لأنها نينوى و ليست ............ نينوس
حان وقت الغداء و لم أزل ملازمة غرفتي التي لم أغادرها مذ تلقيت تلك المكالمة .
لم أتناول طعام الإفطار هذا الصباح ....تناديني أمي للمرة الثانية فالثالثة :
- سيبرد الطعام يا نينورتا
ربما أثرت قلقها فوضعي غير طبيعي هذا اليوم .
تقتحم باب غرفتي , تسألني :
- ما بك ؟ ما الذي يشغل بالك منذ الصباح .
- لا شيء .
مسكينة أمي و كأنها قد نسيت كل ما تفوهت به صباحا , مسكينة هي لأنها لا تدرك ما تقول بل لا تدرك أحياناً ما يحق لها إذ كثيرا ما تحاسب ذاتها بذاتها , وتطالب نفسها بما لا يطالبها به زوجها أو حتى أبوها أو أخوها أو ..........
ظلت طوال الأمس فرحة تحادث خيالها بين الحين و الآخر ,فمنذ أن أطلعها أبي على نبأ زواج خالها الأرمل (نينوس) و علامات البهجة والاندهاش لا تفارق وجهها :
- الحمد و الشكر لله ... و أخيرا أيقن خالي الحبيب أنه ما زال شابا , فلم يتجاوز الستين بعد و لا يجوز له أن يظل حابساً نفسه في زنزانة الماضي و ذكرياته مع (أم سركون ) رحمها الله ,فقد كبر أولاده وكل منهم سيذهب في حال سبيله فإن تمكن من عبور الشباب مترملا فلا أظنه قادرا على تحمل مشاق الشيخوخة وحيدا بلا امرأة ترعاه و تدلـله .
كلمتنا صباح اليوم (أم نينوى) قريبة أمي تدعونا لحضور إكليل ابنتها التي ترملت منذ ستة عشر عاماً إثر حادث أليم أودى بحياة زوجها ,غير أنه لم يرق لأمي سماع هذا الخبر(الغريب ) بل على العكس تماماً تجهم وجهها و تغيرت ملامحها وأخذت تتمتم :
- نساء اليوم لا يستحين ... لقد نشفت دماء الحياء من عروقهن و كأنهن لا يصدقن متى يتوفى أزواجهن حتى يتسنى لهن الزواج ثانية و إلا فكيف لا تخجل أرملة ناهزت الأربعين مثل نينوى على مضاجعة رجل آخر إن كان لا ينقصها لا مال ولا بنين ؟. أليس الأولى بها أن تبدأ بالبحث عن عرسان لابنتيها ؟؟ أرى أنهما قد بلغتا ...........
في الحقيقة ليست أمي الوحيدة التي استنكرت فكرة قران نينوى هذه بل أعربت جارتنا أيضا عن سخطها و استيائها من هذا التصرف و جعلت تضرب المثل بمن أمضت حياتها أرملة . أما بالنسبة إلي فما كان بوسعي إلا أن أقف مذهولة عاجزة عن فك رموز هذه المعادلة غير العادلة و عن فهم سبب هذه المفارقة المبهمة و عدت أتساءل ثانية ...
- لماذا ؟؟ لماذا لا يحق لنينوى أن تعيش ما تبقى من شبابها بهناء ؟ لم عليها أن تطمر نفسها حية إن كان لا يجوز لنينوس ذلك !
وكيف ؟؟ كيف ستقضي (نينوى) شيخوختها ؟؟ مع خيالها, تؤنسها الوحدة أم صورة زوجها الخالدة في مخيلتها ؟؟
ثم من ؟؟من سيحميها من غدر الزمان و من سيشعرها بوجودها و من سيرعى أنوثتها التي تذبل يوما بعد يوم ؟؟ أم لا يحق لها كل هذا !!
ربما لأنها نينوى وليست ........... نينوس .
نهرين كورو