اسوارك, ليقتلوا من حالفهم الحظ ونجى من اعدائك, ورعاتك تفرقوا وهربوا باحثين عن جحور ليحتموا فيها من نيرانك, ولم يبقى في الساحات والطرقات الا نخيلك الذي وقف متواضعا يراقب عن كثب احداثك, لعله يستطيع ان ينقذ شيأ من دمارك, او يمسح دمعة من وجهك, ليعيد رسم ضحكة على وجه اطفالك,
اختلط كل شيء في ليل بغداد, وانقض الاعداء على البلاد, فقتلوا من قتلوا وهجروا وشتتوا واستباحوا اماكن الصلاة.
دخلوا رافعين رايات تعلن عن نصرهم, ومن تحتهم انهار دم لشعب ازهقت ارواحهم.
دخلوا ملوحين لمن تبقى من اعوانهم, بأنهم محررين منقذين من ظلم حكامهم, وكأنهم قد منحوا لنفسهم حقا ليس من حقوقهم.
تسأل البعض منهم, لما كل هذا القتل وكل هذا الدمار, هل كان يستحق العناء وعبور البحار؟ فلم يجدوا جوابا شافيا يقنعون به نفسهم بعد طول انتظار, ولم يجدوا ما كان دافعا واوهموا العالم عن اسلحة الدمار.
فوقفوا حائرين مشككين في فرحة الانتصار, وهل ما فعلوه من قتل وخراب ودمار كان حقا يستحق هذا المرار,
فأتاهم الجواب مسرعا قبل ان تنهار معنوياتهم مجددا,
اذهبوا الى وسط بغداد فستجدون تمثالا مترهلا واقفا ورافعا يده ولكن ليس بثبات, فهو كل ما تبقى من هذه البلاد ومن تاريخا طويلا طالما تغنى بامجاد,
اسقطوه واسدلوا الستار عن بغداد وامسحوها من خارطة العالم, هي في الاساس من رسم علماء بغداد, ليكتمل بها فصل من فصول الظلم والاستبداد, ويطول اليل ويشتد ظلامه ليكون ليلا يستحق ان يكون .....................ليلة سقوط بغداد             
                                                                                        خالد شعيا
                                                                                    ساسكاتون - كندا